الصفحات

2013/10/12

السجينة.. قصة بقلم: ريهام عبد العزيز



السجينة

بقلم: ريهام عبد العزيز
" أنتي خلاص كبرتي وأخوكي الصغير قال انه شاف شوية عيال صيع بيعاكسوكي ..  مفيش مدرسة من بكرة، هتفضحينا"
كان ذلك حكم أبيها بالحبس الأبدي بين جدران بيته حتى يحين موعد استلام سجّان آخر لها.. ليست هذه هي مشكلتها الوحيدة .. فبيت أبيها يعج بنسائه الأربع و أبنائهن .. سوق يتمليء بالهرج و المرج،  وليته فاحش الثراء أو على الأقل قادرا على تحمل نفقات كل هذا الجيش .. أبيها رجل يصفونه بأن عيناه زائغتان لكنها تعتقد أنه فقط يتصف بالكثير من الجشع و الاستغلال فهو العاطل الذي يملأ البيت صراخا و يدفع نسائه للعمل سواء في الزراعة أو تربية الماشية أو بيع منتجاتهم ..  تُخرج كل منهن ما تعانيه من كبت و ضغط في أبناء الأخريات .. بالتالي هي ضحية ضغط أبيها و نسائه الثلاث .. طبعا بالإضافة لكل أبنائه الذكور الذين يتعامل كل منهم و كأنه رجل البيت و الرجولة عندهم بضرب و إهانة و التحكم في كل ما هو مؤنث .. فأخيها ذا الست سنوات هو من ذهب غاضبا يطالبه بإخراجها من التعليم لأنه رأي شابا ينظر إليها ..كثيراً ما تتمنى لو أنها وُلدت ذكرا .. و تعلم تماما أنها ما أُسيء إليها إلا لكونها أثني و كلما زادت ملامح الأنوثة فيها كلما أمعن الجميع في اختراع المزيد من الأسباب و الطرق لإهانتها فتكره كونها أثني و تكره كل مظهر لأنوثتها ..
تترك التعليم في سن العاشرة و تبدأ رحلة العذاب.. تحكم من الجميع و كلما زادت سنوات عمرها كلما زادت الضغوط و الإهانة و التحكم و احتكم إغلاق أبواب سجنها.. في الرابعة عشرة من عمرها يخبرها أباها أن هناك رجلا يريد الزواج بها .. هي أصغر من أن تفهم معنى كلمة زواج لكنها رأت في تلك الزيجة مخرجا من ذلك السجن ..
عندما رأته كانت صدمة عمرها .. يكبرها بحوالي ثلاثين عاما ... كريه الطلعة.. أجش الصوت .. ضخم البنية . ظل ينظر إليها كحيوان يوشك أن يلتهم فريسة .. أصابها الذعر .. تخبر أمها سراً " خايفة منه يا أمي .. شكله وحش مش عايزاه" تنظر لها الأم بشفقة و تعلم أن لا خلاص لها منه " أبوكي لو سمعك بتقولي كده هيموتك .. ماله؟؟ راجل و ميعيبوش غير جيبه وهو كسيب وهيعيشك أحسن عيشة. و متعلم كمان معاه إعدادية مش كفاية راضي بيكي يا جاهلة؟؟ " ..تسمع أبيها يهتف " على بركة الله .. نقرا الفاتحة .. و كتب الكتاب و الدخلة الخميس الجاي"تبكي و كأنها تسمعه يقرأ الفاتحة على روحها بعد أن حفر قبرها بيده و هم بدفنها حية..

تزوجت لتجد أنه ما أتي بها إلا لتعمل كخادمة .. فأخته تزوجت منذ شهرين و لم تعد أمه قادرة على خدمته هو و اخوته الخمس ..و زوجته الأولى ماتت منذ عامين و الثانية طلقها لأنها لم تنجب له ذكرا.. و توفيرا لراتب الخادمة و حرصا على أن تخدمهم من يثقون بها قرر أن يتزوج .. تظل طيلة النهار تتحمل مشقة خدمة كل هؤلاء ثم ما لبثت أن بدأت في تحمل إهانتهم و تطور الأمر إلى ضربها من كل من لا يعجبه الطعام أو تتاخر في خدمته ...و لو تذمرت ينعتها الجميع بالجاهلة الوضيعة ابنة الوضيع التي أصبح لها صوتا و ما لها أن تعترض فيكفيها أن ارتضوا وجودها بينهم ..
تبدأ في التذمر فيزيد الجميع في إهانتها .. و تبدأ أمه خطتها في التخلص منها.. هي جميلة و صغيرة و هو الكبير ذو الوجه القبيح .. تبدأ امه في التلميح بين الحين و الآخر إلى أنها تراها تتمايل و تضحك و تمازح ذلك الصبي الذي يعمل بمحل البقالة القريب من المنزل .. و أنها ما تنفك تخترع أسبابا للذهاب إليه بحجة شراء حاجيات البيت ...
يمتليء قلبه بالشك ... يزيد في ضربها و إهانتها .. غلَّق نوافذ البيت كلها و وضع عليها الأقفال، و إذا ما سافر أمرهم بربطها في سريرها حالما تنتهي من عمل البيت .. كلما عاد إلى البيت و رآها في هيئة مهندمة انهال عليها ضربا و سبابا .. لم تعد تتحمل المزيد.. أيقنت أنه لا مفر من ذلك السجن .. قررت الفرار من الحياة كلها .. على الأقل سيمكنها أن تحرر روحها من سجنهم و ليمثّلوا بجثتها إن أرادوا ..قبل النوم تحضر علبة المسكن من بين أدوية حماتها .. تفرغ كل حباتها . تبتلعهم جميعا .. تغمض عينيها .. تبدأ بالشعور بالخدر بكل أنحاء جسدها النحيل ..تتوقف أنفاسها .. تزهق روحها..و تتوقف قدرتهم على سجنها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق