الصفحات

2014/09/19

هواجس الرواية الـخليجية في مرآة الرشيد بوشعيـر بقلم:محمد سيف الإسلام بـوفلاقـة



   هواجس الرواية الـخليجية في مرآة الرشيد بوشعيـر
                                    بقلم:محمد سيف الإسلام بـوفلاقـة
                                       -جامعة عنابة-
           لا يختلف اثنان في أن الرواية في دول الخليج العربي ما تزال تستحق الكثير من الأبحاث والدراسات،و ذلك  لاكتشاف عوالمها،ومحاورة جمالياتها،والغوص في مضامينها،و إبراز خصائص أبنيتها السردية،و إماطة اللثام عن مختلف الرؤى والهواجس التي تجسدها.
      فالرواية الخليجية تحتاج إلى شيء غير قليل من البحث والدراسة والاهتمام« ذلك أن الرواية كتاب الحياة المفتوح،ينعكس فيها التاريخ القديم،كما ينعكس الحاضر بأفراحه وأتراحه ومشكلاته وتطلعاته،وهي بطبيعتها الفنية،تستوعب الواقع وتُعيد إنتاجه في شكل تخييلي مقنع  ومؤثر» )1(.
            ومن بين الكتب  المتميزة التي ركزت الاهتمام على عوالم وهواجس الرواية الخليجية كتاب الناقد الجزائري الدكتور الرشيد بو شعير  الموسوم ب« هواجس الرواية الخليجية» والذي صدر عن منشورات كتاب دبي الثقافية ،وهو عبارة   مجموعة  من الأبحاث والدراسات عالجت مختلف الهواجس الفنية والتاريخية والسيكولوجية والاجتماعية للرواية الخليجية.
          ويجدر بنا أن نشير في البدء إلى أن الناقد الدكتور الرشيد بوشعير؛أستاذ الأدب الحديث والأدب المقارن بجامعة الإمارات العربية المتحدة،يعد واحداً من كبار النقاد الذين أغنوا الأدب الإماراتي و الخليجي بدراساتهم وأبحاثهم المتميزة،فقد سبق وأن ألف العديد من الكتب التي اهتمت بمختلف قضايا الأدب في الخليج العربي،من بينها نذكر:« مدخل إلى القصة القصيرة الإماراتية»،و« صراع الأجيال في الرواية الإماراتية»،و« مساءلة النص الروائي في السرديات الخليجية المعاصرة»،و« أدب الخليج العربي الحديث والمعاصر»،و« عبد الله خليفة كاتباً روائياً»،و« أركيولوجيا السرديات النسوية الإماراتية(الرواية نموذجاً)»،و« معجم الكتاب الروائيين الخليجيين»،و« صورة البحر في القصة القصيرة الإماراتية»،و« مساءلة النص الروائي في أعمال عبد الرحمن منيف» إضافة إلى عشرات الأبحاث والدراسات المنشورة في مختلف المجلات والدوريات والتي رصدت خصائص وسمات الأدب الخليجي.
 -خطاب العتبات في الرواية الخليجية(المقدمة نموذجاً)
       في البحث الأول  من الكتاب نقرأ عن خطاب العتبات في الرواية الخليجية(المقدمة نموذجاً)،وقد وقف الدكتور الرشيد بوشعير في بداية هذا البحث موضحاً مجموعة من المفاهيم التي  تتصل ببعض المصطلحات التي تسهم في الولوج إلى الموضوع وهي:الخطاب والعتبات والمقدمة.
        فالخطاب هو مصطلح« من مصطلحات النقد المعاصر التي ارتبطت في نشأتها بالسرد بشكل خاص،ويقصد به الأساليب والآليات التي تقدم الحكاية بواسطتها،و ما تنطوي عليه من وجهات النظر وعلاقات الراوي بالمتلقي،إلا أن هذا المصطلح يرتبط كذلك بالدراسات اللغوية المعاصرة التي تستخدمه أساساً بوصفه كل كلام تجاوز الجملة الواحدة سواء كان مكتوباً أم ملفوظاً.و قد اتسع مفهوم هذا المصطلح في كتابات(ميشيل فوكو)الذي يستخدمه بوصفه شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تبرز فيها الكيفية التي ينتج فيها الكلام كخطاب ينطوي على الهيمنة والمخاطر في الوقت نفسه» )2(.
     أما العتبات فهي  كل ما يفضي بالقارئ إلى المتن الأدبي كالعنوان والإهداء،وتعليقات المؤلف،وتصديره لعمله،كما جاء في تعريف الناقدة البلغارية جوليا كريستيفا.
         وبالنسبة إلى المقدمة فالمؤلف يشير إلى أنه ينبغي التفريق بين المقدمة في البحث والمقدمة في النص الأدبي« فالمقدمة في البحث تعد عنصراً من عناصر الخطة التي تلقي الضوء على مجال المشكلة وأهمية معالجتها والحاجة إلى دراستها وكيفية شعور الباحث بها،مع الإشارة إلى الباحثين البارزين الذين أسهموا في معالجة بعض جوانبها،و أخيراً الفوائد التي يمكن الاستفادة بها من النتائج التي تمخض البحث عنها.أما المقدمة في النص الأدبي فإنها عتبة من العتبات التي تحملنا إلى فضاء المتن المركزي الذي تستقيم قراءتنا له بالاطلاع عليها وفقاً لرؤية المبدع ولرؤية النقد الكلاسيكي» )3(.
      والمقصود بالرواية الخليجية هو ما أنتج من أعمال روائية لكتاب مجلس التعاون الخليجي الذي يتألف من الإمارات العربية المتحدة،والمملكة العربية السعودية،وقطر،والكويت،وعمان،والبحرين.
      ويرى المؤلف أن عتبات الرواية الخليجية لم تدرس كما ينبغي في النقد الروائي المعاصر،باستثناء ما كان من التفات إلى هذه العتبات في أعمال كاتب معين،مثلما درس الناقد الدكتور الرشيد بوشعير العتبات في أعمال عبد الرحمن منيف في فصل خاص ضمن الكتاب الذي ألفه عن أدبه الروائي.
    يوضح المؤلف أن المقدمات يمكن تصنيف أنماطها إلى أقسام متنوعة على النحو الآتي:
1-نمط المقدمة الذاتية:وهي التي يكتبها المؤلف نفسه،وقد مثل لهذا النمط بمقدمة رواية(جروح على جدار الزمن)لعلي محمد راشد،ومقدمة رواية(الأمير الثائر)للدكتور سلطان بن محمد القاسمي،ومقدمة رواية(دنيانا مهرجان الأيام والليالي)   لدلال خليفة.
2-نمط المقدمة الموضوعية(الغيرية):وهي تلك المقدمة التي يكتبها أحد النقاد،و قد مثل  لهذا النمط بمقدمة(المرأة والقطة)لليلى العثمان،و مقدمة رواية(الجنون العاقل)لمحمد المرزوقي،ومقدمة رواية(زمن البوح)لمحمد الحمد،ومقدمة(العدامة)لتركي الحمد.
3-نمط مقدمة الناشر:وهي المقدمة التي يكتبها ناشر الرواية،مثل مقدمة رواية(البيت الدافئ)لخولة القزويني،و مقدمة رواية(امرأة على فوهة بركان)لبهية بوسبيت.
      وقام الدكتور الرشيد بو شعير بتصنيف وظائف المقدمات في الرواية الخليجية،ولفت الانتباه إلى أن هذه الوظائف تأتي في وظائف أخرى متداخلة، ونادراً ما يتم العثور على مقدمة يقتصر الخطاب فيها على وظيفة واحدة، بيد أن كل مقدمة تغلب عليها وظيفة محددة بالقياس إلى المقدمات الأخرى.
   رصد المؤلف في البدء الوظيفية التأريخية،وأشار إلى أن التاريخ هنا يشمل سائر الجوانب الاجتماعية والسياسية والسيكولوجية والاقتصادية و الثقافية ،فضلاً عن الملابسات المحيطة بالنص الروائي.
      وقدم في البدء نموذجاً يتمثل في مقدمة  رواية« النيل يجري شمالاً» للأديب إسماعيل فهد إسماعيل  الذي استعرض فيها مادة روايته التاريخية ،وعلق الدكتور الرشيد بوشعير على  مقدمته بالقول« إن إسماعيل فهد إسماعيل في هذه الفقرات المقتطفة من مقدمة روايته الموسومة ب(النيل يجري شمالاً)يخاطب المتلقي بوصفه مؤلفاً فعلياً خطاباً مباشراً يلقي الضوء على المصادر التاريخية لعمله،خصوصاً ما يتصل بشخصية(مراد بك)وانهزامه أمام حملة نابليون بونابرت على مصر.وهذه المصادر التاريخية تتمثل في كتاب(تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار)لعبد الرحمن الجبرتي،وكتاب(تاريخ الأقطار العربية الحديث) للمستشرق لوتسكي.و إذا كانت هذه المقدمة تغني دارس(النيل يجري شمالاً)عن أي تخمين يتعلق بمصادر الكاتب ويؤكد له بما لا يدع مجالاً للشك في مرجعية هذا العمل،فإنها تذيع سراً إبداعياً يربك الخطاب الروائي الذي يقوم على التخييل أساساً» )4(.    
          أما رواية(الأمير الثائر)للدكتور سلطان بن محمد القاسمي، فقد قدم لها بمقدمة موجزة أكد فيها على تاريخية أحداث روايته،حيث جاء فيها« إن قصة الأمير الثائر،هي قصة حقيقية،فإن كل ما جاء فيها من أحداث وأسماء شخصيات ومواقع موثقة توثيقاً صحيحاً في مكتبتي،و لا يوجد بها أي نوع من نسج الخيال أو زخرف الكلام،أقدمها إلى القارئ العربي ليطلع من خلالها على جزء من تاريخه في الخليج العربي».
             فخطاب المقدمة-كما يرى المؤلف- يغدو خطاباً تأريخياً لأنه يبدد سحابة الوهم الروائي التي يفترضها المتلقي في أي عمل سردي إبداعي،وهو يوجه المتلقي ويحدد له طريقة قراءة الرواية مسبقاً بصفتها تاريخاً حدث بالفعل.
  وقد افتتح الدكتور سلطان القاسمي روايته المعنونة ب« الشيخ الأبيض»بمقدمتين،حيث ذكر في المقدمة الأولى أن قصة بطل هذا العمل هي قصة حقيقية وقد وقعت أحداثها في بداية القرن التاسع عشر،كما ذكر أنه لم يكتف بالرجوع إلى الوثائق والكتب فحسب،بل زار مواقع الأحداث،و ذكر من بينها مدينة(سليم)الأمريكية،ومنطقة (ظفار) العمانية.
      وفي المقدمة الثانية ذكر مناسبة تأليف هذه الرواية،وعمد إلى تذييلها بعدد من الوثائق التاريخية العربية والانجليزية التي استقى منها عمله.
   وذكر المؤلف أن هناك مقدمات أخرى تحيل المتلقي على المصادر الثقافية التي نهلت منها متون الروايات، من بينها مقدمة رواية« وأدرك شهرزاد الصباح»لعبد الله بن أحمد الشباط،ومقدمة رواية« ولد العجيلي»لمحمد بن حمد المسروري.
          كما أن هناك مقدمات سعت إلى فضح ملابسات فعل الكتابة ودوافعه ومراميه البعيدة،وهو ما يسهم في توجيه فعل القراءة وتحديد مساره،وفي نظر المؤلف أن أفضل مثال على ذلك مقدمة رواية الحزام ل« أحمد أبو دهمان».
        أما الوظيفة الثانية فهي الوظيفة التمويهية،حيث إن بعض الكتاب يوظفون مقدمات تمويهية تستهدف تضليل المتلقي،فتوهمه برؤى قد لا يفصح عنها النص،أو ترمي إلى إخفاء أغراض مبيتة يخشى المبدع  أن تجلب له متاعب متوقعة من ذلك المتلقي،وقد مثل المؤلف لهذا النوع من المقدمات بمقدمة رواية«القارورة»ليوسف المحيمد،و رواية«عالم بلا خرائط» لكل من عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا.
        أما  الوظيفة التمهيدية،فالمقدمة في هذه الحالة تغدو استهلالاً أو مدخلاً أو تمهيداً للولوج إلى عالم الرواية،وهي تغدو أكثر التحاماً بالمتن الروائي، وقد مثل لهذه الوظيفة التمهيدية برواية«الشياح»لإسماعيل فهد إسماعيل،ورواية«الطين»لعبده الخال.
           وتوقف المؤلف في الأخير مع الوظيفة النقدية،وقسمها إلى الوظيفة النقدية الصحفية،والوظيفة  النقدية الأكاديمية،و خلص في ختام هذا البحث إلى أن«خطاب العتبات في الرواية الخليجية يشكل حضوراً قوياً بوصفه تصوراً رؤيوياً قبلياً،وأن المقدمة تأتي في طليعة هذه العتبات،بالرغم من تهميش دورها في بناء متن النص في النظرية النقدية المعاصرة،خصوصاً في نظرية التلقي التي تحرص على دور القارئ الفعال في الإبداع وإنتاج المعنى وحريته في التخييل والتأويل،وقد تعددت أنماط المقدمات في الرواية الخليجية،كالمقدمة الذاتية والمقدمة الموضوعية،كما تعددت وظائفها فتراوحت بين الوظيفة التأريخية،والوظيفة النقدية، والوظيفة التمويهية» )5(.
-خصوصية الرواية النسوية الخليجية
            في البحث الثاني من الكتاب،وتحت عنوان: «خصوصية الرواية النسوية الخليجية»،رصد  المؤلف ملامح الخصوصية في الرواية النسوية الخليجية،و المقصود بالخصوصية كما يشرحها في مقدمة البحث هي مجموعة الملامح التي تميز الأدب عن غيره من الآداب وتمنحه هويته،و يشير إلى أن الكثير من الدارسين سعوا إلى تحديد«عناصر تلك الملامح،ولكنهم انتهوا إلى نتائج متباينة،فمنهم من وجد بغيته في عناصر الزمان والمكان والعرق على نحو ما فعل(تين)،ومنهم من وجد بغيته في الأيديولوجيا التي يروج لها الخطاب الأدبي،على نحو ما فعل النقاد الماركسيون، ومنهم من انصرف إلى البنى والأشكال الأدبية التي تبلور الهوية الأدبية جمالياً بأسلوب موضوعي،على نحو ما فعل البنيويون،وهناك بعض النقاد يميزون خصوصية الأدب باللغة أو الدين أو الحدود السياسية.
       وإذا كانت هذه الخصوصية خصوصية رئيسة تنسحب على الآداب الكبرى وتتخذ معياراً للتصنيفات الأكاديمية،فإن هناك خصوصيات أخرى فرعية تنسحب على كتابات شرائح اجتماعية أو فئات بشرية حصراً،كأدب الأطفال،وأدب العمال،وأدب المغتربين في فرنسا أو ألمانيا،وأدب زنوج أمريكا،والأدب النسوي الذي تدخل هذه الدراسة في صميمه» )6(.
         انتقى المؤلف مجموعة من الروايات ليرصد من خلالها ملامح الخصوصية ،وهي: (الفردوس اليباب)لليلى الجهني،و(المرأة والقطة)لليلى العثمان،و(النواخذة)لفوزية شويش السالم،و(تحولات الفارس الغريب في البلاد العاربة)لفوزية رشيد،و(الطواف حيث الجمر)لبدرية الشحي،و(حلم كزرقة البحر)لأمنيات سالم.
          ولفت النظر إلى أن النماذج التي خصها بالدراسة لم يتم اختيارها عن قصد،بل كانت عشوائية ومحكومة بما اطلع عليه المؤلف من أعمال لكاتبات خليجيات.
       بالنسبة إلى رواية(الفردوس اليباب)لليلى الجهني،ركز المؤلف على منطق الخطيئة فيها وذهب إلى أن ليلى الجهني تريد أن تصرخ في وجه المجتمع الذي يميز بين الذكر والأنثى في ارتكاب الخطيئة،و الرؤية التي قدمتها نابعة من الشروط الاجتماعية التي تحيط بالمرأة،وكانت تجربة الرواية تجربة نسوية بحتة،فهي رواية«نسوية من حيث الموضوع ومن حيث التعبير عن الإحساس بالاستلاب والعجز والإحباط والاغتراب وانكسار الأمل،وهو إحساس يستمد خصوصيته من التراكم التاريخي لموقع الأنثى في المجتمع،محلية وقومية وإنسانية من حيث الرؤى الفكرية،ما بعد حداثية من حيث الأسلوب،وهو ما يدحض نظرية نرجسية الرواية النسوية وتشرنقها موضوعاً ورؤية وأسلوباً حول الذات الأنثوية الخاصة،فعلى الرغم من أن مادة هذه الرواية تظل مادة نسوية،فإنها وظفت فنياً كي ترسم أبعاداً أكثر اتساعاً وشمولية وغنى» )7(.
     أما رواية(المرأة والقطة)فهي تعتبر باكورة أعمال الروائية الكويتية المتميزة ليلى العثمان،ويصف المؤلف هذه الرواية بقوله«بقدر ما هي رواية ثرية بأبعادها الإنسانية والاجتماعية التي وُظف الرمز في التعبير عنها في قوة و امتاع، بقدر ما هي رواية محيّرة كذلك.
     فبالرغم من أن نقاداً كباراً كتبوا عنها وسبروا أغوارها مضموناً وشكلاً، فإنها لا تزال رواية محيرة تحمل في طياتها أسراراً مكنونة ما استطاع النقد أن يكتشفها حتى الآن،على صغر حجمها وشفافية أسلوبها».
          وقد استثمرت رواية(الطواف حيث الجمر)لبدرية الشحي مختلف العلاقات بين عمان وشرق إفريقيا،و اتخذت فضاءها الجغرافي خلفية لأحداثها،وعالجت موضوعاً يعد من الموضوعات النسوية التي تعودت المرأة على معالجتها،وهو النضال من أجل الحصول على حقوقها،وتجلت خصوصية رؤيتها في الإلحاح على إرادة المرأة وقدرتها على التحدي ومواجهة ظروفها القاسية والتغلب عليها.
        وفيما يتعلق برواية(حلم كزرقة البحر)لأمنيات سالم،فالدكتور الرشيد بو شعير يذهب إلى أن خصوصية الرؤية فيها تتراءى في معاناة المرأة وتحملها نتائج التغير السريع الذي أصاب منطقة الخليج العربي.
     ويؤكد المؤلف على أن رواية (النواخذة)لفوزية شويش السالم تتسم بالتميز في أسلوبها،و التمرد على مناهج البناء الروائي الرائجة،وهذا التمرد هو نتيجة طبيعية وحتمية في باكورة سردية  لمبدعة هي متعودة على كتابة الشعر أصلاً.
       وقد ظهرت خصوصية الشكل في قوة اللغة المستخدمة من قبل الكاتبة،و في الجرأة على إدخال الكثير من الألفاظ العامية الكويتية المستقاة من معجم البحارة والنواخذة.
         وفي نظر المؤلف أن رواية (تحولات الفارس الغريب في البلاد العاربة)لفوزية رشيد لا تتسم بخصوصية أنثوية في رؤيتها،وكذلك الشأن بالنسبة لشكلها،حيث استطاعت الكاتبة أن تستوعب جماليات الحداثة في الإبداع الروائي المعاصر.
     وقد قدم المؤلف في ختام هذا البحث ملاحظة أشار فيها إلى أن خصوصية الخطاب الروائي النسوي في الخليج العربي تقتصر على أمشاج التجارب والمواقف والرؤى المتفردة،و لا تتجاوز ذلك إلى الأشكال الفنية التي تعد إرثاً جمالياً مشتركاً بين الكتاب والكاتبات.
-شعرية التصوير في الرواية الخليجية
        خصص المؤلف البحث الثالث من الكتاب لموضوع«شعرية التصوير في الرواية الخليجية»،حيث ينطلق  من التأكيد على أن الكثير من الروائيين الخليجيين قاموا بوصف أنماط الفضاءات الحية والميتة،الواقعية والمحسوسة،والخيالية المجردة على حد سواء،وقد أدت أوصافهم جملة من الوظائف،من أبرزها:
-الوظيفة الاستهلالية: فقد قام الكثير من الكتاب الخليجيين باستهلال أعمالهم الروائية بوصف فضاءاتها بداية،مثلما ظهر في رواية«شرق المتوسط»لعبد الرحمن منيف،ورواية«الموت يمر من هنا»لعبده خال،فقد اتخذ كل منهما من تصوير الفضاء مدخلاً إلى السرد الروائي وتقديم شخصيات الرواية،أي أن تصوير الفضاءات وظف بوصفه استهلالاً.
-الوظيفة الإيهامية:وهي الوظيفة التي يقول عنها المؤلف إنها «تعد الوظيفة الرئيسة في التصوير الروائي،كما تعد آلية من آليات الإقناع في الأعمال الروائية،منذ نشأة هذا النوع الأدبي حتى الآن».
        وقد مثل لهذه الوظيفة برواية«الفوارس»لحسن الشيح،حيث بذل جهداً واضحاً في تصوير مشاهد من الحياة الاجتماعية الحية،ورواية«زينة الملكة»لعلي أبي الريش،ورواية«المرأة مسيرة الشمس»لهديل الحساوي التي اجتهدت من أجل إيهام القارئ بفضاءات عملها الروائي الخيالي،كما ظهر هذا النوع من الوظائف الإيهامية في رواية«النهايات»لعبد الرحمن منيف،ورواية«خاتم»و«طريق الحرير»و«سيدي وحدانة»لرجاء عالم،و«حجر على حجر»لفوزية شويش السالم.
  -وظيفة توازن الإيقاع: وقد انتقى المؤلف رواية«نزهة الدلفين»ليوسف المحيميد للتدليل على هذه الوظيفة،و لاحظ أن المحيميد حرص على التوازن بين السرد والتحليل والتصوير.
-الوظيفة السيكولوجية:وهي الوظيفة التي يغدو فيها التصوير أداة رمزية بهدف الكشف عن مكنونات اللاشعور الفردي للشخصيات الروائية،وهذا ما تبدى في تصوير بستان الأشجار في رواية عبد الرحمن منيف الموسومة ب«الأشجار واغتيال مرزوق»،وفي رواية«المرأة والقطة»حيث برعت ليلى العثمان في تحليل نفسية«العمة» التي أفلست روحياً.
      ووفق رؤية الدكتور الرشيد بوشعير فشعرية التصوير في الرواية الخليجية«تتراءى في وصف الفضاءات الروائية التي تؤدي وظائف متنوعة،كالاستهلال والإيهام،وتوازن الإيقاع البصري والسمعي،والتعبير السيكولوجي،فضلاً عن التصوير الأسلوبي والتقطيع السينمائي،وهو ما يرهص بميلاد نفس جديد في الثقافة العربية بمنطقة الخليج،يتسم بالنزوع البصري على حساب النزوع السمعي الشفوي الذي ظل سائداً ومتجذراً في الثقافة الخليجية على امتداد قرون طويلة،و لعل الرواية بوصفها نوعاً أدبياً تسهم إسهاماً كبيراً في تكريس هذا النفس الجديد» )8(.
-أطروحة الرِّق وهاجس الخوف في الرواية الخليجية
       تعرض المؤلف في البحث الرابع من الكتاب إلى أطروحة الرِّق في الرواية الخليجية،التي تعتبر من الأطروحات التي لم تتداول بشكل كبير،ويصفها المؤلف بالأطروحة المسكوت عنها لأنها تثير حساسيات معينة،وقد تبدى له من خلال هذا البحث أن هناك عدداً كبيراً من الكتّاب الخليجيين الذين عالجوا هذا الموضوع في أعمالهم الروائية من بينهم الكاتب البحريني «عبد الله خليفة»،والكاتب الإماراتي«علي أبو الريش»،والكاتب السعودي«عبد الرحمن منيف»،وقد تناول هؤلاء الكتاب الثلاثة ظاهرة الرِّق في سياق وصف النسيج الاجتماعي،ولم يشكل الرِّق بالنسبة إليهم هاجساً رئيساً من هواجس أعمالهم الروائية.
       ومن أبرز الكتّاب الذين عالجوا ظاهرة الرق بوصفها أطروحة أو هاجساً«راشد عبد الله»في روايته«شاهندة»،و«فوزية شويش السالم»في روايتها«النواخذة»،و«بدرية الشحي»في روايتها«الطواف حيث الجمر»،و«ميسون صقر القاسمي»في روايتها«ريحانة».
       وينبه الباحث إلى أن هؤلاء الكتّاب يختلفون في رؤاهم ومواقفهم من هذه الأطروحة،ويمكن التمييز في رؤاهم المطروحة بين موقفين رئيسين:
        أحدهما يتمثل في النظر إلى أطروحة الرِّق بوصفها أطروحة تاريخية منتهية،و الآخر يتمثل في النظر إلى هذه الأطروحة بوصفها أطروحة اجتماعية مستمرة،و قد تميزت الأطروحة التاريخية بأنها شفافة ظاهرية وجاهزة،والأطروحة الاجتماعية بكونها أطروحة مربكة تنطوي على إشكالية تتجاوز الظاهر إلى الباطن كي تحفر في طبقاته وأنساقه الاجتماعية التي تشكل لحمة تصل الماضي الآفل بالراهن الحي.
            تحت عنوان«هاجس الخوف في الرواية الخليجية»أشار المؤلف في البحث الخامس من الكتاب إلى أن هاجس الخوف في الرواية الخليجية يتراءى في المضامين وفي الأشكال على حد سواء،ففي المضامين يتبدى في الخوف الاجتماعي،والخوف السياسي،والخوف الميتافيزيقي،والخوف الإثنوغرافي،إضافة إلى الخوف من الحرب.
     وفي الأشكال يظهر في طبيعة الخطاب الروائي الذي يتسم بالغموض أحياناً،وفي العتبات المراوغة حيناً آخر.
      من بين الروايات التي تجلى فيها الخوف الصادر عن الضغوط الاجتماعية المعنوية أو المادية رواية«نافذة الجنون»لعلي أبي الريش،ورواية«القارورة»ليوسف المحيميد.
       وظهر الخوف السياسي في جملة من الروايات من بينها«شرق المتوسط»لعبد الرحمن منيف،و«حز القيد»لمحمد عيد العريمي،و تبدى نمط الخوف الميتافيزيقي الذي ينجم عن المعتقدات الخرافية والأسطورية مثل الشعوذة والسحر والجان والشياطين في روايات كثيرة لا سيما منها روايات سعود بن سعد المظفر،وعلي أبي الريش،ورجاء عالم.
          وبالنسبة إلى ظاهرة التمرد في الرواية النسوية السعودية،فقد ذهب الدكتور الرشيد بوشعير في وقفته مع هذه الظاهرة إلى أنها«تعكس مدى الرغبة في تغيير القيم الاجتماعية الذكورية،كما تعكس مدى التطور الذي أصاب البنية الثقافية ومدى جرأة المرأة في التعبير عن قضاياها بأسلوب روائي ناضج في عالم يتعرض لرياح التغيير العولمي.
     وإذا كانت بعض التجارب الروائية المتمردة تفرز رؤى مقبولة،طالما أنها تستهدف إنصاف المرأة ومنحها فرصة التعبير عن ذاتها والقيام بدورها الفعال في المجتمع،فإن هناك تجارب أخرى تظل فاقعة وفجة، لأنها لا تستهدف تغييراً متزناً وإنما تستهدف التمرد على سائر القيم التي يمكن أن يؤدي اقتلاعها من جذورها إلى فراغ روحي وفلتان أخلاقي وذوبان في الهوية الفكرية الثقافية.
   ولا يمكن احتواء التجارب المغالية في تمردها إلا من خلال الإصغاء إليها ومحاورتها بحرية مسؤولة وهدوء ومرونة وتسامح» )9(.
  -النوخذة والماء في الرواية الخليجية
           استعرض المؤلف في البحث  السابع من الكتاب نموذج النوخذة في أربع روايات خليجية هي: «شاهندة»للكاتب الإماراتي راشد عبد الله،و«اللآلئ»للكاتب البحريني عبد الله خليفة،و«الطواف حيث الجمر»للكاتبة العمانية بدرية الشحي،و«النواخذة»للكاتبة الكويتية فوزية شويش السالم.
      وقد طرح  سؤالاً هاماً في مبحثه هذا بعد وقوفه مع النمطين الأساسيين للنوخذة في الرواية الخليجية(النمط السلبي والنمط الإيجابي)،هو:إذا كان النوخذة هو النوخذة،فما سبب اختلاف الكتاب في رسم شخصيته؟
            وأجاب عنه بالقول«الحقيقة أن سبب الاختلاف يعود أساساً إلى طبيعة تجربة الكاتب(أو الكاتبة) وموقفه من الحياة،فإذا كان الكاتب واقعياً فإنه يدين الماضي بجميع تفصيلاته وعلاقاته الاجتماعية ويسقط عليه رؤاه الأيديولوجية،على نحو ما يطالعنا في«اللآلئ»للكاتب البحريني عبد الله خليفة،و في سائر أعماله الروائية التي يُشكل فيها البحر حضوراً متميزاً،أما إذا كان الكاتب رومانسياً فإنه ينحاز إلى الماضي الذي يعد البحر والنوخذة أهم علاماته في الخطاب السردي الخليجي،على نحو ما نرى في«النواخذة»للكاتبة الكويتية فوزية شويش السالم.
      ومما أسهم في تأكيد هذا الاختلاف وتعميقه أن جل كتّاب الرواية في الخليج العربي لم يعايشوا فترة الغوص على اللؤلؤ ولم يعاصروا النواخذة حتى يكتبوا عنهم بحيادية و موضوعية،بل كانوا يغرفون من الذاكرة الجماعية وما فيها من بقايا صور وحكايات عن البحر والغوص والنواخذة» )10(.
         وفي الأخير يرى المؤلف أن صورة النواخذة في الرواية الخليجية كانت نمطية،سواءً كانت سلبية أم إيجابية، وهو ما يتناقض مع الرؤى النقدية المعاصرة التي تستعين بنظريات علم النفس وتنأى عن التصنيفات الحاسمة التي تقولب الشخصية الروائية وتؤكد أن تلك الشخصية لا يمكن أن تكون سلبية بشكل مطلق،كما أنها لا يمكن أن تكون إيجابية بشكل مطلق.
        وفي دراسته لحضور الماء في السرديات الخليجية خلص الدكتور الرشيد بوشعير إلى أن الماء في السرديات الخليجية يشكل حضوراً متميزاً،خصوصاً في الروايات التي اتخذ فيها الماء دلالات مختلفة تتراءى في الدلالة الوجودية والدلالة الأيديولوجية والدلالة الأسطورية،و هو ما يؤنس إلى أن فضاء الماء ما يزال هاجساً فاعلاً في الذاكرة الجماعية الخليجية،سواء  ماء البحر الذي كان مصدر رزق وبطولة وتحد،أم ماء السماء الذي كان وما يزال مصدر حياة ونماء وقلق.
        وفي رؤيته لفضاءات المدينة الأجنبية في الرواية الخليجية(علاقات التواصل والتنافر)،ذهب المؤلف إلى التأكيد على أن الروائيين الخليجيين قد اتخذوا مواقف متباينة في نظرتهم لفضاءات المدينة الأجنبية،و يمكن تلخيص نظرتهم في موقفين رئيسين:موقف التواصل والقبول والانبهار، وموقف الجفاء والرفض والنفور،و هما موقفان يعدان إفرازاً من إفرازات المثاقفة والتواصل الحضاري مع الآخر،و ما يتحكم في تشكلهما هو المزاج الفردي الرومانسي  وطبيعة التجربة الذاتية،و طبيعة الفضاءات السياسية لتلك المدن وهي الفضاءات التي لا تنسجم في كثير من الأحيان مع الفضاءات الاجتماعية والثقافية والحضارية.
الـهوامش:
(1)د.سمر روحي الفيصل: الرواية الإماراتية تعريف ونقد،كتاب الرّافد،منشورات دائرة الثقافة والإعلام حكومة الشارقة،،الإمارات العربية المتحدة،مارس،2012م،ص:05 وما بعدها.
(2) د.الرشيد بو شعير: هواجس الرواية الخليجية،كتاب دبي الثقافية،منشورات دار الصدى،دبي،الإمارات العربية المتحدة ،ديسمبر2012م،ص:12. 
(3) د.الرشيد بو شعير: هواجس الرواية الخليجية،ص:12 وما بعدها.
(4) المصدر نفسه،ص:16.  
 (5)المصدر نفسه،ص: 41و ما بعدها.
(6)المصدر نفسه،ص:47.
(7)المصدر نفسه،ص:56.
(8)المصدر نفسه،ص:96.
(9)المصدر نفسه،ص:148.
(10)المصدر نفسه،ص:160.

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق