حضور الفقدان في النص السردي النسوي
القاصة رجاء الربيعي مثالاً
مثنى كاظم صادق
يرى باختين أن الأجناس الأدبية ، ليست أشكالاً جمالية
فحسب ، بل هي أيضاً ( أشكال عميقة من أشكال التفكير) ولما كان النص السردي جنساً أدبياً
مهماً بدأ ـ ربما ـ يبز الشعر في الوقت الحاضر؛ فإذن تتمثل فيه بنية قارة من بنى
التفكير ، على أننا هنا نذكر أن السرد يحمل لواء الإبلاغ . ووصلاً بما سبق تتمثل
في النص السردي الذي تبدعه القاصة رجاء الربيعي نمطية الاندماج بما هو جمالي ، وما
هو تفكيري وهذا لا يتأتى من الانغماس في المشاهد التخييلية فحسب ؛ وإنما بوجود
شاخص واقعي حياتي معاش ينم عن ثيمة الفراق ، توظفه القاصة في نصها السردي ، كما في
قصة ( الدنكش ) حيث نسيج العبارة الوجداني ( وهل بيته واسع مثل بيتنا ) و ( هل
سحقت الدبابات الإسفلت هناك كما سحقته هنا ، وكما الرؤوس تقطعت هنا ) إذ برزت
الجمل ذات الأفعال الكلامية التي صنعها الاستفهام التصديقي ، ضمن بنية مقارنية بين
جغرافيا الأمكنة المتباينة والمتفارقة التي جعلت التراجيدي ، هو المهيمن في النص ؛
فغالباً ما تأتي الأمكنة في نصها السردي ذات طابع شمولي يتسم بالسعة والرحاب (
تركوني وحدي في هذا الكون الفسيح ). في قصص رجاء الربيعي يظهر لنا البطل الضدي
المأزوم نفسياً واجتماعياً ؛ لأن القاصة لا تختار أبطالها من عالم المثال ، بل من
عالم الواقع المحلي المأزوم بشتى المشكلات ( قتلوا أخي وأذاقوني مر العذاب ) و ( انفصلنا
ومازلت أنعم بدفء لحظاته ... فأخفق ) إذ تحضر ثيمة الفراق والموت بشدة في نصها
السردي ذلك ؛ لأن السرد ما هو إلا عملية تركيب مستمرة لتجربتنا المعاشة أو
المشاهدة لسوانا ، بمعنى أن النص المطروح يتجاذبه وعي متصل بالمحيط المعاش المؤلم ،
ولعل هذا ما يجعل العبارة ذات نسيج سردي / شعري ( أمتأكد أنك لم تشتق لمسكة ورد
تتمزق بين يديك ) و ( لا تسمح لي أن أكفكف دمعي بوجهك ) و ( سنابلك التي لن تنثني
فاطوها الآن إليك ودعها تتوضأ بخيالك ومشاعرك ) إذ تعمد القاصة إلى توظيف ثنائية
ضمير الغائب / الحاضر ؛ محاولة منها للدفاع عن ذاتها وذوات الآخرين وتعليل
تصرفاتهم ، ولاسيما الذين يقعون تحت وطأة الظروف القاهرة التي تستدعي من المتلقي
التعاطف معها ، ولعل هذا التعاطف يمتاح من الأنثوية الموجودة في نصها الأنثوية
العراقية الباحثة عن الدفء والأمان ، الأنثوية التي تقصدت فيها القاصة أن تضفي على
جمالها جمالاً تشبيهياً واستعارياً ( حين أغفو على راحتيك مثل أرنب ناعم أو مثل
دمية دبت فيها الروح ) إن التعامل مع المرأة تم على أساس أنها الكائن الذي يقع
عليه فعل الفقد والفراق ، كما في قصة حلم بطعم الحياة التي تبرز فيها نكوصية
الحياة المفاجئة ، فالمرأة السعيدة مع زوجها الذي أكله الانفجار ولفظه نثاراً فـ (
لم تجد منه شيئاً إثر الانفجار الذي صادف تواجده في شارع مزدحم ) إن البنية النصية
تقع ضمن الجغرافية المألوفة التي أصبحت خبزاً يومياً نلوكه بمرارة ، لكن المفقود /
الزوج ، لم يزل يكبر في داخلها ( ويكبر ويتألق في مشاعره معها ) إذ يتعلق النص بلغة
موجهة هي بنية استمرار الحياة ، على الرغم من ذلك وعدم اليأس للوصول إلى عملية
توازن نفسي ، وقد جاءت الورود ضمن سياق المناسبة المختلفة ، فالزوج ذهب لشراء ورود
لزوجته وإذا بهذه الورود قد ( تناثرت فوق جسده المتفحم .. فقط بقيت الزهور هنا
وبقي هو فيها ؛ لأنها تحمل منه صبياً كان ينتظر وصوله بلهفة الأب الحنون ) ويبدو
أن القاصة رجاء الربيعي تنشد انشداداً قوياً نحو المحيط ، وترتبط به ارتباطاً
محكماً ولاسيما قضاياه الواقعية . إن ما عاشته المرأة المكلومة بزوجها جعلها تماهي
بين الحلم والحياة ، فقد قلبت القاصة العنوان في نهاية القصة ، فالعنوان وسمته
القاصة بـ ( حلم بطعم الحياة ) وجاءت خاتمتها ( وستبقى تحلم لأن الحياة حلم ) أي
أنها متلاشية وأن هذا التماهي قد تشاطر مع التبدلات المضمونية للقصة ؛ إذ إن نصف
القصة حياة ونصفها موت ، لكن الموت تحول إلى حياة عن طريق الحلم لكي لا تعطي
القاصة صفة سالبة لهذا التبادل الحدي بين الحياة والموت ضمن مفهوم الحضور والغياب ،
الذي تمترست خلفه القاصة وزرعت خلفه الأمل ضمن متوالية الألم العراقي الأبدي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق