|
||||
|
||||
عندما
كنا أطفالاً، لم تكن التكنولوجيا اقتحمت حياتنا بهذا الشكل المتوحش. كان
هناك وقت للحكاية، تجلس النساء أمام البيوت لتبادل الحكايات، ويجلس الرجال
على المقهى لاستعادة ماضي الآباء والأجداد.
وكان للحكاية دائماً سحرها، نرضعها من الأمهات والجدات، وتأخذنا إلى عوالم خفية لا يعيش فيها إلا السحرة والجان والعفاريت وأبطال البشر. هي حكايتنا الأزلية التي تفسر وجودنا وتهدهد مخاوفنا، ومن خلالها تنتقل إلينا خبرات من سبقونا في رحلة الحياة. هي ليست مجرد أداة للتواصل مع الآباء والأمهات، بل هي أيضاً احتياج نفسي لدى الطفل، يساعده على تشكيل وعيه بالوجود من حوله، وبناء علاقات بين الأشياء والمعاني. لكن التكنولوجيا، وضغوط العمل، وضيق الوقت، كل هذا فصلنا عن أولادنا، وحرمنا متعة التواصل معهم عبر فضاء الحكاية، والإصغاء إلى أسئلتهم الذكية وملاحظاتهم الأولى عن الوجود. وربما لا توجد أمة في الكون كله، تضاهينا في هذا الافتقار إلى «حدوتة قبل النوم»، وافتقاد هذا الطقس الحميم الذي يتيح لنا أنا ننام مع أطفالنا، فنستعيد طفولتنا، ونشجعهم على اكتساب خبراتنا. ورغم أن تراثنا العربي، مثل كتاب «ألف ليلة وليلة» حافل بعشرات الحكايات الخيالية العجيبة، التي تربي لدى الطفل ملكة الخيال والإبداع والابتكار، لكننا غير متصلين بهذا التراث.. ونكتفي باستسلام أطفالنا أمام البرامج الأجنبية والمدبلجة.. وبغض النظر عن مواءمتها لثقافتنا أم لا، فإنها لا تعادل التواصل الجسدي والروحي المباشر معهم. فحدوتة قبل النوم لا تقل أهمية عن الرضاعة من حليب الأم. وهي متعة عظمى، تربطنا معهم بأجمل الذكريات والخيالات وأعظم الأسئلة. قد يكون لدى الأم، الرغبة الجادة في معايشة تلك التجربة مع الأولاد، لكنها لا تجد القصص المطبوعة التي تساعدها على تلبية «حدوتة قبل النوم» يومياً.. لهذا السبب أنشأ الكاتب والصديق أحمد طوسون بمجهود فردي مدونة «حي بن يقظان» مستلهماً اسمها من واحدة من أشهر قصص الأطفال، في التاريخ الإنساني كله، وليس العربي فقط. المدونة سدت ثغرة مهمة بالفعل، وزارها حتى اليوم ما يقرب من نصف مليون شخص، وهي تنشر قصصاً وأشعاراً متنوعة، عربية ومترجمة، بعضها ممتاز بالفعل وبعضها الآخر أقل من المتوسط.. لكنه جهد توثيقي كبير، يوفر للآباء مادة مهمة لتدريب أنفسهم على «حدوتة قبل النوم». وشخصياً رويت لأولادي عشرات الحكايات المستلهمة من المدونة، وأحياناً كنت ألجأ إلى بعض التعديلات في الشخصيات والمواقف لتطويع الحكاية، وتوصيل رسالة ما من خلالها. وأتمنى بالفعل تطوير المدونة، لتكون مؤسسة كبيرة، وتنال الدعم الذي تستحقه من الهيئات الحكومية والأهلية المختصة بثقافة الطفل، فلاشك أن هذا الدعم سوف يرفع من سوية النصوص المنشورة، ومن إمكانيات الموقع وتبويبه. وإلى أن تتحق هذه الأمنية، فإن أحمد طوسون الحائز على جائزة الشارقة في أدب الطفل، وجائزة المركز القومي لثقافة الطفل.. يستحق كل التقدير على جهده التطوعي الكبير في رفد المدونة بكل جديد في ثقافة وإبداع الطفل العربي.
http://www.annaharkw.com/annahar/Article.aspx?id=413078&date=26092013
|
الصفحات
▼
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق