2014/01/09

جيل مبارك! بقلم: أحمد طوسون



جيل مبارك!
بقلم: أحمد طوسون

نحن جيل بلا أساتذة.. مقولة ترددت على لسان مثقفي حقبة الثمانينات، وتلقفها جيل التسعينات واعتبرها بمثابة تعريف بهم وبكتاباتهم.. لكن مع الألفية جديدة لم تعد مجرد شعار يستخدمه بعض نخب الثقافة والفن، بل أصبحت المقولة حالة اجتماعية تنتشر وتنمو في المجتمع المصري وتتبلور في القطيعة ما بين الأجيال وبخاصة ما بين جيل الناشئة والشباب والجيل الذي احتكر كل شيء في وطننا والذي يمكننا أن نسميه مجازاً بجيل مبارك، لأن حقبة حكم الرئيس الأسبق ( المخلوع) هي الحقبة التي عمدت إلى تثبيت اللحظة بالمخالفة لقواعد الزمن لصالح جماعة حكم ربطت وشائجها الوثيقة بجماعات السياسة والفن والثقافة والأدب والرياضة وكونت ما يشبه المنتخب القومي لحكم مصر من كهول وعجائز جيل مبارك!
كان هم هذا الجيل في كافة مناحي الحياة أن يحتفظ بنفوذه وسلطته وقوته، لكن فكرة البقاء للأبد تخالف سنة الكون رغم عمليات التجميل والشد وصبغ الشعر.. ففي النهاية تخور القوة ويتداعى الجسد ويصبح عاجزاً عن الظهور أمام الشاشات للحظات، فتنبه هذا الجيل إلى غرس نبتة التوريث الآثمة في أراضينا الخصبة فترعرت سريعا ونبتت في حقولنا بكل مراراتها، ولم تعد لمقولة " نحن جيل بلا أساتذة" مفعول المسكن الذي استخدمناه واستخدمه غيرنا من الأجيال المختلفة في محاولة لتطيب جراحنا في مواجهة الحكم الذي اعتاد اغتيال أحلامنا لصالح أحلامه التي كانت بحجم كابوس كبير خيم بظلاله على الوطن كله.
حتى فاجئنا الوطن بجيل كفر بكل ما تربينا عليه بحلوه ومره، بالاحترام الذي فهمه الكبار على أنه ضعف، بحبال الأمل في التغيير التي استخدمها الكبار كمشانق لنا ولأحلامنا.. كفروا بمبارك وزمرته الذين جمدوا أجيالنا في ثلاجات الانتظار بلا فائدة، ورفضوا أن يدخلوا في ثلاجات الحفظ التي أفسدت الأجيال جيلا بعد جيل.. فكانت ثورة يناير ضد مبارك وزمرته.. عواجيز الفرح الذين ملأوا وجه الوطن بتجاعيدهم وترهل كروشهم.
سقط مبارك وارتعشت أبدان جيله أمام هدير الشباب وعنفوانه، لاذوا بالجحور وبحجرات العناية المركزة يبحثون عن أدوية وعقاقير تعيد لهم بعض ما ضاع بعد أن هدأ الطوفان، ووجدوا ضالتهم عند جماعات التأسلم السياسي التي قفزت على مكتسبات الثورة وظنت الوطن غنيمة لها ولأطماعها.. فعادت الكثير من الوجوه إلى المشهد بعد  أن أجرت المزيد من عمليات الشد والتجميل تفقأ عيوننا بأنيابها الحادة ولسان الأفعى الذي ينفث السموم في وجه الوطن وأجساد شبابه في محاولة للقضاء على آخر ما تبقى من الثورة، وأهم مكتسباتها ومكتسبات الوطن، ألا وهم الشباب.. بنات وأولاد يتفتحون للحياة يحلمون بوطن أجمل ومستقبل أفضل.
نحن إذن لسنا في حاجة إلى قوانين عزل سياسي، لأنه لا توجد عندنا سياسة، نحن في حاجة إلى مستعمرات نحتجز فيها جيل مبارك بعيداً عن السلطة والحكم والمستقبل، جيل مبارك ليس فقط يمثله من تواجدوا في دوائر الحكم، بل هو مستوطن في كافة التيارات السياسية والجماعات الراديكالية والمؤسسات العامة والخاصة.. نحتاج إلى عزلهم في مصحات خاصة بعيداً عن شبابنا حتى لا يصيبونا بعدوى الجمود والهرولة في المكان دون أن نتقدم خطوة.. احتجزوهم في ملاعب الجولف واتركوا لنا المصانع والمزارع لنبني ونزرع، لأنهم لن يبنوا لنا إلا بيوت العنكبوت ولن يزرعوا لنا إلا العجز والمرار!

ليست هناك تعليقات: