الصفحات

2013/09/15

الرقص بقدم واحدة في بلاد الغضب المر!..بقلم: أحمد طوسون



الرقص بقدم واحدة في بلاد الغضب المر!
أحمد طوسون
منذ بدايات ثورات الربيع العربي اعتدنا سماع تسميات من شاكلة جمعة الصمود/الغضب/الرحيل/الموت ولا المذلة /الشهداء/ التحدي/النصر/الاستمرار/ التطهير/إلخ.
واعتدنا معها صور السحل والضرب والقتل والجثث والأكفان، صارت احتفالاتنا جنازات نودع فيها موتانا وشهداءنا.. بدأنا ثوراتنا بحلم كبير يقودنا إلى المستقبل وانتهينا إلى شيع وقبائل يقاتل بعضها البعض، ولم يبق من أهازيج الحرية التي تغنى بها الثوار بالميادين إلا شيطان الغضب الذي سكن الأرواح والقلوب وحول بلادنا إلى خرائب كبرى!
في سوريا، في ليبيا، في مصر، وفي تونس واليمن والعراق، وليست لبنان ببعيد.. لا أحد يستطيع أن يحاور الآخر لأن كل واحد منا يضع فوهة بندقيته في قلب صاحبه، وعلى لسانه يرقص شيطان الغضب، لا أحد على استعداد أن يزرع زهرة في وطنه لأجل مستقبل أولاده، بينما الجميع يهرولون إلى ساحات التقاتل، يحفرون قنوات جديدة لأنهار الدم التي غطت خرائطنا العربية.
ومع كل الدم الذي لطخ أيادينا تبرع خطابتنا الجهورية العربية في تبرير ما لا يبرر باستخدام شعارات الشريعة والشرعية تارة، والعمالة والتخوين تارة أخرى، وكلما ازداد دوي الطلقات، ازداد دوي الخطابات والأكاذيب التي برعنا في ترديدها، فتصبح مسيرة المئات بالملايين، ويصبح الحق باطلا، والباطل حقا، ويبات الجناة ضحايا، والقتلة شهداء.. ويسقط من جراب من يدعون الثورية، وخصومهم معنى الوطنية، فيصبح لا مانع لديهم إن اهتزت مقاعدهم وضاعت غنائمهم أن يستدعوا ويستقووا بالأسطول السادس الأمريكي المرابض ببحارنا وثغورنا العربية.
عن أي مستقبل نتحدث ونحن نفتش في نوايا أصحابنا لنتهمهم وندينهم إن لم يؤمنوا بما نؤمن به، عن أي مستقبل نتحدث ونحن نتهم الحالمين لأوطاننا بالحرية والديمقراطية بأنه لا مكان لرومانسيتهم في مواجهة الإرهاب الذي يحوطنا بمخالبه الكريهة، عن أي مستقبل نتحدث وتجار الدين في كل مكان يتخذونه مطية لأطماعهم السياسية للضحك على عقول البسطاء في مجتمعات تعشش في شجيراتها عناكب الجهل والأمية، عن أي مستقبل نتحدث ولا هم لفصائلنا وأحزابنا وجماعاتنا إلا إقصاء من يختلف معهم وتكفيره، عن أي مستقبل نتحدث ونحن نزرع الكراهية والطائفية والعنصرية في حقولنا بدلا من أن نزرع الحب؟!.
لم يعد للعقل والمنطق مكان في بلادنا التي تدوي فيها القنابل وتشتعل فيها الحرائق، لم يعد للحب بيت يسكنه بين القتل والدم وامتهان الإنسان وكرامته، ولم تجد الطيور أشجارا في صحارينا القاحلة لتستظل بظلها وتغرد في سمواتها.
نعم تبدل الأمل الذي راودنا مع بدايات ثورة الياسمين التونسية إلى إحباط  كبير مع مشاهد القتل والخراب التي نشاهدها في سوريا، والتفجيرات التي يشنها مسلحون في سيناء، والتقاتل بين الليبيين!
لا أمل ولا نجاة لنا ولبلادنا إلا أن نغلب الرغبة في الحياة على الرغبة في الموت، لا أمل ولا نجاة لنا إلا أن نغلب الحب والتسامح على الكراهية والغضب، أن يترك المتمسحون في الدين المدافع والبنادق ويعودوا إلى صوامعهم للاستغفار والعبادة عسى أن يغفر لهم الله ما ارتكبوه من جرائم باسم الدين، أن تعود الدبابات إلى ثكناتها للدفاع لتبقى ساهرة على حماية أوطانها، أن يترك الساسة شعاراتهم الرنانة وينزلوا إلى البسطاء يداووا مرضاهم وجرحاهم ويساعدوا في تخفيف الألم عن الناس وقضاء حوائجهم، أن يعود الزراع إلى حقولهم والصناع إلى مصانعهم، لتدور السواقي والتروس ونغني جميعا أنشودة للحياة.
بالأمس تابعت فقرة العبقري وإبراهيم في برنامج Arabs Got Talent ، وراودني أمل جديد بقدرة الإنسان العربي أن يستفيق من غيبوبته الطويلة ويترك مستنقع الخلافات والتقاتل الذي أردنا بغضبنا المر أو أريد لنا أن نسقط فيه، نعم بقدم واحدة استطاع إبراهيم أن يرقص ويغني متحديا إعاقته رغبة في الحياة، ومقدما أنموذجا لنا لنقتدي به، رغم كل إعاقاتنا الذهنية والجسدية الذي خلفه اقتتالنا على السلطة والمال والنفوذ.
من حقنا كعرب وكمسلمين أن نرقص للحياة ونغني لها، بدلا من أن ندق طبول الحرب ونساق إلى مصارع القتل تحت دعاوى الاستشهاد في غير موضعه.. هذا هو جوهر ديننا الحنيف، إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها، أي احتفاءٍ بالحياة أيها الداعون إلى الخراب والموت؟!  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق