الصفحات

2014/12/12

ثلاثة توائم عراقية.. بقلم: بلقيس الملحم

ثلاثة توائم عراقية
إلى والدي الشاعر يحيى السماوي والصحافي الحربي جمال حسين والفنان التشكيلي صادق الفراجي
بلقيس الملحم

أعلى التلة
وحيدة تبقى
بعد أن يغادرها صوت الله الآتي من مئذنة قديمة
لا أحد يتلصص على هدير الماء في جسدها
ولا على  الأجراس التي يضربها ناقوس الندبة
ولا على جيبها الذي تُخرج منه حنطة الطيور
طائر واحد يُلقي عليَّ أسرارها العجيبة
أحبه جدا وأطعمه كل ليلة قصيدة
وحيدة تبقى..
قريبا من جدول صغير
 تُسيِّح فيه دموعها
في مدينة اسمها "سيبار*"
هناك..
تربض صلواتها الليلية
لا أحد يسمعها غير أرواح تركض في دمها
.
.
حتى متى تبلِّلها سيبار بأغاني الطيور؟وهذا الليل الطويل.. الطويل..
إنه لا يفعل شيئا
هو لا يفكر مثلا
 بأن يجمع شمل أرواحها الراكضة!
ولا أن يحل وثائقها الطينية
وحيدة تبقى..
تنظر في ماء الجدول
تنتظر أن يخرج لها وجهها النحيل
لكنه الماء عصي
يحدِّق في عينيها فييبس!
أروحها الثلاثة أيضا لا ترى نفسها في الماء
الطيور شربت كل ما في الجدول
وكان عليها أن تلفظهم دفعة واحدة
كان عليها أن تسميهم ثم تموت
لا غير ذلك ..
 ليعرفوا شكل الحياة بدونها!
الأول اسمته يحيى
كبُر وصار شقيقا لجلجامش الخالد
هل أذكِّركم بجلجامش؟
افتحوا قلوبكم وستجدونه
أنا سأغلق قلبي عليه!
الثاني اسمته جمال
كبُر وصار يلتقط أنفاس الحروب
هل أذكركم بالحروب؟
تعرفونها من مقبرة السلام
ومن أضابير الأرامل
الثالث أسمته صادق
هل يوجد شخص يحمل نفس اسمه؟
عفوا..
نعم يوجد
إذا لماذا أسأل هذا السؤال ..!
كنت أقصد نفس روحه؟
أسأل لأنه لا يتعمد أن يأخذ بأيدينا ويدفعنا لندخل الباب
ذلك الباب ضيق جدا
ونحن متخمون بالحزن
الحزن الجديد الذي لا يذهب بدسم الجسد
بل ببناء دسم الحرقة والعذاب والحب واللوعة والفقد والهجر والحرمان والوطن والفجيعة والحلم واليأس والندبة والغربة والوحدة والليل الطويل والمقبرة الباردة..
كل ذلك لا يمكن أن تذيبه حرارة الموسيقى
ولا اللون الأحمر الذي يُبغضه أخوهم الصغير..
ببساطة جدا
هو لا يتعمد أن يطلب منا المكوث في -قلبه- في الغرفة الواسعة
نحن من يجبر أنفسنا على الالتصاق بجدرانها
ولمس كل رطوبة فيها لنحكَّ بها ذاكرتنا
عفوا.. أنا لا أقصد هذا تحديدا
كنت أريد أن أتدرج معكم لأكشف لكم عن حنجرتي
حنجرتي التي سقطت في أول اختبار لها
حين وقفت على تلة سيبار
رافعة رأسي إلى الله:
لا يمكن لوطن أن يغمرني هذا الحد! وبكل هذه التفاصيل..!
.
.
.
                    ثمة تابوت يطير
                                     ثمة ملائكة يطيرون
                                           وثمة عراق ينهض من التراب!
 
..............
•       مدينة الطيور في مملكة سومر. حاليا تقع على الضفة الشرقية للفرات/ 60 كيلو متر عن بابل
 
* شاعرة وقاصة من السعودية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق