الصفحات

2014/03/02

الناصرية ضد الهزيمة.. بقلم: فؤاد قنديل



الناصرية ضد الهزيمة
فؤاد قنديل
     في البداية نقول أن كلمتى " ضد الهزيمة " في العنوان تعنيان " إنها ضد الذبول والموت ".. فالناصرية  طريقة للحكم والإدارة تصلح لكل مؤسسة و جماعة ولكل أسرة ولكل فرد كما ستكشف لنا ذلك السطور التالية ، ومن حق القراء الذين لا يعرفون بدقة المقصود بمصطلح " الناصرية " رغم ذيوع صيتها أن نبادر في البداية بتوضيح أهدافها وآفاقها ، وبالتالي تميزها عن غيرها  ، وليس من أغراض هذا المقال محاولة الترويج لها لأنها ليست بحاجة إلى سطوري ولا نصرة غيرى ، فهى كيان فكري ومادي وإنساني قائم بذاته  وفي الوقت نفسه يتمتع بمرونة تسمح بإجراء أية تعديلات عليه بحيث تكون نابعة منه ومتسقة مع بنيته وأهدافه.
      " الناصرية " تعنى المبادئ التي يمكن أن تتبناها أمة تحلم بالتنمية والتقدم في إطار السلم الاجتماعي ؛ خاصة في حالة الدول الفقيرة وكثيرة السكان  أو قليلة الموارد ، وتتلخص تلك المبادئ فيما يلي :
1-  الاعتماد الكامل على الموارد البشرية والطبيعية بحيث يقل إلى أقصى درجة اللجوء للاستيراد المتسبب في الفساد وإنتاج الأزمات وتبديد الطاقات والأموال .
2-  توجيه كل الجهود العلمية لتأسيس المشروعات الصناعية والزراعية وتوليد الطاقة بحيث تتوفر فرص عمل كافية للشباب ، فليس ثم خطر أفدح من البطالة.
3-  الأخذ بالوسائل العلمية في كل مناحي الحياة .
4-  تقديس قيم العمل والنظام والأمانة والجدية والقدوة .
5-  تحقيق العدالة بكل تجلياتها الاجتماعية والاقتصادية و الجغرافية  والثقافية بما فيها من تكافؤ الفرص.
6-  الاعتماد على أعلى الكفاءات ورعاية الموهوبين وتشجيع الابتكار في كل المجالات
7-  القضاء على الاحتكار وتجفيف منابع الفساد مهما كان محدودا وتغليظ العقوبة على مرتكبيه .
8-  جميع المواطنين سواسية أمام القانون .
9-  إعادة توزيع الثروة والسماح بالملكية الفردية بحيث لا تجور على العدالة الاجتماعية .
10-        تحمل الدولة الكثير من المشروعات الكبري والخدمات
11-        توفير أجود ما يلزم للسكان من الحاجات المعيشية وتمكينهم من حيازتها بصورة كريمة .
12-        مقاومة كل أشكال التدخل الأجنبي
13-        جيش وطنى قوي
14-        ترسيخ العدالة السياسية أو آليات الديمقراطية ( لم تتح الفرصة لتحقيقها )
15-                    احترام جميع الأديان والمذاهب وحماية الوحدة الوطنية والإقليمية.
16-                    وضع حد أعلي للأجور لا يتجاوز عشرين مثل الأدني ( مرتب خريج الجامعة الجديد في أوائل الستينيات كان عشرين20جنيها يمكن أن يشتري به خمسين كيلو من اللحم ومرتب رئيس الجمهورية 400جنيها )
17-                    شرط المسئولية طهارة اليد .
18-                    الاهتمام بالمرأة والشباب وتأكيد الحياة المدنية.
ولابد من الاعتراف أن الناصرية في عهد عبد الناصر واجهت الكثير من التحديات وصور العجز والتقصير والخيانة  والمؤامرات من الداخل والخارج ، ولو توفرت الكوادر العالمة والمخلصة ، ولو لم تتجمع القوي الاستعمارية لإجهاض التجربة التي اعتبروها رياحا عاصفة تهدد سلطتهم وهيمنتهم على العالم لفاق المنجز الناصري حدود التصور ، لكن ما آلت إليه هذه التجربة الرائدة لا يؤثر سلبا فيما ترسب من دروسها وفاعليتها وقدرتها على تحقيق أحلام شعوب كثيرة تقاسي الفساد والاستعباد وصور التخلف.

     لم تبدأ الناصرية مع عبد الناصر ، فقد كانت الكثير من ملامحها في أحاديث الرسول المصطفي محمد بن عبد الله  نبى الإسلام بما يتواءم مع تلك الفترة التاريخية المتقدمة  ، لكن عبد الناصر حاول جاهدا وعن اقتناع كامل تطبيق هذه المبادئ بوصفها – في اعتقاده الراسخ – المنقذة للأمة من النظامين الشيوعي والرأسمالي ، وحامية دون شك من الاحتكار ومانعة من التخبط والعشوائية ، وفي الوقت ذاته تستهدف مصالح الشعب الذي عاني من التهميش والحرمان قرون طويلة ، ومع ذلك فالناصرية التي حملت اسم الزعيم العربي لم ترحل معه ولم تشاركه القبر بل ظلت على الألسنة واللافتات في ثورات كثيرة في العالم لأنها روشتة إصلاحية مستقبلية تصلح لكل الشعوب النامية والفقيرة ، ولعل هذا هو السر في أن شباب ثورة يناير2011 وثورة يونيو 2013 وكل مظاهرات الاحتجاج التي طالبت ولا تزال تطالب بالحرية والغذاء والعدالة والكرامة  ترفع آليا وبشكل عفوي أو منطقي صوره تدليلا على نوع المطالب وإشارة إلى  من أزهق روحه في سبيلها ، ومن ثم فلم تعد الناصرية تخص عبد الناصر شخصيا إذ غدت كيانا مستقلا يعنى كل ما يصب في صالح الجماهير ويحقق أهدافها وأمانيها ويحاول كل يوم أن يكسب لها أرضا جديدة على طريق التقدم والحرية واستقلال الإرادة السياسية والاقتصادية  وصار طبيعيا أن تتبناها كل القوي الثورية حيثما كانت وأن نجد أعلامها – وأعلامها هي صور الزعيم -  مرفوعة  فوق رءوس الميادين الحمراء المشتعلة بالغضب والتي تسعى للحرية والعدل .
    وعندما قلنا إنها ضد الهزيمة و تستعصى على الزوال فذلك الأمر تشهد به كل المظاهرات والاحتجاجات التي اندلعت في مصر منذ 19،18يناير 1977 وحتى الآن ، وقد حاول السادات التخلص من الناصرية بكل الوسائل لكنها كانت تظهر في التصفيق الحاد في المؤتمرات كلما ورد اسم عبد الناصر في أحد الخطب ، وتظهر في الكتب التى لا تتوقف عن الصدور في مصر والعالم العربي والعالم الغربي ، وحاول مبارك التخلص من الناصرية لكنها ظلت تطل عليه من كل نافذة ومن كل مصنع أو مشروع ومن كل الميادين ، أما مرسي الذي يمقت ناصر وناصريته فقد وجد نفسه محاصرا به في كل مكان وفي كل مناسبة حتى خارج مصر ، وها هي تطل من جديد مع السيسي الذي طرد مرسي وجماعته  الإرهابية فارتفعت أعلام الناصرية من جديد بمناسبة طرد المحتلين ذوي اللحى القميئة والتدين المزيف وخاطفي الوطن ، وعندما أوقف السيسي أنشطة أمريكا ومشروعها المشبوه في الشرق الأوسط ارتفعت أعلام الناصرية وسوف ترتفع كلما احتاج الثوار أن يطالبوا بواحد من مبادئ الناصرية .. سواء كان ذلك في مصر أو خارجها لأن الناصرية فكرة ثورية شعبية عبرت حواجز الجغرافيا ولقيت ترحيبا لدي أقطار عديدة لأنها امتلكت الصيغة الملائمة لمعظم الشعوب مع قدرتها على التواؤم مع كل الأهداف والرؤي الإنسانية وإمكانية إجراء تعديلات تتناسب ومشكلات البشر في كل مكان وزمان لو خلصت النيات وتوفر الضمير .  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق