الصفحات

2014/04/27

سقطة تشومسكى!.. بقلم: فؤاد قنديل

سقطة فادحة لتشومسكى
 أهم مثقفي العالم 
فؤاد قنديل
 يعتبر كثير من مفكري وكتاب العالم أن المفكر الأمريكى أفرام نعوم تشومسكى ( 86 سنة ) أحد أهم مثقفي الدنيا المعاصرين بل أهمهم على الإطلاق ، وهو فيلسوف العقل والأخلاق وعالم اللسانيات كما أنه مؤرخ وناقد للفنون وأستاذ للعلوم الإنسانية ، ومنظر مهم من منظري الذكاء الصناعي ومؤسس للأنظمة الذكية وناشط سياسي مرموق ومناضل من أجل حقوق الإنسان ، وقد وضع أكثر من مائة كتاب ويعد المرجع الأول في هذه المجالات جميعا ، ومنذ عام 2005 يتم اختياره عبر التصويت في استطلاعات الرأي كأبرز مثقفي العالم، و يوصف بأنه أب علم اللسانيات الحديث ، كما يُعد شخصية رئيسية في الفلسفة التحليلية ، وقد كان لأفكاره ونظرياته تأثير بالغ على علوم متنوعة كعلوم الحاسب والرياضيات وعلم النفس. و يعود إليه فضل تأسيس نظرية النحو التوليدي، والتي كثيراً ما تعتبر أهم إسهام في مجال اللسانيات النظرية في القرن العشرين. ويعود إليه كذلك فضل تأسيس ما أصبح يُعرف بـ "تراتب تشومسكي" ونظرية النحو الكلي. لفت تشومسكى الأنظار عندما هاجم بضراوة الحرب الفيتنامية حتى اضطر إلى قيادة بعض المظاهرات التى تعلن رفض المشاركين فيها دفع الضرائب كي لا تستخدمها الحكومة الأمريكية في الحروب والعدوان على الشعوب ، وقد شجعته الأصداء المترتبة على احتجاجه على مواصلة نشر كتبه ودعواته في النقد السياسي ، خاصة نقده للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية ورأسمالية الدولة. وقد نشر العديد من المقالات حول "مسئولية المثقفين" موضحا أن المثقفين هم خط الدفاع الأول عن حقوق الإنسان وهم حماة الشعوب من غطرسة السلطة وأكاذيب وسائل الإعلام ، ومن أشهر ما ذكره في إطار الهجوم على سياسة أمريكا الخارجية ذات التاريخ الطويل المشبوه إشاراته المتكررة عن حماقة تورط الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية سعيا لهزيمة دول المحور منبها إلى أن الأفضل كان إنهاء أو منع الحرب من خلال دوبلوماسيات سابقة. بدلا من إسقاط القنابل النووية في هيروشيما وناجازاكي الذي يعد من أشد جرائم التاريخ التي لايمكن وصفها . واتساقا مع رؤيته السلبية لوسائل الإعلام الأمريكية فقد تضمن كتابه المعروف "صناعة الإذعان :الاقتصاد السياسي لوسائل الإعلام الجماهيرية" (1988) انتقاداته لوسائل الإعلام، والذي شارك في كتابته مع إدوارد هيرمان وهو عبارة عن تحليل يبلور نظرية لنموذج البروباغندا لدراسة وسائل الإعلام. وإذا كان تشومسكى يعارض فكرة التصنيف التى يري فداحة نتائجها الكابحة للفكر فإنه لا يجد غضاضة في أن يصف آراءه بأنها "تقليدية أناركية " لأن أصولها تعود لعصر التنوير والليبرالية الكلاسيكية ، ويميل البعض لوضعه في صدارة المثقفين المنتمين للاشتراكية التحررية، واعتبره البعض في الإطار ذاته منظراً رئيسياً للجناح اليساري في السياسة الأمريكية. وبرغم الترانسندنتالية التي يمكن أن تميز مجالات اهتماماته العقلية واللغوية كاللسانيات والفلسفة فقد حرص تشومسكى على أن يكون راصدا لكل ما يجري في العالم من حراك سياسي وإنساني وأن يحاول الغوص في أسرار هذا الحراك وما يمور به من أحداث وما يهدده من توجهات تؤثر على مسيرة الإنسان المعاصر وتضرب طموحاته وحريته في الصميم ، واقتضي ذلك منه جهدا خارقا كي يعكف على كتبه العلمية وفي الوقت ذاته ألا يتخلى عن دوره كمثقف عضوي معاصر يلتحم بالوجود الإنساني ويتعاطف علميا وعقليا مع أزماته ومحنه حتى قال في أحد كتبه : ليس على المفكر ولا العالم أن يظل بمنأى عن أحوال الحياة المضطرمة في الطرقات بل عليه قدر الإمكان أن ينتمى إليها وأن يساندها بفكره من أجل حمايتها من غواية الطغاة ورجال الأعمال . ومن هذا المنطلق رضي أن يكون عضوا في اتحاد عمال المصانع ، وفي حملة الدعوة العالمية للسلام والديمقراطية . وشارك تشومسكي في النشاط السياسي طوال فترة شبابه وعبر عن آرائه حول السياسة والأحداث العالمية والتي تم الاستشهاد بها وتغطيتها ومناقشتها على نطاق واسع. وبالمقابل أكد تشومسكي أن آراءه هي تلك التي لا يود ذوي النفوذ سماعها ولذلك السبب يُعتبر معارض سياسي أمريكي. وانتقد تشومسكي بشكل قوي السياسة الخارجية للولايات المتحدة وأكد وجود معايير مزدوجة في السياسة الخارجية فهي تدعو للديموقراطية والحرية للجميع رغم أنها تتحالف مع المنظمات والدول غير الديموقراطية والقمعية مثل تشيلى بما نتج عنه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. ويرى تشومسكي أن تدخل الولايات المتحدة في الدول الأجنبية بما في ذلك المساعدات السرية كالتي تُقدم للمتمردين في نيكارجو–هوشكل من أشكال الإرهاب ، وعن مقتل أسامة بن لادن،تساءل تشومسكي " لو هبط الطيران العراقى في منزل جورج بوش واغتاله وقد تجاوزت جرائمه كل ما اقترفه بن لادن حتى أصبحت غير قابلة للنقاش ثم ألقت جثته في المحيط ، ومع أنه ليس حتى 'مشتبه به' بل 'صانع القرار' الذي يقوم بإصدار الأوامر لارتكاب الجريمة الدولية العظمى التى يروح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى، والملايين من اللاجئين،فضلا عن تدمير جزء كبير من البلاد وإشعال الصراع الطائفي المرير الذي انتشر في بقية المنطقة ، فماهو يا تري رد فعلنا إزاء ذلك؟ لم ينخدع تشومسكى كغيره من مثقفى أمريكى بالصداقة المشبوهة بين إسرائيل والولايات المتحدة وإنما وجه نقده اللاذع للحكومة الإسرائيلية ومؤيدينها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة منددا بسوء معاملتها للشعب الفلسطيني معتبراً أن من ينصرإسرائيل هو في الحقيقة ينصر الانحطاط الأخلاقى ، وقد عارض بقوة التوسع الإسرائيلي رغم أنه يهودي بينما كان والداه لايزالان أحياء وفي شهر مايو من عام 2010 احتجزت السلطات الإسرائيلية تشومسكي ورفضت دخوله الضفة الغربية عبر الأردن عندما ذهب لزيارة فلسطين المحتلة لدعم قضية الشعب الفلسطينى ، وفي نهاية المطاف منعته من الدخول للضفة الغربية عبر الأردن وخاصة أنه سيزور جامعة فلسطينية أو أردنية ولن يزور جامعة إسرائيلية. ومن أهم مقولات تشومسكى قوله : إن العلم من أهم المنجزات التي يمكن أن تساعد في تطوير الحياة لكنه ليس كافيا وحده لتحسين أحوال الناس ولابد من التعامل المباشر معهم حيث نبض الحية الحقيقي ، ولا غنى للإنسان عن العقل وأصوات المثقفين ودعمهم الدائم ولابد أن تكون الفلسفة في خدمة الإنسان ، وهذا ما يجعلنى أقدر تماما دور المسئولية الاجتماعية والأكاديمية "" وكان طبيعيا أن ينال تشومسكى أكثر من خمسين دكتوراة فخرية من أكبر جامعات العالم وعشرات الجوائز وعضوية العديد من الجمعيات العلمية والفلسفية الدولية. لكن من حقنا أن نتعجب من صاحب هذه القامة النادرة عندما صرح منذ شهور قليلة بأن الترتيبات تمضي على قدم وساق لعودة مرسي رئيسا شرعيا لمصر ، وكرر هذا التصريح في مناسبات تالية ، ومنذ أيام قليلة أثار الدهشة مجددا بقوله: إن الجنرالات العسكريين في مصر غير قادرين على إقناع أنفسهم أن حقبة حكمهم قد ولت وانتهت، ولم يعد من الممكن لهم الاستمرار في الحكم، رغم التنازلات التى قدموها والتى لازالوا يقدمونها، كما أنهم غير قادرين على إقناع أنفسهم بأنهم سيعيشون تحت حكم إسلامى له وزنه وقيمته بين قيادات العالم، يقلص سلطتهم تدريجيا، وشيئا فشيئا تتحول أرباح شركات الجيش المصري والتى تقدر سنويا بـ70 مليارا إلى خزينة الدولة. وأضاف تشومسكي قائلا : إن ما يقرب من 70 مليار جنيه لا يسمح الجيش لخزينة الدولة منها إلا بمليار واحد فقط، و69 توزع على قيادات الجيش، والغريب أن كثيرين لا زالوا مخدوعين في الجيش تحت وَهْمِ الوطنية والتاريخ والحروب والانتصارات، متجاهلين حقيقة أن قادة الجيش قد مصوا دم الفقراء ووزعوا على أنفسهم ما يعد من ممتلكات الشعب. كما أكد أن أي انتخابات نزيهة لابد ستأتى بالإسلاميين مجددا إلى حكم مصر، وأى انهيار اقتصادى سيتسبب في عودة الإسلاميين مجددا إلى حكم مصر أيضا. وتابع تشومسكى: إن قادة الجيش المصري قد نسوا وتجاهلوا عن عمد أنهم موظفون في خدمة الشعب يحمون الحدود، وبدلا من ذلك هبطوا على سوق الاقتصاد وتاجروا في التفاهات بثقل اقتصادى مؤثر، بدلا من تعزيز قدراتهم العسكرية وتطوير صناعة الأسلحة، وكل هذا لتفادي غضب إسرائيل، التى تضع منظارا وميكرسكوبا على الجيش المصري، الذي أصبح بعد كامب ديفيد منقادا وتحت التبعية، ووضع نفسه تحت ضغط، وسيظل تحت كل شيء ما دام الانقلاب مستمرا. وأشار إلى أن الشعب المصري عليه أن يتأهب ويبذل أقصى جهده كي يسقط الانقلاب ويعيد الرئيس المنتخب من السجن إلى الرئاسة، وما دون ذلك لن يؤدى مطلقا إلى أي تحسن في مصر. إنها دون أدني شك سفطة بشعة لعالم وفيلسوف بارزتستحق أن تتفجر لها العشرات من علامات التعجب والأسئلة ، منها : كيف يستقيم لمثل هذه العقلية العلمية والمنطقية والسياسية أن تتصور أن الصندوق هو دليل المصداقية والجدارة ؟!!! وكيف يتصور رجل بهذا الحجم من الخبرة والوعي أن الشرعية الانتخابية هي التى تحفظ لحاكم عرشه مهما أضر ومزق وقتل ؟!!! وكيف يصر العالم البارز وبعد تسعة أشهر من ثورة الثلاثين من يونيو التى أيدها عشرات الملايين من المواطنين على اعتبارها انقلابا ؟!!! ، وكيف يصرح بهذا متعمدا بعد أن بلغه أن استفتاء الشعب على دستور الثورة الجديد تمت الموافقة عليه بنسبة تتجاوز 97 % ، .. ألم يسمع تشومسكى بدعم نصف عدد مهم من الدول العربية ماديا ومعنويا خارطة الطريق المصرية ؟!!! والأهم من هذا جميعه ..ألم يسمع أو يشاهد الناشط السياسي المتابع بدقة لكل الأحداث العالمية فيضانات الإرهاب التى انهال بها رجال وأنصار التنظيم الإرهابي على الشعب المصري وممتلكاته الرسمية والأهلية بما يفوق كل العمليات الإرهابية طوال التاريخ من أبناء أمة على أهليهم ويفوق مئات المرات ما جري لمصر على يد الأعداء ومنهم الصهاينة الناهبين لأرض فلسطين ؟!!! .. خسارة يا نعوم .. هذه سقطة فادحة تمحو الكثير من مواقفك النبيلة وتهدد تاريخك العلمى والفلسفى والسياسي، خاصة أنها شهدت غيبة كاملة لكل مناهجك ومبادئك ومقولاتك عن الحرية وحقوق الإنسان وحرية الشعوب في حقها في تقرير مصائرها ورسم خرائط حاضرها ومستقبلها .

هناك 4 تعليقات: