الصفحات

2014/06/26

لا نخلة تعلو فوق نخلة سي بشير! قصة بقلم : عبد القادر صيد

لا نخلة تعلو فوق نخلة سي بشير
بقلم : عبد القادر صيد
 قدر المحلقين أن يخلص الجميع و يستمتعوا بالتصويب نحوهم ، الأمر الذي يجعل كتاب القرية عبارة عن نفس الصفحة متكررة ثلاثمائة وخمسة و ستين مرة ،جراء أخطاء  طباعية و ليست مطبعية ..
       متوجسا يريدونه أن يمشي بين الناس كمن حلق  شنبه لأول مرة أو كالذي استغنى عن ثيابه.
ـ للمرة الألف و أنا أقول لكم :الرجل منكم يقترب من هذه النخلة .
ـ ليس بهذه الصورة تحل النزاعات يا سي بشير، اهدأ فنحن لن نختلف في ثمنها.
ـ و أنا  في كل الحالات لست بائعا .
   يصرّون كل يوم على أن النخلة تسد الطريق عن بساتينهم، تحجب النور عن أعينهم، تزعج أحلامهم ، وهو متمسك برفض  المساس بنخلته مهما كان التعويض ،ثم تنفض الجماعة ،تفارقه أجسامهم لكن أشباحهم تنوب عنهم في مناوشته ،ليدخل في شبه هستيريا:
ـ كجزيرة  كانت بساتين أسرتنا ، فينيسيا خضراء تعبرها الأنعام بأحلى الأنغام ،سامحهم الله إخوتي الموظفين ،مستهم حمى البيع ،باعوا قسمتهم للغرباء حتى حاصروني ، ثم بدلوا أخضر بأخضر،  و تكاثر أخضرهم من حولي كخلايا السرطان .. و مجت أذناي نباح تنانينهم الصناعية، وقرفت سعفات النخيل واشتد سعالها إلى أن أصفرّت من دخانها.
   الأغبياء لا يعلمون أنني تنازلت عن القطع الجيدة  لإخوتي من أجل هذه النخلة.. هؤلاء البهائم لا يفكرون إلا في مصلحتهم الشخصية الضيقة ، أمن أجل ربح نصف ساعة  و جرعة من الوقود يرغمونني على التخلي عن جذوري ؟ لماذا لا يكفون عني ؟أنا         و أجدادي لم نحتج إليهم  يوما.
    حتى بينه و بين نفسه لم يكن يجرؤ على أن يجابه القضية بصورتها الحقيقية ، يتجنب تفحصها كما المكدوم في جبهته يتجنب النظر في المرآة ، فالنخلة المتنازع عليها ذكار و هي أطول نخلة في القرية .. كمنارة تطل برأسها تهدي العابرين على حدود القرية من بعيد .
   كيف يتنازل عليها  إلا إذا تنازل عن رجولته ..إنها (الموصطاش) ، فليذهب المال إلى الجحيم! يكفيه أن يتسلقها كل جمعة ليطل بها على كل القرية و ليرى بستانه الثاني قريبا منه ، شيء لا يشترى بالمال أن تستأثر نخلته الطويلة بدور البطولة في القرية، كالناي تظهر من بعيد تعزف على الناس  أمجاد أسرته..لماذا يستكثرون عليه هذا العزف؟
   لماذا تؤذيهم هذه النشوة ؟ تمنى لو زاحموه على هذا الشعور لكان تنازل لهم عنه ، لكنهم يريدون القضاء عليه . ترى لماذا يصرّون على القضاء على كل (موصطاش) في هذه القرية ؟ إن أعينهم طامعة في رحيق النخلة يحولونه إلى حبات سكر يدسونها لأبنائهم في مائدة الطعام ليغرسوا فيهم معاني الخصب و الرجولة !
   لم تعد هذه النخلة و ما يحيط بها من هالة ملكه الخاص ، بل أصبحت ملكا لكل سكان القرية، علامة مميزة  هي في جبينها ،قبل أن يقلعها لابد أن يستشير كل أهل القرية ، وكل من مر على القرية و شرب من سحرها.هل يعقل أن يخون هذا الإحساس في قلوب كل الناس؟!
   بأي دستور يريدون أن يحظروا عليه التمتع بهذا الإحساس ؟! أليس من قبيل الأقدار أن يكون لموضع نخلته و طولها دلالة قد تؤذي أناسا في البلدة؟! حتما سيكون حكم المحكمة لصالحه فمساسه بمشاعرهم غير متعمد، و سيشهد التاريخ  أنه لم ينشد يوما جهرا لا نخلة تعلو فوق ذكار سي بشير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق