الصفحات

2014/09/17

لا تزال الرصاصة في قلبي.. بقلم: محمد رشيد



لا تزال الرصاصة في قلبي
*محمد رشيد (daralqussa62@gmail.com  )
للكلمة فعل الديناميت و النظرة في بعض الأوقات يكون تأثيرها أكثر من رصاصة خصوصا إذا انطلقت من عيني طفل بريء يحب الحياة .
لا أؤمن بالحرب مطلقا.....لأنها سلاح الأغبياء  .... أؤمن بمقولة ادوارد شيفر نادزة وزير خارجية الاتحاد السوفياتي : مئة سنة مفاوضات ولا يوم واحد حرب  .....لا أؤمن بالقتل...لان كل إنسان أينما كان هو ثمرة علاقة حب  .......
أؤمن بقراءة الروايات وكتابة الشعر وسماع الموسيقى والدفاع عن حقوق الأطفال .
     عام 1983 كنت احد المرغمين على ارتداء (البذلة العسكرية) وبعد فترة التدريب انتقلت إلى فوج 330 المستقل كان آمره حينها المقدم جواد رومي الدايني مقره  قضاء  كلار في السليمانية.
 في يوم ما كنت وصديقي ن ع كريم فريدون في سوق كلار لشراء الخضروات وعند العودة إلى ربيئتنا ركبنا كالعادة سيارة واز أوقفناها من على جادة الشارع الرئيسي لتوصلنا , في داخلها كانت عائلة كوردية بينهم أطفال وما أن ركبنا فوجئت ببكائهم وهم يمقتوني بنظراتهم خائفين وراح كبيرهم  يلتحف صدر أمه وينطق كلمات  شعرت فيها نبرة حزن وخوف أحسستها لكني لم افهمها طلبت في الحال من صديقي فريدون ان يترجم لي ما نطقه الطفل همس في أذني: خافوا منا أن نقتلهم لأننا حاملين بنادق ...(هنا كانت صدمتي الأولى) بعدما كنت متيقن نحن هنا لحمايتهم ومن المفترض أكون مفتخرا بوجودي في قريتهم بدلا من أن يخافوا منا , في الحال طلبت من السائق النزول من السيارة لأني شعرت بالخجل , راجعت نفسي كثيرا أسير متوجه إلى مكاني , وعذاب الضمير حفز في دواخلي أسئلة محرجة , خصوصا كنت وقتها اكتب الشعر وانشره في مجلات منها مشوار اللبنانية والرسالة والمجالس الكويتية وكنت أتباهى بقصائدي المنشورة أمام زملائي في الجيش وكان معي أرشيف قصائدي وروايات اجلبها من مكتبتي إقراءها حينما تنتهي واجباتي كيف لي ان احمل سلاح؟؟؟؟  مرت علي أيام.... وليال.... كانت طويلة....وثقيلة لأنني خجلت من نفسي كثيرا ولا ادري كيف أعالج موقفي هذا أو كيف ابرر حسن نيتي لهؤلاء الأطفال الذين خافوا مني؟؟؟ بعد أيام قررت أن أنهي تواجدي في كلار لان الأمر لم يعد كالسابق كما أملوه علينا في الوحدة العسكرية بأننا نحمي المنطقة لان الحقيقة تقول أن كل العوائل والقرى المحيطة بنا كانت تخاف منا وأمنيتهم أن نترك المكان ونرحل ,  لم تفلح أي وسيلة سلمية فكرت بها لمغادرة المكان دون أن يؤذوا عائلتي سوى طريق واحد , خيار صعب لابد من تنفيذه وإلا سأكون مجرم وقاتل , الخيار هو أن أطلق النار على قدمي , وبعد ترددات كثيرة قررت أن اضغط على زناد بندقيتي مكرها في فترة تنظيف السلاح ولأول مرة أطلقت فيها النار كانت على قدمي ,  نقلوني حينها إلى وحدة ميدان طبية في جلولاء ومنها إلى سجن مستشفى الرشيد العسكري في بغداد لمدة (3) أشهر وكانت من أسوء الأيام التي مررت بها في حياتي وفتح حينها مجلس تحقيقي ضدي .
عام 1987 كنت ضمن تشكيلات لواء المشاة لمش  704  (قوة باشا) وكنا في منطقة الفاو , آمر الفوج الذي انتسب إليه كان متعاطف معي منذ التحاقي بوحدته بعدما شفيت قدمي وكانت مساعدته لي هي منحي إجازات تسمى (مأمورية) مقابل عمل أشياء لوحدتي العسكرية منها خزانات الماء وأثاث وتصليحات تتم في مدينتي وأحيانا في موقعنا الخلفي خصوصا بعدما عرف أن أخي الكبير مفقود وأمي توفيت حزنا عليه وأبي توفى بسبب الم فراق الاثنين إضافة على ذلك تهجير شقيقتي وإعدام زوجها, وكنت ابتكر طرقا ملتوية تجعلني لا استلام السلاح من المشجب بعذر إني  مصاب ومع ذلك  لقد دفعت كثيرا وتحايلت مرات عديدة وعوقبت كثيرا لأني لم استلم بندقيتي من مأمور المشجب , كنت لا أؤمن بحمل السلاح مطلقا .  بعد جرح آمر وحدتي في واحدة من المعارك استلم ضابط استخبارات الوحدة منصبه مؤقتا لإدارة وحدتنا وهذا الحدث مهد للآمر الجديد أن ينتقم مني نتيجة علاقتي الطيبة بالآمر السابق كون الآمر الحالي أغاضته إجازاتي المتكررة , أول عقوبة كانت لي هي تأخير إجازتي الدورية (استحقاقي)  لمدة 72 يوما مما اضطر أقربائي إرسال صديقي ن ض محمود جاسم ساري إلى وحدتي وحصل لي (3) أيام مساعدة من قبل قائد الفرقة وذهبنا سوية إلى مدينتي عمارتي الحبيبة ولكن حالما التحقت راح ينتقم مني أكثر وطلب مني أن أكون عنده يوميا في المتقدم قادما من الخلفيات التي كانت في البصرة حيث يتطلب الأمر النهوض صباحا ساعة (4) للذهاب في سيارة الأرزاق وهي تتجول في كل أرجاء الوحدة بضمنها المتقدم وفي المحطة الأخيرة مقر الآمر أي بعد الساعة الثانية عشر ليلا لأقابله ويتعمد انتظاري الممل له وحالما يراني يقول: اذهب لا احتاجك الآن تعال غدا . وهكذا بقيت بحدود ثلاث أشهر لا اعرف كيف نجوت من القصف اليومي الذي لم يسلم منه بشر ولا حتى جذوع النخيل وسعفه . المرة الأخيرة طلب مني أن احمل البندقية واذهب ضمن (كمين في الحجابات) لكني رفضت ولما أراد تنفيذ الأمر بالقوة اضطررت إلى ضربه بعدما وصفني بــ(الجبان) مما نادى حمايته وأردوني ضربا في أخمص البندقية والهراوات وفي أيديهم حتى غبت عن الوعي , صحوت و أنا في السجن مضرجا بدمي ووجهي متورم وجفوني متلاصقة بالكاد أرى بصيص ضوء , بقيت في السجن عدة أيام عرفت بعدها من مأمور القلم سيد طالب خالد الموسوي وهو من مدينتي طيب القلب جدا وكان متعاطف معي ويزورني دائما حاملا معه فواكه ويصبرني على بلواي كوني ظلمت واخبرني أن الوحدة كلها متعاطفة معي كما اخبرني بتشكيل مجلس تحقيق ضدي رتبه الآمر الجديد بالاتفاق مع شخصين من الاستخبارات وترتبت بحقي بمادة ( 120 أ ) عقوبتها إعدام والتهمة هي {{الهروب أثناء الاشتباك المقدس مع العدو الفارسي اللعين}} وعرفت أن المتهم بهذه المادة لم يطلق سراحه حتى بكفالة وطلبت من سيد طالب أن لا يخبر إخوتي حينما يذهب إلى العمارة في إجازته الدورية لأنهم سيقلقون جدا كوني (معيلهم) بعد وفاة والدي , بعد أيام جاءت سيارة كاز 66 أقلتني إلى مكان مجهول وعصبوا عيني بقماشه سوداء , عرفت بعدها إني في سجن استخبارات الفرقة (21)لأننا كنا ضيفا عليها وفرقتنا الأصلية هي الفرقة (18) , بعد انتظار وجوع وعطش جاءني شخص في منتصف الليل اقتادني موثوق اليدين وأدخلني إلى ضابط استخبارات الفرقة كانت رتبته مقدم ركن ويشبه كثيرا (الفريق قاسم عطا ) لكنه كان اكبر سنا منه آنذاك قال لي : هو أنت ؟؟؟ ولم اعرف ماذا قصد , بإشارة منه وضعوا ألقماشه السوداء على عيني ولم اشعر إلا بالضرب من جميع الاتجاهات وعلى جميع الأمكنة ...وجهي وقدمي ورقبتي حتى أحسست أن سائل حار راح يسيل من  أعلى راسي وظهري  تيقنت أنهم أغرقوني في دمي  بدأت اشعر أن فمي  يكبر وانفي لم استطع التنفس منه بسبب نزفه وعيناي لم استطع فتحهما , بعد فترة فقدت الألم تدريجيا وما عدت اشعر بأي شيء  حتى لذعات (الكيبلات)  التي كانت أشبه بصعقات الكهرباء ترج جسدي كله ما عدت اشعر بألمها , بعدها فقدت الوعي تماما ولم أصحو إلا في اليوم التالي وأنا في وحدتي العسكرية وقميصي ممزق توزعت عليه بقع دم يابس , انتظرت يوم محاكمتي لأنه كان الخلاص بالنسبة لي , بعد فترة جاءني عريف براد مطوع  أياد عباس من أهل الحلة وهو إنسان طيب القلب صاحب نكته في يده كتاب مأمورية ليقتادني إلى المحكمة العسكرية (18) في مدينة العمارة لمحاكمتي ومن محاسن الصدف أن التقي في هذه المحكمة صديقي الحميم المحامي رحيم فهد وقد عمل معروف معي لم أنساه ما حييت لقد كلم رئيس المحكمة حينها واخبره بأنني أخ مفقود ومعيل إلى إخوتي القاصرين ليتعاطف معي إنسانيا , الشاهدان  اللذان نصبهما الآمر ضدي كانا من عناصره الاستخبارية لم يحضرا المحكمة للإدلاء بشهادتهما ضدي كونهما جرحا جراء قصف مكثف قبل ليليتين من حضورنا مما شجعني ان اطلب شكل إنساني من رئيس المحكمة أن يكون المأمور عريف أياد شاهدي لأنه ضمن فصيلنا الآلي ويعرف عملي جيدا باني لست مقاتل , بعد موافقته جاءت الأمور كلها لصالحي وتبدل الحكم من المادة 120 أ  إلى الأحكام الثقيلة ولما تعذر حضور شاهدا الضد لم تثبت التهمة بحقي وبعدما برزت لرئيس المحكمة وثيقة بأنني مصاب في قدمي واعمل في المنطقة الإدارية ضمن الفصيل الآلي صدر الحكم بحقي مخففا . وبمرور الوقت استطاع سيد طالب إخفاء مجلس التحقيق الأول والثاني وهذا العمل الطيب منه جعلني أتسرح مع أقراني دون تأخير .
حمدت الله لأني لم احمل السلاح ,وشكرته لأني لم اقتل احد, وحمدته وشكرته كثيرا لأني بقيت في مسيرتي الأدبية لم ولن ارتكب أي جرم يذكر. لكن إلى الآن تعيش في دواخلي حسرة وأمنيتي أن أرى ذلك الطفل الذي رمقني بنظرة وكانت بحق( رصاصة في قلبي ) لكي انحني له وأقدم له اعتذاري بالطريقة التي يراها هو مناسبة واشكره كثيرا لأنه غير مجرى حياتي تماما .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق