الصفحات

2014/05/28

هل حقا هناك احتلال إسلامي وشيك لأوروبا؟ بقلم: فؤاد قنديل

هل حقا هناك احتلال إسلامي وشيك لأوروبا؟ 
بقلم: فؤاد قنديل 
منذ عدة سنوات أطلق الإرهابي النرويجى اليمينى المتطرف أندرس بهرينج بيريك بيانا جاء فيه : هناك عالم عربي مسلم فاتح يكتسح شيئا فشيئا قارة أوروبا العجوز المتداعية التي حصلت على مبالغ طائلة من دولارات النفط في مقابل دعمها الثابت لفلسطين وفتحها حدودها المتوسطية على مصراعيها وقبولها في النهاية بالأسلمة " ، ولأن هذا الحزبي المعقد ذائع الصيت بسبب حدته وعصبيته فقد تناقلت كثير من الصحف والكتب تصريحاته الشائهة والمستفزة دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن نسبة المسلمينبالقياس إلى عدد سكان أوروبا وهي حسب كل الإحصائيات لا تتجاوز3%، وهي نسبة ضئيلة إذا تم النظر إليها في إطار التداخل العرقي والعقائدى والحراك الثقافي والحضاري على مستوى الكرة الأرضية. ومع ذلك فقد انتشر هذا البيان وتواصل مع كل الجبهات اليمينية المتطرفة في أوروبا، حتى أن السيدة مارلين لوبان رئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية هاجمت بشكل شبه متكرر ما أسمته " الإمبريالية الإسلامية " .. ياه .. جاء الوقت الذي يمكن أن يصف إنسان الميل الغربي للدين الإسلامى بالإمبريالية. . تلك الكلمة المشبوهة التي لم يكن يوصف بها إلا عتاة الإستعماريين. تضيف لوبي " تتجلى هذه الإمبريالية في التوسع الكبير في الاستثمارات السعودية والقطرية في أوروبا وغيرها من القارات، كما تتجلى في أساليب أسلمة أوروبا التى تظهر مع تعاظم ارتداء الحجاب " أما مستشارها للشئون الدولية إيمرك شوبراد خبير الجغرافيا السياسية فقد صرح بعد عدة أشهر من اندلاع ثورات الربيع العربي " لقد انهارت أو كادت الأنظمة السلطوية التي كانت تشكل الواقي الأخير لأوروبا في مواجهة الفقر الأفريقي ، ومن ثم انطلقت طاقات سيتم تسخيرها لتحقيق ثلاثة أهداف وهي : المزيد من الهجرة باتجاه أوروبا والمزيد من عمليات التهريب والمزيد من الإسلاميين . يرجع أساس هذا الموقف المسموم إلى امرأة يهودية اسمها جيزال عريبى خرجت من مصر بعد صدور القرارات الاشتراكية عام 1961وعانت من النفي خارج وطنها كما تقول وقد اتخذت لنفسها اسما مستعارا هو بات ياأور ويعنى بالعبرية " ابنة النيل " وأصدرت كتابا عام 2005 لاقى رواجا في مختلف دول أوروبا بعد أن ترجم إلى العبرية والإيطالية والفرنسية والهولندية، وعنوان الكتاب "إيوروبيا". أي المحور الأوروبي العربي ..وقد كان الكتاب محصورا بين مجموعات متطرفة ثم أصبح رائجا، ويقول الكاتب الفرنسي رافاييل ليوجيه " لقد حققت الأحزاب السياسية التي تدافع عنه نتائج مشرفة في الانتخابات السويسرية ، وله اعتبار كبير في النرويج والنمسا وبريطانيا ، وقبل وفاتها عام 2006روجت له الكاتبة الإيطالية أوريانا فلاتشي التى أصدرت منذ نحو عشرين عاما رواية شهيرة ومميزة بعنوان " إنسان" ترجمت في مصر إلى العربية وحازت جائزة مخصصة للأدب النسوى ، ومما يؤسف له أن صحفا كثيرة أوروبية تشير إلى كتاب جيزال عندما تكتب عن " حرب الغرب ضد الإسلام " وهي في الأغلب مقالات محرضة ، وهناك من نشر مقالة أقبل عليها الكثير من القراء بعنوان " الحقائق المزعجة للإسلام" وثمة صحيفة تسمح لمحررها أن يعد ملفا بعنوان " الخطر الإسلامى " ، وتتحدث صحف بازدراء شديد عن " النقاب " وغيرها تنشر مقالة تحمل عنوانا مسيئا مثل " هذا الإسلام المزعج " ، وقد أضاف الباحث المعروف كريستوف كالدويل المزيد من البنزين على القطن المشتعل بكتابه " الانهيارالأوروبي المرتقب على يد الإسلام " ، وهناك كتاب رينو كامي الفرنسي " الغضب والعزة " الذي وزع خلال شهور مليون نسخة وكتاب عالم الاقتصاد الألمانى ثيلو سارازين " ألمانيا تتجه نحو الهلاك " وكتاب ديفيد رينهارك " الاستبدال الكبير ". ولابد أن بعضنا يسأل : هل يوجد فعليا تهديد عربي مسلم لأوروبا يبرر القوة السياسة الإعلامية التي تدفقت بعد كتاب " أورابيا " لبات يا أور؟ .. تلك اليهودية التى تدعى أنها تعرضت للطرد وأرغمت على مغادرة بلادها حيث كانت تعيش في استقرار وهناء ، وبعد صدور كتابها واصلت الصهيونية حملتها اللعينة ، فقالت على القناة 20 " إن دولارات نفط الخليج تسمح للمسلمين بشراء أوروبا ، وقالت أيضا : قطر تغزو العالم.. والحديث الفج عن أن العرب يغمرون أوروبا باستثماراتهم وصادراتهملا يتنبه إلى إغراق أوروبا وأمريكا للعرب والمسلمين بشتى أشكال المنتجات بما يفوق صادرات العرب للغرب ، ولنا أن نسأل : ألم تؤيد أوروبا إسرائيل بالدعم السياسي والدولي المستمر بلا توقف ، كما ساندتها ماديا بجسور لا تهدأ من الأموال والمنتجات والأسلحة فماذ قدمت تلك الدول لفلسطين على مدى يقرب من سبعين عاما ؟!!! يذهب بعض الباحثين إلى أن ظروف البلاد العربية والإسلامية تدفع أبناءها للنزوح إلى أوروبا ، ولم يسألوا أنفسهم : لماذا يحاول من يفكرون في الهجرة إلى أوروبا وأمريكا مغادرة بلادهم ؟ .. ألم يخطر ببالهم مرة أن الدول الأوروبية و الأمريكية هددت على مدي قرون وخاصة خلال القرن العشرين استقرار هذه الدول ونهبت ثرواتهم وتربصت بهم في كل المحافل الدولية وتصدت لكل محاولاتهم للتنمية والنهضة ( مصر على سبيل المثال) وزرعت في قلب بلادهم دولة توسعية تحسن التعامل مع الشيطان لمواصلة العدوان وتلفيق المؤامرات والنهب والتخريب والتحريض ضد هذه الشعوب ؟. الإحصائيات تشير في مقابل التصور الخاطئ عن اجتياح المسلمين للدول الأوروبية إلى أن معدل الإنجاب بين معظم الجاليات الإسلامية لا يزيد عن معدل الإنجاب بين شعوب القارة، كما أن معدل الخصوبة لدى النساء المسلمات المقيمات في أوروبا يشهد انخفاضا مستمرا منذ السبعينيات من القرن الماضي ، وتبقى ظاهرة التحول إلى الدين الإسلامي من الأديان الأخري فقد حذرت صحيفة الإندبندنت البريطانية قراءها عام 2011من أن عدد الذين تحولوا إلى الإسلام قد تضاعف من خمسين ألفا عام 2001 إلى مائة ألف عام 2011 من أصل مجموع السكان الذي يبلغ نحو ستين مليون نسمة وهذا يعنى أن بريطانيا تشهد اعتناق خمسة آلاف مسلم جديد كل عام ، وهو العدد ذاته في فرنسا وألمانيا ، الأمر الذي لا يدل مطلقا على احتلال وشيك ولا بعيد لأن هذه الآلاف لا تمثل تهديدا للكم الكبير من السكان ، فلو فرضنا أن العدد السنوى للمسلمين الجدد سيستمر بنفس الوتيرة يعنى أنهم سيصبحون مليونا بعد مائتى عام ، الأمر الذي لا يكفي كي يشغلوا حيا كبيرا بعد مرور هذه القرون. إن المرء ليأسف لأن العقلاء شبه غائبين والصوت العالي لمن يتحدثون عن المؤامرة الإسلامية التي يمكن أن تهدد نمط الحياة الأوروبية ، وينسون أن المسلمين الوافدين من دول متخلفة يندمجون بسرعة في أنماط الحياة ويتبعون السلوكيات الأوروبية ويحترمون القوانين المطبقة في كل الشعوب الغربية، ومن هنا يبدو جليا وهم الاعتقاد الكاره للعروبة والإسلام بأن أبناء هذه الشعوب مؤهلون لابتلاع الحضارة الأوروبية واستبدالها برؤية إسلامية متخلفة، ولابد أن ثمة منطقية في تلك الدعوات التى تسببت فيها التيارات الإسلامية الإرهابية التى تسعى لتطبيق أفكارها المتخلفة والمتعصبة في الدول العربية بما يتعارض مع الديمقراطية والحداثة والتقدم وحقوق الإنسان ، فهم الذين يرسمون الصورة الشائهة للدين الحنيف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق