الصفحات

2013/11/17

الحضرة الشومانية.. بقلم: محمد رفعت الدومي



 ( الحضرة الشومانية )*
محمد رفعت الدومي
يدق الأخوان أحمد ومحمد أبو شومان طبلتيهما علي نحو مذعور ، ولكنه حميم ، قبل سلة من الأمتار من مظان الحضرة ، فتستقبل النساء وفادتهما بالزغاريد ، تستخف بعض الصغار نار لمرح الداخلي فينزعون ثيابهم ، ويصير الصخب ممتلئاً حتي كأنه هدوء ، ويندمج مع الهمس ، والأسرار الخفية ، وأصداء البيوت ، وحفيف الأشجار في الحقول ، ونقيق الضفادع ، وخفقات أجنحة الفراشات السحيقة ، وانتفاضات البهائم في الحظائر تنفض الغبار والحشرات عن جلودها ، فيشتعل الليل كفضيحة ، وتصبح نار المرح الداخلي تعبيراً محمياً لا يتسع له الكثيرون .

يدق الأخوان لدقيقتين طبلتيهما وقلبي ، واقفين في صدر المكان وقلبي ، ثم تهبط حدة الإيقاع تدريجياً ، حتي يتفتت تدريجياً إلي شكوك غامضة ، تتابع خفوتها ، ثم ، فجأة ، تتلاشي ، لتتماسك من جديد عقب انتهاء طقوس العشاء ، وتنتظم حلقات الذكر انتظاماً ركيكاً في البداية ، لا يلبث أن يحتشد ، وتتحول الأجساد إلي جمل روحية ، عندما يتأكد العم محمد أبو شومان من إمساكه التام بأزمة الرجال المترنحين علي الحافة الغامضة ، وفي لحظة معايرة بعناية خاصة ، يبدأ في ترديد العديد من الحكايات الأسطورية عن السيد أحمد البدوي ، الذي .. أبو بطن واسعة ، والذي شرب ماء البحر برشفة واحدة ليعيد طفلاً غريقاً إلي أمه ، والذي .. كان المريدون يلتقطون بيض طيور الفردوس من صومعته ، وفي الحقيقة ، لم يقل العم محمد لنا و للتاريخ ، هل كان ذلك البيض نيئاً أو مسلوقاً أو مشوياً في نار جهنم ؟ ، أو لم أفهم علي أية حال ، ولكن ذكري مشابهة ، وهزي إليك بجذع النخلة ، تدفعني إلي يقين بأنه كان نيئاً ، ليدرك الذين يفضلونه مسلوقاً أو مشوياً قيمة العمل ! .

وتعبر الأساطير تباعاً من نفس إلي نفس ، خلال الفجوات الذهنية ، تحت درع ثقيل من الاعوجاج الفكري ، دون عائق ، بل والإيمان الطليق في صحتها ، أو هكذا يظن الحمقي ، هم أكثر خبثاً بالتأكيد الزائد عن الحد ، وهم لا يصدقون إلا ما يرون ويلمسون ، لقد اتخذوا من التعايش السلميِّ مع كل المعتقدات درعاً يحرسون به بقاءهم ، تقليد دوميٌّ خاص ، وهذا يقودني إلي حكاية طريفة ، ورائجة ، للعم محمد أبو شومان ، تعكس المشهد كاملاً ، وتشوهه تماماً .

كان العم محمد ذات ليلةٍ مستغرقاً في حالته تماماً ، وكان يردد ، بنغم سكَّري :

ساكن طنطا ، وفـ مكة صلاااااتو ! -

واقتحمت حالته ، فجأة ، زوجته ، الخالة صديقة ، مذعورة ، وألقت عليه نبأ شجار عائليٍّ كان لا يزال نشطاً حول بيوتهم ، وأضافت ، أن العم "حلاتو" كان في زيارة للدومة ، وتدخَّل كطرف أصيل في المعركة ، فتحلل تعبير الرضا علي وجهه إلي غضب ، ويبدو أنه لم يتمكن من الانسحاب من حالته في الوقت المناسب ، وربما كان الغيظ ، وربما الذعر من تهور العمِّ حلاتو ، هو ما جعله يصعد بالإيقاع إلي ذروة العنف ، واستأنف الإنشاد بشكل مروع ، وهو يتساءل ، بنغم عدائي :

وايش دخَّلو فيها حلااااااتو ؟!! -

تعليق حقيقيٌّ ، بشكل متعصب علي أفكارنا السابقة عن الزنادقة ، وخبث الزنادقة حيال الحياة .

هناك بعدٌ آخر لشخصية العم محمد أبو شومان ، العم محمد أبو شومان مؤذن المغرب الدوميِّ في رمضان .

بعدٌ ثالثٌ لا ينتبه إليه الكثير من الدوميين ، أروع مؤذني المغرب في رمضان علي الإطلاق .



* بعض من اسهار بعد اسهار



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق