الصفحات

2015/02/22

"مجرد صرصور " قصة بقلم: محمد نجيب مطر



مجرد صرصور
محمد نجيب مطر

نقل التلفزيون المصري عن وكالات الأنباء العالمية تقريراً عاجلاً من وكالة ناسا لعلوم الفضاء الأمريكية ذكرت فيه أنها رصدت جسماً كبيراً يتجه نحو كوكب الأرض بسرعة عالية.
زعمت الوكالة أن حجم الجسم كبير، فقطره يتجاوز المائتي متر وارتفاعه يقترب من الكيلو متر الواحد.
وأضافت أن هذا الجسم لن يحترق- كغيره من النيازك - أثناء دخوله الغلاف الجوي بسبب كتلته العالية وحجمه الكبير.
وأنه لواستمر في مساره فسيصطدم بالأرض وربما يحدث تغييرات كارثية للكوكب و أهله، وربما تتغير محاور الأرض فيصبح القطبين الشمالي والجنوبي مكان خط الاستواء.
وادعى التقرير أن الاصطدام يمكن تغيير سرعة دوران الأرض حول نفسها أو تغيير اتجاه حركتها، فنرى الشمس تشرق من الغرب، ويمكن حتى تغيير سرعة الأرض حول الشمس فتطول السنة أو تقل.
أعلن المرصد العربي لعلوم الفضاء في حلوان أن مصر تقدمت بمشروع للأمم المتحدة لإرسال مركبة فضائية بأذرع ميكانيكية معقدة يمكنها الامساك بالجسم بعد مناورة تطير فيها بنفس سرعته وتذهب به بعيداً عن مسار الأرض.
كلفت الأمم المتحدة وكالة الفضاء العربية في مصر بتنفيذ المهمة، لكن العملية فشلت بسبب نعومة سطح الجسم التي جعلت من الصعب الامساك به فانفلت لا يلوي على شئ، مستمراً في نفس المسار.
قامت وكالة الفضاء الروسية بإطلاق قذيفة نووية على الجسم لتفتيته إلى قطع صغيرة يمكن أن تتفت وتحترق عند دخول العلاف الجوي، تحمل الجسم القذيفة لكنها دفعته بعيداً في اتجاه الأرض.
صوبت وكالة الفضاء الأوروبية شعاعاً من الليزر على مقدمة الكتلة لمده طويلة حتى تبخرت إلى غازات كثيفة كان من المفترض أن تدفع الجسم في الاتجاه العكسي لمسار الأرض أو على الأقل تهدأ من سرعته.
لكن ما حدث كان على العكس، فلقد دار الجسم بصورة جعلت المقدمة في الخلف، و أصبح  تبخر المادة يدفع الجسم في اتجاه الأرض.
وقف العالم كله على شفا الكارثة في انتظار القضاء المبرم، توقع الخبراء أنها موجة جديدة من الفناء، فلقد انعدمت الحياة عليها ست مرات منذ نشأتها، وربما تكون تلك المرة السابعة.
قالوا أن آخر انتحار واجهته الأرض كان في الحقبة الطباشيرية التي قضت على الحياة على الأرض وأنهت أسطورة الديناصورات، وأفسحت المجال واسعاً لنمو الثدييات، وأتاحت للتطور أن يذهب في اتجاه آخر.
يبدو أن الإنسان أسرف في استهلاك موارد الأرض كما فعلت الديناصورات حينما أسرفت في القضاء على الحياة النباتية على الأرض فحدثت الكارثة.
كانا يجلسان على شاطئ النيل، يجلسون قبالة الماء ويعطون ظهورهم للعالم كله، ذراعه على كتفها، يهمس في أذنها بكلمات الحب والهيام، وهي تستند برأسها على كتفه في دلال دون أن تنبس ببنت شفة.
كانت آهاته تلسع وجهها، وهو يئن من الشكوى ناظراً إلى النجوم يبث لها لوعته التي تذيب الصخر.
التفت إلى وجهها قائلاً : انظري إلى القمر، إنه ينظر إلينا، بل أعتقد أنه قادم لنا، لونه يميل إلى الاحمرار، تكبر صورته ويزيد حجمه.
شهقت قائلة : إنه ينقسم إلى أقمار صغيرة، إنه يتناثر، ولكن الكتلة الكبيرة بالفعل تتجه إلينا.
إنه يذكرني بالألعاب النارية في الأفراح والأعياد، إنه بالفعل يتحرك في اتجاهنا والأجزاء الأخرى تتحول إلى أماكن أخرى.
دوى صوت انفجار رهيب تبعتها أصوات انفجارات عديدة في أماكن أخرى وامتلأت الأرض بالنيران هنا وهناك.
اهتزت الأرض اهتزازات رهيبة من قوة الصدمات، وأخرحت أثقالها الساخنة والمنفجرة من الحمم والبراكين.
ارتفعت درجة الحرارة إلى سبعين درجة مئوية لتشوي الأحياء المائية وتبخر المياه، صعدت الأتربة والدخان إلى ارتفاعات عالية فحجبت الشمس وساد الظلام واختفت النجوم وعاشت الأرض في ليل دامس لعدة شهور.
هطلت الأمطار حاملة معها الأتربة المعلقة لعدة شهور أخرى، برد سطح الأرض وبدأت الشمس في الظهر على استحياء.
اختفت جميع الأحياء البرية والبحرية من حيوانات ونباتات، وكأن الأرض على موعد لحياة جديدة .
ظهرت بعض الصراصير والديدان من الأرض لتبحث عن رزقها بعد اختفاء الكائنات الحية لتفسح لها المكان للحياة والتطور من جديد.
فالصرصور يمكنه الحياة بدون أي طعام لمدة شهر كامل،وبدون رأس لمدة اسبوع، ويمكن لقلبه أن يتوقف ساعة كاملة دون أن يقل نشاطه، ويمكن لهذا المخلوق العجيب أن يتوقف عن التنفس لمدة 45دقيقة دون أن يصيبه أي مكروه.. ما تبقى من كل حضارة الأرض ... مجرد صرصور..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق