الصفحات

2014/04/28

"البحث عن أنثي" قصة بقلم: ياسر محمود محمد



البحث عن أنثي 
(من أدب الخيال العلمي)
ياسر محمود محمد
 ( 1 )
اليوم الأول بعد الحرب الذرية
      الأرض مستنقع كبير " ضخم " ملئ بحيوانات وحشرات مرعبة , السماء رمادية قاتمة .. المناخ متقلب بشكل مخيف .. برق رعد سيول هائلة و شرارت  ضخمة رهيبة تهبط لتحرق كل شيء , لقد انحرف المجال المغناطيسي للأرض قليلاً .. وأصبح ثقب الأوزون بحجم الأمريكتين .
***
      لم يكن احد يتوقع ذلك .. تلك الدولة الصغيرة سبب المشكلة انمحت من الوجود بقنبلة هيدروجينية فأصبح الصراع عالمياً , في يوم واحد زالت الحضارة وضاع كل شيء .
( 2 )
بــعـــــــد عـــــــام
      من كان يتصور ؟.. ضاع كل شيء . في الصحراء الضخمة البعيدة .. استيقظ الدكتور " بيل " في البقعة الوحيدة الصالحة لحياة معرضة لمخاطر شتى , لم تكن هناك شمس مثل تلك التي كانت قبل عام بالتمام .. مجرد تهويمات ضوئية عالية وخافتة .. وظلال .. ممتدة في كل مكان .
      كان جلد الدكتور بيل غريباً . .  قد نمت عليه فقاقيع قرمزية اللون في كل مكان . . بينما تضخمت خصيتاه وتحدبتا بشكل مرعب فأصبحتا بحجم برتقالتين متوسطتين , تدلت كل واحدة من خلال ثقبين خاصين صنعهما بعد أن ادر كان كل محاولة لتعديل سرواله ليناسب هذا التغير الجديد قد باءت بالفشل , وأصبح لزاماً عليه أن يسير فارجا ما بين ساقيه بشكل يشبه قرود الزمان الماضي .
      كان الدكتور " بيل " يجلس في ملجأ ولاية بنسلفانيا  الأمريكية  هو والدكتور " أسامة " المهاجر المصري الذي تخصص في علوم الذرة , والشاب " جون " من بريطانيا البالغ من العمر عشرون عاماً والشاب "  سونج " والطالبان مبعوثون إلى جامعة مشهورة في الولايات المتحدة للدراسة.
      كان الجميع يجرى الفحص الشامل .. والتدريب العملي على الوحدة المعروفة بـ ( ملجأ ولاية بنسلفانيا الذرى ) من توصيلات وأجهزة ومجسات إشعاعية ومعامل تحاليل للغلاف الجوى , وصور خاصة من الأقمار الصناعية . . الخ
      قامت الحرب .. وانتهت في لحظات وهم تحت الأرض , نجوا بأعجوبة , وساعدتهم الملابس الواقية المجهزة بها الوحدة في الخروج إلى العالم الخارجي إذا ما احتاجوا ذلك .
      كانت الوحدة مجهزة بآلاف الأطنان من الطعام والماء والأدوية والعصائر والمرطبات وكل كماليات الأرض , بل وكانت مجهزة بعشرات الحيوانات المنوية لكن بدون بويضة واحدة .
      كان الرفاق الأربعة قد أدركوا حجم المشكلة بعد مرور عام واحد , جميعهم عرضة لمخاطر شتى . . قد تقضى عليهم في أي لحظة , والى الآن ليس من دليل على وجود أحياء آخرين , لقد أضيفت إلى عاتقهم مهمة جديدة . . اكبر من مجرد الحفاظ على حياتهم من الإشعاع والصواعق والمناخ المتقلب والحشرات والحيوانات المرعبة . . الخ , أضيفت على عاتقهم مهمة الحفاظ على الجنس البشرى كله.
 ( 3 )
      تحرك الرفاق الأربعة في ملابسهم الواقية التي تشبه ملابس رجال الفضاء , وكل منهم يحمل بوصلته الخاصة , كانت وسيلة تحركهم دراجات بدائية تمكنوا من تصنيعها في مخبئهم , وفى دائرة نصف قطرها ثلاثة كيلومترات كانت دائرة تحركهم وكان هدفهم البحث عن حياة أي شكل من أشكال الحياة .
***
صرخ جون في ثورة
      لا فائدة . . لا فائدة إننا نبحث منذ أسبوعين , انتظرنا عاماً كاملاً حتى ينتهي كل هذا وبحثنا فلم نجد شيئاً , لم يعد احد على قيد الحياة .. كل ما تبقى أنقاض لناطحات سحاب مدمرة , وعظام .. وتراب كل ما تبقى من حضارتنا تراب .
      بذل ( سونج ) جهداً ليرفع يده في لباسه الواقي وربت بها على كتف جون وهو يقول :-  
      اهدأ اهدأ يا جون .. لن تفيد هذه الثورة شيئاً لابد أن نفكر بهدوء وموضوعية .
      ركع جون على الأرض .. ووضع رأسه بين قدميه واخذ يبكى في قوة صارخاً :-
      لا فائدة .. كلنا سنموت .. لم يبق شيء سوى أقمار صناعية تدور فى الفضاء على مسافات بعيدة , وترسل برامج تافهة لأناس ماتوا وفنوا ..!! أخذ يبكى وهو يقول :-
      كم يوما تبقى في عمرنا؟ لقد ضاعت حضارتنا و فني جنسنا وعلينا انتظار الموت في هدوء وسكينة .. لا فائدة !! لا فائدة !!
      ظهرت ملامح الألم على وجه الدكتور أسامة .. بينما تحرك الدكتور بيل من طرف الحجرة المخصصة لتلقى برامج الأقمار الصناعية ,تحرك نحو جون الذي اخذ ينوح,وجذبه بقوة هاتفاً :-
      اهدأ .. اهدأ .. نحن لا ينقصنا مرضى نفسانيون , الم يكفك ما حدث لنا .. سنحاول التفكير في حل .. لابد أن نحاول .
      أصابت جون حالة هستريا وهو يصرخ :-
      لا يوجد حل . . إننا لا نستطيع إيجاد أنثى .. أنثى واحدة للحفاظ على  جنسنا الشقي . . رحماك يا الهي رحماك .
      جلس ثلاثتهم في ركن منزو من ملجأ بنسلفلنيا , فقد طرأ أمر جديد , في احد رحلاتهم الاستكشافية غاب رابعهم الدكتور أسامة ولم يعد . . وزادت همومهم هماً جديداً , لقد ظنوا أن الموت قد أصاب واحداً منهم فأصبحوا ثلاثة .. في مواجهة هذا العالم الجديد .
قال الدكتور بلهجة حزينة :-
      لابد انه قد تجاوز حد الثلاثة كيلو مترات التي اتفقنا عليها , وللأسف فان جهاز الإرسال لن يعمل بعد تجاوزه هذا الحد .
قال جون :-
      سندور في رحلات استكشافية بحثاً عنه , أن حصته من الأوكسجين تكفى يومين كاملين واعتقد أن معه علبتا عصير محفوظتين .
صمت لحظة ثم أضاف في لهجة حاسمة :-
      لابد أن نعثر عليه بالتأكيد  هو لم يتجاوز دائرة قطرها خمسة كيلو مترات .
قال سونج :-
      إن رفيقنا الرابع هو دليل هام على قدرتنا على البقاء أحساء لسنوات قادمة , ففي حال عدم عودته يعنى ذلك أن هناك أخطارا أخرى خارجية . . مما قد يعنى أننا سنظل مسجونين هنا إلى أن نموت .
قال الدكتور بيل :-
      سنخرج فوراً في دائرة استكشافية قطرها ستة كيلو مترات , سنقسم الدائرة ثلاثة أجزاء  ولن نعود بدونه .

***
      بدأت وردية البحث في الدائرة الجديدة .. خرج الثلاثة كل في بقايا الجزء المخصص له , كانت نقطة تجمعهم مكان خرب قديم على بعد ثلاثة كيلو مترات من ملجأهم .
      بعد ثلاث ساعات عاد جون والدكتور بيل ولم يتبادلا أي حديث كانت نظرات اليأس في عيونهم ابلغ من أي كلام .
      وبعد نصف ساعة عاد سونج وهو يجر معه الدكتور أسامة الذي بدا منهكاً متعباًَ .
      و بأقدامهم الضخمة في الرداء الخاص . . ركضا في خطوات ثقيلة نحوهما .
وصلا إليهما وقد سقط كلاهما أرضاً .
قال بيل  :-
      حمدا لله على سلامتكما , لقد كانت لحظات صعبة تلك التي فكرنا فيها أنك لن تعود يا دكتور أسامة .
      كان سونج راكعا وبين يديه الدكتور أسامة الذي كان يضع يده طوال الوقت على موضع ركبته في الثوب الخاص .
غمغم أسامة في صوت متهالك :-
      أشكرك . . أشكركم  جميعاً على المجهود الذي بذلتموه للوصول إلي .
   قال جون :-
      ولكن ماذا حدث ؟!! ما الذي أخرك هكذا يا دكتور أسامة ؟!!
      قال الدكتور أسامة وقد جحظت عيونه من وراء الزجاج البلاستيكي للخوذة .. وبان العرق الغزير يغطى وجهه .
      لقد كانت هناك .. لقد لمحتها .. جميلة .. صغيرة .. فتية .. صالحة لحمل أملنا في غد جديد . كانت تبتعد .. لا أدرى لماذا ؟ .. وتخشاني .. تخشى ملابسي وحذائي الضخم وجهاز الإرسال الذي احمله في يدي تخشى وجهي الذي لم ير النور منذ عام .
قال الدكتور بيل وهو يهمس إلى زميله جون :-
يبدو أن الرجل قد أصابه المرض .. انه يهذى !!
قال الدكتور سونج :-
أرجوك يا دكتور أسامة انك مريض وفى حاجة للعلاج .
      رفع الدكتور أسامة من فوق ركبته .. كان هناك قطع قصير لا يتعد قطره ثلاثة سنتيمترات .
صرخ جون :-
      يا الله .. لقد تعرض الرجل للإشعاع .. إنه يموت اسند الدكتور سونج الدكتور أسامة بيده عندما اهتز وارتعش بقوة وقال بكلمات مرتعشة :-
      لابد . . لابد أن تواصلوا البحث . . آه .. مصير الجنس البشرى بين أيديكم .. واصلوا المحاولة .. انجاز ألاف السنين على وشك الضياع .. لا بد من البحث عن أنثى .. أية أنثى . . مؤمنة .. عاهرة .. جميلة .. قبيحة .. طويلة .. قصيرة .. كل ذلك أصبح لا يهم .
      لفظ الدكتور أسامة أنفاسه الأخيرة وسقط وجهه بين يدي الدكتور سونج .. انهمرت الدموع من عيونهم ثلاثتهم ,
بينما لمعت شرارة ضخمة فى السماء الرمادية من خلفهم .     

                                                                                    السويس – الأربعين
                                                                                   ت:01229720299

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق