الصفحات

2015/01/23

قراءة في قصص "روسيكادا" للأديبة زهور ونيسي بقلم: عبد القادر كعبان



قراءة في قصص "روسيكادا" للأديبة زهور ونيسي
بقلم: عبد القادر كعبان
زهور ونيسي أديبة جزائرية لا تغيب بأعمالها القصصية و الروائية، فهي تعد من الأصوات البارزة التي عبرت عن أفكارها العاكسة للنضال الثوري على غرار أسماء أدبية أخرى كآسيا جبار صاحبة مقولة "اللغة الفرنسية هي بيتي" التي اتخذتها سلاحا في الكتابة شأن الكثير من مبدعي المغرب العربي.
من سيعود الى مراحل تطور القصة القصيرة في الجزائر منذ بداياتها سيكتشف أن هناك أسماء قليلة لكنها عرفت كيف تعبر عن مرحلة الثورة التحريرية مركزة على الدور النسوي في مواجهة المستعمر و من هنا نذكر على سبيل المثال مجموعة قصصية كتبتها زهور ونيسي تحت عنوان "الرصيف النائم" قبل إستقلال الجزائر.
لقد حاولت الأديبة زهور ونيسي تسليط الضوء على قالب الثورة و انعكاساتها على وجه المجتمع الجزائري الذي ظل يناضل لأجل حصوله على الحرية في مجاميعها القصصية كمجموعتها الموسومة "عجائز القمر"، "على الشاطئ الآخر"، "الظلال الممتدة" و "روسيكادا". تضم هذه الأخيرة  اثنتي عشرة قصة عدنا الى قراءتها من جديد لأننا حين قرأنا أول مرة للأديبة زهور ونيسي لمسنا فيها لغة الشغف، تكتب بمتعة تتسلل إلى أعماق قارئ مهيء للخضوع لسحر اللغة و الكتابة في آن واحد، و عندما يصل إلى هذا الحد يقع أسير عوالم هذه الكاتبة المبدعة بلا منازع.
أول ما يلفت الإنتباه في قصص "روسيكادا" عنوان المجموعة الذي يستفز القارئ الملاحظ ليجعله يتساءل بدوره عن مضامين هذه القصص و مرجعيتها الفكرية من خلال تكنيك اللغة الترميزية منذ الوهلة الأولى ليفتح الكتاب و يتصفحه بفضول ليكتشف عبر عناوين القصص سرديات الأحداث المفتاحية.
العنوان كما يعرفه الجميع بوابة تحفيزية لإكتشاف أبعاد القصة، و بمحض الصدفة سيلاحظ قارئ هذه المجموعة القصصية أن الأديبة زهور ونيسي لا تختار عناوين أعمالها الأدبية عبثا بل هناك لغز يجدر بالقارئ الذكي البحث عنه بين ثنايا نصوصها ذات الأبعاد المثيرة و الساحرة و في نفس الوقت لا تخلو من بصمة الواقعية.
كثيرا ما يكرر النقاد فكرة "ترابطية النص بالعنوان" و هذا ما دفعنا لنتساءل عن قصدية عنوان المجموعة القصصية "روسيكادا" و خلفية اختزاله للقصص الأخرى، لنجد أن القصة الأخيرة في نفس المجموعة تتناول حكاية "روسيكادا" التي هي في الأصل تسمية فينيقية لمدينة الفراولة "سكيكدة" حاليا و التي تقع في شرق الشريط الساحلي الجزائري وهي تعني "رأس المنارة".
هذه القصة تشكل ثيمة الخطاب القصصي بشكل عام لما تحمله من روابط نفسية و وجدانية بين القاصة و المكان "روسيكادا" فلربما تحاول مشاركة القارئ جملة من ذكرياتها و رحلتها مع الحياة و أحلامها مع ذات المكان أو لربما هدفها الإشارة إلى أهمية الآثار الجزائرية العريقة حيث تقول الساردة: "روسيكادا، حكايتي في التاريخ الحديث أغرب من حكايتك في التاريخ القديم...".
تنطلق المبدعة زهور ونيسي في قصتها الأولى الموسومة "جحيم و ذهب" من منطلق سريالي هربا من الواقع المرعب حيث تجمع منذ الوهلة الأولى بين كلمتين متناقضتين: الأولى كلمة "الجحيم" التي ذكرها الله في العديد من الآيات القرآنية كقوله تعالى: "و إن الفجار لفي جحيم" (الإنفطار/14)، و الفجار جمع "فاجر" و هو المتصف بالفجور و هو ضد البرور أما الكلمة الثانية "ذهب" و كأن القاصة تعني من خلالها ذلك القلب الصادق المخلص المحب كذلك الشيء النفيس الأصفر اللون الخالي من كل شائبة. تشير هذه القصة إلى أن بعد كل ضيق فرجا و أن العذاب يتلاشى بالتمسك بحبال الصبر المتينة.
تستند الكاتبة في قصتها الثانية "سكر و ذباب" على نفس التكنيك فتجمع بين نقيضين: مادة "السكر" التي تستخرج غالبا من القصب أو البنجر، وهي بيضاء اللون صادقة الحلاة على عكس كلمة "الذباب" وهي تلك الحشرات التي تتغدى بالقادورات و تنقل الأمراض بطريقة أو بأخرى، و كأننا نقف أمام صورة المجتمع الجزائري التي أفسدتها تلك الأنظمة الغير الأخلاقية.
لعل أهم فضاء سيطر على نصوص هذه المجموعة هو فضاء الوطن كما تعكسه القصة الثالثة تحت عنوان "كف الوطن"، أين نجد أن الكف يشير الى راحة اليد مع الأصابع و كأن القاصة تشير الى أن الكف هي "الجزائر" و الأصابع "أبناؤها"، فمهما سافروا أو إغتربوا لا بد من رجوعهم يوما إلى أحضانها الدافئة.
القصة الرابعة في مجموعة "روسيكادا" تحمل عنوانا له دلالته الخاصة لكونه يعكس سر الطبيعة و جمالياتها التي تجعل الإنسان يتفاءل بفجر جديد. "زخات المطر" هو العنوان عينه الذي اختارته زهور ونيسي لهذه القصة و الذي يعني هطول قطرات من المطر المفيدة للتربة و الأرض عموما و التي تعكس الأمل الأخضر بما سيكون مستقبلا.
تنقلنا الكاتبة في القصة الموالية الى عنوان يعكس الفرحة و يعيدنا الى أجواء الطفولة و البراءة الأولى ألا و هو "بدلة العيد" لكن صوت الساردة العميق يقول غير ذلك بين ثنايا النص فهي تشير الى تدهور القيم و شبه غيابها في هذا الزمن.
تستدرج القاصة القارئ عبر عنوان آخر و هو "حنين" بمعنى الشوق و كأن الأم تحن على ولدها و تشفق عليه. تشير زهور ونيسي من خلال هذه القصة الى ظلم المستعمر للجزائري و سلبه حريته و أرضه دون رقة قلب.
ما يلفت الإنتباه في القصص الأولى للمجموعة هو تميزها بطابع شعري موغل في القص و الرمزية حيث لا تخلو من مراوغة المبدعة زهور ونيسي لإستعمال أسلوب التلميح دون التصريح في عملية السرد و هذا ما نجده أيضا بارزا في بقية القصص.
في قصة "الإسم الحلم" تعكس القاصة أحلام بريئة على لسان أربعة أطفال (وردة، سعيد، فاطمة و حدة) همهم الوحيد البحث عن أبسط حقوقهم خصوصا أنهم ضحايا أخطاء أولياءهم و لم يبقى لهذه الفئة البريئة سوى التمسك بشعاع الحلم.
في حين نجد القصة الموسومة "نجمة الراعي" تذكرنا برواية تحمل نفس العنوان للكاتب جمال أبو حمدان صدرت سنة 2009 التي تتحدث عن أسطورة "أناهيد" تلك المرأة الإيرانية و الملكين هاروت و ماروت و مهمتهما في إصلاح الأرض بعد فسادها. القصة نفسها سبقت فكرة الروائي أبو حمدان لتعكس الأمل في حياة سعيدة عنوانها السلام نسجتها أنامل المبدعة زهور ونيسي.
القصة الموالية تعكس عبر عنوانها "قلعة التفاح الأزهر" نظرة تفائلية، فكلمة قلعة تعني الحصن الممتنع في الجبل بينما كلمة التفاح الأزهر هي جنس أشجار تزهر لتثمر من الفصيلة الوردية. هذه القصة تتحدث على عكس قصدية العنوان عن شخصية "سعدى" و والدها "الملك زناتي" و موقفه السلبي و محاولاته الفاشلة في حماية القلعة لكن النهاية بوفاته تحدث عكس ما يمكن أن يتخيله القارئ خصوصا بتلك الصرخة المدوية من ابنته.
في حين نلمس في القصة الموسومة "ليس عيبا أن يبكي الرجال" تعاطفا كبيرا مع هذه الشريحة من البشر من قبل الأديبة حيث أنها ترى أن البكاء حق و هو نفس العملة التي تستعملها المرأة حين لحظات ضعفها شأنها شأن أي طفل بحاجة ماسة لإفراغ شحنة أو عدم شعوره بالرضا  في كثير من الأحيان و كأن الرجل طفل في عيون ونيسي يمكن لدموعه أن تعكس حزنه و فرحه في آن واحد.
"القرية الصغيرة" هي القصة ما قبل الأخيرة في هذه المجموعة حيث يعود المكان بقوة من خلال كلمة "قرية" و هي كما يتعارف عليه الناس عدد قليل من الدور في بقعة من الأرض في سهل أو جبل. هكذا ترسم زهور ونيسي ملامحها من خلال تلك الصبية التي تسعى لتغيير شكلها الخارجي متناسية شكلها الداخلي الذي يدفعها للهروب من البيت ظنا منها أن أخبارها لن تنتشر في عالم طغت عليه الشكليات السطحية و المظاهر.
القصة الأخيرة "روسيكادا" هي اختزال لجميع القصص كما سبق و ذكرنا أين تستوقفنا شخصية "ناصر" المولع بحبه لهذا المكان و الذي يعتبره الأم الحنون حيث أنه رضع من ثدي التبني شأنه شأن روسيكادا التي تبنتها الحضارة الفينيقية كمنارة و الحضارة الإسلامية كرمز للسياحة.
بهذا نجد أن هذه المجموعة القصصية للأديبة زهور ونيسي لا تخلو من أسلوب التشويق و التنويع و روح المغامرة السردية لتجعل منها بصمة بارزة في تاريخ القصة في الجزائر و كذا اثبات الذات من خلال تلك الرمزية العالية للتعبير عن الواقع بصدق و أمانة أدبية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق