بقلم/ محمود سلامة الهايشة
ظلَّت البقرة "تحذق" بين آونةٍ
وأخرى، تضرب الأرض بأَرْجلها، تهزُّ ذَيْلها، تنظر إلى مؤخِّرتها، ظلَّتْ على هذه
الحال طوال الليل.
في الصباح:
بدأ يسيل من "حياها" إفرازٌ
"رمي" كَرِيه الرائحة؛ مما أزْعَجَ جاراتها في الحظائر المجاورة
والمقابلة لغُرْفتها الخاصة بالمزرعة، فجاء لها بقرتان منهنَّ، دخلتا عليها
فوجدتاها في حالة عصبيَّة شديدة، فلما رَأَتا عِجْلها الرضيع بجوارها، عرفتا
أنَّها ولدتْ ليلاً، فقالتْ إحداهما للأخرى:
• آه، ولدتْ مساءً ليلاً، لم تستطعْ إخراج
الأغشية الجنينيَّة من رَحِمها؛ لأنها هزيلة وضعيفة؛ فهي أوَّل مرة تحمل وتَلِد.
• هذا أكيد ويُمكن أن ولادتها كانتْ
مُتَعسِّرة، أو حدَثَ ضَعف واختلال للانقباضات الرحميَّة.
فصاحتْ بهم البقرة التي تتألَّم من شِدة
التَّعب والإعياء:
• تتحدثان معًا وتتركاني هكذا!
فالتفتتا إليها تسألانها:
• هل تناولْتِ السوائل الدافئة بعد الوضْع؟
• لا، لَم أتناولْ أيَّ شيءٍ، لكنِّي أشمُّ
رائحةً كَرِيهة جدًّا، ولا أعرف السبب، أخاف أن تكونَ من عِجْلي الصغير.
فردَّتِ الأولى:
• لا تخافي، لَمَّا طال احتباس المشيمة داخل
الرَّحم، بدأتْ في التحلُّل.
فاقتربت الثانية منها ووضعتْ رأسها على
جِسْمها:
• ارتفعتْ درجة حرارة جسمكِ.
• هيَّا نسعفُها؛ لأنها سوف تُصاب
بالتسمُّم.
فصاحتِ البقرة المتعبة:
• سأموت.
• اهدئي، لَم يمرَّ وقتٌ طويل على الولادة،
الخوف إذا مَضَى 48 ساعة، فالتأخير يُسبِّب انقباضَ عُنق الرحم، وتَعذُّر إخراج
المشيمة.
فتركتاها وخَرَجتا، ذهبتِ الأولى وبدأتْ
تبحث في مَخزن العَلَف عن حبوب فول فلمْ تجدْ، لكنَّها عثرتْ على حبوب شعير،
فقامتْ بغَلْيها، فحملتْ هذا المغْلِي ووضعتْه أمامها لتشربَه.
أما الثانية، فأحضرتْ من صيدليَّة المزرعة،
قامتْ بِحَقْنها تحت جِلْدها.
فسألتها الثانية:
• لماذا تحقنينها؟ يَكْفي مَغلي الشعير.
• الحقنة زيادة في الْحَيطة؛ لنساعدها على
نشاط الانقباضات الرحميَّة.
• هذه حُقنة الهيبوفيزين؟
• لا لَم أجدْه، بل هي حقنة بها 5سم3 من
لوبوسترة.
• أين الطبيب البيطري؟
• سيأتي حالاً، فهو الذي أعطاني الحقنة، طلب
منِّي حَقْنها حتى يَصِل.
دقائق ودخل عليهم كبيرُ الأطباء
البَيْطريين، وهو أكبر الطلائق الذكور بالمزرعة، قام على الفور بإزالة الأقذار
وبقايا الرَّوث العَلِقة بالحيا والمناعم، بواسطة محلول مُطَهِّر "بوتاسيوم
برمنجنات 1: 2000"، ثم طهَّر يديه وذِرَاعيه بعناية ودَهَنهما بالفازلين،
أدخل يده بمنتهى الرِّفق في الرحم، وخَلَّص الأغشية من الفلفات الرحميَّة الواحدة
تلو الأخرى.
فبدأتْ إحدى البقرتين بالاقتراب منه؛
لمساعدته في السحب، فقال لها:
• الْجَذْب دون عنف، الحذر؛ حتى لا يتمزَّق
الرحم، أو يحدث نزيفٌ شديد.
بعد أن تأكَّد من سلامة الأغشية وعدم
تمزُّقها، أو تَرْك جزءٍ منها داخل الرحم، غسَل الرحم بنفس المحلول المطهِّر الذي
طهَّرَ به يدَه، دَفَع لبوس الإنتوزون داخل الرحم، ثم قال للبقرتين المعاونتين:
• تُحْقن في العضل لمدة ثلاثة أيام 5سم3
فيتامين أ د 3هـ.
• تمام يا دكتور، هل هناك أيُّ تعليمات
أخرى؟
• تراقبْنَها، وتأخذن درجة حرارتها من وقتٍ
لآخر، مع ملاحظة حالة الإفراز الرحمي.
• وماذا نقدِّم لها من طعام وشراب؟
• يجبُ أن يكونَ الأكل سهلَ الهضم نظيفًا،
وتقدَّم لها الأعلاف الخضراء مع مُرَكزات الأعلاف؛ لتقوية الماشية، بالإضافة إلى
الأملاح المعدنيَّة والأحماض الأمينيَّة.
هَدْهَد الطبيب على البقرة وهو يبتسم:
• حمدًا لله على سلامتكِ، أراكِ غدًا - إن
شاء الله.
هذا االلون من الإبداع يكون عصي علي التصنيف إنه مقال سردي متميز، ولابد ان كاتبه طبيب بيطري، فيه الدسامة والتشويق والتفاصيل الدقيقة بما يحقق الإيهام بالواقع، فيه التشويق من خلال قصص الحيوان (كليلة ودمنه نموذجاً، قلم ممتاز بحق
ردحذف