الصفحات

2014/01/30

رحلة فى رواية ” باب العبد ” للروائى أدهم العبودى بقلم: طه حسين أبو طواب



رحلة فى رواية ” باب العبد ” للروائى أدهم العبودى
الصادرة عن دائرة الثقافة والإعلام/ الإمارات- 2012
طه حسين أبو طواب
“أدهم العبودى أحد أهم كتاب هذا الجيل لديه الكثير ليقدمه أتنبأ له بمستقبل باهر
أعطانى الأمل في استمرارية السرد داخل الأقصر وخارجها طريقته في السرد مليئة
بالانفعالات والتفاصيل الحية وروايته باب العبد رواية رائعة أفضل ما قرأت فى 2012
وأتمنى أن يقراها الجميع ” .

هذا ما قاله المبدع الأقصرى بهاء طاهر وقد كان معه كل الحق في كل كلمة قالها فباب العبد من أمتع ما قرأت .

فعندما يسلس قيادة اللغة للمبدع القاص وتفضي له بأسرارها وتلين له وتعانقه يتبادر
إلى الذهن عدة تساؤلات فى البحث عن مكان القاص وموقفه من أساليب التعبير
اللغوي المتاحة له ، فمن المعروف ان القاص لا يمكنه الاستغناء عن اى من السرد
والحوار فى بنائه القصصي وتظهر الحنكة فى التوفيق بينهما فى البناء القصصي .

فما هو المكان الذي مارس فيه أدهم سلطته فى الحكى والسرد؟

أكان الرواى العالم بأحوال أبطاله وتفاصيلها  القادر على استنطاق خفايا النفوس
وفضح سلوكها وتبرير مواقفها ؟؟

من أهم علامات الراوي العالم أن تلاحظ استخدام ضمير الغائب بصورة متكررة فى
عملية الحكى ، كذا استخدام الفعل الماضي معه ، وهذا لم نلاحظه فى باب العبد وقد
أحسن العبودى فى عدم استخدامه لهذه التقنية لأنها تقنية دكتاتورية يستخدمها الكاتب
لتوجيه القارئ/المتلقي نحو فكرة معينة بطريقة إجبارية ليصبح القارئ/المتلقي وعاء
يفرغ فيه الأديب أفكاره واتجاهاته مثلما اتخذها الدكتور طه حسين فى رواية الأيام
قد يتساءل أحدكم قائلا : وما الداعي لكل ما سبق ؟
أقول له إننى قد اعتمدت هذه التقنية فى كتاباتي وهى ذكر الضد أولا حتى إذا ما ذكرت
الشيء كان الكلام واضحا وجليا .

والآن دعونا نتحدث عن أسلوب ادهم العبودى فى رائعته باب العبد فإذا كانت تقنية
الراوي العالم بكل شيء تقدم كل شيء عن الشخصيات والأحداث  والتفسيرات فعلى
العكس تقنية ادهم في باب العبد فقد كان أدهم/الراوي على علم  بالأحداث والشخصيات
إلا أن نمطه فى الحكى والسرد لم يبح له إلا أن يكون على حد التوازي دون سبق أو
تأخير فى علاقة مع الحدث والشخصية فلم يستبق شيئا أو شخصا ، لم يقدم تفسيرا أو
إيحاء ً بل ترك للقارئ/المتلقي حق المبادرة فى الإعلان والفعل دون أن يغفل أن يكون
معه فى كل لحظة وعلى كل مستوى ولقد ساعده على ذلك استخدامه إلى ما يمكن ان
نطلق عليه أسلوب ” الترجمة الذاتية” ففى ثاني فقرات الصفحة الأولى يقول العبودى
 ” كنت أنا الوحيد بين إخوتي الثلاثة ……………..”
إذن نحن أمام سيرة ذاتية / ترجمة ذاتية تساعد فى رسم ملامح الشخصية أو الحدث أو
الحكاية من خلال الشخصية نفسها ،نتلاحم وتتفاعل وتتلاطم مع الأحداث والشخصيات
الأخرى ، ونلاحظ فى الفقرة التي أوردناها من الرواية استخدامه لضمير المتكلم ،
فجاء استخدام الضمير فى الحكى كدليل على ذوبان السارد فى المسرود (الراوي في
المروى) وذوبان الزمن فى الزمن والشخصية فى الشخصية ثم على ذوبان الحدث فى
الحدث ليغتدي وحدة سردية متلاحمة تجسد فى طياتها كل المكونات السردية ، التشكيل
الفني لهذا الأسلوب الإبداعي وظفه العبودى فى روايته فمثلا هو يقدم شخصية والد
البطل من خلال مكانه / عمله ” كان أبى صيادا ، كنت اخرج أحيانا معه فى صيده ”
ويضيف ” له سنبك كان يربطه على حافة الماء القريبة جدا من بيتنا ” ويكمل ” كثيرا
ما كنت أراه شاردا وهو يجهز أدوات صيده ويلملم شباكه وصنارته حين يخرج الى
النهر ……………. ثم ينصرف لسوق السمك ” صـــ28،29ـــــــــــ
فالعبودى يقدم هذه الشخصية وعملها من خلال هذا الأسلوب القصصي بملامحها
المثيرة للشفقة وكأنه أراد إن يتمم لوحته الإبداعية التى رسمها لهذا الحي فى صــ11ـــــــ
” فى رحم ذلك الحي البائس ، يتسع العالم بلا حدود ، اذ لم يكن الحي فسيحا كالأحياء
المتحضرة ، كل ما يحتويه بضعة بيوت طينية مختنقة ، تتكدس جوار بعضها دونما
تنظيم ” صــــ11ـــــــــــ  
فشخصية الوالـد والحــي هى التى استطاعــت أن تقدم هذا الواقع بملامحه الكاملة
فالمكان /البيئة وان كنا نؤمن أنها ليست حجر الزاوية فى تشكيل الشخصية إلا أن
دورها لا ينبغى أن يغفل فى مثل هذه المجتمعات ، فالشخصيات هنا لديها من الاستعداد
ما يجعلها تتنافر مع هذا الواقع المتهالك المعدم واقع الحي .

العبودى هنا من خلال لغته وتعبيراته وحرفته الفنية استطاع ان يقدم رسما ( ماكيت)
للحى وشخوصه التى تحيا / تموت بداخله جعل القارئ/المتلقي وكأنه يقف على شاطئ
هذا المجتمع ويشاهد ، دونما أن يتدخل العبودى فى تشكيل هوياتهم النفسية والروحية
هو مجرد صوت من هذه الأصوات المختلفة فى تكوينها وهوياتها وأمزجتها ، وان
عاشوا واقعا مشتركا برع العبودى فى توصيفه .

” الأزواج  هناك فى ” خص ” عرفة المقاول الذى يشرف على النيل عن كثب أمام
بيوتنا مباشرة ، يتسع لرجلين أو ثلاثة ، لكن عرفة فرش بضعة ” كليمات ” قبالة
الخص تمتلئ برجال الحى ، منهم من يضيع وقته فىلعب الطاولة والضمنة ويشرب الجوزة  الغاب والبانجو والبيرة ومنهم من يستلذ بسيرة غرف النوم المغلقة ” صـــ11ــــــــــــ
مقطع يظهر براعة العبودى فى توصيف واقع أشخاص روايته  .

“سحبت شهيقا حارا إلى جوفى ، ثم وقفت وجعلت أجئ وأروح فى  بهو المصرف ،
وأتفحص برتابة الرسوم المعلقة على الحوائط ، نظرت إلى ساعتى ، شعرت أن
الدقائق تمر ببطء غريب وكأنها سلحفاة ” صــ120ــــــــــ
فى هذا المقطع عزيزى القارئ دعنا نحصى ضمير المتكلم ( سحبت ، وقفت ، جعلت ،
أجئ ، أروح ، أتفحص : نظرت ، شعرت )
فى هذا المقطع الصغير جدا فى تلك الرواية الرائعة جدا تكرر ضمير المتكلم ثمانى
مرات وهذا دليل على  ما أوردته  من أن لضمير المتكلم قدرة فائقة بوصفه تقنية
تعبيرية ساهمت إلى حد كبير فى تشكيل الفضاء الابداعى للرواية مما يتوفر له من
قدرة مدهشة على إذابة الفروق الزمنية والسردية بين السارد والشخصية والزمن ، إذ
كثيرا ما يتحول المتلقي إلى الدور الآخر وهو السارد فى هذه الحال ولعل من الجماليات
التى تضاف إلى ما سبق أن العبودى جعل الرواية المسرودة والأحداث المروية
مندمجة فى روحه هو ، فذاب ذلك الحاجز الزمنى بين زمن السرد وزمن السارد بحكم
أن المؤلف / العبودى  يغيب فى الشخصية التى تسرد عمله ، وأيضا من الجماليات أن
العبودى جعلنا نلتصق بالعمل السردى وتعلقنا به أكثر متوهمين انه فعلا إحدى
الشخصيات التى تنهض عليها الرواية ، فكأن السرد بهذه التقنية يلغى دور المؤلف
بالقياس إلى المتلقي / القارئ الذى لا يحس أو لايكاد يحس بوجوده ، فالسرد القائم
على ما نطلق عليه ( المناجاة ) يستطيع التوغل إلى أعماق النفس البشرية ، يعرفها
بصدق ويكشف عن نواياها بحق ، ويقدمها إلى القارئ كما هى لا كم يجب ان تكون .

هذه الأنماط تشكل مقومات عملية بناء الرواية وتصف أجزاءها تصنيفا يبعث فى
الرواية الحيوية والتدفق ويبعث فى القارئ / المتلقى التواصل النفسى والروحى،
فيتعلق بهذا الأثر الابداعى فيتأثر به ويحقق قيمته الإبداعية ليفيد منه ويستمتع به.
يبقى أن أشير إلى أن العبودى وروايته باب العبد حصلا على جائزة الشارقة للإبداع
العربى / الفائز الثانى ، مع العلم أن هذه الرواية هى العمل الأول للعبودى فى مجال
الرواية وسبقتها مجموعة قصصية بعنوان ” جلباب النبى “

وكما بدأت بكلمات الرائع بهاء طاهر اختم تلك الرحلة بكلمات المبدع أشرف الخمايسى
فى مجلة الثقافة الجديدة حيث يقول ” تركت الحركة الأدبية لأسباب ذكرتها فى مقالات
عديدة ، واختفيت لما يقرب من عشرة أعوام ، ثم عندما عدت أصابني حزن ، لقد
نظرت فى أحضان مدينتى فلم أر سارداً جديدا لكن الأقصر كانت حبلى به ، وكنت أنا
الذى لا أرى ، انه ادهم العبودى الذى أرجو أن يتم نوره ” العدد 266 نوفمبر 2012
وأنا بدوري أتمنى  أن يتبوأ ادهم مكانته التى يستحقها

*باحث أدبى في كليّة الآداب جامعة جنوب الوادي
"دراسة تتضمنّها رسالة ماجستير عن السرد في الجنوب"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق