الصفحات

2013/09/17

راديو جدتى الخشبى.. قصة بقلم: جلاء الطيري

راديو جدتى الخشبى
جلاء الطيري

فوق سطح بيتنا لم أعرف له استخداما حملته بين يدي نظرت له نظرة متفحصة كان يوماً شديد الحرارة فى نهار رمضان وحين سحبت الشمس آخر شعاع لها وقبل الأذان امسكتُ به رفعته بين يدى وضعت البوق على فمى وأذنت كما يفعل مؤذن المسجد ،صعدت جدتى امسكتنى من يدى وبعد الإفطار مباشرة بدأت فى سرد ذكرياتها مع الفونغراف قالت أن جدى اشتراه من محل يونانى فى الأسكندرية وأنه يعمل بمنفله تُدار باليد .
جدى الشيح عبد الحافظ خريج الأزهر ومعلم القرية يستمع إلى لورد كاش،وعبده الحامولى ،ومنيرة المهديه، وتسجيلات لكبار المقرئين ،كان أهل القرية منبهرين بتلك الحديدة التى تُخرج اصواتا ولا أجمل منها ،بعدها اشترى جدى الذى كان مولعاً بتلك الاختراعات الراديو الخشبى الكبير الذى ينام الأن بين كراكيب جدتى ,الساعة الخامسة هو الموعد الذى لا يخلفه أبداً اي من نساء ورجال القرية يلتمون فى المندرة ومع رشفات الشاى الساخن المعبق بأوراق النعناع ، والأطباق المملوءة بثمار المانجو يستمعون لمسلسل الساعة الخامسة , ينتهى المسلسل يذهبون إلى بيوتهم وفى أحضانهم تنام شخوص المسلسل وهم فى شوق إلى ماستسفر عنه أحداث الغد .
تلفزيون توشيبا العربى الأحمر الصغير أربعة عشر بوصة كان فى نظر أهل القرية هو أعجوبة الأعاجب ،فى البدء كانوا يهابون العفاريت التى تسكنه، ويظنون ان هذه هى نهاية العالم فكيف لهذا الصندوق الصغير أن يضم اناساً ،وبيوتاً، ومدناً، وكيف لأطفال يسكوننه يكبرون بهذه السرعة ويصيرون رجالاُ بين عشية وضحاها كأنهم خلقا قد خلقهم الله في دنيا غير دنيانا.
إلى الأن اشعر با الرعب من صوت على الحجار كان يذاع فى مسلسل دينى ناطق باللغة العربية وعلى الحجار يغنى تتر المسلسل بصوته الذى يخلو من الرقة كل ماأذكره انى كنت أقف متسمرة امام شاشة التلفزيون وأرى وجوها متذمرة غاضبة وكان احد الممثلين يصرخ فى صوت أجش اقتله يا ابن حُيي ،وكأن لفظ حُيى هو العفريت الذى يتلبسنى فما ان أسمع تلك الكلمة حتى اصرخ وانكمش فى حضن جدى باكية يبتل كُم جلبابه بدموعى المنهمرة كمطر يُمسد على جسدى قارئاً المعوذتين أنام وابن حُيى يبيت معى ويجبرنى أن أستيقظ مذعورة تدور بى جدتى على المشايخ فحفيدتها تلبستها عفاريت الليل جدتى لم تكن تعلم أن من يُجبر النوم على الهروب بعيداً هوصوت الحجار ووجه متجهم وغاضب لابن حُيى ، اكبر قليلاً وتطل علىَ نجلاء فتحى وحسين فهمى فى مسلسل الف ليله وليله وصوت سميرة سعيد الحنون احكى ياشهرذاد أحكى لشهرايار أشغليله ليله لطلوع النهار ،تنام شهرزاد مطمئنة أن سيف مسرور لن ينالها وانا ابقى ساهرة لطاوع النهار، استحث النهار لكى يذهب سريعاُ لأرى منصور الصياد ماذا فعل لعروسة البحار ، لكنَ النهار يمضى بطيئاً كسحلفاة عجوز أرى جدى فى مكتبته يقرأ أحمل له كوباً ..من الشاى أبصر مجلدأ عتيقا... تلفت نظرى الرسوم التى تؤطر غلافه رسوماً تُشبه شهرزادى ،أُجاهدلأقرأطلاسم كتاب ألف ليلة وليلة ،لم أعد استعجل الليل فنهارى كما ليلى مملو ء با لحكايا .
تدخل الكهرباء و فى كل بيت تلفزيون تخلو مندرة جدى من الزوار يفتر الشاى تسود أوراق النعناع التى تننتظر فى قاع البراد،أسأل جدى، هل من جديد يمصمص شفاه كل يوم يحمل جديداً.حركة غير عاديه الرجال فى همة يقومون بكنس الشارع يرشونه بالماء جدتى فى همة تأمر النسوة بغسل أكواب الشاى جيدا ً، أعواد النعاع تُقطف من حديقة البيت وتنُظف، جدى على كُرسيه تحت شجرة المانجو يأمر الرجال بوضع الحُصر المصنوعة من نبات الحلفاء .فى مواجهة الحائط ملاءة بيضاء كبيرة تُخبىء الجدار، إلى البيت يأتى وجه حميم له ابتسامة الحلم يختارنى أنا دون الكل،يُجلسنى بجانب صندوق كبير (أحرسيه كعينيك)
أجلس على الصندوق، أهش كل الأولاد الذين يقتربون من صندوقى ، وحين تغيب الشمس تكون الحُصرقد امتلأت بالرجال والنسوة والأطفال،تُطفأ الأنوار، تتحول الملاءة البيضاءإلى حلم كبير تعيثُ فيه نحلاء فتحى وحسين فهمى جمالاً،تغض النساء الطرف عندما يرون حسين فهمى يُقبل نجلاء فتحى أرى دموعهم يلتقطونها بطرف الطرحة عندما يُفرق القدر بين البطل والبطلة ,تُكتب النهاية يُطفأ الضوء
المُسلط على الملاءة البيضاء تًظلم الشاشة،يشكر الرجال الشيخ الجليل لأنه لم يحرمهم من رؤية (السيما)
يرحل جدى وبرحيله أعتقدأن أحلامى المتوقفة عند حسين فهمى ونجلاء فتحى لن تأتى بجديد.........

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق