الصفحات

2015/03/14

"الفراغ" قصة بقلم: عبد القادر صيد

 الفراغ
عبد القادر صيد

  أتقلب في هذه الليلة القاتمة على فراشي من دون ما رعد ، كأنني أدفع فاتورة ممحون غريب رمى الكرة  المشتعلة عنه و لم يقبلها الطرف الأخر فاستهدفتني ، قد تكون  هذه اللقطة ضمن دفاتر تضامن الأرواح  مع بعضها البعض في العهد الذي أخذته على نفسها، أو كأنها من مخلفات سنين اللوعة ، ليست ملكية الأرواح لنا خالصة من دون الناس، ففيها جزء  كبير لنا فيه شركاء لا نعرفهم ،قد يظهرون يوما ما في حياتنا ، و قد لا يظهرون ، و لكن الملموس أن لهم حقا في التصرف في وجداننا ..يمكن لبعض النظرات الغامضة  العابرة أن تختفي هنا أو هناك في إحدى زوايانا المجهولة  لتصدر وقت غفلتنا أصواتا مقلدة  تعبث بعواطفنا  كما تشاء ، و أحيانا كثيرة يصادف انبعاث هذه الأصوات لقاءات عابرة تقرع آذاننا أجراسها  ثم نكتشف أنها بلاغات كاذبة ، ما أكثر البلاغات الكاذبة التي مرت علينا؟!.. هذه المرة تلدني الهموم ولادة قيصرية، و تقطع حبلي السري بمقص يعج بالجراثيم ، و مع ذلك فأنا أرفض أن يغسلوني بماء مختلط بغسيل مساحيق وجه عجوز وقحة.
  أسمع وقع أقدام سكير اعتاد أن يرجع إلى منزله منتصف الليل ، كان من عادته أن يدخل منزله متسللا ، لأنه  محترم و أبناؤه كبار ، لكنه هذه المرة صاح:
ـ تبا لكم جميعا أيها الجيران ..أليس فيكم رجل يقاسمني  ما يضيق به صدري ؟
كنت أنتظر أن ينسكب بشلال  من الشتم اللاذع مثل باقي المخمورين ، و لكنه اكتفى بهذه العبارة ، وحرمني من الانشغال بموضوع حقيقي.. لعله  قد تسكع اليوم و لم يجد خمرا ، أو لعل أبناءه لم يتركوا له فلسا في جيبه .. و لكن ما بالي منشغل به ، فلئن كان حاله يدعو إلى الرثاء ، فما حالي بأقل من حاله ، على الأقل هو يعرف سبب قلقه ..
   أحس بشيء يتربص بي أمام باب حجرتي ، أتفرس في تلك العتمة فإذا هي سجادتي التي  نسيت أن أطويها  ما زالت كالقطة تنتظر أن أربت على شعرها الأملس ، هي من ميراث والدي رحمه الله ،و كذلك حجرة التيمم  التي تغلفت بقشرات من الحنان و الحنين تلمع بها خلايا أصابعه..
  يهزمني الآن الفراغ كما لم يهزمني في أي وقت مضى ، أشباحه تدق طبول الحرب ضدي، وتستعدي عليّ كل الأشياء ، حاولت أن أهادنها ، و لكنها رفضت، فالأمر يفوقها لأنها لا تهادن إلا في النهار ..
   أيها الفراغ الكبريتي المزاج  لن أعترف بأبوتك للمكان، لاتحسبني دونتيشوكي الأنفاس لأحاربك ؟ هيا تلثم بأي قناع   و تعال إليّ و سترى مني ما يسوءك ..أما و أنت سافر وجهك  القبيح بهذا الشكل فلن تظفر مني بشرف المبارزة ، هيا قدّم استقالتك من التفرغ لي و التحق بالخدمة الإجبارية نحو المتسكعين عل أرصفة الاحتراف..تراجع فما زالت بيننا الأيام التي تجرحني و تجرحك ، تراجع و إلا أثرت عليك عاصفة ترابها من غبار مقبرة عائلتنا العريقة في اللامبالاة ، بالله عليك تراجع  حتى لا تخسر صداقتي ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق