الصفحات

2013/10/30

الحزام الأسود.. قصة بقلم: درديري كباشي الامين

الحزام الأسود
 درديري كباشي الامين

العم عبد المحمود مواطن سوداني بسيط ..موظف مهني بحت من النوع الذي حريص على وظيفته عمله وبيته ووقته .. اي من النوع الذي يمكن ان تظبط عليه ساعتك ... يخرج في وقت معين ويعود كذلك قدر جهده في ذات الوقت او اقرب قليلا .. تزوج بنت عمه محاسن زواجا تقليديا .. مستسلما لرغبة والده ... بالرغم من رغبة الوالدة التي كانت تعده لبنت اختها .. صراع عادي يكاد يكون ضمن كل البيوت التقليدية .. حبلت زوجته بمولوده البكر .. تهيأ البيت للمولود الذكر واعدوا له الاسماء .كأنهم واثقين من أنه ذكر . على اسم الجد بالطبع وتارة اخرى على اسم الجد من ناحية الام لارضاء الجده .. طالما ما لم تتزوج بنت اختها على الاقل سمي الولد على والدها ..
ولدتت محاسن مخيبة أمل الجميع انثى ... فرح بها وحده .. وكانت تهاني الآخرين اقرب للعزاء منها للتهئة ..
عبارات من نوع : ياح البيجيبو الله كله كويس .. وانتو لسه صغار .. ما فات ليكم فوات ..
فرح هو غير آبه بتهنئتهم الفاترة والمحبطة سمى المولودة هنادي واحبها وحمل الحلوى لزملائه بالمكتب فرحا .. كبرت هنادي وقبل ما تكمل عامها الثاني حبلت محاسن .. وقبل ما تثبت هنادي خطوتها في الارض ولدت محاسن مخيبة الامال مرة اخرى .. قالت له الداية مبروك جاتك زهره زي القمر ..
هذه المرة اتخذت عبارات التهنئة صيغة اخرى اقرب الى التعزية : يا اخوي المهم الخلقة التامة .. احمد ربك ما جاتك مخلقنة ناقصة يد او كراع .. الحمد لله .. لماذا لايقولون الحمد لله جاتك بنت جميلة تدخلك الجنة .. فرح بهذه ايضا ووزع حلوى على زملاء العمل .. سماها تهاني في هذه المرة ربما ردا على تهاني الاقارب والزملاء المحبطة والمخيبة للامال ..
ولكن عشمه في الذكر مدفوعا برغبة الاهل وكذلك اصرار الام على اسكاتهم واثبات بأنها قادرة على انجاب الذكر حبلت للمرة الثالثة قبل ما تكمل تهاني العامين .. وفي عام هنادي الثالث انجبت الثالثة ... هذه المره بدأت خيبة الامل تتسلل اليه هو شخصيا .. تهنئة الاهل هذه المرة وصلت مرحلة حمد الله على سلامة الام فقط .. ياخوي النسوان بقن يموتن في الولادة احمد الله انها هي سليمة في عمرها دا .. والبنت الله يخليها ليك بس .. نقول شنو ... غايتو الحمد لله بس ..سماها نهى
تذمر الجد وشعر أن بنت اخيه خيبت امله هو شخصيا وجعلت الجدة تشمت فيه.. وكم مرة لمحت في انه بنت اختها سلوى التي كانت تعدها لعبد المحمود .. ما شاء الله رصتم اربعة اولاد وفيهم اتنين توأم كمان .. ما بتسمعوا الكلام انت وولدك ..
اغتاظ الجد وهز راسه تحسرا ...
حملت محاسن للمرة الرابعة ... كتم هو وهي الحمل .. وقالوا نظرة الناس وحسدهم ربما تحول الحمل من ذكر الى انثى .. وبعد تسعة اشهر عندما جاء وقت المخاض حمل النبأ الى امه وابيه بأن محاسن جابت الرابعة .. وعندما ذهب ليخبر اباه وامه قال له الاب : هو انت حاتقعد تتنهنه فينا كدا لمتين .. غير الاسامي دي ياخ يمكن يقيفن البنات ديل .. والام قالت له صحي يا ولدي انتو مشبكنهن في بعض كدا دي بتجر دي .. شنو شابكنا تهاني وهنادي ونها وهنا ..
وفعلا بعد عام واحد حبلت محاسن للمرة الخامسة .. وقرر هو وزوجته انه هذه المرة انه يغيروا اسم البنت القادمة شرط الا يحتوي الاسم على حرف الهاء والنون ..
وبعد تسعة اشهر وعلى الضمان ودون اي شك ولدت محاسن بنتها الخامسة .. وقرر هو ان ينفذ وصية والديه وسماها اسم بعيد عن اسم اخواتها وسماها سحر ... ابوه قاليه كان من التالتة تسميها كدا ...
عبد المحمود جاءته فرصة انتداب لدول الخليج .. في زمن كانت فيه الغربة سترة حال .. وقبل ما تصبح شيلة حال ... سافر وقضى سنته الاولى وعاد بمبلغ محترم في الاجازة اعانه على بناء جزء من بيته .. أصرت محاسن على بقائه بجانبها لان البنات كبرن .. وقال انه محتاج لعام واحد فقط ليكمل البيتت ثم يعود .. ترك محاسن حبلى وقال لها اكتميه ما ناقصين شماته ..
وقبل ما يكمل عامه الثاني واصلته محاسن زاعمه بأن صحتها لم تعد تحتمل الحمل وتربية البنات ومراعاتهم الحمل تاعبها ..
قطع انتدابه وعاد بمبلغ معقول اتاح له ان يكمل جزء من بيته يكفي لسكنته مع اسرته الصغيرة وحتى ليرحل من بيت والده البيت الكبير .. غرفتين وصالة مع مطبخ وحمام كفاية .. الصالون خليه على الله .. عاد ولسان حاله يقول ..
اجيكم ماني زاير اريت رزقا يغرب سيدو طاير
يسوقني الشوق ..
ذات ليل صحت محاسن تتوجع .. هي لحظات المخاض .. ذهب الى ستنا الداية واحضرها بالكتمان وزعم بأنه لا يريد ان يزعج الاهل .. ادخل عليها الداية ووقف هو مع بناته الكبار يعددن طلبات الداية من ماء سخن وغيره ..
لكن هذه المرة انطلقت زغرودة من داخل غرفة الولادة من الداية ذات نفسها ..
وقف امام الباب وقلبه يكاد ينخلع من الخفقان ..
وقالت له الداية بعد ما فتحت باب الغرفة ..
ابشر يا اخوي يا ابو العريس المرة دي ولد ..
فرح البنات والتمن في الاب يحضنه ويبكين ..
اما هو تحول الى رجل آلي ..
جاحظ العينين ... يتلفت بهبل غلبه التعبير ..
هل يدخل على الزوجة يبارك لها ام يجري يبشر والديه ..
اخيرا عاد الى وعيه دخل على محاسن .. واحتضنها واختلطت دموعهما مع بعض ..
نظر للصغير للذي لازالت به آثار الدماء فرح به كانه لم يفرح في الدنيا قبل ذلك ..
فرح الصغيرات البريئات ونططن فرحات بهذا الاخ الذي جلب هذه السعادة لوالديهما ..
ركب سيارته الفلكسواجن وقال للداية خليك انا راح امشي اجيب امي تقعد معاها وابشر ابوي ..
قالت له الداية : ما قلت الصباح رباح ..
قالها : داك لمن كانت بنت لكن الآن الصباح وصل اهو قدامك ..
طرق الباب على والديه قبل اذان الفجر ..
فتح له الجد منزعجا .. في شنو يا ولدي خير .؟؟
عبد المحمود : محاسن يا ابوي ولدت ..
الجد : وسميتها منو المرة دي ما تصبر للصباح .؟
عبد المحمود : جابت ولد ..
الجد : قلت شنو يا ولد ؟؟
عبد المحمود : قلت ليك ولد
الجد عاد لحضن ابنه من جديد كأنه قادم من السفر .. وفكاه من حضنه وهو يمسح الدمعات قائلا له : روخ بشر امك يا ولدي بس براحة ما تخلعها انت عارف عنده الضغط والقلب..
يدخل عبد المحمود على امه .. والتي تلبس توبها وتعاتبه : يا ولدي ليه ما بتكلمونا قبل ما تجيب الداية هسع تلد كدا براها حرام عليك ..
عبدالمحمود: يا امي انت ناسية بناتنا ولا شنو ما شاء الله كبرن وبقن يساعدن ..
الام : كبرن شنو يا ولدي اكبر واحدة فيهن يا داب اربعتاشر سنة ..
يركب الجدين معه ويعود بهما لبيته ..
بعدما وصل عبد المحمود ووالديه ..
فرح الصغيرات وتعلقن بهما لكن الجدين دفاعهما وهما متشوقين لمشاهدة الذكر الحفيد الاول ..
دخلوا على محاسن هنوها وحملوا الصغير يتبسمون له
واحاط الجميع بسرير محاسن ..
لم يحس الصغيرات بالحرج والغيرة لعدم انشغال الجدين بهما
بل الفرحة الغامرة بالصغير غطت على كل شعور سالب ..
قال الجد رافعا رأسه : الولد تسميه المثنى ..
الجدة : اشمعنى يعني المثنى ..
الجد : عشان يقدرو يثنوه ويجيبوا له اخ ... بالطبع الجد زاعما ان نظريته في تغيير اسم البنت الصغيرة هو ما اوقف سيل البنات ..
سعدت محاسن وعبد المحمود بالاسم ووافقوا عليه ..
اذا اصبح المثنى هو الاخ الاصغر لبنيات عبد المحمود الخمس
مع عشم عبد المحمود والجدين قال الجد بأن محاسن خلاص عرفت درب الاولاد ..
قالت الام ان موية الغربة نفعت مع عبد المحمود ..
لا تريد ان تنسب فضل انجاب الولد لمحاسن ..
قال الجد المهم هي جابت الولد .
قضى المثني سنتيه الاوائل برعاية تامة من الكل ..
بل من الصباح تبدأ الصرخات وجمل من هنا وهناك
من نوع : يا بت ما تبوسيه في خشمو بتعاديه ..
لا لا لا شيليه كويس ما تفشقيه في صفحتك لسع ما بقى على الفشيق
غسلتوا المعلقة كويس .. عقمتو البزة ؟
يا بتت ما تجري بيه بيتفقه منك .. ادخلي بيهه من الشمس ..
لا لا لا ما تغسليه انا براي بغسلو بيتملص يقع منك في الحمام ..
غسلوا ليه ملابسه ... لا لا لا ما تكبي الكلوركس في هدوم المثنى بتجيبي ليه الحساسية ..
الليلة مودنه التطعيم ... كلمي عم عثمان بتاع التكسي ... امشي لحبوبة تجي تمشي معاي للمركز الصحي ..
الولد ما كل مرة تجيب ليه نوع مختلف من البمبر كدا بتجيب له حساسية ..
ما انا قلت دا نوع رخيص نخفف المصاريف الكثيرة دي شوية..
تجيب الرخيص للمثنى ؟ وما ل الغالي لمنو ..؟
في سنته الثانية وهو يكافح لتعلم المشي تحت الرعاية التامة من منظمة اناث البيت ..
تحمل محاسن للمرة السابعة ..
ولكنها بكل ثقة باعتبار انها عرفت درب الاولاد ..
رخت حدة التدليل والحرص على المثنى
حيث تولى البنات امر رعايته الكريمة .
وبعد تسعة شهور اخرى .. تجتمع الاسرة هذه المرة بحضور الجد الواثق في نفسه بعد ان اثبتت نظرية الاسماء بالنسبة له جدواها .. غير اسم البنت حتى توقف سيل البنات .. سمي الولد بالمثنى حتى تثنيه بولد آخر ..
لكن خاب ظنهم ومسعاهم .. ومحاسن رجعت لجنها تاني او كما قال الجد ..
سماها عبد المحمود هبة لم يعترض أحد على الاسم او يحتج لانه لم يعد شئ يهم ..
محاسن عادت تدلل المثنى من جديد راخية قبضة الاهتمام على البنت الجديدة ..
يا بنات ما تسيبو باب الشارع فاتح المثنى بيطلع ؟
يا بت الولد دا بيبكي كدا مالو ؟
يا امي البطة نقدتو..
الله يلعن بط ابوكي دا غير الازعاج ووسيخ البيت ما شفنا منو حاجة كمان عاوز يخوف لينا الولد ؟؟
جيبيه لعلها ما جرحتو ..
اجي يا محاسن انتي بتبالغي كمان بطة شنو البتجرح ليها بني آدم ؟؟
اسكتي يا السارة ولدي دا جسمو حساسي ومتسبب ..
يا بت اخوك ماله بيبكي تاني ..؟
يا امي دا محسن ود خالتي نجاة كب ليه التراب في راسه ..
وانتو قاعدات وين ؟..
يا امي نسوي شنو ما قعد يلعبوا مع بعض ..
بالتدريج تشكلت قوات حارسات المثنى من اخواته مثل حارسات القذافي ..
وصل المثنى عامه الخامس وهو لازال تحت رعاية حارساته الخاصات اي اخواته ..
الكبيرات يقفن على الباب والقريبات من سنه يلعبن معه ..
شعر المثنى بالفوة والسطوة بل اصبح يتسيد ويفتري على اقرانه من ابناء الحي ..
يحكم لهم كرة القدم ويقسمها هو ويختار في فريقه البارعين ..
اذا ارتكب احدهم فاول مع المثنى تصدى له الحارسات بالضرب والخربيش وغرز الاظافر في اللحم الحي احيانا ..
لذلك اصبح المثنى مهابا في الحي بل مرعبا رغم جبنه ..
اصبح مثل اسرائيل وسط الدول العربية جبــــــــــانة ومرعبة ..
كلما كبر المثنى فقد احد من قواته اي من اركان دفاعه لان الاخت تكون كبرت هي ودخلت في طور المرأة ومنعت من مخالطة الذكور ..
الى ان وصل المثنى سن المدرسة لم يبقى معه في الحراسة سوى التي تكبره بثلاث سنوات اضافة الى الصغيرة التي يكبرها ..
اما الكبيرات اصبحن يراقبن الموقف من بعيد ..
بل نجحن في تكوين قوة من نوع آخر .. بما انهن اناث جميلات اصبح شباب الحي في نفس السن واكبر مغرمين بهن ويتملغونهن ..ويسعون لارضائهن بأي ثمن ..
فاستغل البنات هذا الغرام في الدفاع عن المثنى فأصبحت نظرة عتاب فقط لاحد الشباب كفيلة بأن تجعله في خط الدفاع الاول عن المثنى ..
اي اصبح البنات يستخدمن نظرية الدفاع بشنو ؟؟؟؟؟ ...... عليك نور .. الدفاع بالنظر ..
وبعد مرات يتطلب الامر اكثر من مجرد نظر ربما تدخل لفظي من نوع : يخصي عليك يا تامر المثنى يضربوا قدامك وانت تعاين؟ .. دا منو دا والله الليلة الا اكسروا ..
اكمل المثنى الابتدائية ودخل الثانوي لكن في هذه اللحظة كان قد استنفذ كل وسائل دفاعه ..
لم يبقى له من اخواته سوى التي تصغره والتي تحتاجه ليحميها وليس العكس
كبر الكبيرات ودخلن الجامعات وانشغلن بل منعن من الوقوف في الشارع ..
كذلك كبر ابناء الحي واصبح ميدان الحارة اي الزقاق لا يفي بحاجتهم فذهبوا للميدان الكبير ..
دخل المثنى الثانوي ..
ولكي يمارس اللعب اضطر للابتعاد عن البيت بظهر مشكوف لادفاع بالنظر ولا بأي شئ ..
وهو لم تترك له فرصة يوما ليختبر قدراته الذاتية في الدفاع عن النفس ..
وبالتالي اصبح اصغر ابناء الحي في امكانه ان يدميه ويبكيه ..
كثرتت شكوات المثنى
كثيرا ما عاد من الميدان باكيا داميا
والام والاخوات يسقط في يدهن لان المعتدي في الغالب
اصغر منه بسنتين او اكثر ..
يشكين للاب .
يقول امشي اكلم فلان دا اقول له لم ولدك عليك ..
تقول له محاسن : دقيقة تمشي وين .. صلاح الدقاه دا اصغر منه بخمسة سنوات .. خلينا بلاش فضائح .
يتوقف عبد المحمود لايجد سوى ان ينفث زفرات حرى .. ويتأفف ..
عبد المحمود : الولد دا انت خربتيه .. لو من هو صغير خليتوه في الشارع يدق ويندق براه كان بقى راجل هسع ..
لكن انت طول اليوم اجروا شوفوا المثنى مالو .. الحقي اخوك بيبكي لغاية ما اعتمد عليكم ..
محاسن : هاي ياراجل خلاص عايز تلصقها فينا .. انت كم مرة اتشاكلت مع الجيران بسببه ..
فعلا سكت عبد المحمود وهو يعيد الذكريات في عدد الشكلات التي خاضها دفاعا عن المثنى بل يذكر يوم انه بالخرطوش جلد كل ميدان الكرة عندما وجد المثنى واقعا على الارض واحد الاولاد جاثما على صدره ويضرب فيه الباقين يضحكوا ويصفقوا هاجمهم بالخرطوش يعميه الغضب بل طارد كل ابناء الحي امامه وهم يتصارخون ..
طيب الحل شنو .. لا يمكن يظل يدافعون عنه طيلة العمر .. كيف ؟؟.. كيف يمكن اعادة هيكلة الولد ليمشي في سكة الرجال من جديد بدلا عن هذه الجهجهه ..
عد اليوم واصبح مهموما بتلك القضية المهمة بل الاستراتيجية التي تتطلب منه وضع خطة جديدة لبضعة سنوات ..
اقترح عليه والده اي الجد .. في ان يبعثه الى احد خلاوي القرآن .. اي المسيد .. يحفظ القرأن ويتعلم حياة الرجال ..
لكن قال ان هذه الفكرة جيدة لكنها تحتاج لخطوة قبلها .. لخطوة اولا اعادة الثقة في نفسه واحساسه بأنه رجل قادر على حماية نفسه ..فهو حتى الآن تغطيه امه بالليل .. ياخاف من الظلام .. ترافقه احدى اخواته اذا احتاج لدخول الحمام ليلا ....قل في نفسه ليته اتى بنتا مثل اخواته كان اهون بنت وخلاص ..
ذهب ثاني يوم .. كل ما تذكر الامر تأوه وتأفف حتى انتبه له زملاؤه ..
سأله زميله عوض : مالك ياعبد المحمود مهوم كدا لعله ما في واحد عيان ..
قال : ابدا بس المثنى ..
عوض : ماله خير انشاء الله ؟
عبد المحمود : طبعا زي ما عارف يا عوض اخوي المثنى مولود فوق خمسة بنات وبعده واحده ..
اها ياخي نحن دلعناه واخواته من هو صغير بقن يدافعن عنه لغاية ما بقى .....
عوض : خيخة ؟
عبد المحمود : شنو ؟؟؟
عوض : لا قصدي يعني بقى ضعيف وما قادر يحمي نفسه ..
عبد المحمود : ايوا بالظبط .. اها بقى كل يوم يجي البيت باكي ولا ينزف ولا يرعف يكون في ولد من الحلة داقيه وغالبا اصغر منه في العمر .. ونحن كمان ما ممكن نمشي ندق ليه الولد الصغير .. انا مش عارف حل للمشكلة دي عليك الله ما تنورنا ..
عوض : انا عندي ليك فكرة حا تغيرو ليك مائة وتمانين درجة ..
فرح عبد المحمود : قول عليك الله قول ..
عوض : تودوه لناس كمال اخوي في مركز الشباب ..
عبد المحمود : وناس كما اخوك بيعملوا شنو ..
عوض : يدربوه طبعا على الكراتيه معقولة انت ما تعرف كمال اخوي بطل قومي في الكراتيه وحاليا مدرب نمركز الشباب ..
عبد المحمود والله فكرة : لكن تفتكر انه التدريب على الكراتيه براه ممكن يخليه راجل ضكر ما يخاف ..

عوض : طبعا لا لازم يكون فيه برنامج متكامل يعني لازم انتو تزرعوا في نفسه بأنه هو بطل شجاع وتتظاهروا له بانكم في حاجة لحمايته ..وتدرب البنات في البيت يعملوا العكس ..يعني مثلا بدل ما هي تمشي تحرسو عشان يمشي الدكان بالليل خلي البنات هن يطلبن منه الحراسه لو ماشين مشوار .. يعني مثلا المثنى انا خايفه ارح وصلني الدكان او وديني لصاحبتي ..
عبد المحمود : والله كلام معقول جدا ويخش العقل لكن هو كيف يقتنع انه تعليمه للكراتيه حا يخليه يكسر اي زول وما يخاف ..
عندي فكرة ثانية : روح السوق واشتري اكبر عدد من افلام الكراتيه وروحوا اتفرجوا فيها في البيت لمدة اسبوع لغاية ما هو يتشرب الفكرة ويبقى مهووس بالكراتيه ..
عبد المحمود : ياسلام والله انت ريحتني .. المهم انت كلم لي كمال اخوك انا لغاية ما المثنى يكون جاهز بديك فكرة عن الموضوع اول بأول ..
عمنا عبد المحمود من مكان العمل مباشرة ناحية السوق ومحلات الافلام السينمائية واشرطة الفيديو ..

اولا اشترى جهاز دي في دي ..

وعزل افلام اي فلم فيه صورة صيني اشتراه .. بروسلي جاكي شان .. شان شي هو .. شاك شي شون .. كله اي صيني كراتيه او غير وان كان اشك في انه هنالك فلم صيني ليس فيه شئ من كراتيه ..

وراح البيت يخم كرتونة ممتلئة بالافلام وبالاضافة للجهاز ..

محاسن : يا راجل دا شنو الجيت خاميه لينا دا ..

عبد المحمود : اصبري بعدين بوريك .. يا اولاد جبت ليكم جهاز سيديهات افلام .. كلنا وبالمثنى حانساهر كل يوم نتفرج في الافلام نستفيد من اجازتكم دي انتو مش مؤجزين ...

محاسن : يا راجل انت ابو اليابا .. في ابو يجيب افلام اجنبية لاولاده وبناته عشان يتفرجوا فيها ..

عبد المحمود مغتاظا منها : يا ولية ما قلنا ليك اصبري بشرح ليك ..

تدخل محاسن المطبخ وهي لازالت تنقنق تعبيرا عن غيظها من تصرف الزوج الغريب ..

عبد المحمود يلحقها ناحية المطبخ ويحذر اولاده الا يتبعوه ..

ويشرح لها نظرية عوض وطريقة الحل المقترحة ..

تتظاهر بالاقتناع لكن دون ان تبدي امتعاضها .. هي نفسها تريد ان تصل للحل ..

ويبدأ في المساء بعرض الافلام بدءا .. بافلام بروسلي ... لعبة الموت والقبضة الحديدية وما ادراك .. ومن ثم جاكيشان .. وكيف يستطيع البطل ان يجلد مدرسة كاملة للكراتية دون ان يخدش بخدشة واحدة ..

صار عبد المحمود واسرته كل يوم متشنجين امام فلم جديد وبعض الافلام اعادوها اكثر من مرة .. بل تجدهم يركلون في الهواء ..ويرفسون في الهواء حتى البنات ..

وبعد ثلاثة او اربعة ايام سعد عبد المحمود وهو يشاهد التغيير في ابنه المثنى في الحوش وهو يصدر اصواتا مثل التي يصدرها ابطال الافلام .. مع صرخات بجمل من نوع ضربة القرد السكران .. وضربة الديك الاعرج .. وضربة الكوبرا .. وصرخات من نوع يااااع .. وهو يؤشر في شكل ضربات مع اخواته بل اصبح يطارهن : يا امي شوفي ولدك دا ..... اول مرة تنطلق تلك العباراة كان الشئ السائد : يا ماما ما تشوفي بناتك ديل .. مالهم يا حبيبي .. ابو يسوا لي العشا .. قومي يا بت يقوم نصك ... يا امي المسلسل قرب ينتهي .. يسلسل اقول ليك شنو بس قومي سوي العشا لاخوك ..

بدأ بتبسم عبد المحمود في نفسه وهو يرى ابنه طيلة النهار ينطط مقلدا حركات الكراتيه .. وقال في نفسه والله عوض دا ما ساهل حقو يبقوا طبيب نفسي ..
عبد المحمود من الي العمل فرحان بالصباح قال لعوض : والله انت راجل خطير ياخ مفروض تفتح ليك عيادة نفسية ..
عوض : خير اها الحاصل شنو .؟.
- ياخ الولد بقى طول اليوم ماشي ويصرخ ويسوي في حركات الكراتيه وساكي اخواته يخوفهم ..
عوض : يعني كدا بقى جاهز بعد كدا لو عرضت عليه فكرة مركز الشباب مع ناس كمال راح يطير طيران ..
ع المحمود : نجرب ..بس انت كلموا لينا يسجلوا معاه.. نحن العصر راح نمشي طبعا اذا وافق الولد ...
وفعلا بعد الغداء فاجأ عبد المحمود المثنى واخواته وفرحوا في ان المثنى اخيرا راح يكون بروسلي السوداني اي بروسلي زمانه او على الاقل جاكيشان كفاية قالت الام بعد ما تابعت الافلام وفهمت الوضع ..
نط المثنى فرحا واستعد وتشوق لدخول العصر للذهاب الى مركز الشباب الذي كان يبعد عنهم مسافة من المعقول ان يمشيها بالدرجة ..
اول يوم راح مع والده في السيارة
ولكن ايام التمرين كان يمشي بعجلته ..
اصر المثنى على امه واخواته ان يكون امر تدريبات الكراتيه سرية على اهل الحي ..( عشان هم كمان ما يمشوا ويبقى ما في فايدة ) هو صادق اذا كلهم تطوروا في وقت واحد سيبقى الوضع على ما هو عليه .. لكنه محتاج لقوة يفوقهم بها ..
التزم المثنى بالتدريبات .. وكان كل عصر بعد الغداء يحمل حقيبة ملابس الكراتيبه في كتفه ويقود دراجته ناحية مركز الشباب .. قبل ما يخرج ابناء الحي الى الميادين..
سألل منه بعض اصحابه او قل بعض المتسببين الذين يريدون موضوعا مع البنات كانوا يطرقون الباب مدعيتن السؤال عنه .. وكان الاخوات يتوهن الموضوع .. عنده درس .. راح عند عمتو ... راح سوق الخضار ..
وهكذا قضى المثنى ستة اشهر .. بانت اثار التدريب على بنيته الجسمانية وحتى صوته بدأ يخشوشن ..
اجتهد في اللعبة وحباها .. حصل على الحزام البرتقالي ... امه قالت له كفاية
يا ولدي كملت من لحم الدنيا ..
قال لا لا زم يصل الحزام الاسود .. لازم يكون بروسلي السودان ..
أحب المثنى لعبة الكراتيه بصدق .. وكان بالليل بعد مذاكرة الدروس يخرج في الحوش ويبدأ في تطبيق ما تعلمه اي ما تعرف بالكاتات في الكراتيه ..
أو يحضر كميات من الطوب ويبدا يكسرها بكفه .. وامه واخواته يشجعنه وامه تقول له : كدي يا يابا يهدي يد الرجال الصاح..
عبد المحمود يقول له ياولدي يدك البقت تكسر الطوبة دي ما تضربها زول في جمجمته تجيب لينا كارثة كمان ..
محاسن : خليه اليكسرها أها عاوز تدخل ليه خوف من نوع جديد كمان .. بدل ما يخاف من الناس يبقى يخاف عليهمم من نفسه؟ .. يا ولدي البهاجمك اديه في راسه طوالي ولا تخاف دفاع عن النفس .. بعدين الزول البتضربه بيدك .. دا بيكون قتل غير عمد ولا بتجيك اي عوجة اصلك ما تخاف من كلام ابوك دا ..
وضح هذا التعبير كم كانت مغبونة محاسن في السابق من حقارة ابناء الحي بولدها ...
بل اصبح المثنى حارس اخواته الامين الشجاع ملات نفسه الثقة .. لا يخاف الظلام والعنكبوت التي كانت تصيبه بالاغماء اذا نزلت على جسمه اصبح يهرسها بين اصبعيه .. والضب اصبح يهابه ويجري بمجرد سماع صوت خطواته .. كان هو سعيد بنفسه اكثر من الآخرين ..
لكن اكثر شئ كان يفكر فيه متى يذهب لاولاد الحلة ويصفي حساباته القديمة .. له علقة دين في رقبة كل من من عماد وطارق وياسر ووليد وخالد وهيثم وعمار .. كل نا تذكر واحد ظهر له الآخر من خلفه .. كلهم ضربوه وكلهم ادموه .. بعد الحزام الاسود وفي نفس يوم التخرج سيذهب لهم في الميدان وسيبلل التراب بدمائهم واحدا تلو الآخر سيكسر ايادي كما كان يكسر الطوب والاخشاب ..
مرات كثيرة عندما يصل لهذه المرحلة يضغط على اسنانه ويكسر الطوبة التي امامه بحرقة ينفث فيها كل غله وغيظه ..
مضى المثنى قدما في تدريبات الكراتيه جمبا الى جمب مع دراسته الثانوية ..
بل اصبح في السنة الثانية يوكل اليه المدرب تدريب المبتدئين ( بقى كوتش ) كما قال مبشرا امه وقالت له جدته كوشتي دي شنو سجمي ما يكون مودنك كوستي كمان .. قال لا لا ياحبوبة كوتش دي يعني مدرب ..
قالت الجدة : كدي يا يابا جيدلنا ..
قالت له هناء : يعني يا ثننوني هسع ممكن تقدر تدق اولاد الحلة كلهم في مرة واحدة ..
قال المثنى بكل فخر : ومعاهم ابهاتهم واماتهم كمان ..
تبسمت الجدة والام بكل فخر ..
باقي قليل على الحزام الاسود .. بل انصبت التدريبات الاخيرة كلها لهذا الغرض ..
كان المثى مهتما وهميما في تلك الايام .. كثير ما وقف في الصالون امام مرآة دولابه وبدأ يتدرب ويراغب بفخر في عضلاته المشدودة .. ..
الا ان جاء يوم التخريج ..
خبر المثنى والده بأنه اليوم سيكون يوم التخريج بالمركز بعد العصر ..
ذهب معه والده .. وفي المركز هنالك لبس المثنى لبسة الكراتيه المعروفة تلك اللبسة البيضاء
وقد كان في مرحلة الحزام البني لكنه اليوم فقط سيحصل على الاسود .. سيتخرج .. وسيخرج المارد الذي رباه في جسده لمدة سنتين ..
خلصت كل الاختبارات وتم التخريج وتم تلبيس المسنى الحزام الاسود بعد المهرجان الكبير والحركات الاستعراضية .
ربطه في وسطه وجاء لوالده يحمل معه الكأس ..
هناه الوالد واخذه متجهين ناحية السيارة سأله والده كالعادة : ما عاوز تغير لبس الكرتيه ..
قال المثنى : هو دا اليوم الوحيد الانا عاوز ادخل الحلة فيه بلبس الكراتيه مع

الحزام الاسود تقولي أغير يا ابي ..

عاد عم عبد المحمود مع ابنه المثني في سيارته بعد انتهاء الاحتفالات وقبل المغرب بقليل ..
كان المثنى يرتدي زي الكراتيه الابيض ويزينه الحزام الاسود في وسطه ..
كان ما شاء الله شكله وسيما قوي البنية وعريض الكتفين ..
كان عم عبد المحمود كل مرة يلتفت ناحية ابنه ويبتسم في رضا تام ..ويحمد الله في سره ويشكر صديقه عوض الذي دله على هذا الطريق القويم .. قال في سره الولد كان الين من اخواته .. الحمد لله نحن كنا وين وبقينا وين ..
عندما وصلوا قرب ميدان الكرة قال المثني : ابوي نزلني هنا ..
نظر الاب له باندهاش في الاول لكن وجد الصرامة والعزيمة في طلبه .. عرف في نفسه انه ...عاد لينتقم .. كما تقول الافلام .. وقال مالو خليه ينتقم يامى بكوه اولاد الذين ديل ..
ونزل فعلا المثنى قرب الميدان بزيه الرسمي ربع يديه في صدره ..ووقف ينظر اليهم بحزم وحقارة ..
لاحظ له زملاؤه ابناء الحي وهم بالطبع ليس لديهم ادنى فكرة عن الكراتيه وفاكرنه انه لبسة تم شراؤها له كنوع من دلعه المعهود ..
وبدأوا يسخرون منه .. ويضحكون ..
اما هو فقد شبك ساعديه في صدره ووقف ينظر اليهم بنظرات جادة واحتقار .. لم يرد على استفذاذعهم وضحكهم .. وقال في نفسه لو واحد منهم مد يده .. امانا ما في كلام تاني حا يحصل ..
عندما لاحظ له الشباب انه لا يستجيب لاستفذاذهم قرروا ان يتدخلوا بايديهم . وتقدمهم عماد وهو كان اكثرهم حقارة به منذ ان كانوا صغارا ..
وجاء عماد وشده من قميص الكراتيه قائلا : اها يا بروسلي .. وها ها ها ..
اما هو فصرخ صرخة بروسلي ووقف في وضع الاستعداد كما يفعل اهل الكراتيه
صرخة المثنى ووقفته الاستعدادية يبدو انها اثارت غضب عماد لانه غمض وحضن المثنى من وسطه ورفعه لاعلى وخبط به الارض على وجهه
وطلع في ظهره وبدا يضربه كما كان يفعل في السابق تماما ..
فزع ابناء الحي وجروا عماد وفصلوهم من بعض وهم يكتمون الضحك ..
المثنى استفذه الموقف وقال في نفسه لابد ان هنالك شئ خطأ اقنع نفسه بأن عماد غدر به وصرخ مرة ثانية ليعيد الهجوم ولكن عماد فعل نفس الشئ مسكه من وسطه وضرب به الارض ..
وللمره الثانية فصلهم ابناء الحي ..
في هذه المره استسلم .. وقام يجر خطواته ذليلا ناحية البيت تشيعه الضحكات الساخره ..
خلع الحزام الاسود من وسطه وبدأ يضمد به جراحه ويجفف الدم عن شفته العليا التي جرحت .. تخيل منظر اليابانيين او الصينيين الذين اخترعوا رياضة الكراتيه لو عرفوا ان الحزام الاسود سيتحول لضمد جراح صاحبه
حتى قميص الكراتيه الذي كان فخورا به قد تمزق من ناحية الكتف ..
عاتب نفسه صارت الحكم السودانية تجري في دماغه مثل شريط الاعلانات في التلفزيون ..
الحداث ما سواي
المحرش ما بيقاتل .
ما في دواس بلا ضغينة
جلدا ما جلدك جرو في الشوك
طيب ما فايدة الحزام الاسود قالها في نفسه ثم اجاب
لابد ان الحزام الاسود لليوم الابيض اي ايام المهرجانات والاحتفالات فقط ..
والا ما معنى هو وصل مرحلة ينط فوق عشرة من زملائه واقفين صف ويكسر خشبة على ارتفاع ثلاثة امتار ..
اين ذهب كل هذا .. وهاهو عما\د يرميه كما الخروف مثل ما كان يفعل في السابق ..
في هذه الحظة وجد صخرة في الطريق بين بيته والميدان .وقال في نفسه فليجلس عليها ..
كيف سيدخل البيت الان ويخزل كل الذين يعتبرونه بطلهم القومي .
كيف سيدخل عليهم بملابس ممزقة وفم نازف وعيون دامعة
يا للعار ..
لذلك بكى وخلع قميصه الممزق وبدأ يمسح به دموعه ..
كيف سيدخل البيت .. افضل له ان يهرب ويهاجر ويختفي ..
هم ظلوا لمدة عامين يحشدوا فيه لهذا اليوم .
يا للعار فعلا يا للعار..

ظل المثنى جالسا على ذات الصخرة يعاتب نفسه ويمسح دموعه .. ظل عاري جمسه الاعلى فقط بعد ان خلع قميص الكراتيه الممزق
قال لنفسه ما الذي جعله يخاف .. اين ذهبت قوته .. لماذا خاتته شجاعته .. لماذا ارتخت عضلاته في حين انه واثق في انه كان يمكن ان يخنق عماد بل يكسر عنقه .
من اين ظهر شبح الخوف من جديد وتلبسه كالمس الشيطاني ,,
وهو بين بكائه ونحيبه ركز على شلة الشباب اذ اجتمعوا خارج الملعب وانهوا تمرينهم وبدأوا يسخرون منه ويتولى عماد السخرية قائلا ..
-الظاهر كان نايم وحلم بأنه اصبح بروسلي وجانا طاير قبل ما الحلمة تطير منه .. وينفجر الجميع ضاحكين .. ويقول آخر لكن يا عماد انت سففتو تراب اظن لامن كان بيحبى ما سف قدرها .. وكذلك ينفجروا ضاحكين ..

كلما حكوا قصة وضحكوا كان داخله براكين تتفجر .. بل كاد دمه يغلي ويسمع غليانه بأذنه ..
بدأ يعبئ في نفسه .. ماذا لو شد عضلاته وضرب عماد تلك الضربة التي كان يكسر بها الطوب والخشب ...
يقول له الوسواس .. ما يمكن يموت ..
يقول لنفسه ما يموت ياخ .. ما هو انا بموت كل يوم مائة مرة بتريقته, وسخـريته .. ثم انه الوالده قالت لو مات واحد من ضربة يد ما عليه مسئولية الا اذا كان بعصى او آلة حادة .. وهو متأكد بانه لا يحتاج لعصى ولا الى آلة حادة .. بل هو واثق ان يديه ورجليه قادرات ان تحيل هذا الكوم الى كوم من العظام المكسرة ..
لازالوا هم يسخرون منه ويتندرون وهو لازال يعبي في نفسه ويغلي من الغضب ..
الشئ الوحيد الذي قرره حتى الآن انه لن يعود البيت منهزما منكسرا بعد كل ما بذلت اسرته في سبيله ..
المثنى في جلسته تذكر الصغار الذين يدربهم..كيف سيكون موقفهم منه لو وصلتهم هذه السيرة القبيحة المخجلة .. كوتشهم مدربهم تم رميه في الارض ومردغة رأسه بالتراب يا له من أمر مخجل ..
عندما وصل المثنى لهذه اللحظة وقف ..
هنالك واحد من الجلوس قال يا عماد بروسلي وقف الظاهر جاييك ..
عماد بكل لؤم : جاني انا البنوتي اخو البنات دا ..؟
سمع المثنى هذه الجملة وكانت كفيلة بأن تقدح الشرارة أذ تحرك بغضب ناحية الشلة ..
توقف عماد وهو ينفض التراب عن ملابسه ويقول لسع ما تبت يا ........
هنا وجد المثنى نفسه يجري وعندما اقترب من عماد بحوالي عشرة خطوات قفذ في الهواء وهو يصرخ وضرب عماد في وجهه بحافة قدمه مثل الطريقة التي كان يكسر بها الطوب وهو ينط فوق عشرة من زملائه في الاستعراضات .. بعدها سقط عماد وهو يصرخ ماسكا انفه ودم ينزف منه بغذارة .. اغتاظ خالد اخو عماد الصغير وتناول عكاز واتى لينتقم لشقيقه .. ولكن المثنى صد ضربة العصا بعد ما صد العصا وركل خالد في منطقة حساسة اسفل بطنه خالد فك العصا ومسك بطنه ولكن المثنى لازال حانقا على الاخوين اذ مسك ساعد خالد وضربة ضربه يبدو انها كسرتها .. لان خالد بدأ يصرخ ويمسك ساعده ..
اما باقي ابناء الحي وقفوا وبدا شكل المثنى مرعبا فعلا عيونه حمراء من البكاء وصدره عاري بانت فيه بنيته الجسمانية وعضلاته المتكتله نتيجة التمارين المكثفة ..بدأ الشباب يتراجعون للخلف وهو يمشي ناحيتهم ولا زال الاخوين يتلويان في الارض ويئنان من الالم ..
احد رجال الحي الكبار الذي يقع بيته مقابلا للميدان وكان عادة يجلس بكرسيه امام بيته .. هرع للاحداث ليحجز الاولاد من بعض ..
اول شئ مسك المثنى وبدأ يهدئ فيه تنفس الآخرين الصعداء عندما شاهدوا عم صالح افلح في تهدئة المثنى الهائج ..
اتلم اهل الحي ..
ومعظم اهل الحي شمتوا من ضرب ابناء عبد الحميد عماد وخالد ..
وبدأت الجمل تتطاير من نوع ..
يستاهلوا عاملين لينا فيها ضبان ضكر ..
ياخ ديل كرهوا الاولاد مروق الشارع
هم مستعمرين الحي هم وابوهم وامهم واخواتهم ..جاهم السم القدر عشاهم عفيت منه ود عبد المحمود ..
جاء عبد المحمود وأخذ بابنه وهو في قلبه يكاد يرقص فرحا ..
تظاهر بأنه يوبخ فيه ..
لولا ان تدخل عم صالح وقال له ولدك راجل تب انا شاهدت الاولاد ديل غلطانين وحقارين استفذوه وقطعوا ليه ملابسه رغما عن انه جا يتفرج بس ..
وعندما دخل عبد المحمود مع ولده ناحية البيت كادت محاسن وبناتها ان يزغردن لان الخبر سبقهم الى البيوت .. الا ان عبد المحمود كان واعيا وقال ان الزغاريد ستربي الحقد في صدر الولدين واهلهم ربما تربصوا به وعوقوه ..
جاء عبد الحميد وبعد ما اخذ ولديه للمستشفى احتج وقال انه لازم يفتح بلاغ في الشرطة .. الا عم صالح سبته وقال انه اولاده هم الغلطانين .. وحكى له تصرفهم ..أخذ ولديه للمستشفى ..من سكات يهز في رأسه ..
واصبح المثنى حديث اهل الحي .طيلة أسبوع ...
معقولة أخو البنات الدلوع المدلل ؟؟
في المجلس اليومي امام دكان حاج ابراهيم دار حوار الاعجاب والحيرة ..

وهاهم شلة الحاقدين تطورت سخريتهم بدأوا يؤشرون ناحيته ويضحكون 


دكان حاج ابراهيم هو مصدر التموين القريب في الحي
وهو كعادة مثل هذا النوع من الدكاكين هو بمثابة نادي او منتدى لرجال الحي ..
عم ابراهيم على جمب من فتحة الدكان وضع سرير قصير ( عنقريب) وكرسيين من بلاستيك بدأت تتهترأ وتتدلى منها خيوط البلاستيك
كثيرا ما تذمر نساء الحي من هذه الجلسة امام الدكان التي تحرمهن من زيارة البقالة في المساء فيضطرين لارسال الاطفال وكثير مايأتي الطفل اكثر من مرة بسبب سوء الفهم
( ياعم ابراهيم امي قالت ليك لبن بودة مش صابون بودرة ) نوع هذه الجملة مألوفة في المساء من الاطفال المرسلين للدكان ..
يبدأ تجمع المجلس من بعد المغرب الى العاشرة مساءا او اكثر بقليل ... حيث يبدأ الحي في رحلة السكون الليلي ويخلو الشارع من المارة ..
من جلساء المجلس الطاهر السحار وهو خضرجي له بسطة خضار في السوق المركزي وسمي السحار يقال لان له عين حارة .. بمعنى انه شديد الوصف ويؤثر توصيفه للاشياء في سلامتها .. لذلك كل ما وقف الطاهر السحار امام احد وقبل ما يعلق تجد الشفاه بدأت تمتم بالعاويذ والتفل والتكبير السري .. وعبد الحميد ابو عوة تاجر جملة بالسوق انسان شرير وصاحب شبك وسوابق
دكتور بابكر استاذ في الجامعة .. لا احد يعرف هو استاذ في اي كلية لم يسألوه ولا يحتاجون لان الجامعة عندهم تعني انه استاذ في كل شئ وهو لم يخزلهم ابدا لا يدرون هل اجابته على تساؤلاتهم صحيحة ام خطأ الاهم انهم مقتنعين بهذه الردود ..
ومن الجلساء ايضا وان كان هو نادر الحضور عبد المحمود ابو المثنى .. وصالح موظف بالبوستة سابقا والآن هو بالمعاش .. فتح محل لانابيب الغاز بالدكان الذي ببيته واكتفى به مصدرا للدخل اضافة لمعاشه ..

في ذاك المساء .. بدأ اعضاء نادي الدكان يتجمعون ..
اكتمل النصاب تقريبا عدا اثنين وهما طرفا حادثة ملعب الكرة عبد المحمود والذي لازال في بيته يحتفل احتفالا صامتا مع اسرته ببطولة ابنه التي تفجرت وعبد الحميد الذي لازال مع ولديه في المستشفى والذي اضطر ان يقول للمستشفى ان ولديه سقطوا من رأس البيت فانكسرت انف واحد ويد الثاني .. حتى يتجنب اورنيك ثمانية والشرطة ويتضح بعد التحقيق ان ولديه هما من جنيا على الولد فتبقى الحكاية ميته وخراب ديار .. اخذهما وهو يكاد يغلي غيظا .. معقولة هل انقضى عهد سطوته وابنائه على اهل الحي ومن مين من الولد شبه البنية هذا الذي طالما ضحكوا على دلاله وبكائه لاتفه السبب ..
بدأ الحديث عم صالح بتاع الغاز : يا اخوان شفتوا الليلة الشكلة بتاعة الميدان ..؟
قاطعه ابراهيم بتاع الدكان : ايوا تعالوا انتو في شنو ؟ قبل المغرب انا شايف من بعيد لمة وناس بتصرخ ما قدرت اقفل الدكان واجي عليكم اها في شنو ؟
عم صالح : يازوول المثنى ولد عبد المحمود كسر ليك اولاد عبد الحميد الاثنين كسر لواحد نخرتو وللثاني يده ..
ابراهيم : معقولة المثنى الولد البنوتي المدلع دا ؟؟ مالو لقى خاتم سليمان ولا شنو ..
الطاهر الساحر ويبدو انه ممن كانوا حاضرين : يازول خاتم سليمان شنو الزول دا جاهم بالسروال بس وجمسه فوق عريان يمين جسمه دا كله كراضم زي شوال المنقا ..
اعوذ بالله ... الله واكبر .. وبدأت التعوذات تنطلق من هنا وهناك ..
ابراهيم : يازول حرام عليك عاوز تقرض ود الناس هم ماصدقوا بقى ليهم راجل حا يخوف الحلة كلها بعد كدا ..
عم صالح ياخ قالو ليك الولد شغالين يبنوا فيه في السر لمدة ثلاثة سنوات ..
الطاهر السحار : ثلاث سنوات ليه اصله سد مروي ..؟
اعوذ بالله انت يازول عاوز تقرض ود الناس دا مالك ما تقول ما شاء الله ؟
الطاهر : ما قلت ماشاء الله كم مرة اقول ..
صالح : المهم يا دكتور ما تقول حاجة رأيك شنو في الموضوع دا ؟؟
د بابكر : ما انا ما قادر اركز معاكم رأي في شنو بالظبط ..؟
ابراهيم : يعني يكون عندك ولد دلوع مايل للعب مع البنات وجبــــان ممكن تغيرو زي ما عمل عبد المحمود في ولدو ..؟ وكيف الطريقة ؟
د بابكر : ممكن عادي انت عارفين انه الانسان يتكون من جسد وروح أي النفس .. الجسد ممكن يتغير بالتمارين والتغذية الجيدة ..
ابراهيم : يعني تمارين بس واكل ممكن تحول ليها راجل ميتان يكون زي جون سينا مثلا ..؟
د. بابكر الاكل والتمارين ممكن تحول مرة عشان تكون اقوى من جون سينا ذاتو
صالح : يازول دا كلام شنو دا ..؟
د. ابوبكر : ما الجسم عادة بيركز كل طاقته والمواد الغذائية على الجزء الاكثر استخداما في الجسم .. يعني مثلا أخذها بالمهن تلاقي العتالي مثلا يديه وكتفيه قويات جدا لكن ساقيه وفخذيه ضعيفات عكس لاعب كرة القدم . وهكذا .. لكن التمارين الرياضية يسموها الجمانيزم دي بتكون فيها ادوات وتمارين تمرن كل عضلات الجسم في وقت واحد . وكل ما يتمرن الشخص بيكون محتاج لمزيد من الاكل واللحوم .. وكل ما ياكل يبدأ الجسم يبني ويقوي العضلاات المستخدمة اكثر .. وبالطريقة دي ممكن الشخص يدخل معسكر مقفول لمدة ثلاثة شهور مع الاكل والتمارين يزيد وزنه وقوته ضعفين او ثلاثة اضعاف ..
ابراهيم : يعني حكاية سد مروي القالها الطاهر السحار دي ما بعيدة من الموضوع لكن . .تفتكر يا دكتور انه القوى فقط ممكن تحول انسان جبـان لبطل شجاع ؟؟
د ابوبكر : ابدا الحكاية محتاجة اولا لتحفيذ الرغبة وثانيا لزرع الثقة ..
الطاهر : كدي براحة براحة يا دكتور نحن باقي الكلام الكبار كبار دا مقعد نفهمو .
د بابكر : تحفيذ الرغبة دا مقصود به تخلي الولد يكون عنده رغبة شديدة في انه يتغير وتخليه يحس انه الوضع الهو فيه دا ما صحي ومخجل كمان..
الطاهر : اها دي تعملها كيف كمان ؟؟
ابوبكر : والله انا ما عارف عبد المحمود عمل شنو حتى يزرع رغبة التغيير في ولدو لانه في وسائل كثيرة .. ممكن بالكتب او بحكي القصص والرويات او افلام حكاوي تاريخية ..
طاهر : يعني تقصد يا دكتور انه حكاوي الحبوبات والحجى الزمان داك كان نوع من التربية ..
د ابوبكر : ايواا بالظبط عليك نور يا طاهر .. عشان تلاحظ نوع المشاكل المشابهة موجودة فقط في الاطفال المتربين بعيد من اجدادهم يعني ماعاشو في البيت الكبير .. لانهم ما سمعوا حكاوي حبوبات وهي تلاحظ طلها قصص فروسية وحكاوي نوع فاطمة السمحة والغول .. هي قصص تمجد الذكر كذكر والانثى كأنثى .. مافيها قصص معكوسة ..
ابراهيم : معكوسة كيف يا دكتور ..
د: ابوبكر : لو تتذكروا حكاوي زمان ما فيها مرة مسترجلة او ارجل متأنث..
وفي هذه اللحظة يتحرك ناحية الدكان عبد المحمود .. بعد ان حل مشكل بيته وضمدوا جراح ابنهم لا ننسى انه المثنى جرح في شفته غير خدوش الجلد ....
الطاهر : خلاصوا غيرو الموضوع عبد المحمود جايي .
دخل عبد المحمود على المجلس محييا : السلام عليكم يا أخوانا ..
رد الجميع في الاول برد جماعي الا ان الطاهر لم يكتفي ..
الطاهر : الله يحييك يا ابو المثنى ياخ ..\
عبد المحمود بعد ان تمتم وتعوذ وعرف ان ابنه كان مسار النقاش اليوم ربما كل اسرته فرد تحية الطاهر الخاصة مشجعا له على الافصاح ..
- اهلا يا ابو عبد الله اخباركم شنو ..
ابراهيم : لا بس كنا جيابين سيرة الشكلة لعلوا ولدك ما تعوق شديد ..؟
عبد المحمود : لا لا لا جرح بسيط في الشفة وخدوش في الجلد لكن كويس الحمد لله ..
ابراهيم : هو الحاصل شنو بالظبط انا طبعا قاعد في دكاني دا ما شفت حاجة ؟؟ اصلو باقي اولاد عبد الحميد ديل قلة الادب والحقارة مكملنها ..
عبد المحمود بثقة : ها دا كان زمان ..
الطاهر السحار: وهسع الاتغير شنو ؟؟( سؤال خبيث هو اصلا يريد ان يعرف كيف تحول المثنى الطري الى شوال منقا نيه كما وصفه من قبل )
عبد المحمود : لييه هو عم صالح دا ما حكى ليكم ؟
ابراهيم : لا نحن عاوزين نعرف الخلفيات ..ما تقول حاجة يا دكتور؟ ..
دخل الدكتور في حرج هو لا يريد ان يلعب دور النسناس الذي يغتاب الناس مكانته العلمية والاجتماعية لا تتناسب مع هذا الدور .. لكن طالما هو قرر ان يجالس هؤلاء الجهلاء الذين يستمعون له اكثر من طلابه بالجامعة عليه ان يدفع الثمن ..
حاول الدكتور ان يزوق من الحرج بأسلوب علمي : ابدا يا ابا المثنى كنا بنتكلم عن الدور الاسري في تربية الابناء وكيف تقويم الطريق باسس علمية اذا لوحظ انحراف الناشئ عنه باسلوب علمي بسيط ..وطبعا كان سبب الموضوع هو شكلة اليوم يعني .. يعني اولاد عبد الحميد هم مشروع لرباطة المستقبل كيف استطاع ان يهزمهم ابنك ويكسر شوكتهم بدون حاجة لسند اسري كالاخوان مثلا ..
عبد المحمود مشجعا الدكتور ومحاولا اخراجه من نوبة الحرج التي دخل فيها : يا دكتور انا اصلا جايي اناقشك في نفس الموضوع ..
ارتاح الدكتور وخف عنه التوتر نتيجة لهذا الرد الدوبلماسي الرائع من عبد المحمود ..
الدكتور : اتفضل يا عبد المحمود اسأل ..
عبد المحمود : تتذكر يا دكتور ولدي دا زمان كان يخاف من الديك والسخل والغنم وكل مخلوقات الله .. لكن هسع الحمد لله زي ما حكوا ليك ما بيخاف حتى من الاسد .... انا عاوزه يثبت على كدا وما يتغير مفروض أعمل شنو ؟
ابراهيم : ايو دا الكلام يا دكتور كلنا محتاجين نفهمه وعايزين ولدنا المثنى دا يكون قاهر اولاد عبد الحميد ديل للابد ..
الدكتور : دا يتوقف على انك اولا تشرح لينا كيف انت قدرت تغيره كدا ؟
عبد المحمود شعر بانه تورط .. هو لا يريد ان يفضح مشروع تغيير ابنه بكل تفاصيله فيبخس الفكرة من اساسها بعد ان تنتشر الحكاية ويحس الناس ان ابنه بطل مصنوع او نمر من روق كما يقال .. لذلك تطلب منه الآمر ان يجعل قصة ابنه قصة عادية بمعنى تربية اجداد .. فقال ..
- والله ولدي دا في الاول نحن قفلناه في البيت مع اخواته وحرمناه من لعب الشارع .. ولمن طلع الشارع ما قدر يتكيف مع الاولاد فاعتمد على مراقبة وحراسة اخواته مما زاد الامر سوء .. انا في النهاية وبناء وصية زميل مختص بديت ارسله لبيت جده عند امي وابوي .. جده بدأ يحكي له عن البطولات التاريخية وعن الثورة المهدية والتاريخ الاسلامي وخالد بن الوليد وضرار بن الازور .. وكذلك ..
د. بابكر : لا خلاص فكرتك وصلت هو دا نفسه الكلام الكان قلته ليكم لابد من زرع الرغبة في الولد في البداية ومن ثم تربية الثقة في نفسه .. بس ممكن تدينا فكرة يا عبد المحمود كيف قدرت تربي فيه الثقة في نفسه ؟؟
عبد المحمود ارتاح الى ان القصة التي حكاها وجدت قبولا وهوى في نفس الدكتور وطابقت نظريته .. : وقال مسألة الثقة دي بديناها بالتدريج في الاول انا كنت بروح اوصله بيت جده وارجع اجيبه وبالتدريج يقيت مثلا اوصله واقول له لو اتاخرت ارجع البيت براك وانت راجل اكيد ما بتخاق وكنت اراقبه من بعيد .. ومرات اقول له روح وصل اخواتك ديل بت جدك او وصل اختك لصاحبتها عشان هي بتخاف ..
تفاجأ عبد المحمود ان الدكتور يقاطعه بصفقه وهو يقول : يا سلام عليك هي دي الطريقة العلمية الصحيحة لزرع الثقة في طفل مضطرب عاطفيا زي ما يقول الكتاب بالظبط ..
الطاهر : لكن الحكاية دي كلها ما فيها حكاية التمارين والعضلات والكراتيه اوع تقول لينا جده هو دربه على الكراتيه الا يكون جده دا صيني ولا ياباني ..
ينفجر الحضور ضاحكين لسخرية الطاهر اللازعة ..
لكن عبد المحمود يرد بغيظ : لا جده لا صيني ولا حاجة .. انا عندي زميلي في العمل هو اخوه كامل مدرب الكراتيه في مركز الشباب المعروف قلت لاخينا عوض المثنى عنده رغبة يتدرب مع كامل .. كلمه وتمت الموافقه .. يعني قبل ثلاثة سنوات كدا .. المهم من يومها المثنى لغاية ما وصل مرحلة الحزام الاسود وبقى مدرب هو كمان ..للدفع الجديدة .ما غاب ولا يوم عن التمارين ..
د بابكر : ما شاء الله .. يعني ممكن نجيب اولادنا يدربهم لينا ..؟
الطاهر : ايوا والله ياريت بدل الكره المكرهننا بيها دي اريت لو دربهم على الاقل يخلوا لينا اولاد عبد الحميد ديل زي الغنم ..
- عبد الحميد منو الداير اولاده يكونوا زي الغنم ..يا الطاهر ..؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
انطلقت الجملة بصوت عالي ويتفاجأ الجميع ان عبد الحميد واقف فوق رأسهم والغضب يكاد يفجر رأسه ..وعيونه ينطلق منها الشرر ..
ارتبك الحاضرون بدخول عبد الحميد المفاجئ عليهم وضبطهم متلبسين باغتيابه هو واولاده ..
- اتكلم يا الطاهر عبد الحميد منو الحا تخلوا اولاده زي الغنم ومين الراجل اليقدر يعمل كدا ..؟
الطاهر بعد ان وجد الجميع صامتون وهو وحده المعني بالكلام ..
قائلا : العفو يا عبد الحميد نحن كنا بنسأل عن صحة اولادك كيف اها انشاء الله حالتهم ما خطرة ..
عبد الحميد لازال في شره وغيه وغضبه : اولادي لسع الراجل البيخلي حالتهم خطرة ما اتولد ..
الطاهر وجد نفسه يرد وهو يتلفت على الآخرين راجيا منهم استلام الحوار ولسان حاله يقول لهم ماتفكونا من البلوة دا ؟
فقال : لا ما شكلة امس العوقهم فيها ولد عبد المحمود ؟
عبد الحميد : الولد السحسوح دا يقدر يعوق اولادي كان ما مسكوهم ليه اولاد الحلة ؟؟
عبد المحمود بعد ان هبشه راس السوط بهذه الكلمة : يا راجل ما تحترم نفسك وبعدين مينن قالك انه اولاد الحلة مسكوا اولادك للمثنى يا صالح احكي ليه الحقيقة الظاهر اولاده ضللوه .
د بابكر : اهدأ يا عبد الحميد يا اخي وهو نحن حا نخسر بعض عشان اولادنا اتشاكلوا .. حليل ايام زمان .. زمان لامن كنا نتشاكل اي ابو يكون موجود يعاقب الطرفين بدون حساسية من الاب الغايب .. زمن ..
عبد الحميد : انا اولادي غدروا بيهم الاولاد معقولة في حاجة يقبلها العقل المثنى دا زمان كان يبكي من صلاح ولدي الاصغر منه بخمسة سنوات هسع يقدر هو براه يضرب عماد وخالد المخوفين الحلة دي كلها ؟
عبد المحمود : شوف هنا يا عبد الحميد نحن ما ناس شر .. ولا عايزين نخوف لينا زول او نضطهده لكن لازم تعرف انه زمن الحقارة ولى وانتهى .. وانت مفروض تعلم اولادك وتخليهم يتعاملوا مع الاولاد بندية وكلهم اولاد تسعة .. لكن اولادك من زمان مستعمرين الحلة تمرين الكرة ما يبدأ الا اذا وصلوا وهم يقسموا التمرين على كيفهم .. دي حاجات خلاص الشعوب كلها اتحررت وبقت ما مقبولة ..
عبد الحميد : شنو هو انت كبرت الحكاية وعملتها لينا شعوب وتحرير ما فاضل الا تقول ولدك عمل انقلاب عسكري في الحلة واستلم السلطة ..
عبد المحمود ضاغطا على اسنانه بالغيظ : ياخ افهمها زي ما تفهمها .. وصدقني وانا اقولها ليك قدام الرجال ديل عشان يكونوا شاهدين انا من الآن ا راح افتح بلاغ ضمان في المركز ضد اولادك انهم لو تعرضوا لولدي اي حاجة تحصل ليهم بعد كدا ولدي غير مسئول..منها .
عبد الحميد : يا سلام هو ولدك دا ركبت ليه مكنة عنتر بن شداد ولا شنو ..؟
د بابكر يا جماعة اهدوا ..
في هذا الوقت يأتي ناحية الدكان المثنى بنفسه يسلم عليهم جميعا : السلام عليكم ..
يلتفت الجميع ويتأملوه برهة قبل الرد : كان يرتدي بنطلون تمرين من النوع المطاط وفنيلة نصف كم تبرز بنيته الجسمانية ..
عبد المحمود يلاحظ نظراتهم ويبدأ يتعوذ ويحصن في ابنه وخاصة بعد ما لاحظ نظرات الطاهر السحار التي جعلت عيناه تكادان تطيران من محجريهما ..
- المحمود : خير ياولد في شنو .؟
المثنى : عاوزنك في البيت جدي وحبوبتي وصلوا ..
د. بابكر : كيفك يا مثنى انشاء الله ما تكون اتعوقت ..
المثنى : لا يا دكتور بسيطة الحمد لله ..
ابراهيم يقتله الفضول : اتفضل يا المثنى اقعد معانا شوية ياخ ..
المثنى : لا اسف عندنا ضيوف في البيت ..
ابراهيم بصوت عالي كانه يريد ان يلجم الطاهر وعبد الحميد الذي بدأت ثورته تخمد وبدأ دون ان يحكي له احد يكذب رواية ولديه في ذهنه تدريجيا
قال ابراهيز: ماشاء الله ربنا يحفظك يا ابني .
وانصرف عبد المحمود مع ابنه ..
وخيم صمتا قصيرا بعدهما على الدكان ..
عبد الحميد يبدو انه بعد ما شاهد المثنى خمدت ثورته فعلا ومال لتكذيب رواية ابنائه وقال : يا اخوان ما تورونا الحاصل شنو يا صالح قول قالوا انت حاضر الشكلة من اولها ..
الطاهر السحار شامتا : عييك زولك آمن الظاهر عليه ..
صالح : يا عبد الحميد انا كنت قاعد في الكرسي بتاعي كالعادة بتفرج في تمرين الاولاد .. اها جا عبد المحمود بعربيته وقف ونزل ولدو .. الولد كان واقف بكل احترام يتفرج في التمرين .. اها قام اولادك والاولاد الباقين عشان نكون صادقين يتريقوا منوا ويسخروا ويضحكوا لانه هو كان لابس هدوم الكراتيه .. ويقولوا ليه يا بروسلي ويا شنو ما عارف ..
هو بس كان مربع يدينه في صدروا ولا يبرد عليهم ولا شغال بيهم .. اها قام ولدك عماد ما اكتفى بالكلام جا جراه من القميص بتاعه .. لامن هو حب يقاوم عماد رفعوا فوق وضرب بيه الواطه .. جوا الاولاد فصلوهم من بعض .. شوية تاني جا عماد مسكوا رماه في الارض على وشوا لامن انجرح وبقى ينزف دم وقميصه اتشرط ..
عبد الحميد : كيف يكون ولدي هو الدقاه ويتعوق هو انت حتى الان تفول عماد رماه في الارض مرتين وشرط له هدومه ..
الطاهر : يا زول ها ما تصبر دي المناظر الفلم لسع ما بدا .. اها كمل يا صالح ..
صالح : الاولاد فصلوهم من بعض والمثنى مشى قعد له في حجر من بعيد وقلع قميصه المشرط وقعد عريان يعاين من بعيد الظاهر هو خجل يمشي بيتهم بالحالة دي .. اولاداك بعداك ما ريحوه بدأوا يستفذوا فيها ويضحكوا مع باقي الاولاد .. بس هو لامن هبشو وقالوا ليه اخو البنات والبنوتي وقلة ادب من النوع دا مشى عليهم مرة ثانية ... لكن من دون الاولاد القاعدين طلع له ولدك عماد مو عامل فيها زعيم .. بس اشوفلك المثنى نط فوق وضربه بحافة رجله بس ولدك وقع في الارض وبقى يفرفر زي الخروف المضبوح ويصرخ و هو ماسك وشو .. اها ولدك التاني خالد خطف له عصايه وجا جاري المثنى مسكها منو تحت اباطو وضربه بيده الثانية ... يمين ما طالبني حليفة كع دي سمعتها انا من دكاني يمين كسرلو يدو زي قصبة السكر ..
طاهر السحار : علي باليمن قصبة السكر ذاتها ما في راجل بيكسرها بضربة واحدة ..
ابراهيم : الله اكبر عليك انت ود الناس دا الليلة ماك ناوي تبيتو في سريره ولا شنو ..
صمت عبد الحميد وسرح وبدأ الآن يفهم كلام عبد المحمود وقصدو شنو ببلاغ ضمان ... يعني الان لو اولادوا اتعرضوا للمثنى زي ما كانوا ناويين يمكن المرة دي يكون فيها موت عديل .. وصل هذه النقطة وبلع ريقه ..
يا اخوان عن اذنكم عندي مشوار .. وذهب ..
الطاهر: يا جماعة والله الزول دا خاف له خوفة .. الظاهر اولاده كانوا غاشنه ..
د. بابكر : هو اولاده ما غاشنو لانه اولاده نفسهم ما مصدقين الحصل عليهم لانهم في نفس اللحظة هم رموه في الارض وجرحوه .. يعني الكلام دا لو كان بعد شهر مثلا رجع وانتقم كان ممكن يكون في شئ اتغير .. لكن الشئ الهم ما فاهمنه شنو هو الاتغير وخلى الولد يتحول من نعامةجبانة الى اسد في نفس اللحظة ..
ابراهيم : يا دكتور السؤال دا محول ليك انت ..
الطاهر : سؤال شنو كمان ..
ابراهيم : كيف اتحول المثنى من نعامة لاسد في نفس اللحظة ..
د بابكر يبدو انه المثنى الفترة الكان قعد فيها في الحجر كانت زي تعبئة ذاتية .. يعني قعد يحسب ويفكر كيف يروح لاهله منهزم بعد ما تعبوا فيه وصرفوا فيه دم قلبهم .. وزاد التعبئة انه الاولاد بدأوا يسخروا منه لغاية ما وصلوا لجملة معينة كانت قمة الاستفذاذ وصلت الغضب نهايته ..
ابراهيم : والله تجربة عبد المحمود وولده دي بقت لينا درس اليوم اتعلمنا منها حاجات كتيرة خلاص ..
عبد الحميد وصل بيته وفتح الباب بعنف احدث ضجة عالية في بيته ....
عرف افراد اسرته انه حضر غاضبا وخاصة الولدين كانا راقدين على السرائر وامهما تدلل فيها واخوانهم الصغار من حولهما ..
عبد الحميد : يا اولاد انتو تغشوني انا يا جبنـــا يا خوافين ..
أم عماد : يا راجل قول بسم الله مالك جايينا هايج كدا .
عبد الحميد : يا وليه انتي انطمي انا بسأل في الحمير ديل .
أمعماد : تسأل من شنو انت ما قلت حاجة لسع ؟
عبد الحميد : انت يا عماد وخالد ما قلت لي انه اولاد الحلة كانوا ماسكنكم وولد عبد المحمود يدق فيكم لغاية ما عوقكم ؟؟
هنا جحظ الولدين عيونهما عرفوا ان والدهم كشف الحقيقة ..
أم عماد : ما صحي هو ولد محاسن الدلوع كان ما مسكوهم ليه بيقدر عليهم زمنهم كله يبكوا فيه .. كم مرة امه وحبوبته وجدو جونا هنا شاكين من اولادنا ..
عبد الحميد : يا ولية ما قلت لي انت ما عارفة حاجة .. ولد عبد المحمود البتقولي عليه دلوع دا وقع فيهم دق كلهم لو ما صالح بتاع الغاز مسكوا منهم كان حول الحلة دي كلها لكوم عضام .. على فكرة اولاد الحلة القالوا ليك مسكوهم ديل كانوا واقفين مع اولادك .. يعني ببساطة كدا ولد محاسن دق الحلة كلها بما فيها اولادك ديل باتمان وطرزان ..
ام عماد : يا راجل دا كلام شنو .
عبد الحميد : اسأليهم ياهم ديل قدامك خليهم يقولوا كلام غير كدا ..
أم عماد : أجي يا عماد الكلام دا صحي .. خالد قول انت ..
يطاطئ الولدين رأسيهما خجلين ..
عبد الحميد : انا مشيت لشلة الدكان منفوش الريش متوعدا وقايل اولاد الحلة اتأمروا على اولادي لامن عرفت الحقيقة مسكتني ملالة وما قدرت اقعد ولا لحظة .. مش كدا وبس عبد المحمود يهددني يقول لي اولادك لو ما لميتهم عليك تتحمل مسئولية اليحصل ليهم براك ..
أم عماد : هو في شنو الولد دا لقى خاتم سليمان ولا بقى ساحر ..الولد كان يبكي من الاطفال في الحلة دي .. عصومي الصغير دا كان يبكيه .
عبد الحميد : لازم تعرفي يا ولية انه الظلم ليه نهاية .. اولادك كانوا مفترين ..
والناس ماراح يستسلموا للابد ..
في بيت عبد المحمود كان الجد والجده مع الاسرة يحتفلون بطريقة غير مباشرة ببطولة المثنى او بمعنى آخر بالنقلة النوعية الكبيرة التي جرت في حياته وسلوكه ..
هم لم يفصحوا بهذا الفرح .. لانك ليس منن المنطقي او المقبول ان يحتفي اهل بفوز ابنهم في شكلة في الحي ..
الجد : الحمد لله يا ولدي ما اتعوقت ..
المثنى الحمد لله يا جدي ..
عبد المحمود : لكن المشكلة عبد الحميد واولاده ما من النوع البيستسلم بسهولة اكيد حا يتعرضوا للمثنى مرات ومرات ..
المثنى : انا مستعد ليهم في كل مرة اديهم درس جديد ..
عبد المحمود : الله يحفظك يا بني شايف دكتور محمود ورجال الحلة عايزنك تدرب ليهم اولادهم ..
المثنى : انا ما عندي مانع بس استأذن من الكوتش كامل انه ممكن نفتح مدرسة فرعية هنا في حلتنا لكن الكراتيه اهم حاجة فيها االبس الابيض المعروف .. لانه اللبس بيعني الالتزام ويعني الجديه ويعني القوة ويعني السلام ..
الجد : طيب المشكلة شنو ما يلبسوا الابيض ..
المثنى : لكن يمكن ما يقدروا يشتروه ..
الجد : انا متبرع ليكم بالقماش انت اجمع منهم اشتراك حق الخياطة بس ..
فرح الجميع بهذه الفكرة..
في اليوم التالي انتشرت الفكرة في الحي جمعت الاشتراكات ..
وخلال اسبوع واحد تحول ميدان كرة القدم الى ميدان تدريب لعبة الكراتيه
وكان الاباء يترصون جلوسا بالكراسي يتفرجون على المثنى وهو يجعل من ابنائهم قوى ..
الوحيدين من كانوا بعيدين عن هذا المهرجان هم عبد الحميد وابناؤه ..
كانوا يمرون بالميادين وهم تزداد كراهيتهم للمثنى .. هو لم يكتفي بانتصاره عليهم بل تعرضوا له اكثر من مرة وحصدوا نفس العلقة واكثر .. صحيح هم لم يتكلموا بها وهم يدرون بأن المثنى هو اكبر وانبل من ان يحكي عن
بطولاته بنفسه .. وكانوا ياتون باصابات جديدة ويدعون احداث مختلفة . .كأن يقول احدهم وقع من العجلة او اتزحلق في الحمام .. والمثنى يتبسم ولا يكذبهم مما زاد غيظهم وحنقهم عليه ..
بل ما زاد غيظهم اكثر ان التمرد استشرى في الحارة واصبح الصغار وابناء الحي لا ينصاعون لاوامرهم ... في السابق كان جملة من نوع فلان امشي جيب لينا موية باردة من بيتكم .. كفيلة بان تجعله ينطلق دون تردد .. والا ....
اما الآن لا احد يسمع كلامهم ولا احد يهابهم .. وكل هذا بفضل المثنى لم يكتفي بانتشال نفسه من مستنقع الخوف الذي كان يعيشه .. ها هو الآن يقود ثورة وينتشل فيها كل ابناء الحي من سطوتهم ..
اخيرا بعد ان تراكم حنقهم وبلغ سيلهم ذباه سولت لهم انفسهم أمرا
فصبر جميل والله المستعان على ما يصفون ..
كما قالها نبي الله يعقوب وهو يحس بنوايا ابنائه تجاه اخيهم يوسف ..
الله يستر من القادم
قالها عبد المحمود وهو ينظر نظرات الغل في عيني عبد الحميد وابنائه اتجاه
ابنه وهو يجتهد في تدريب ابناء الحي ..
اعتاد المثنى في كل صباح وبعد صلاة الفجر ان يجري حول الملعب حوالي عشرة مرات ..
هو التزام اعانه للحفاظ على لياقته ..
وبعد ما يخلص من الجرية الصباحية يقف ويؤدي تمارين الكراتيه او مراجعة حفظه للحركات التي تدرب عليها ..
بمعنى آخر هو خصص فترة الصباح لتدريبات الشخصية .
ومع شروق الشمس يكون قد خلصت تدريباته يذهب الى البيت يستحم ويشرب الشاي قبل ما يتجه الى مدرسته ..
كل اهل الحي اعتادوا على هذا الوضع تقريبا ..
كذلك العائدون من المسجد والذاهبون لاعمالهم اعتادوا ان يشاهدوا المثنى يؤدي تدريباته اليومية ..حتى قبل ان ينقشع الظلام ..
كما ان هنالك اربعة عيون ايضا كانت تراقب هذا المشهد اليومي وتخطط بالغدر
هما عماد واخيه خالد اولاد عبد الحميد ..
بلغ بهم غيظهم وكيدهم شأوا بعيدا ..
عرف الاخوين ان المواجهة المباشرة مع المثنى حتما ستنتهي لصالحه .. وقد حاولا اكثر من مرة ان يجابهانه وكان نصيبهما علقة جديدة في كل مرة
اذا لا سبيل للانتقام سوى الغدر في الظلام الحالك ..
وطالما اعتاد المثنى ان يبدأ تمارينه في هذا الظلام اذا هي فرصتهم الوحيده ..
وكذلك يجب ان تكون ضربتهم في هذه المرة قاضية حتى لا يقوم من جديد
ويغلبهم ويقلب الطاولة على رؤوسهم كما كان يفعل في كل مرة ..
في صباح يوم ثلاثاء تقوم محاسن منزعجة ..قبل صلاة الفجر .. وتبدأ تتفل عن يسارها وتتعوذ ..
يسألها زوجها عبد\ المحمود بعد ان استيقظ بحركتها سألها عن سبب صحوها مبكرا ..
محاسن : الليلة شفت لي حلم كعب خلاص ..
عبد المحمود خير انشاء الله .
محاسن : انا ما عايزه احكيه عشان ما يتحقق .. مش قالو الحلم الكعب ما تحكوه ؟؟ بس عايزة حاجة عليك الله اقنع المثنى انه الليلة ما يروح التدريب بعد صلاة الصبح ..
عبد المحمود ليه في شنو قلقتيني ..
محاسن : ما في شئ واضح بس انا ما مرتاحة لتمرينه في الضلام دا ...
عبد المحمود : انت ما عارفه راسو قوي خاصة لو شاف اننا خايفين عليه ..
ويخرج عبد المحمو\د ويروح ليوقظ ابنه للصلاة يكتشف انه مستيقظ وجاهز بلبس لبس التمرين ..
عبد المحمود : يا مثنى يا ابني ياخ انت تمرين بالليل دا ما تخليه .. كفاية تمرين العصر ..
المثنى : ليه في شنو يا ابوي ما تمرين العصر دا للاولاد والصباح دا تمريني انا ..
عبد المحمود : يا ولدي زمنك كله بقى موزع للرياضة ما عندك وقت للمذاكره ..
المثنى : يا ابوي هي كلها ساعتين في اليوم .. ساعة في الصباح وساعة بعد العصر .. والمثل يقول العقل السليم في الجسم السليم وانت تعرف التمارين ما اثرت في مستواي ..
عبد المحمود : بصراحة كدا امك قلقانة عليك وخايفة من تمرين الصباح .
المثنى : يا ابوي انتو لسع بتخافوا علي هو انا ولد صغير بعدين براكم شفتوا البيتعرض لي بأدبو كيف ..
خرجتت الام وبدأت تترجا فيه بأنه يرجع مع ابوه من الصلاة ولكنه رفض الاستسلام اصر على التمرين اليومي .
اخيرا قال لها عبد المحمود خليك مؤمنه انه الحذر ما بيمنع القدر ..

خرج مع والده الى المسجد كالعادة وبعد الصلاة عادا الى البيت لبس حذائه الرياضي وتوجه ناحية الميدان ..
اليوم كغير العادة لاحظ شبح نفرين جالسين يتهامسون في طرف الميدان لم ينشغل بهما .. وبدأ جريته الاولى حول الميدان ..
وعندما وصل بمحاذاتهما ادخلا راسيهما على بعض حتى لا يتبين الملامح .. هو اصلا لم يكن حريصا ليعرف من يكونان ..
لف حلقته الاولى .. وفي الحلقة الثناية اول ما تخط النفرين .. تحركا خلفه
مسرعين ..
اجم النفرين المثنى من جهة ظهره فجأة وطعنوه بسكين طعنتين في ظهره ..
صرخ هو اما الجانيين جريا في الظلام ..
سمع صالح صوت الصراخ وهو كان قد حضر من المسجد متجها لبيته ولا حظ للشابين وهم يدخلان في احد الازقة ..

نادى صالح باعلى صوته : الحقوا يا ناس المثنى طعنوه ..
صوته العالي عم كل الحارة .. بدأت البيوت تتفتح وجروا ناحية الميدان ليجدوا المثنى ينزف بشدة ويتأوه من الالم .ز
وبالطبع وصل عبد المحمود وافراد اسرته مرعوبين والام بدأت تنوح ..
وتقول : ما قلت ليه ما يمشي والله انا حاسة في مصيبة حا تحصل ليه .. .
عبد المحمود : دا ما وقته هسع خلونا نلحقه المستشفى بسرعة يا ناس .. احضروا السيارة وحملوه مسرعين ناحية المستشفى ..
واتصلوا لاستدعاء الجراح والطاقم الطبي من بيوتهم لعمل عملية مستعجلة محاولة لايقاف النزيف ..

وصلت الشرطة وسمعوا اقوال صالح وهو يوصف شكل المعتدين ..

كل الادلة والقرائن كانت تصب في اتهام اولاد عبد الحميد ... حتى وصف صالح للشكل يكاد ينطق اسمائهم ..

عبد الحميد اصر على الانكار وادعى بأن ولديه لم يكونوا بائتين في البيت بل راحوا يحضروا حفلة في بيت جدهم في حي بعيد ..

تحصلت الشرطة على السكين مرمية في نفس الشارع الذي قال عليه صالح ان الجناة جروا من ناحيته .

فحص ناس الشرطة البصمات التي بالسكين ووجدوها انطبقت على عماد عبد الحميد ..

تم القبض على ولدي عبد الحميد ..

وبعد الضغط عليهما اعترفا بالجرم ..

اسقط في يد عبد الحميد بل حمله اهل الحي جزء من الجريمه على الاقل بتهمة التحريض ..

في المستشفى نزف المثنى كثيرا وفقد الوعي ..
ادخل غرفة العمليات .. وقال لهم الجراح وهو يحاول ان يهيئهم لاسوأ الاحتمالات ..
ان الطعنتين واحدة اخترقت الرئة والثانية اخترقت الحجاب الحاجز ..
الحمد لله كانت الطعنات بعيدة عن القلب .. ولكن لازالات حالته خطرة .. وهم يحاولوا ان يسيطروا على النزيف حاليا ..

اجتمع اهل الحي في حوش المستشفى وامام غرفة العمليات..

كان النسأء يبكين بحرقة وينحن ..

الرجال لم يستطيعوا اسكاتهن بل قل انهم فايتنهم بالصبر ..
لان على مدى تقريبا ثلاثة او اربعة شهور اصبح المثنى ابن الجميع ..
احبه الاطفال قبل الكبار وحكوا لاهلهم عن اهتمامهم بهم وتحبيبهم في لعبات الدفاع عن النفس ..
شعر الاهل ان المثنى اخذ منهم عبئا كبيرا فيما يختص بتربية الابناء ..

لازالت اللمبة في غرفة العمليات تنير حمراء .. اشارة الا ان الامر لازال خطيرا ..

الابتهالات والادعية والتمتمات تصدر من هنا وهناك .
وكل مرة تبرز عبارة .. يارب من شخص ما ..
مما يدل على ان الدعاء داخل الصدور اعظم ..

هذه المشاعر الصادقة من الجميع خففت آلام الصد\مة على عبد المحمود واسرته ..

يارب

قالها مرة اخرى عبد المحمود
في المستشفى يجلس النسوة في حلقات بين نائحات وهامسات ..
في احد الحلقات حيث لا تجلس محاسن ام المثنى تهمس سكينة احدى الجارات : والله الولد من زمان بقول عليه ما زول حياة .. الناس كلها شايلاه في لسانها اخلاقه وجماله ودينه ..
ترد لها حاجة علوية : صدقتي يا سكينة ياختي الولد لا بيفوت صلاة في الجامع ولا بيفوت تمارينه دي وفوق دا كله شاطر في المدرسة كيف الناس ما بيفكروا ليهه ..
سكينة : والله امس القريبة دي حلمانا لي حلم كدا بس قلت الله يكضب الشينة ..

- حلمتي بشنو يا سكينة ياختي ؟.

تميل سكينة براسها ناحية النسوة حتى لايطلع صوتها خارج الحلقة فتقلب المواجع على اهل الجريح ..: تقول ... حلمانه لي بزي حصان ابيض جميييل عاجب الناس دي كلها .. اها فجأة كدا الحصان دا انفلت وقام جاري .. ناس الحلة ديل كلهم جارين وراه وما قادرين يلحقوه ..اها الحصان فضل يجري ويجري لغاية ما بقى ظاهر من بعيد نقطة بيضاء صغيرة اها واختفى ..
-حاجة علوية : الله يكضب الشينة يا سكينة .. عاد ما ياهو ذاتو .. الحصان الابيض السمح .... لبس الكراتيه .. الله يكضب الشينة ..
يفتح باب العملية .. ويخرج احد\ مساعدي الجراح . ويقول :. يا اخوان محتاجين لدم ... يفجأ بكل اهل الحي رجالا ونساء يكشفون عن سواعدهم ..يقول لهم الطبيب يا اخوان ما بالطريقة دي ..
تعالوا معاي للمعمل ,,
وهنالك تفحص العينات ويبدأوا بالاقربين .. ومن ثم ابناء الحي والحمد لله استطاعوا ان يتحصلوا على كميات كافية من عدة اشخاص تطابقت فصيلتهم مع المثنى اضافة لوالديه ..
أعطي الدم للمثنى .. وشعر اهل الحي بالارتياح بعد ان شعروا بتكاتفهم في انقاذ حياة الولد الذي يعنيهم كلهم الآن .. جرت دماؤهم في عروقه كما جرى حبه في خلاياهم ..
لم يكترث احد الى انه ترك عمله او تأخر على وظيفته بل لم يتذكر احدهم ان له وظيفة كل الحواس والقلوب ظلت معلقة مع باب غرفة العمليات ..
لم يغب من الحي سى عبد الحمميد واسرته .. هذا غير ما فيهم شعروا بأنهم اصبح منبوذين لايطيقهم احد ..
عبد الحميد لو كان خت كلمة رجال قال اولادي مجرمين ولازم ياخدوا عقابهم كان اعتبرناه راجل و شلناه فوق دماغنا .. لكن عاوز يتستر عليهم ويدافع عنهم والادلة كلها ضدهم ... قالها عبد المحمود وهو يهز رأسه اسفا ويمسح الدمعات الطافرات من عينيه ..

انتصف النهار ولازالت الابصار شاخصة تجاه غرفة العمليات
ولا زالت اللمبة حمراء مضيئة
انقطع الهمس 
عرق الناس
لم يحسوا بسخانة الجو التي طغت عليها سخانة الموقف
لم يتحمل عبد المحمود الموقف اتكأ على الجدار مستندا على ساعده
وظل ينتحب بصمت ..
فجأة انطفأ النور الاحمر
وركز الجميع انظارهم ناتحية غرفة العمليات
فهذا يعني واحد من امرين
اما ان يكون قد تخطى مرحلة الخطر
او ان الله استلم امانته ..
ويا ويلهم من الثانية 
نظروا ناحية الباب وترقبوا فتحه في اي لحظة .
فتح الباب فعلا وخرج الجراح بلبس العملية الاخضر
هذا رأسه يسارا ويمينا وقال لهم
البقية في حياتكم .

لآ
اول كلمة قالها عبد المحمود .
ثم انفجر البكاء من الجميع .. اختلط صراخ النساء ببكاء الرجال ..
الذين تجاوزا مرحلة البكاء الصامت يبد ان الصدمة كانت اكبر

ولد بقيمة بلد
يحاكي النيل عطاءا 
رغم حداثة سنة
حب الجميع 
فحبوه
ببسمته المعدية التي كانت تبدد البؤس كما يبدد النور الظلام 
احبه الاطفال اكثر من الكبار
كما احبه النساء مثل الرجال 
تمنوا اولادهم ان يكونوا مثله
بالرغم من سخريتهم منه في صغره ..
اعطاهم امل بالا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس ..
اثبت لهم ان الشجاعة يمكن ان تكتسب
عندما تكون البذرة طيبة
وعندما تزول الرواسب
دخل عبد المحمود في موجة هستريا 

والله الا ادفعك التمن يا عبد الحميد انت واولادك ولو رحلتوا القمر ..

يا راجل استهدى بالله ..
عبد المحمود خليك مؤمن خليك موحد
احمد الله انه اداك ولد يحبوه الناس جميعا
وما يكرهه الا من فيه ان .
عبد المحمود نحن ما بنأخذ القانون بيدنا
عبد المحمود استغفر ربك ..

وفي صف النساء كانت محاسن تكاد تضرب رأسها بالحيطة .
وتقول : فلت ليه ما تطلع والله قلت ليه ما تطلع .. قلت ليه التمرين دا سيبه ..
ما سمع الكلام .. ما سمع كلامي ..
يا محاسن استغفري الحذر ما بيمنع القدر
استغفر الله استغفر الله ..
ولدك من اهل الجنة انشاء الله 
ولدك صلاي ومحافظ على دينه ..
الحمد لله 
يا علي يا عثمان يا نادر سوقوا معاكم الاولاد من الحلة امشوا المقابر جهزوا القبر ..

يا دكتور انت متأكد هو مات كدي ارجع تاني شوفه يمكن بدعاء الناس الطيبين ديل ربنا يعيد له الروح ..
عبد المحمود انا مقدر موقفك انت راجل موحد الموت علينا حق 
نعم الموت علينا حق يا دكتور 
حقيقة الموت علينا حق
الموت علينا حق
الحمد لله
الحمد لله

وكان النهايـــــة
 
 *سوداني مقيم بالمملكة العربية السعودية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق