الصفحات

2013/08/13

عبد القادر كعبان يحاور سعاد محمود الأمين


حوار مع القاصة السودانية سعاد محمود الأمين
من إعداد عبد القادر كعبان من الجزائر
سعاد محمود الأمين قاصة متميزة، تغلف نصوصها الأدبية بلغة سلسة و راقية، صدرت لها مجموعة قصصية أولى عن دار السندباد للنشر و التوزيع بالقاهرة تحت عنوان "ظل سور المسجد الكبير" حيث تنتمي هذه القصص لأدب النزوح أين تضع القاصة شخصياتها من شريحة المشردين تحت دائرة الضوء.
كان هذا الحوار الشيق مع المبدعة سعاد محمود الأمين لرصد أبرز المحطات في تجربتها القصصية:
كيف تقدم سعاد الأمين نفسها للقارئ؟
قاصة تقدر كرامة الإنسان أينما كان،  اللون والجنس والبلد والحالة المادية والإجتماعية لاتمثل لى  فوارق أقيس عليها وأفاضل بين بني البشر.الإنسانية تحكم  مبادئ ونهجي الذى أُسيّر به حياتي.. أقف مع مظلوم ماستطعت لذلك سبيلا حتى أنصره، أبذل النفس والنفيس فى إحقاق الحق.لا أكتم شهادة ولا أبخل بمال، ولاوقت فى سبيل رد الحق الضائع للمظلوم.. انتهجت الكتابة الأدبية حتى أصل صوت من لا يسمع له بأحداث سمعتها ، شهادتها  واقع، بصوت الضعفاء والمهمشين والمهجرين والمشردين الذين لم يختاروا  مصائرهم وجدوا  أنفسهم هكذا.. لم يختاروا ألوانهم أو بلدانهم أوحكامهم، تسحقهم  قوى البطش من الإنسان الذى يمتلك القوة فيشعل الحروب من أجل ذاته المتضخمة. أو الطبيعة حين تزلزل وتفجر غضبها فتهدر كرامتهم..لذلك أقدم نفسي أنا سعاد محمود الأمين نصيرة الإنسان المهدور الكرامة المظلوم، دون ذنب فقط  بسبب لونه أو دينه أو عرقه أو موطنه.كوكب الأرض يسعنا جميعنا والكرامة والحرية لنا ولغيرنا.
كيف تفتح برعم الكتابة  لديك؟
نشأت فى بيت كانت القراءة والكتاب فيه بأهمية الطعام والشراب والدواء، الوالد رحمه الله مدرس كل ما أتذكره أتذكر صورته يحمل كتابا بين يديه. فى القانون فى الإقتصاد فى علم النفس والرويات العالمية والفلسفة كانت مكتبته جامعة.. فى طفولتنا يمنحنا مصروف كل نهاية أسبوع لشراء  الكتب والمجلات،  ولا أنسى حين عودته من بيروت أن أهدانا  مجموعة كامل كيلانى للأطفال كاملة..تواجدى فى هذا المناخ أثرى خيالي مبكرا.وفى المدرسة  المتوسطة  كانت مادتي اللغة العربية والتاريخ عشقى الأول...تُقرأ قصصي أمام التلميذات فى درس التعبير، تللك العبارة التي كتبها مدرس اللغة العربية  على كراسة التعبير(تبشرين بقاصة ماهرة) لها أثر فى نفسي، وكان يثني على كتاباتي ويشجعني فى المضي قدما.أكتب واقرأ لصديقاتى ما أكتب. من قصص وحكايات  شعبية  كان لجَدِتي أيضا دورا فى أثراء مخيلتى بحكاياتها الخيالية.


 لماذا اتجهت للقصة بصورة رئيسية هل لأنها أكثر قوة فى التعبير والأفكار؟
أكتب فى القصة القصيرة والقصيرة جدا والرواية وأدب الأطفال
أجد  فى القص نفسي: أولا  فضاء واسع للتعبير، ومتعة لا حدود لها فى العيش مع شخوص القصة وأحداثها أحل كل  مشاكلهم بقلمي.. القص بحر أمواجه متنوعة العصوف.. لا أشعر بالملل أو الزمن وأنا أغوص فى  خضمه.. ولا اخشى الغرق.
حدثينا عن تفاصيل  باكورتك القصصية "ظل سور المسجد الكبير"؟
خروجها إلى النور كان مخاضا عسيرا.. أجمع فيها من قصاصات كتبتها اثناء مرورى أو مشاهدتي لهؤلاء البشر الذين يرونا ولانراهم.. يشعرون بمرورنا ولانأبه لهم.. يحملون عبء تواجدهم الإجبارى فى الزمان والمكان..أستغرقت عامين. وأنا أعالج .. قضيتها وصياغتها حتى ترضينى ,أعود غير مقتنعة بها ثم  أتركها زمنا ثم أعود لتنقيحها أريدها قوية تسمع الصم.. وآمل ذلك..
لماذا نلاحظ انشغالك فى مجمل قصصك بالمشردين والنازحين ؟
 لأنهم شريحة مستضعفة، اشعر بآلامهم فأعبر عنها بالكتابة حتى أشرك القارئ فى المأساة الإنسانية المغيبة عن المشهد . أنظر يأتى النازحون من بلدانهم  داخل وطنهم مُهجرين قسرا لأسباب  صنعها الإنسان المستبد، مثل الحروب، والعبث بمكونات الطبيعة، فيأتى الجفاف والتصحر والمجاعة  وهذا نتاج حتمى لترك الديار.. المدينة غول يبتلعهم فلا نصير لديهم لا الأسر مجتمعة تؤآزر بعضها ولا الحكومات تهتم لهؤلاء.. لكل نازح قصة تملأ مئات الصفحات منذ نزوحه وترك دياره يقتلع جذوره ويمضى للمجهول...شاهدتهم التقيتهم استمعت لهم زرتهم فى أطراف المدينة حيث السكن العشوائى، أناس كان لهم عز وكرامة، ولكن النزوح يخرج أسوأ ما فى النفس البشرية، يأتى النازح مشردا لا مأوى له ثم متسولا تهدركرامته فيصبح حاقدا فيرتكب الجنح فيصبح مجرما مطاردا..هذه الشريحة تأسرنى وتقتلنى ألف مرة حين أمربهم ...مجتمع  غير مرئى مثخن بالجراح، فقدان الأحبة والديار مقابل مجتمع متخم ينوم ويصحى على وسائد الطرب.. الأموال التي تمنحها دول العالم الحر المتمدن، لحكوماتهم تنفق فى مؤتمرات وسفريات وفنادق لحل  مشاكلهم.. لذلك سخرت قلمى لكتابة سيرة حياتهم وهذا أضعف الايمان..
هل يمكن القول إن  مجموعتك  القصصية الأولى ذات صبغة إجتماعية؟
نعم.. ترفع الستار عن الوجه الآخر للمجتمع.. أناس منبوذين بسبب ظروف خارجة عن إرادتهم  مجتمع المدينة يرفضهم لبؤسهم.. بما أن المدينة جزء من وطنهم وهم مواطنون صالحون  يحق لهم العيشة بكرامة  على تراب وطنهم.. اتساءل دائما لماذا يصادر حق النازح فى العيش الكريم؟ المجموعة تكشف زيف المجتمع .
هل قصتك "شارع الزمن الجميل" لها علاقة بذكريات الطفولة؟
شارع واقعي  يمتد داخل حي جميل..مررت به فى مسيرة طفولتي... كان  أهل الحى كالأسرة الواحدة..لذلك من يعبر هذا الشارع فى ذلك الحى المتفرد يصبح جزء من نسيجه الإجتماعي العظيم..متشرد هذا الشارع الجميل كان محظوظا..غمر بالعواطف وذاب فى نسيجه. ضحكنا معه وتعطفنا معه.. كان مثل الأخ فقط يقضى ليلته فى العراء ونحن فى المنازل.
هل  تعتقدين فى صحة ما يذهب إليه البعض من أن الرواية أكثر ملائمة لإيقاع هذا العصر؟
لا أعتقد ذلك.. لأن نفس القارئ أصبح قصيرا.. وصبره قليل.. وأهمال دور التعليم للتعريف بهذا الجنس الأدبى وخلو مكتبات المدارس وقلة تشجيع القراءة.. واحتلت  الشبكة العنكبوتية مجال التثقيف والترفيه أضافة لتصدر الصورة والصوت فى الفضائيات...  هناك غزارة فى إنتاج الروايات  تتبعها قلة فى عدد القراء.
 هل ازدهار الرواية جاء خصما على القصة القصيرة؟
لا لكل جنس أدبى عشاقه من الأدباء والقراء.. فى التواجد فى المكتبات يكاد يكونا متماثلتين.
كيف تنظرين إلى النخبة المثقفة والثورات؟
النخبة المثقفة مميزة وفعالة.. ويرجى منها الكثير فى قيادة الشعوب التى خلعت عنها رداء الظلم بالدم ممثلة فى ثورات الربيع العربى..ولكن مازال يشوب حوارهم التحزب والتشرذم و الدكتاتورية وقهر الآخر المختلف  بجدال لا طائل منه. نشاهده على الشاشات.. (دكتاتورية النخبة المثقفة).. لابد للنخبة المثقفة التى يرجى منها حمل مشاعل التنوير للشعوب لقهر الظلام بعد أن قهروا الظلم أن يتركوا الجدال.حتى يستطيعوا انتخاب حكام يرجى منهم الأصلاح والعدل والمساواة ومحاربة الفساد.. وتصبح الشعوب مستنيرة بنخبها المثقفة.
ماهو تقييمك لكتابة المرأة العربية؟
الوعى الجمعى للمجتمعات العربية ذكورى.. حاصروا المرأة بأنوثتها فقتلوا فيها الفكر الحر...تنحصر كتاباتها حول ظلم المجتمع لها وخاصة ظلم الرجل والحب والخيانة..والأديبة التى تخرج عن المألوف وتحاول أن تقترب من مناطق العيب والحرام لتصف لحظة حميمة تجد هجوما عنيفا ربما تهديدا. كأنها خرجت عارية. الأديب الرجل يكتب مايشاء. الأديبة العربية مثقفة وذات قلم باهر ولكنها لم تخرج خارج منطقة راحتها  الا قليلا...كتبت نص (عند مغرب الشمس) متقمصة شخوص شباب أرادوا الهجرة السرية.. قال بعض الأدباء والقراء هذه كتابة ذكورية..استحالة أن تكون  كتابة امرأة، فصار جدالا فبرر أحدهم.قائلا: لأن الموضوع خرج عن مضمون الكتابة النسوية السائد ..المجتمع الرجل ،الحب، الخيانة..وتناول موضوع هجرة الشباب وتروى الكاتبة بلسان الرجل..بالرغم من أن هناك من يقول لاتمييز فى الأدب  ولكن بحكم الدراسات تختلف  الكتابة.
أتمنى للأديبات العربيات الإزدهار و التقدم. وفك الحصار الذكورى وتحرير الفكر.
كيف تتعامل سعاد الأمين مع التكنولوجيا الثقافية:هل تستخدم النت؟ مارأيك فى المدونات و تحويلها إلى كتاب؟
احساسى بالوقت عميق.. لم أجعلها تسيطر على كل وقتي..أتعامل مع النت عند كتابة النصوص ومتابعة المواقع الأدبية للمشاركة، لمتابعة البحوث خاصة عملي ودراستي..لا أحب مواقع التواصل ولا الثرثرة ولا أزعج نفسى بما يدور خارج نطاق اهتماماتي الوقت غالى غالى لن يعود أن قطعنا ومضى ولم نحقق فيه مايفيدنا فى الحياة ويرقى  بنا أخلاقيا وعلميا وعمليا...لذلك لم يأخذني العالم الإفتراضى عن الواقع face to faceولكن تجدنى حزينة لهذا الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا وهدر الوقت  والبعد عن الواقع.(الوقت كالسيف إذا لم تقطعه قطعك).. أتابع مدونات رائعة توثق للعلوم والآداب والفنون أحى من هنا الأديب أحمد طوسون على مدونته الموسوعة الجامعة..ويمكن تحويل المدونة إلى كتاب.
كلمة الختام للقارئ..
شكرا للقراء اينما كانوا هم مشاعل النور الذى يضئ للأديب طريقه..كما أوصى بالرفق على الإنسان المقهور حيثما كان نازحا أو لاجئا أو أسيرا أو سجينا مدوا لهم يد العون ما استطعتم.. لأن قهر الانسان هو موت  بطئ وللكرامة جرح مؤلم لايشفيه الزمن.. ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق