الصفحات

2014/09/18

الخبز هو الحل.. قصة بقلم: محمد نجيب مطر



الخبز هو الحل
محمد نجيب مطر
بعد انتهاء تجهيزات المعمل، انكب على العمل في بهمة، ينادون عليه للطعام فلا يرد، يطرقون الباب مرات دون جدوى، فتحوا الباب بمفتاح إضافي خصص للطوارئ فوجدوه غارقاً حتى أذنيه في العمل، وسط أنابيب الاختبار يضعها في جهاز الطرد المركزي، بعد وضع قطرات عليها من محلول آخر، ثم ينقلها إلى ثلاجات شديدة البرودة تعمل بغاز الهيدروجين السائل.
عينات من خلايا أو جراثيم مختلفة يتم استنباتها في مستعمرات داخل أوعية اسطوانية زجاجية، الميكروسكوب الالكتروني كلَّ وملَّ من كثرة العمل، بعض النبتات مزروعة في أصص صغيرة موضوعة بالترتيب حسب الأبجدية الانجليزية داخل غرفة تحكم في اضاءتها ودرجة حرارتها و رطوبتها وتوقيتها.
لا أحد يعرف بالضبط موضوع البحث الذي يقوم به، بدا لهم أن الفكرة طرأت في عقله فجأة وتحمس لها، رغم أنها أخذت وقتاً طويلاً بينه وبين نفسه حتى تأخذ أبعادها، وبعدما تخمرت الفكرة واكتملت، طلب تلك المعدات الغريبة التي لفتت إليه أنظار الأجهزة الرسمية العلمية والأمنية في الدولة.
مرت للأيام وهو يحارب الزمن، كان على عجلة من أمره وكأن هناك قنبلة ستنفجر في المكان، ولابد له أن ينهي أبحاثه قبل انفجارها.
إنه يعمل بترتيب ونظام و لا يريد لأي شئ أن يشوش على أفكاره وتحليلاته، ملابس الدخول عند الباب تشبه ملابس غرفة العناية المركزة و غرف العمليات.
لا يريد لأي شئ أن يؤثر في نتائج تجاربه، إنه يعلم أن العالم لن يعترف بإنجازاته إلا إذا كانت موثقة ومشمولة بشروط البحث العلمي الصارمة.
كان المعمل مربوط بجهاز اتصال داخلي ليستجيبوا لطلباته ، لم يكن يسألهم أي شئ، تمر الساعات الطويلة دون أن يتناول طعاماً أو شراباً.
ذات ليلة سمعوا أصواتاً غريبة تخرج من جهاز الاتصال تبعها صوت تحطم أشياء، أصاخوا السمع عله ينادي، فلم يسمعوا شئ، هرعوا إلى باب المعمل يدقون عليه بلا جدوى، استعانوا بالعمال والخدم وكسروا الباب فوجدوه ملقى على وجهه وبعض الزبد يخرج من فمه، بعضها بقليل فارق الحياة.
حللوا دمه وبعض الطعام القليل في معدته ولم يصلوا إلى شئ يمكن الاستناد عليه، أغلق التحقيق على أساس أن هبوط الدورة الدموية ربما نتيجة لعدم تناول الطعام لمدة طويلة.
على جانب بعيد لم تصل يد الشرطة إليه وجد ابنه قطعة من المخبوزات الهشة، ووجد في المطحنة بعضاً من الدقيق، أعطى الكلب في الحديقة قطعة منها، فأكلها بسعادة، زاد الطعام من نشاط الكلب وحركته.
حللوا مكونات المخبوز والدقيق فوجدوا نسبة الحديد والبروتين فيه عالية، عملية التحليل لم تكن سهلة، وذلك لأن الحديد والبروتين كانا مدمجين في الدقيق كلية ولم يكونا مختلطين بهما فقط.
تذكر الابن كلمات أبيه، عن حلمه برغيف خبز مصري يحتوي على الحديد والبروتين بالنسب المطلوبة تقي المواطن من سوء التغذية و فقر الدم حتى لو لم يتناول غير الخبز، رد عليه ابنه ساعتها أن السلطات الأمريكية فعلت ذلك وخلطت الحديد والبروتين بالدقيق لتغذية شعوب العالم الثالث ولكن النتيجة باءت بالفشل، فابتسم الوالد في طيبة، وقال هذه المرة ستكون بطريقة أخرى.
فكر الابن ان الوالد بما خلط بعض المواد الغذائية مثل السبانخ والباذنجان التي تحتوي على الحديد وبعض البناتات التي تحتوي على البروتين مع القمح للحصول على النتيجة المرجوة، ولكن ثبت بالتحاليل فساد هذا الرأي، لأن المكونات كانت أصيلة في القمح وليست مكتسبة من نباتات أخرى.
استعان الابن بأحد أصدقاء أبيه المقربين وبدأوا في دراسة العينات عينة عينة بصبر ودأب يحسدون عليه، في النهاية عثروا على خطاب تهديد للوالد في أحد الأدراج السرية تعطي العالم مهلة للتخلص من البحث وكل نتائجه أو تسليمها إليهم مقابل مبلغ كبير من المال، وإلا سيتعرض للقتل، كانت نهاية المهلة يوم مقتله.
أعيد التحقيق وركزوا بحثهم لمعرفة كنه البحث الذي قام به الرجل، بالاستعانة بالفرق العلمية في الحامعات ومراكز البحوث بعد أن عرفوا عن موضوع الخبز الغني بالبروتين والحديد، تمكنت الفرق من الوصول للحقيقة بعد بحوث مضنية.
كان الرجل يحاول أن ينقل بعض الصفات الوراثية من النباتات الغنية بالحديد والبروتين إلى نبات القمح، بمعنى أن يتم تصنيعها في حبة القمح نفسها، واكتشفوا سر الماء المالح الذي كانت تروى به النبتات، فلقد حاول الباحث نقل هذه الصفة الوراثية الموجودة من بعض الحشائش التي تنمو على حافة البحار المالحة إلى نبات القمح ليمكن زرع القمح في صحراء مصر من ماء البحر المالح.
لم يطبق العلماء الأبحاث التي قام بها القتيل، بحجة أن المنتجات المعدلة وراثياً تنتج على المدى الطويل تغيير في بنية الإنسان الداخلية يتم توريثها إلى الأبناء، وبالتالي يصبح أثرها التدميري غير قابل للتعديل ومستمر ما دامت الحياة.
أظهرت التحقيقات أن شركات إنتاج الأدوية العابرة للقارات ربما تكون خلف الحادث للمحافظة على مكاسبها في السوق العالمية.
توصلوا إلى الدافع للقتل ولم يتوصلوا إلى القاتل، و لا كيفية ارتكاب الجريمة، وكأنما كتب على علماء هذه الأمة أن يموتوا بالاهمال على مكاتبهم أو يموتوا على الحقيقة في معاملهم، أعلق باب الجريمة وما زال المجهول مستمراً.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق