الصفحات

2014/04/03

حوار مع الكاتب المصري فتحي أبو رفيعة من إعداد عبد القادر كعبان



حوار مع الكاتب المصري فتحي أبو رفيعة
من إعداد عبد القادر كعبان/الجزائر

فتحي أبو رفيعة كاتب مصري من مواليد عام 1941 في قرية كفر نكلا بمحافظة البحيرة في مصر. واصل تعليمه الابتدائي والثانوي بعد انتقاله الى مركز المحمودية، كما أنه خريج كلية آداب، قسم لغة انجليزية من جامعة الاسكندرية. كانت بدايته في عالم الصحافة والاعلام سنة 1963 حيث انضم الى الهيئة العامة للاستعلامات، صحيفة الجمهورية، إذاعة مصر العربية مساهما في مجالات التحرير والترجمة وكتابة التعليقات السياسية. انتقل أبو رفيعة الى اليمن سنة 1967 ليعمل محررا بصحيفة "الثورة". تعتبر سنة 1974 بداية جديدة في مساره الصحافي والاعلامي حيث انتقل الى المملكة العربية السعودية لمواصلة المشوار الذي دام ثماني سنوات ليجد نفسه يوما يواصل رحلته الى نيويورك ليعمل في قسم خدمات المؤتمرات بالأمم المتحدة في مجال الترجمة و التحرير.

·         من هو فتحي أبو رفيعة الانسان؟
أؤمن بما يراه بعض فلاسفة التنوير من أن الإنسان هو نتاج طبيعي لبيئته. وأتصور أن تكويني النفسي والإنساني تأثر بشكل كبير بنشأتي الريفية حيث الحقول الفسيحة والخضرة الغالبة وزقزقة العصافير وهديل الحمائم. ورغم إنني انتقلت مبكرا إلى المدينة، إلا أن سنوات الطفولة الأولى كانت المنهل الذي غرفت منه في تصويري لمعظم شخصيات قصصي. وأذكر أن من أهم القصص التي صورت ولعي بالقرية وشخصياتها قصة ’’قوس قزح‘‘، وبطلتها طفلة يتيمة رفضت الرضوخ لرغبة أهلها في تشغيلها خادمة لدى أحد كبار القوم، وفرضت إرادتها، وهي طفلة لا حول لها ولا قوة، على من أرادوا أن يفرضوا عليها واقعا لم تكن هي لتقبل به. (يمكن مطالعة القصص المشار إليها في هذه المقابلة في الموقع الالكتروني aburafia.com). لقد غرست القرية في ’إنسانيتي‘ ما تمتع به أهلها من طيب الخلق والتدين السمح والرغبة في التعلم والتطور. يضاف إلى ذلك طبيعة الخصائص التي اتسمت بها فترة الخمسينات والستينات حتى مطلع الألفية، فلقد كان هذا النصف الثاني من العقد فترة ازدهار خصيبة على مختلف المستويات السياسية والفكرية والإبداعية. وشهدت الخمسينات والستينات سنوات التحرر الوطني، كما ازدهرت الفنون بأنواعها، ونهل مجايلو ذلك العصر الذهبي من فكر العقاد وطه حسين وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس، ومن فن محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، وأفلام صلاح أبو سيف وبركات وحسن الإمام، على سبيل المثال لا الحصر.
·         كيف بدأت علاقتك بالكتابة و الابداع؟
في الخمسينات، انتقلت أسرتي من القرية إلى المدينة لتيسير المواظبة المدرسية، وأذكر أن محاولاتي القصصية الأولى بدأت في منتصف الخمسينات (من القرن الماضي بالطبع)، وبصرف النظر عن محاولات أولية لم تجد طريقها إلى النشر، تضمنت مجموعتي القصصية الأولى ’’بقايا العمر‘‘ قصصا من هذه المرحلة. وأذكر أن من القصص التي أعتز بها في هذه المجموعة (والتي كتبتها وأنا بعد في المرحلة الثانوية، وإن كانت المجموعة نفسها لم يتيسر نشرها إلا في عام 1995) قصة ’’عباس السقا‘‘. في ذلك الحين، كان الجو الثقافي العام مؤاتيا، وحرصت الدولة على توفيرها للجميع، وكانت تفخر بإصدار كتاب كل 6 ساعات، وكانت هناك مشاريع ثقافية طموحة مثل مشروع الألف كتاب الذي كان منهلا عظيما للمعرفة والقراءة، وكانت دار روز اليوسف تصدر سلسلة الكتاب الذهبي بأسعار زهيده، وفيها قرأنا أعمال رواد عظام مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس ومحمد عبد الحليم عبد الله ومحمود البدوي وأمين يوسف غراب وغيرهم. وكانت صحف مثل الجمهورية تصدر ملاحق أدبية متخصصة زاخرة بكل أشكال الفكر والإبداع، وكانت تصدر مجلة أدبية عريقة رأس تحريرها المسرحي العظيم سعد الدين وهبة، وفتحت هذه المجلة صفحاتها لمعارك أدبية كبيرة شارك فيها الأدباء الشباب، وأذكر أنها تبنت معركة حول مفهوم ’’معنى الشعبية في بلدنا‘‘ شارك فيها كثرٌ من أدباء بلدتنا (المحمودية). الخمسينات شهدت أيضا التحاقي بكلية الآداب جامعة الاسكندرية حيث تتلمذنا على يد رواد في الآداب والفكر مثل الدكتور محمود المنزلاوي (الحجة في فكر وتاريخ القرون الوسطى)، والدكتورة نور الشريف (أول رئيسة لقسم اللغة الانجليزية بالجامعة)، والمفكر المعروف عبد الوهاب المسيري صاحب الموسوعة الشهيرة عن المفاهيم والمصطلحات الصهيونية وتاريخ اليهود.
·         ماذا تقول عن نفسك كقاص؟
أعتز بوجه خاص بفن القصة القصيرة كنوع أدبي قائم بذاته، وإن شكَّل جزءا أساسيا من فن السرد بوجه عام. وكان لافتا أن جائزة نوبل في الأدب منحت مؤخرا لكاتبة قصة قصيرة وهي الكندية أليس مونرو. وقبل ذلك، في عام 2009، كرس المجلس الأعلى للثقافة في مصر جائزة خاصة للقصة القصيرة وحصل عليها الكاتب السوري زكريا تامر. ومعلوم بالطبع ما قدمه وما حققه يوسف إدريس كرائد في هذا المجال. وقد وافقت سنوات ظهور إدريس الأولى بوادر اهتمامي بالثقافة والأدب، وربما كانت أولى مجموعاته القصصية ’’أرخص ليالي‘‘ من أولى المجموعات القصصية التي شكلت وجدان المبتدئين في ذلك الحين إضافة إلى قصص يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس، وأشير أيضا إلى مجموعة ’’أكل عيش‘‘ لمصطفى محمود. وقد بدأت كتابة القصة القصيرة مبكرا، ولفتت المحاولات الأولى التي كانت تنشر في صحيفة الحائط بنادي الموظفين في المحمودية اهتمام أساتذة سابقين ولقيت منهم التشجيع والمؤازرة على الاستمرار. وساعدت دراستي للأدب الانجليزي في جامعة الاسكندرية وصحبة أصدقاء نابهين، أذكر منهم بكل الإعزاز والتقدير الشاعر الراحل أمل دنقل، على تكريس هذا الاهتمام. من أعظم القصص القصيرة التي قرأتها مؤخرا قصة بعنوان ’’لا عزاء للمسنين‘‘ من تأليف سعيد الكفراوي الذي أعتبره شيخ القصاصين العرب في الوقت الراهن.
·        ما قصة ’’الطير المسافر‘‘؟ حدثتا عن هذه التجربة القصصية؟
’’الطير المسافر‘‘ هو عنوان مجموعتي القصصية الثانية (2009) بعد المجموعة الأولى ’’بقايا العمر‘‘ (1995). وكان المفروض أن تحمل هذه المجموعة اسم ’’قوس قزح‘‘، وهو عنوان القصة الرئيسية في المجموعة، لكن صديقي الراحل والروائي المرموق محمد عبد السلام العمري، والذي كان له الفضل في متابعة ونشر المجموعة، أشار في حينه إلى أن عنوان ’’قوس قزح‘‘ شائع، وربما تكون قد ظهرت أعمال سابقة بنفس الاسم. ولما كانت المجموعة تضم قصة بعنوان ’’الطير المسافر‘‘، فقد وقع الاختيار عليها لتكون عنوانا للمجموعة. ولعل ذلك مرده سببان: أولهما، أن مفهوم الطير المسافر يكاد ينطبق على رحلتي مع الحياة حيث كنت كثير الترحال، وكان يروق لصديقي وأستاذي الدكتور عبد الوهاب المسيري أن يطلق عليَّ هذا الاسم، وهذا هو السبب الآخر. أما عن قصص المجموعة نفسها، فإنني أعتز بها اعتزازا خاصا لما انطوت عليه من جدة وتطوير وتجريب، وأخص بالذكر قصص ’عايدة‘ و ’الطير المسافر‘ و ’لا أعرف سوى نجيب محفوظ‘.
·        ألم تراودك يوما فكرة كتابة رواية؟
مرارا. ولا تزال الفكرة مختمرة ومكتملة في الذهن، وأدعو الله التوفيق لوضع الفكرة موضع التنفيذ.
·        ما هي أهم خصائص الرواية الناجحة في رأيك؟
على مر العصور، تطور مفهوم الرواية تطورا هائلا واتخذت أشكالا وأنواعا متعددة ولم تعد محكومة بالفكرة القديمة عن الرواية ذات الحبكة والتسلسل المنطقي ورسم الشخصيات إضافة إلى الأسلوب المتميز والراقي الذي يجعل من العمل الروائي متعة لقارئه. وأتصور أن الرواية في نهاية المطاف ينبغي أن تكون تعبيرا عن تجربة إنسانية في شكل يجسد كل هذه العناصر أو بعضها. وقد أصبحنا اليوم نجد تسمية ’رواية‘ تطلق حتى على أي مجموعة من الأفكار المفككة التي قد تندرج في إطار المذكرات الشخصية أو التجريب البعيد عن الشكل الروائي المألوف والمتعارف عليه. وفي إطار تطور مفهوم الرواية، نشأت مؤخرا عوامل أثرت على قيمة العمل الروائي، وأصبح بعض الكتاب يولفون بين مجموعة من العناصر الجاذبة للقارئ سواء ما يتعلق منها بالجنس أو الغرائبي أو افتعال الحداثة في الكتابة باللجوء إلى أمور مفتعلة كإدراج نصوص خارجة عن السياق أو مصنفات بعيدة عن النص أو إثارة قضايا إنسانية بعيدة عن مضمون العمل الروائي. وعلى أي حال، ففي أعمال رائد عظيم مثل نجيب محفوظ ما يقدم لنا النموذج الأمثل في هذا المجال، بدءا من أعماله التاريخية والاجتماعية الأولى (مرحلة الفرعونيات حتى أولاد حارتنا)، ومرورا بأعماله الاجتماعية والسياسية والنفسية (ثرثرة فوق النيل، ميرامار، الشحاذ، وغيرها)، ووصولا إلى ما قدمه من درر مكثفة في أحلام فترة النقاهة.
·        ماذا عن تجربتك في عالم النقد؟
أدين بتجربتي النقدية لصديقين، أولهما الناقد الراحل سامي خشبة الذي كان حافزا كبيرا لي بتشجيعه وفتح صفحته ’فكر وثقافة‘ في صحيفة الأهرام المصرية لكل مساهماتي النقدية، ثم الصديق الكاتب والشاعر أمجد ناصر المشرف على صفحات الثقافة في صحيفة القدس العربي حيث نشرت معظم دراساتي النقدية (وكلها تقريبا تتناول روايات عربية)، وقد صدرت هذه الدراسات في ما بعد في كتابين: الأول، تفكيك الرواية، والثاني، نقد الثقافة، واللذين صدرا عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر. وأتصور أن هذا الميل للدراسات النقدية قد تولد منذ أيام الدراسة الجامعية وبتأثير من رواد مثل الدكتور محمد مصطفى بدوي الأستاذ (حاليا) في جامعة أوكسفورد، لندن، والدكتور محمد زكي عشماوي، والدكتور عبد الوهاب المسيري. وأذكر أن مقالي النقدي الأول نشر في عام 1962 في مجلة ’’الشهر‘‘ الأدبية التي كانت تصدر بالقاهرة آنذاك، وكان ردا على مقال نشره في ذات الصحيفة الدكتور المسيري حول الفيلم الأمريكي ’’جلد الثعبان‘‘.

·        ما هي مصادر قراءاتك، و لمن تقرأ عربيا و عالميا؟
أتابع باهتمام كل ما ينشر عربيا من أعمال ودراسات أدبية، وأعمل على الحصول عليها في نيويورك رغم عدم توفرها بسهولة. أما عن المصادر الأجنبية، فكلها باللغة الانجليزية. وقد أتاحت لي إقامتي بالولايات المتحدة فرصة الاطلاع الدائم على أحدث الكتب والمنشورات الدورية في مجالات الرواية والنقد الأدبي والاجتماعي. تدهشني الأعمال الروائية للمؤلفين والمؤلفات البريطانيين من أصل هندي ممن تفوقوا على مواطنيهم في هذا المضمار وأصبحت أعمالهم تحتل مكان الصدارة الأدبية، مثل أرونداتي روي مؤلفة رواية ’’إله الأشياء الصغيرة‘‘، وكيران ديساي مؤلفة ’’ميراث الفقد‘‘، وغيرهما، وأشير أيضا إلى تفوق الكاتبة المصرية أهداف سويف مؤلفة رواية ’’خارطة الحب‘‘ التي وصلت إلى القائمة القصيرة في جوائز بوكر.  
·        كيف تنظر الى الواقع العربي اليوم خصوصا بعد موجة الثورات الأخيرة؟
أنظر إلى الواقع العربي بأمل وتفاؤل شديدين، وأعتبر أن موجة الثورات العربية الأخيرة هي بامتياز نهضة عربية معبرة عن خصائص الفرد العربي المتطلع دوما إلى مستقبل من الحرية أفسح (وأنا هنا أقتبس نص ديباجة ميثاق الأمم المتحدة)، والرافض لكل أشكال الاستكانة والعنت (وإن طال زمانها).
·        ما هو معنى الحرية كشرط إنساني للحياة لدى الكاتب فتحي أبو رفيعة؟
لأن الحرية شرط أساسي للحياة، فقد أعلت من شأنها كافة الشرائع الدولية وخاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفيه أن ’’غاية ما كان يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة والتحرر من الفزع والفاقة‘‘، وشدد الإعلان على أن ضمان هذه الحريات من شأنه أن يكفل عدم ’’التمرد على الاستبداد والظلم‘‘. مرة أخرى، هي ما يتوق اليه البشر، بلغة ميثاق الأمم المتحدة من ’’جو من الحرية أفسح‘‘، ومعذرة إن كان هذان السؤالان الأخيران قد اقحماني في الحديث عن المنظمة الدولية وصكوكها بحكم العمل فيها على مدى أكثر من 30 عاما. ولعل مرد ذلك هو ما تتعرض له المنظمة الدولية من حملة للتقليل من شأنها رغم ما تقوم به من جهود جبارة في مجالات الحريات والمساواة وحقوق الإنسان. 
·        ما هي مشاريعك الأدبية الآنية منها والمستقبلية؟
لا أطمح لأكثر مما أقوم به حاليا من متابعتي للشأن العام في وطننا العربي، ومواصلة متابعاتي الأدبية والنقدية، مع التركيز على الأمل المنشود في الانتقال إلى الحلم الروائي (الذي تكاد أن تتضح معالمه، ربما من كثرة الانخراط في عالم نقد الرواية).
·        ما هي الجوائز التي حصلت عليها؟
لئن كانت البوادر مشجعة بحصولي على جائزة القصة من المجلس المحلي لرعاية الفنون والآداب بالإسكندرية، فإن ابتعادي عن الوسط الأدبي بسبب كثرة الأسفار التي تطلبها عملي أكسبني مناعة ضد اللهاث وراء الحصول على الجوائز، وإن كانت الجائزة الأعظم هي التقدير الذي حصلت عليه من أساتذتي في الأدب والنقد، ومن القراء القليلين الذين سنحت لي فرصة الاطلاع على آرائهم في أعمالي المتواضعة.


·        ما هي رسالتك لكل شاب يريد اقتحام عالم الصحافة و الاعلام؟
التخصص. وهذه نصيحة قديمة أسداها إلىَّ أحد أساتذتي في مطلع حياتي الإعلامية (وإن كنت لم أعمل بها لأسباب خارجة عن إرادتي). فقد نصحني بالتركيز على مجال أو موضوع أو تخصص معين، وعدم تشتيت الجهد دون تنظيم. ويدعم هذا التخصص بالطبع الاستزادة من العلم في مجال التخصص ومن المعارف العامة عموما. 

* * * *


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق