الصفحات

2014/01/15

في رحاب السيد المسيح بقلم: فؤاد قنديل

في رحاب السيد المسيح
 بقلم: فؤاد قنديل 
 لاحظت في كثير من المناسبات أن المسلمين لا يعرفون السيد المسيح جيدا مع أنه ذا مكانة كبري في القرآن ، ففكرت في كتابة مقالة عنه وتأجلت تلك المقالة كثيرا لأنى كنت دائما أشعر أن الرسول المسيحى أشهر وأكبر وأعظم من أن أكتب عنه ، لكننى كتبت تلك المقالة قبل نحو اثنتى عشرة سنة اعتمادا على ما ورد بالقرآن قاصدا أن تكون للمسلمين ، ولم أنشرها ، وقد آن أن أنشرها لا أظننى أبالغ إذا قلت إن المسيح عيسي يحظى بحب عميق من البشر كافة سواء من أتباع الأديان ومن غير المنتمين لأي دين خاصة الذين يتمتعون بالروح النقية والذين خلت نفوسهم من التعصب والحقد، ولماذا لا نحب عيسي وقد تأسست دعوته على الحب والسلام ، ولأنه لم يمارس السياسة ولم يتول عرشا أو يملك سلطة على جماعة أو فصيل بعينه أو أتباع مذهب قد يتفق الناس عليه ويختلفون ؟.. المسيح عيسي أقرب إلى الفنان الذى وهب روحه للفن وللإنسانية جمعاء دون غرض ودون هدف إلا أن يتسامح الناس ويميلوا نحو الجمال والقيم ،وظل حتى وفاته في منتصف الثلاثينيات من العمر إنسانا بسيطا للغاية يحاول أن يفعل الخير ، ولم يهتم أن يؤسس دولة أو ينشغل بمسئولية الضرورات اللازمة لحياة البشر من مطعم ومسكن وملبس ،لأنه كان معنيا فقط بأن ينشر المحبة والتسامح . عاني النبي الكريم كثيرا لأنه كان يفكر بطريقة مختلفة تماما عن طريقة الآخرين خاصة رجال السياسة والحكم .ومعظم الناس يتصورون أن تطبيق الأفكار بحاجة حتمية لوجود كيان سياسي أو بنية إدارية لها سلطات تسوق الناس وتجمعهم مثل قطيع وتوجههم نحو غاية ، لكن المسيح لم ير هذا بل إن الله هو الذي اختاره وأوحي إليه ووجهه كي يكون ذلك الإنسان الذي يدعو إلى الحرية والمحبة مثل المخلوقات الطبيعية وعلى غير ما اعتاد الناس أن يفعلوا منذ آلاف السنين .. شكل جديد من أشكال القيادة ، وقد سار على درب المسيح ونهجه قادة روحيون كثيرون بل وقادة سياسيون لعل أشهرهم غاندي. اسمه الحقيقي يسوع وهي تسمية يهودية بالطبع ، لأنه ولد بينهم في مدينة بيت لحم في فلسطين ..أمه السيدة مريم العذراء قال عنها القرآن الكريم أنها ابنة عمران الذي أنجبها وهو في سن الشيخوخة وكان يتمنى أن يمنحه الله الذرية ، لأنه لم ينجب أبدا ولما فوجئت زوجته أنها حامل قررت أن تهب ما تلده لله . .يقول العزيز الحكيم في سورة آل عمران (35،36) " إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطنى فتقبل منى إنك أنت السميع العليم ، فلما وضعتها قالت ربي إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت ، وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا " وانصرفت مريم منذ نعومة أظفارها لعبادة الله بالفطرة وأقبلت على المعرفة والتقوي والاعتزال ومع ذلك " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" لما بلغت الثانية عشرة كان يتعين أن تترك المحراب ، وأعلن الكهنة عمن يتقدم لخطبة مريم حتى يكفلها ، فتقدم الكثيرون وتعذر الاختيار بينهم ، فأحضر كبير الكهنة قطعا صغيرة من أغصان الشجر الجاف ، كتب على كل منها اسم الخطيب وتركها في المحراب حتى الصباح ، ولما نظروا إليها في نور يوم جديد وجدوا غصن يوسف النجار قد أنبت ، وأيقن الكهنة أن هذه رسالة من الله تدعوهم إلى تسليمها ليوسف ، ويوسف النجار غير يوسف النبي الذي كان قد ظهر قبل ذلك بعدة مئات من السنين. قبل أن يتزوج بها يوسف جاءها الملاك يبشرها " قال إنما أنا رسول ربك لأهبك غلاما زكيا " وحملت مريم باسم الله وكلمته ووضعت ولدا بهيا مشرقا ، بل هو النور نفسه ، وحدث أن زار وفد من مجوس فارس الإمبراطور الروماني هيرودس وهم مجموعة من الحكماء وقد لفت نظرهم نجم في السماء ، فقالوا للإمبراطور : إن ولدا وُلد أو سيولد هذه الأيام يعلو نجمه ويتسبب في أفول نجمك ، فأمر الإمبراطور اليهودي أن يُقتل كل الأطفال حتى عمر سنتين ، ومرة ثانية ظهر الملاك لمريم يأمرها أن تهرب بوليدها إلى مصر فهناك النجاة والأمن ، على أن تبقى هناك حتى يأذن الله .. تأتي البتول إلى مصر فوق حمار يجره راعيها يوسف وعلى يديها وليدها المقدس ، وتمر العائلة بأرض مصر بعد أن عبرت سيناء إلى بعض المدن في الدلتا ثم عين شمس ومصر القديمة والمعادي ثم الصعيد وتستقر عدة أشهر بالقرب من أسيوط إلى أن يدعوها الملاك للعودة فقد زال الخطر. يكبر المسيح ويأتيه الملاك من جديد يأمره بدعوة الناس إلى عبادة الله الحق ، عبادة تقوم على الحب والتسليم والتسامح وإخلاص النية لكل البشر ، فلا يجد بدا من الطاعة وهو مجهز لذلك بالإرادة الإلهية والفطرة من الأيام الأولي ، ويحضرنا رده الشهير المبارك وهو لا يزال في المهد ، عندما سأل أهل المدينة أمه " مريم " يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ، فأشارت إليه ، قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا " فتولي الرضيبع بنفسه الرد عليهم " قال إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلنى نبيا وجعلنى مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلنى جبارا شقيا ، والسلام علىّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " ويقول الله سبحانه في محكم آياته " ذلك عيسي ابن مريم قول الحق الذي فيه تمترون " صدق الله العظيم مضي عيسى يتحدث إلي الناس كي يتحلوا بمكارم الأخلاق ويحسنوا الأفعال ، وقضى معظم سنوات عمره متنقلا في البلاد يحاول مع الغافلين كي يستجيبوا لدعوة الإيمان بالله التي تنهض على نبذ العنف وتجنب الطمع وترك الإقبال على ملاهي الدنيا السقيمة وقد أوغرت دعوته بعض اليهود ضده.. كانت دعوته شفهية فلم يترك كلمة واحدة مكتوبة ، وكل ما لدينا من معلومات عن حياته و أقواله سجلها حواريوه في الأناجيل الأربعة ..متى ولوقا ويوحنا وبولس ، والتي تعرف مجتمعة بالعهد الجديد . عاش المسيح حياته شجاعا وطيبا يطبق بنفسه كل ما يدعو الناس إليه، وكانت شخصيته تجسيدا لأفكاره ورسالته الروحية حتى أن اليهود لم يحتملوه واستشعروا خطره على سلطانهم ، فحاربوه ثم حرضوا الساخطين على صلبه وقتله وقد رفعه الله إليه ، لأنه نزل إلى الأرض بكلمة من السماء ثم عاد إليها، و القرآن يؤكد " وما صلبوه وما قتلوه ولكن شبه لهم " والعلم كل العلم عند الله ، وما يعنينا من رحلة عيسى النبوية دعوته وحياته وأقواله النبيلة ، ورغم أن المسيح واحد من أولي العزم من الرسل ( نوح وإبراهيم وموسي وعيسي ومحمد )أي عظماء الرسل وأبرزهم ورغم أنه أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الميت بإذن الله وله معجزات عديدة لكن الحب والإعجاب الشديدين اللذين يكنهما الناس للمسيح في ظنى يرجعان إلى هذه الروح السامية والخلق الرفيع والوداعة ولأنه مثال للتسامح ونموذج للإنسان الكامل الخارج مباشرة من كلمات الذات العلية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق