الصفحات

2013/11/11

محاورة نقدية لرواية "أشياء عادية فى الميدان" للروائي السيد نجم



محاورة نقدية لرواية "أشياء عادية فى الميدان"
للروائي السيد نجم
الناقدان:  د.مصطفى الضبع، و د.هيثم الحاج على

عمرو الشامي:
أرحب بالناقدين د. مصطفى الضبع ود.هيثم الحاج على، لمناقشة الرواية السادسة للروائي السيد نجم، وللكاتب سبع مجموعات قصصية، واحد عشر كتاب فى أدب الطفل، بالإضافة إلى ستة كتب دراسات فى أدب المقاومة، وثلاثة كتب دراسات فى مجال الثقافة الرقمية. وتعتبر الرواية موضوع المناقشة ضمن روايات أدب المقاومة، حيث تتناول تجربة ثورة 25يناير.
د. الضبع:
إن علاقتي بالروائي السيد نجم ترجع إلى عام 1989م، واستمرت مع تشكيل جماعة "نصوص90" الأدبية، والى اليوم. لذلك استطيع أن أقول أننى متابع لمجمل إنتاجه. وأظن أن هذا الإنتاج فى الرواية والقصة القصيرة، وحتى فيما كتب فى مجال أدب الطفل، هذا بالإضافة إلى دراساته وكتبه فى مجال "أدب المقاومة".
وأستطيع أن أقول أن مجمل إنتاج السيد نجم يمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل هي: مرحلة حرب أكتوبر وما قبلها من أحداث حرب الاستنزاف وما تبعها أثناء العبور.. ثم مرحلة من حرب أكتوبر حتى ثورة 25يناير 2011م، وفيها كانت روايات "أيام يوسف المنسي"، و"الروح وما شجاها".. وغيرها من الأعمال. أما المرحلة الثالثة فقد بدأت مع ثورة 25يناير.
وتعتبر رواية "أشياء عادية من الميدان" التي نناقشها الليلة، من أعمال تلك المرحلة.
 
تعتبر شخصية "سرى" فى هذه الرواية، لها إرهاصات كاشفة فى شخصيات روائية سابقة، فى شخصية "يوسف المنسي" فى رواية "أيام يوسف المنسي"، وأيضا شخصية "عرفة السابح" فى رواية "الروح وما شجاها"، وشخصية "" فى رواية "العتبات الضيقة". وان رأيت شخصية "سرى" فى رواية "أشياء عادية فى الميدان" خرجت عن شخصية وتجربة الكاتب الخاصة، وأعنى أن الروائي فى أعمال سابقة بد وكأنه يكتب عن نفسه، هنا فى هذا العمل تبدو الشخصية فى ظني كتبت بعيدا عن تيمه شخصيات سابقة للروائي السيد نجم.

تعامل الكاتب مع "سرى" الشخصية المحورية فى الرواية، والتي تتابع الرواية بما يرى ويسمع، وما يشارك من صنع الأحداث. فوضح للقارئ أنه أمام شخصية.. شاركت فى حرب أكتوبر73، ثم عاش التناقض فى واقع الحياة الاجتماعية، وعاش متناقضات الانفتاح، واتفاقية "كامب ديفيد"، حتى قرر العزلة.. وعاش معاركه الخاصة الصغيرة. فكانت معاركه مع زملاء العمل من أجل حلمه أن يصبح رئيسا للمصلحة الحكومية التي يعمل فيها، وكانت معاركه مع زوجته "رسمية" التي لم ينجب منها، بل وصل الأمر أن أصابته العنة.

لكن قبل اقتحام العمل الروائي، دعوني التعامل مع الرواية من حيث الشكل:
أولا.. غلاف الكتاب لافت، ويحمل فى الجزء السفلى صورة الشاب الملثم، مع خلفية من النيران المشتعلة، بينما أعلى الغلاف صورة لصرخة وهمية توجز المعنى.

ثانيا.. قسم الروائي العمل إلى مجموعة من الفصول، تلاحظ أنه بدأ بالفصل الأخير، وهذه التقنية لها عدة معان، منها:
- لأنه أكثر الفصول فاعلية للشخصية، حيث عاد من الميدان (ميدان التحرير حتى أحداث معركة الجمل) وهو على يقين بنصرة الشباب الثائر.. وهو بذلك استرد "سرى" صوته الفاعل والذي اختفى من كل الأحداث طوال العمل (اختفى كعنصر فاعل فى الحدث).
- كما أن بداية الرواية بنهايتها يعنى نهاية قصة وبداية الواقع المعاش والأحداث الحياتية، التي هي مضمون العمل الروائي.
- كما يعنى البدء بالفصل الأخير، كسر رتابة الزمن المستقيم، وان تلاحظ فى العمل حرص الروائي على كسر الرتابة بوسائل مختلفة، منها استخدام عدة ضمائر، مع تنوع خطوط جانبية فى العمل والأحداث، مع تنوع الأزمنة والأمكنة.
ولم تكن تلك الملامح عفوية، بل هي قصديه من الروائي وعن عمد.

عمرو الشامي:
وتعقيبا على تساؤل "الشامي" مقدم البرنامج حول تضمين الرواية تقديم "المكان" إلى ما يشبه الرحلة مثل: منزل "سرى".. مقهى "أنفيتريون".. الأتوبيس".. "ميدان التحرير"، وكلها أماكن يعيشها الكاتب نفسه.. هل تلك التقنية أتاحت طرح نماذج رامزة ودالة أكثر من كونها أماكن مفردة؟
علق "د.الضبع":
نعم، فمن ناحية تشير إلى حالة الضيق التي تعيشها الشخصية، مع تصوير عالمها الخاص والضيق أيضا.. كما أنها تقنية تعبر عن المقولة الشائعة "عندما تضيق الأمكنة، ترحب سمة التخيل وينشط الخيال، وكذلك يتسع الزمن ويمتد.

وهو ما تجلى واضحا فى الفصل الخامس مثلا، وفى هذا الفصل تخيل "مهدي" (واحد من أهم شخصيات الرواية، وهو الكافتيرى فى مقهى "أنفتيريون"، والذي تغيب عن عمله بسبب التحاقه إلى الثوار فى ميدان التحرير، على الرغم من ضيق ذات اليد..) وهو أول من لفت انتباه "سرى" بأن هناك ثورة حقيقية بدأت فى ميدان التحرير.
هذه الشخصية البسيطة والثورية معا، شبه نفسه ب"هرقل"، بكل كفاحها وما سردته الأسطورة!
وهنا يجب إلا نعبر اختيار الفصل الخامس، لبيان وإبراز هذا المعنى.. فالرقم "خمسة" يعتبر فى ذاته تعويذة شعبية، تناسب شخصية شعبية أصبح كما هرقل.

وقد لاحظت المهمات العشر التي قام بها هرقل فى الرواية والأسطورة، ولاحظت أن الروائي ربط بين تلك المهمات والتجربة الإنسانية ل"مهدي".. بل والوقائع الآنية.. وكلها مهمات للتطهر.
وهو يشي بنمو الوعي بالمهمات، تلك التي لم تكتمل إلى عشر مهمات، بل كانت ثمانية فقط، ولعل الروائي فى ذلك يشير إلى أن العمل نفسه لم ينته بسقوط النظام، أو كأنه أراد إن يقول أن الثورة لم تكتمل بعد.

وان تلاحظ أن "المثقف" غائب من العمل، ولم يشر الكاتب إلى دور ما للمثقفين.. ومع ذلك يمكن القول بأن شخصية "سرى" يعبر عن التاريخ السري للشعب المصري، هي إذن شخصية كاشفة، كما نجح الروائي عن إبعاد "سرى" عن شخصية الكاتب.

عمرو الشامي:
قدم د.مصطفى الضبع الفكرة العامة وبعض التفاصيل الخاصة بشكل ومضمون الرواية.. ماذا تقول د.هيثم الحاج على حول بناء الرواية والشخصيات، خصوصا شخصية "سرى"؟
د.هيثم:
ينتهي الناقد بملاحظة أساسية بعد قراءة هذه الرواية "أشياء عادية فى الميدان"، وهى أن البناء الفني أو بنية الرواية تبدو للوهلة الأولى.. بنية تقليدية، حيث النتائج منطقية وقائمة على مقدمات لها.

وأشكر الرؤية العميقة فى العمل (الرواية) وقد كرس الروائي جهده لفكرة قابلة للتأمل.. تلك التي تمثلت فى شخصية "سرى"، الذي بدوره يمثل جيل كامل. هو الجيل الذي شارك فى معارك أكتوبر73، ولم يجن سوى الغربة للعمل خارج أوطانه، الغربة لعزله بفعل قوى سياسية وسياسات اقتصادية واجتماعية، كرست تلك العزلة.

وان برر "سرى" عزلته الشخصية عما يدور حوله فى المجتمع، لأن "السادات" لم يطلب منه الرأي ولا المشورة، عندما وقع اتفاقية "كامب ديفيد". وهى تجربة هذا الجيل الذي عاش تجربة الانفتاح الاقتصادي أو هو الانفتاح التجاري.. كما عاش بعيدا وغير مشارك فى كل التفاعلات والمعطيات السياسية.

وهو ما انعكس فى الرواية، وما يمكن أن نقول عنه انه الخصاء الرمزي لهذا الجيل.. فانشغل "سرى" بأشياء عادية فى الميدان، وبدا سرى وهو فى قلب الميدان، وفى القلب من الأحداث.. بدا منشغلا بفنجان القهوة والسجائر وكيف يقضى حاجته!

لكن الحقيقة هو عجز متعمد من الروائي لإرسال رسالة رامزة، تزكى فى الحقيقة فى المقابل، أن كل ما يدور ويحدث بفعل جيل من الشباب الفاعل، وأنهم صناع الثورة الحقيقيين.. ها هو "مهدي" وعلى التوازي مع "هرقل"..

ومع ذلك لا نشعر أن "سرى" شخصية سلبية، بل قوة مساندة هنا وهناك.. سواء داخل المستشفى الميداني، أو فى تلك الشقة التي دخلها هربا من مطاردة قوات الشرطة له وللشباب، أو حتى فى ساحة ميدان التحرير، حيث يستعيد ذكريات وخبرات مشاركته فى مظاهرات ما أطلقوا عليها "انتفاضة الطلبة" التي اندلعت عام 1970م.. وغيرها والتي شارك فيها خلال سنوات شبابه. 

والفصل الأخير الذي هو أول فصول الرواية فى الترتيب الذي تعمده السيد نجم.. نحن إذن أمام عمل يحاكم جيل بأكمله.. لذا يكون السؤال: لماذا لم نرى تلك المحاكمة تفصيلا؟.. لم نعرف تفصيلا لماذا لم يفعل "سرى" المتوقع منه؟ وكيف يساند "سرى" الأجيال الجديدة؟

عمرو الشامي:
وماذا عن الرمزية التي وظفها السيد نجم؟
د.هيثم:                                                                                 يتلمس القارئ مواضع رامزة بشكل عام فى مجمل الرواية، سواء فى اختيار الشخصيات، وفى بعض الأحداث المباشرة، وفى اختيارات الروائي للمكان والزمان، حتى أن "الخيال" وتوظيفه لا يمتد إلى خارج مكان الحدث (كما فى الأحلام)..
وهناك الرابط الرمزي بين شخصية "مهدي" الثوري، وأسطورة "هرقل" التي وظفها السيد نجم.. وهناك مشهد جمالي مهم ورامز، يتلمس فى "انسلاخ الجرادة" التي تابعها بجوار ماسورة مياه مسجد عمر مكرم.. بينما أرى فى البدء بالفصل الأخير من الرواية، يحمل دلالة رامزة مهمة، ويحمل معنى الخلاص.

ومن الممكن التوقف أمام الدور الرمزي والوظيفي للأسماء.. "سرى" يحمل مضمون كامن وخفي فى تاريخ الشعب، "رسمية" زوجته (النمطية) بما هي عليه من فظاظة وملامح غير مليحة، وتشير بمعنى ما إلى الجهات الرسمية أو الحكومية، تلك التي تعلق بها سرى فى عمله.. وهناك "مهدي" الذي أوجز كل شباب الثورة، من حيث هو ممن يعانون فى حياتهم والفداء من اجل مصر أيضا..

ولا نتجاوز "سلمى" الاسم العربي الأصيل، وهى الفتاة العاشقة والمعبرة عن الحب المطلق الذي لا يمكن الاستغناء عنه، فقد أبرزها الروائي من خلال لقطة متكررة، حيث يضربها أبوها حارس العمارة التي يقيم فيها سرى (فى لقطة متكررة فى بداية العمل ونهايته) حيث تضرب ومع ذلك لا تكف مقابلة حبيبها على سطح العمارة!

لكن فى النهاية أشير إلى أن "الميدان" فى الرواية، أو ميدان التحرير، لم يكن مكانا واحدا، بل هناك ساحة الميدان، شقة المدام (التي قدمها الروائي للإشارة إلى الجانب التاريخي لمصر، حيث تعتبر "المدام" صاحبة الشقة من سلالة محمد على وأحفاده)، ثم هناك تفاصيل مسجد عمرو مكرم، والخيام.. وغيرها.

عمرو الشامي:
لكن عندي ملاحظة أرجو توضيحها، إلى أي مدى يمكن إن للروائي تجاوز التاريخ الواقع، هنا فى رواية أشياء عادية فى الميدان، تلاحظ أن عمر "سرى" قد يختلف لو تم حسابه بدقة بمتابعة الأحداث، فكما نعلم شارك "سرى" فى حرب أكتوبر73، والآن يشارك فى ثورة 25يناير، ونجده ما زال فى الخدمة.. أي لم يبلغ الستين؟
د.الضبع:
كما فى رواية "حضرة المحترم" لنجيب محفوظ، وجدنا شخصية تعبر عن شريحة تعبر عن الشخصية المصرية، وفيها تجاوز مسائل متعلقة بالارتباط المباشر الذي أشرت إليه. كذلك هنا فى رواية السيد نجم، فكرة الزمن معها ارتبطت بكونها شخصية مصرية، ولها وجه آخر فيها يزعم الشخصية لنفسه الكثير، لأنه كما فى شخصية "سرى" دائما فى حالة انسلاخ، وفى حالة مقاومة، وهى من ملامح كتابات السيد نجم. فتجربة المقاومة فى أعمال الكاتب قديمة ومتوافرة فى أغلب أعماله الروائية السابقة.
د.هيثم:
وأنا أوافق د.مصطفى الضبع لآن الشخصية الروائية تبنى رمزيا، ولم الحظ هذا الفارق الزمني، بل كانت الشخصية تنمو على مراحل، وكل مرحلة تعبر عن الاهتمام بالشأن العام بشكل ما.

عمرو الشامي:
وأخيرا أليس فى عنوان الرواية "أشياء عادية" فى الميدان.. تناقض ما؟
د.هيثم:
إن الأشياء الكبرى بل والثورات، هي التي تبدأ من العادي.. وهنا المعنى الجميل فى العنوان، حيث غرض الرواية ليس التوثيق، بل التأمل والبحث عن المآل، هذا الذي كان سرى بعيد عنه. وما انتهى إليه فى أخر الرواية من تجاوز مشاكله الخاصة مع زوجته، هو  التطور الطبيعي.
كما نلاحظ العادي الذي يبدو فى الحقيقة غير تقليدي وينتهي إلى ما هو أكبر منه.. متابعة شخصية مهدي الشاب البسيط الذي يعمل فى إعداد القهوة والشاي فى المقهى، يبدو نموذجا ثوريا.

د.الضبع:
وأضيف إلى أن الأشياء العادية فى الرواية تمثلت فى مسألة السن ل"سرى"، وان انطلاق الثورات يبدأ مما هو عادى، بل نشير إلى أن الرواية لم تستكمل ال18يوما حتى سقوط النظام البائد، بل توقفت مع "موقعة الجمل" أي بعد ثلاثة أيام فقط من بدايتها فى 25 يناير.. ليعود العجوز "سرى" تاركا المهمة كلها للشباب!
كذلك أضيف من يقرأ الرواية يلمح معنى أن الموت مقترن بالحياة، فى سرديات مشهديه (وهى من خصائص السرد عند السيد نجم لم تتح ألفرصه للتوقف معها.. فيمكن القول بأن الرواية مجموعة كبيرة من المشاهد السردية).. كما نلمح أن هناك ميلاد جديد وأننا بصدد تجربة جيلين لا جيل واحد.

عمرو الشامي:
الآن أقدم الشكر للناقدين، وللروائي السيد نجم وروايته "أشياء عادية فى الميدان"، التي هي فى الحقيقة إضافة جديدة له ولأدب المقاومة.
* برنامج مع النقاد: تقديم الاعلامى: عمرو الشامي

*********

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق