الصفحات

2014/02/25

الآنسة أمل.. بقلم: صافيناز مصطفى



الآنسة أمل
بقلم: صافيناز مصطفى

وقفت أمل حائرة مترددة أمام دولاب ملابسها تختار أى فستاناً ترتديه يناسب الموعد الذى ٌُحدد لها من قبل صديقتها وزوجها فى منزلهما هل تختاره ملفت للأنظار يبرز جمالها  ومفاتن جسدها أم تختاره  حشمة يدل على احترامها والتزامها أم الاخرين أم تختاره بسيط  ليظهر شباب عمرها !
فهى فتاة لازالت جميلة وتبدو شابه رغم تعديها الثلاثين من عمرها  وتعليمها العالي واناقتها  واتقانها العديد من اللغات اضفى جمالا ورقياُ على مظهرها الخارجى فهى خريجة الجامعة الامريكية وتعمل فى احدى الشركات السياحة العالمية الكبري وسافرت عديد من دول العالم من خلال عملها  مما جعها تتكلم ثلاث لغات بإتقان ورقي ورغم إنها من أسرة ثرية الا انها تتحصل مبالغ طائلة من عملها اضفى مزيداً من الثراء والاستقلال لها ورغم أنها تعيش فى منزل يتسم  بالفخامة والاتساع ولا يقنطنه غير والدتها  وهى
 ووالدتها إمرأة مسنة ونادراً ما تبرح الفراش
 الا انها كانت دائما تريد التحرر من أى تبعية لأحد فهى تتحصل من عملها ربحاُ يجعها دائما تمتلك قرارها  !
ولذا هي فخورة بنفسها وبإمكانياتها  واستقلاليتها عن أى تبعية للاخرين التى جعلتها  تتعالى على الكثريين من الشباب الذين تتطوقوا للارتباط بها طوال السنوات الماضية 
فكانت دائما تضع شروط قاسية لمن يلمح بالتقدم لها وكانت راضية عن تلك الشروط لانها تشعر بينها وبين نفسها انها تستحق افضل الرجال دينا وثقافة وخلقا
 فهى فتاة ملتزمة اخلقيا ودينيا وايضا تمتلك مقومات الجمال ولديها من الثراء ما يكفيها فلماذا تقبل بمن لا يستحقها !
الا أنها تذكرت فجأة همسات زملائها فى الشركة عن عدم ارتباطها الى الان كما بدا عليها الأسي عندما تذكرت موقف رجل الجوازات فى المطار وهو يشير لها بلقب مدام وصحح له  مدير الشركة الذى كان ضمن جروب الرحلة انها لازالت أنسة مما جعل الرجل يشعر بأنه ارتكب جرماُ فى حقها واخذ يجمع كم من كلمات الإعتذار المهذب لها والتى كانت تجرحها أكثر ما تداويها وتذكرت ايضا توسلات والدتها  المريضة لها بأن تقبل تلك الموعد الذى حددته لها صديقتها مديحة وزوجها عادل  لتقديم عريساً لها  وصفته صديقتها بأنه مناسب واحست أمل بوغزة فى قلبها وهى تختار فستان يليق بتلك الموعد !
فهل جاء عليها يوماُ وتذهب بنفسها الى مقابلة عريس عن طريق صديقتها وهى التى كانت كل من يتقابل معها أويلمحها يبادر بطلب يدها  فماذا يجبرها على قبول هذا الموعد المهين فى رأيها ولكنها ايضا تذكرت انها من حقها
 أن تكون أماُ وتلحق بأخر قطار فى دنيا الامومة الذى لا يعوض عنه مناصب ولا ثراء فحزمت أمرها
 واختارت فستاناُ يظهر عمرها الحقيقي دون تزييف وارتدت ايشاربُ عقدته على أسها  ليخفى معالم شعرها والتى كانت اعتادت على ترك خصيلات من اسفل الإيشارب ليظهر قدراً من جمالها ويضفى مزيداُ من الشبابية عليها
ووضعت زينه بسيطة على وجهها متعمدة ان تظهر وجهها بدون تجميل  مبالغ فيه ونظرت أمل نظرة أخيرة الى المرأة قبل ما تنصرف لتتمم على كافة اناقتها وزينها
 الا انها فوجئت بان الأشراقة اختفت من ملامحها وتبددت الحيوية وحل محلها خطوط  تتسارع بالأرتسام على جبينها لتظهر عبوساً وتجهمًا على ملامحها فشعرت بشيء يعتصر قلبها وهى تنظر الى صورتها أمام المرأة ولكنها قاومت تلك العاصفة التى كادت تسنيها عن تلك الموعد وتحبطها وتهز ثقتها بنفسها
فهزت كتفها فى لامبالاة اخذه نفسهاٌ عميقاٌ تستعيد به ثقتها فى نفسها وهى تردد ومن سيكون هو............ الا من الجائز انه لا يعجبنى
وفى اقل من نصف ساعة وقفت أمل أمام باب شقة صديقنها مديحة تأخذ نفساُ عميقُا  تطرد به الهواجس التى بدأت تطرق رأسها 
ودقت جرس الباب لتسرع مديحة وتستقبلها بترحبها المعتاد ومن خلفها زوجها عادل
 لتقول أمل : دائما مواعيدك مثل الساعة .
ليكمل عادل الثناء طبعا فهى معتادة على تحديد المواعيد مع مسئولى كبار الافواج السياحية العالمية.
  ابتسمت أمل ابتسامة رقيقة لمديحة وعادل وأخذت تطل برأسها باحثة عن الزوج المقبل والهواجس تتزايد تصارعا فى رأسها وأشارت لها مديحة بإنها تسير أمامها الى غرفة الصالون حيث ينتظر هناك الضيف
واخذت ضربات قلب أمل تتسارع ماذا سيكون شكله ولماذا أفعل بنفسي كل هذا وشعرت كأنها تريد أن تجرى وتهرب بنفسها من كل تلك العاصفة التى هى فى غنى عنها
وفجأة فتح الباب لتصدم بالرجل
 وقفت أمل أمامه باهته وكاد قلبها يتوقف من المفاجأة
ما هذا الرجل !
 الذى يسبقه كرشه أمامه وكأنه جزء منفصل عنه ولكنه يتبعه اينما ذهب
 وتطل من عينيه نظرة خبيثة تتفحصها بوقاحة من رأسها  لأخمص قدميها 
وان حاول يتظاهر بعدم الانتباه لها
 وشعرت أمل بغثيان مفاجيء وكادت الارض تدور بها الا إنها تذكرت حديث مديحة لها بإنه رجل مناسب وإنها الى متى ستظل ترفض كل رجل من أجل عيوب ظاهرية لا قيمة لها لابد ان تنتظر لتتعرف على الجوهر
 وجلست أمل
وأخذ عادل يبادر بالتعارف الذى أنتهي سريعاُ واشارت اليه مديحة بان ينصرفوا بحجة انها تريده ان يساعدها فى احضار الشاي لهما
 وظلت أمل صامته والرجل صامت إلى أن بادر بالحديث  ليقطع هذا الصمت الممل قائلاُ اعتقد أن الأنسة أمل موظفة ؟
شعرت أمل أنه يضغط على كلمة أنسة لإشعارها بظروفها .
 فأبتعلت أحساسها الموجع وهى تردد بصوت ضعيف نعم فى شركة السياحة العالمة   فاردف يقول عمل المرأة مهم ولكن لا يجب أن ينسيها واجبت بيتها فأنا زوجتى الله يرحمها لم تعمل لانى تزوجتها وهى  فى الجامعة ولهذا لم تكمل الدراسة لاننا تزوجنا واحنا لسة شباب فى بدايات العشرين  ومن أجل هذا ابنتى الوحيدة  فى اولى جامعة الان .
وبدأت أمل تتأكد من احساسها بأنه يحاول معيارتها وانه يتعمد التقليل منها ولم يجد غير  هذا العيب من وجهة نظره  فبدأ منه حربه عليها
ودار برأسها تساؤلات عدة  هل ... يعلم أن كل شيء قضاء وقدر خاصة الزواج فهو قسمة ونصيب  وان الله سبحانة وتعالى  يهب من يشاء الاولاد ويمنع من يشاء لحكمة لا يعلمها الا هو واننا امام القضاء والقدر نقف عاجزين ولكن يجب علينا الرضاء بما قسم الله لنا واحست انه اخر الرجال الذي يمكن أن ترتبط به وأن لم ترتبط على الاطلاق
 فشعرت انها لابد أن تحزم امرها 
فلماذا تقبل تلك المهانة !
كل هذا من اجل ان تكون زوجة ...فماذا يفيد. وان كان الزوج لا يطاق
 وأن كان من أجل الامومة.... فماذا ستزرع فى ابنتها من قيم وعزة وهى قبلت المهانة
 فأطلقت زفرة حارة تنفس بها عن غضبها ونهضت بعدما حزمت امرها واطلقت طلقتها الاولى وهى تتجه نحو الباب لتقول بصوت مرتفع  كأنها تستحتضرها مديحة
 أنا تذكرت موعد هام ومضطرة أن ارحل الأن
 سارعت مديحة ومن خلفها عادل ووقف الرجل باهت امامها فى منتصف الصالة الرئيسية يحاول الجميع إبقائها ولكن بلا فائدة فأصرت أمل على الأنصراف وهى تطلق الطلقة الثانية فى وجههما
 ناظرة الى الرجل نظرة تعالي وتحدي وكأنها ترد على رأيه في عمل المرأة
وعلى محاولته ذبح القطة لها من البداية  بتقليل قيمتها أمام نفسها
قائلا بتحدى وكأنها تخاطب نفسها .العمل أهم من أى شيء أخر فى نظرى .
وقادت أمل سيارتها وهى تحاول أن تبتلع قطرات دموعها التى بدأت تنزلق من مقلتيها ولم تدر إلى أين تذهب هل تعود الى البيت وتحبط والدتها التى فى انتظار خبر سعيد منها  
ولم تدر ماذا تفعل الى أن فوجئت بسيارة أخرى أمامها لتصتدم بها
 خرج الرجل من السيارة الأجرة  يشير  لها بصوت انفعالي مرتفع انتى أيه يا ست أنتى سائقة وانتى نايمة اتفضلى معى على القسم والله ما اتنازل الا لما اخذ حقي
 ولم تتدر أمل بنفسها الا وهى واقفة امام ضابط الشرطة متوترة
الا أن الشيء الذى طمنها صوت الضابط المهذب وابتسامته الرقيقة وهو يشير لها بالجلوس ومدت اليه بيد مرتعشة تسلمه بطاقتها هى الاخرى وتفحص الضابط  البطاقة جيدا  ثم نظر الى أمل نظرة  ليتفحصها هى الاخرة انتهت بإبتسامة رضاء بادلته امل تلك النظرة امتنادنا وانهى الضابط  الامر بعد معاناة مع السائق واقناعه بالتنازل عن المحضر
وطوال تلك الساعة ظلت أمل تترقبه  فى خلثة وهى تتمنى ان يكون بجوارها رجل مثله يدافع عنها وينهى لها أزماتها كم هى تطوق الأن لوجود رجل بجانبها ينزع عنها ثقل أعباء الحياة وفاقت أمل على صوت سائق التاكسي وهو يبادر بالانصراف مشيرا لها بسبابته قائلا بصوت خشن عشان خاطر البيه بس أنا تنازلت
وسارعت امل هى الاخرى بالانصراف ومدت يدها تتسلم بطاقتها الشخصية
ولكن الضابط تردد قليلا قبل ما يسلمها البطاقة وكأنه يريد ان يفصح عن شيء فى داخله فأقترب منها  قليلا وقال فى صوت ضعيف خجول وهو يمد يده لها ببطيء بالبطاقة
 أنسة أمل هل تقبلبي ان أزوركم فى البيت أنا ووالدتى الخميس القادم ؟
بهتت امل وكادت ضربات قلبها تتوفف من المفاجئة وشعرت كأن ثلوج الهم الذى اثقلت كاهلها طوال السنوات الماضية ذابت فجأة وكأن القدر يجمع لها كل اطياف السعادة مرة واحدة ليفاجئها بها ولأول مرة منذ سنوات تستلذ بلقب أنسة ويكون محبب لها ويشعرها بأنوثتها بعدما شعرت أنها ستفتقده الى الأبد بعد أيام  قليلة وان انتظارها طوال السنوات الماضية باحثة عن شريك الحياة المناسب
 لم يضيع عبثا بل كان له جدوى لم تعلم قيمته الا الأن
فأبتسمت ابتسامة خجل تدل على الرضاء وهزت رأسها قائلة بصوت ضعيف فى انتظارك......!




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق