الصفحات

2013/10/17

مئوية جارودي .. المناضل الفريد.. بقلم: فـؤاد قـنـديـل

مئوية جارودي .. المناضل الفريد
 فـؤاد قـنـديـل

 يمثل المفكر الفرنسي الشهير روجيه جارودي للعرب والمسلمين واحدا من أهم المناصرين العلميين المتعمقين في فهم القضايا العربية والدارسين بوعي نادر للدين الإسلامي ، حتى أنه وهب معظم سنوات عمره لهذين الموضوعين الإشكاليين لدي الفكر الغربي ، وقد حسم أمره منذ بدايات شبابه لمحاولة الخروج عن الإطار الذي ورثه عن آبائه وعن محيطه الدينى في فرنسا وثار على كل المعتقدات التي أدرك بفكره عجزها عن مواكبة الرؤية الصائبة والأفكار العصرية المتحررة من القيود والخرافات والمحرضة على التخلف والجمود. ومن ثم نستطيع في جلاء أن نري في مسيرة جارودي صورة الثائر والمجدد . المقاوم للبيروقراطية الدينية والاستبداد العقائدي والرافض لهيمنة الغالب لمجرد أنه الأقوى. ونري أنه يستحق بجدارة أن نحتفي بالذكرى المئوية لمولده ، وإذا كانت المملكة العربية السعودية قد منحته جائزة الملك فيصل فيجب أن يكون الاحتفال بمولده عاما كاملا وأن يدرس طلاب الجامعات كتبه وتنظم الندوات والمؤتمرات حول مسيرته النادرة. ولد المفكر الفرنسي العظيم في 17 يوليو 1913 في مرسيليا، جنوب فرنسا، لأم كاثوليكية وأب ملحد. اعتنق البروتستانتية وهو في سن الرابعة عشرة ، وقال فيما بعد ، لقد اعتنقت المسيحية لأمنح لحياتي معنى ، وانضم للحزب الشيوعي الفرنسي عام 1933 وكان في العشرين في محاولة جديدة للبحث عن مزيد من الفلسفة للوجود الإنساني .والتحق بجامعة مارسيليا لدراسة الفلسفة وفور تخرجه عمل أستاذا للفلسفة في الجزائر لمدة عامين ، 1941،40وكان دائما كالعهد به مناضلا ضد أعداء الحرية ومنحازا للجماهيرومن ثم تعين عليه أن يكون معارضا شرسا لحكومة فيشي الفرنسية الموالية لألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية كما تصدى لهتلر والنازية فتم اعتقاله حتى نهاية الحرب وانتصار فرنسا والحلفاء. في عام 1945 انتخب نائبا في البرلمان ثم حصل على الدكتوراة الأولي في الفلسفة عام 1945من جامعة السوربون عن النظرية المادية في المعرفة وصدرت في كتاب نشر عام 1946، ثم حصل على درجة الدكتوراة الثانية في العلوم من جامعة موسكوعام 1953 وكان عنوان الرسالة " الحرية " ، وفي عام 1956 انتخب جارودي عضوا في البرلمان فلفت الأنظار بفكره المتجدد وسرعان ما اختير نائبا لرئيس البرلمان ، وعكف سنوات على ترجمة مؤلفات لينين ، لكنه بعد عدة سنوات من مراقبته للحكم الستالينى وما بعده قاد حملة من الهجوم على الاتحاد السوفييتى مما دفع الحزب الشيوعي الفرنسي إلى طرده من عضويته عام 1970 ، وما لبث أن أسس مركز الدراسات والبحوث الماركسية ، وقد ظل مديرا له لنحو عشر سنوات ، فقد كان إيمانه بقيم العدالة الاجتماعية وحتمية مساندة الجماهير وإنقاذها من بطش الرأسمالية المتوحشة حافزا له على مواصلة الكفاح ضدها وفضح أساليبها غير الإنسانية ، وهذا ما دعاه إلى إصدار مجلة " البدائل الاشتراكية". حرص جارودي على أن يجمع الكاثوليكية مع الشيوعية خلال عقد السبعينيات ، فقد أدرك حاجته للدين كما استشعر أهمية الحفاظ على المبادئ الاشتراكية ، فالدين يقربه من السماء والاشتراكية تعينه على الاقتراب من الأرض .. وأخذ يتأمل الحراك الحضاري على مر التاريخ وقد رأي أن الحضارات انتقلت بعد العديد من الحروب إلى الصراع بينها بما يهدد مسيرة الإنسان ،وقد دفعته نظرته العلمية لمشكلة من أهم مشاكل العالم وهي تفاقم الصراع بين شتى القوي والتكتلات التي تتطلب حوارا بين الحضارات إلى تنفيذ فكرته العملية المتمثلة في " المعهد الدولي لحوار الحضارات .. نداء إلى الأحياء " الذي أسسه عام 1976 وأعقبه بكتابه " حوار الحضارات "
 قصة إسلام روجيه جارودي 
"يقول جارودي "في الرابع من آذار مارس سنة 1941م كنا زُهَاء 500 مناضل من المعتقلين والمسجونين لمقاومتنا الهتلرية، وكنا هجرنا إلى جلفة في جنوب الجزائر، وكانت حراستنا بين الأسلاك الشائكة في معسكر الاعتقال مدعومة بتهديد رشاشين، وفي ذلك اليوم -بالرغم من أوامر القائد العسكري وهو فرنسي- نظمت مظاهرة على شرف رفاقنا من قدامى المتطوعين في الفرق الدولية الإسبانية، وقد أثار عصياننا حفيظة قائد المعسكر، فاستشاط غضبًا وأنذرنا ثلاثًا، ومضينا في عصياننا، فأمر حاملي الرشاشات -وكانوا من جنوب الجزائر- بإطلاق النار، فرفضوا، وعندئذٍ هددهم بسوطه المصنوع من طنب البقر، ولكنهم ظلُّوا لا يستجيبون، وما أجدني حيًّا إلى الآن إلا بفضل هؤلاء المحاربين المسلمين". ويضيف جارودي: "كانت المفاجأة عندما رفض هؤلاء تنفيذ إطلاق النار، ولم أفهم السبب لأوَّل وهلة؛ لأنني لا أعرف اللغة العربية، وبعد ذلك علمت من مساعد جزائري بالجيش الفرنسي كان يعمل في المعسكر أن شرف المحارب المسلم يمنعه من أن يطلق النار على إنسان أعزل، وكانت هذه أول مرة أتعرف فيها على الإسلام من خلال هذا الحدث المهم . يقول: إن انتمائي للإسلام لم يأتِ بمحض الصدفة، بل جاء بعد رحلة عناء وبحث، ورحلة طويلة تخللتها منعطفات كثيرة، حتى وصلت إلى مرحلة اليقين الكامل، والخلود إلى العقيدة أو الديانة التي تمثل الاستقرار، والإسلام -في نظري- هو الاستقرار: "إذا حكمت على الأمور في ضوء تجربتي الشخصية فإنني أقول: إن ما كان يشغلني هو البحث عن النقطة التي يلتقي فيها الوجدان بالعقل، أو الإبداع الفني والشعري بالعمل السياسي العقيدي، وقد مكنني الإسلام -والحمد لله- من بلوغ نقطة التوحيد بينهما؛ ففي حين أن الأحداث في عالمنا تبدو عمياء متطاحنة وقائمة على النمو الكمي والعنف، يروضنا القرآن الكريم على اعتبار الكون والبشرية وحدة واحدة يكتسب فيها الدور الذي يسهم به الإنسان معنى لقد كرَّس المفكر الكبير حياته منذ إسلامه عام 1982م في الدفاع عن الإسلام،وقد اتجه في سياسته ثلاثة اتجاهات ، هي : أولا : تقديم حقائق الإسلام الصحيحة للعالم الغربي، وتصحيح الصورة الذهنية المشوهة والباطلة عن الإسلام والمسلمين لدى الغرب. ثانيا :بيان أن نهوض حضارة إنسانية على عقيدة الإسلام وشريعته وقيمه وأخلاقه، هي الأمل في إنقاذ البشرية من الضياع والدمار الذي تعاني منه في العصر الحاضر. ثالثا :بيان الخطر الذي يمثله قيام دولة إسرائيل على العالم، وخطورة الدور الذي تمارسه الصهيونية . ويقرر جارودي حقيقة تاريخية وإنسانية مستمرة وهي أن الإسلام أنقذ العالم من الفوضي وأن القرآن الكريم أعاد لملايين البشر الوعي بالبُعد الإسلامي، ومنحهم روحًا جديدةويقدِّم جارودي في هذا الكتاب مثالاً بالأرقام لما وصل إليه العالم من استبعاد الروح الإنسانية، وتحطيم القيم الإنسانية، واتباع نموذج جنوني للتنمية؛ ويقول :بعد خمسة قرون من هيمنة الغربعلى كل مقدرات شعوب العالم تظهر لنا ملامح وقسمات الحضارة الغربية؛ فمع حوالي 600 مليار دولار من الإنفاق على التسليح، وصنع ما يعادل أربعة أطنان من المتفجرات فوق رأس كل إنسان من سكان كوكب الأرض، مات حوالي 50 مليون نسمة في العالم من الجوع وسوء التغذية في نفس العام الذي أنفق الغرب ملياراته على أسلحة التدمير، ومن ثَمَّ فمن الصعب أن نُطلق كلمة تقدُّم على هذه المرحلة التي قطعتها الحضارة الغربية في تاريخ البشرية. ويرى جارودي أن الإسلام يمكن أن يقدِّم للعالم المعاصر ما ينفعه وما يفتقده عالم اليوم، وهو معرفة غاية الإنسان ومعنى الحياة أما عن عداوته لإسرائيل فقد بدأت بعد مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان في 17 يونيو عام 1982 حيث أصدر بيانا يندد فيه بالعدوان الوحشي الصهيونى ووقع عليه العديد من الشخصيات الفرنسية المرموقة ونشرته صحيفة لوموند الفرنسية وسرعان ما هاجت الجماعات اليهودية ضده وأزاحته تماما من الصحف والإذاعات ومحطات التليفزيون ، وشنت عليه حملات كثيرة تتهمه بالكذب واختلاق قضايا وهمية ، وبعدها نشر كتابه " الأساطير المؤسسة للسياسات الإسرائيلية التي كان من أهمها تشكيكه في محرقة النازية لليهود المعروفة باسم الهولوكوست ، وقد اندلعت الحملات الصهيونية ضده حتى أصدرت المحاكم الفرنسية ضده حكما بالحبس والغرامة عام 1998 ، لكن ذلك لم يثنه لحظة حتى وفاته في 13 يونيو عام 2012( 99 عاما ) عن مقاومة كل ألوان الظلم وظل ذلك المحارب الصلد لشتى ألوان الكذب والقهر والبطش بقيم العدالة والكرامة والإنسانية ، ويكفي أن نتأمل فقط عناوين كتبه كي نعرف حقيقة الدور التاريخي والوجودي للمفكر والكاتب ، والمهام التي يفرضها عليه الحاضر والمستقبل. 1. الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية 2. إسرائيل بين اليهودية و الصهيونية 3. الإسلام دين المستقبل 4. الإسلام في الغرب :قرطبة عاصمة الروح و الفكر 5. الإسلام وأزمة الغرب 6. الإسلام و القرن الواحد و العشرون شروط نهضة المسلمين 7. أصول الأصوليات و التعصبات السلفية 8. الأصوليات المعاصرة : أسبابها ومظاهرها 9. الامبراطورية الامريكية. 10. أمريكا طليعة الانحطاط 11. جولتى متوحدا في العصر 12. حفارو القبور : نداء جديد إلى الأحياء 13. حفارو القبور:الحضارة التي تحفر للإنسانية قبرها 14. حوار الحضارات 15. في سبيل ارتقاء المرأة 16. في سبيل حوار الحضارات 17. ملف إسرائيل : دراسة للصهيونية السياسية 18. من اجل حوار بين الحضارات/ 19. الإسلام دين المستقبل 20. نظرات حول الإنسان 21. النظرية المادية في المعرفة: الحركة في الطبيعة 22. النظرية المادية في المعرفة: ما هي المادية 23. وعود الإسلام 24. لماذا أسلمت ؟ 25. محاكمة الصهيونية العالمية 26. الإرهاب الغربي 27. كيف صنعنا القرن العشرين ؟ 28. ما بعد الإسلام 29. الإسلام يسكن مستقبلنا 30. فلسطين أرض الرسالات السماوية 31.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق