الصفحات

2015/04/19

المَكتَبَة المَدْرَسِيّة بينَ الحَرْقِ والتَّطْويرِ بقلم: د. محمد مبارك البندارى



المَكتَبَة المَدْرَسِيّة بينَ الحَرْقِ والتَّطْويرِ
بقلم: د. محمد مبارك البندارى 
إنَّ المكتبةَ مؤسسةٌ ثقافيَّةٌ متكامِلة تَبنى الشَّخصيّة الثَّقافيَّة للفردِ وتبلوِر فِكْره ، وتعمّق قدرَاته الذِّهنيّة والفنيّة والعِلميّة وتطوّرهَا منْ خِلالِ الفِكرِ الجيّد والحوارِ الموضُوعىّ .
ومكتبةُ المدرسَة هى المحْور الذى تتفَاعلُ منْ خلالهِ مختلف الأنْشِطةِ التعليميّة والبَحْثيّة ، وتُعدُّ مَركزًا للإشْعَاعِ  الثقافىّ ، ودَورهَا يُعدُّ بمثَابةِ القَلبِ للإنسَانِ ،  فَهى مُؤشّرٌ لحَجمِ التَّقدُّم أو التَّراجعِ باعتبارهَا الشّريان الحيوىّ لكلِّ ما هُو جدِيد ومُفيد ، ولهَا أكْبر الأثَر فِي تَشجِيعِ الطُّلابِ على القراءة ِ، واقتناءِ الكتبِ ، وهى – أيضًا -  منْ أهمِّ مظاهرِ النَّهضَةِ والتَّطورِ الَّلتين تتميَّز بهمَا المدرسَة الحديثَة ؛ لذلك علينَا أنْ نضعَ المكتبة دائمًا بعينِ الاعتبارِ والاهتمامِ قدْر الإمكَان ، لا أنْ نَحرقَ كتبهَا بأيدينَا .
فالتَّعليمُ هو وسيلةُ الأمَم إلى التَّقدمِ ومعبر الأجيالِ نحو المُستَقبل ، والتَّعليم إلى جانبِ القِراءة يمثّلانِ جناحى الطَّائر المنطلق صَوب المُستقبلِ بكلِّ تحديَّاتهِ وتطلعَاتهِ ،  وبكلّ ما يَحملهُ لأبناءنا وأحفادنا منْ معارف حَديثَة وعُلُوم متطوّرة وأفكَار جَدِيدة .
لذَا رأيتُ لزامًا علىّ أن أبعثَ إليكَ برسالة ، يا أيّها المعلّم الأريب يا مَن يَجرى دم قَلبك حِبرًا أخضرًا وشعرًا مُورقًا بكلّ معَانى العاطفة الجيَّاشة ، يغذّيه شعُورك الصَّادق بآلامِ تلاميذك وآلامِ وطنكَ الحبيب ، تصوّر همُوم مجتمعك وقضايَا أمّتك لأبناءنا وقلبك ينزفُ دمًا ، وعينكَ تدمعُ الأسى خاصَّة في مثل هذهِ الأوضاعِ الراهنةِ الَّتى تعيشهَا الأمّة الإسلاميّة التى أوَّل ما نَزل عليهَا " اقرأ " ، أيّها المعلم يَا من سَكبْت قبسات عَقلك على وَرقك بماءِ النَّثر العذب الموشّح بالمنطقيّة ِوالأسلوبيّة الجميلةِ ، ووسطيّةِ الإسلام  ، أيّها المُعلم الذى تُرشد طلاّبك للمكتبةِ وتدلّهم على الكتبِ التى تتحدّث عن الإسلامِ ووسطيته في مثلِ هذهِ الظُّروف العَصيبَة التى يُعانِى فيها المسلم ويلاتَ الإرهابِ والخرابِ للبلادِ ، ممن استباحُوا الدمَاء الطّاهرة البَريئَة ، والمقدّسات المَحميّة .
يُحاولون بثَّ أفكارهم المتطرفة فى أطفالِنا ، فهم يُريدون اغتيالَ الطفولةِ في مهدِها ، ولم يراعُوا حقًّا لكبيرٍ ولا صَغيرٍ ، يُحاولونَ تشتيتَ أهلِ البلد الواحدة  ؛ لكن ليس من حقّك أن تَحرقَ العِلم ، وعليكَ أن تُسارعَ في نشر العلمِ الصحيحِ ، وتواجِه الفكر بِالفكرِ ، عليكَ أنْ تسارع بنشْرِ العلم وشراءِ الكتبِ المفيدة  للمكتبةِ المدرسيّةِ ؛ لأنَّ الكتابَ لسَان الأمَّة الصَّادق الذى هُو أرْوع من كاميراتِ التَّصوير ، ونَشرة الأخبار المروِّعة المُحزِنة ، رأيى لكَ أيُّها المعلم العزيز ألّا تَحتفظ بشئٍ ممَّا أنتجهُ الفكر الضَّال عن الإسلامِ والمسلمين في الأرففِ المتطرفة في المكتبة إلا وفضحته وعملتَ على محاربتهِ بالكلمةِ الحرّة - أيضًا -  ، افضحْ أيّها المبدع الجميل والمعلم الأمين خِطَط هؤلاء الخَونَةِ ومن شَايعهم وناصَرهم عن طريقِ الكتَاب - أيضًا - ، كنْ بربِّك صَوت الأمّة الجهورى في هذا المكانِ " المكتبة المدرسية " ، كنْ صَوت البلدِ الشجىّ البَاكى العَذب الذى يَبكى شهداءها من الجيشِ والشعب ومظلوميها في سائرِ أنحاءِ القطرِ المصرىّ .
إنَّ الكتابَ يَحوِى بين دفتيهِ العلم ، وليستْ كلّ الكتبِ نَافعة ، فهناكَ كتبٌ خلاف ذلك وهذَا دَور المعلّم  إِرشَاد الطَّالب إلى العلمِ النَّافع ، لكن الكتَاب النَّافع هُو الذى يَجبُ على المَدرسةِ إيداعه في مَكتبتِها  ، والحرص على حثّ الطلابِ لقراءةِ هذا الكتابِ ، فالعلمُ قيدٌ والكتابةُ صيدٌ ، ومن أُوتى الحكمَة وهى العلمُ النَّافع فقد أُوتى خَيرًا كَثيرًا .
إنَّ ما شهدناهُ من حَرقٍ للكتبِ  في مدرسةٍ من مدارسِنا ،  والتبريراتِ التى قِيلتْ من مُعلمى التَّربيَة والتّعليم حول حَرق الكتب يندى لها الجَبين  ، كيف تَصدر من أناسٍ حِرفتهم الكتابة ، إذا كنتم غير قادرين على مواجهةِ الفكر وأنتم أصحاب العقولِ  الراجِحة والبصائرِ الواعية ، وفعلتم هذه الفعلة الشّنعاء التى لا يَقم بها إلا بالبلهاء ، فكيف بعوامِ النَّاس ، أَلَا تعلمونَ أنَّكم تساعدونَ على اتّهام المسلمين بحرق التّراث الإنسانىّ ، فقد اتُّهم عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – بحَرق مكتبة الإسكندرية بعد فتحِ مصر ، وقامَ الكاتب المصرى " العقاد " بالردّ على هذه الفريَة  في سِفرهِ القيّم " عبقرية عمر "  بأسلوبٍ علمىٍّ رصينٍ ، ليكنْ أيّها المعلم قلمكَ سيفًا مسلولًا تُحاربُ به قدر استطاعتك المتطرّف الإرهابىّ ، الذى لم يرعَ حُرمَة دين ولا دَولة ،  ولا تتحَجّج بحجَجٍ واهيَة  ، وتقولُ : مشاعرى الخاصَّة هى التى قادتنى لهذا ! ، فحرق الكتب ليسَ حقًّا مشروعًا لك ،  ولا أرانى أُجانب الصَّواب حينمَا أقولُ : إنَّك أخطأتَ وأذنبتَ حينما فعلتَ فعلتَك النَّكراء ، ومنعتَ نفسك من البوحِ الجرئ لقضَايا الأمَّة وأحوال المجتمعِ عبر الكِتاب ، فهذَا وقتكم يا معلمى مصر يا أحفاد شِيَخة الأزهر المعتدلين ، وأدباء  مصر البارزين وشوقى وحافظ ونجيب محفوظ ... إلخ ، وعلماءها النَّابهِين  ، ويا أَربَاب القلمِ الحُرّ ، لتجاهدُوا في سبيلِ الله بالكلمةِ لا بحرقِ الكتبِ ،
 علينا أن نُساعد على انتشار الكتابِ النافعِ في مدارسِنا ، بتطوير المكتباتِ المدرسيّة وشراء الكتبِ المفيدة التى تُناسب المرحلة العمرية للطّالب ، وعلى أمينِ المكتبة المدرسيّة أن يدرّبَ التلاميذ على المهاراتِ المكتبيّة ، وكيفيّةِ البحث عن الكِتاب ، ويُعطى الطّالب فكرة مبسّطة عن أقسامِ المكتبةِ ، وعمليةِ التَّصنيف وفكرتهَا ، وسجلّات المكتبةِ ، وعلى الإدارة الواعيَة أن تُراقب  العمليات التى يمرُّ بها الكتاب من تاريخِ اختياره للمكتبةِ حتى يَصل إلى الرَّفّ ، ثمَّ إلى القارئِ ، لتجنبنَا هذه الكوارث الفكريّة  ،   فقد كانَ الخلفاء يُساعدونَ على انتشار الكتابِ ببناءِ المكتباتِ مثل "  المأمون " الذى أقام مكتبة المأمون الضّخمة ، وقد كان أبوالطيب"  المتنبى  " شاعر العربية الفحل يأتى إلى دكاكين الورَّاقين ويتصفَّح الكتاب الواحد ويُغلقه وقد حفظه عن ظهرِ قلبٍ ، وهكذا الأدباء كـ " المعرى"  رهين المحبسين الذى امتاز بذاكرة قويَّة ، و" أبوتمام " الذى سافر طلبًا للعلمِ وعمل سقّا بمسجد في القاهرةِ  ليكونَ قريبًا منَ العلماءِ ومنَ الكتابِ النَّافِع .
وقد كانَ أبوعمرو عثمان بن بَحر المعروف بـــ "  الجاحظ  " حريصًا وشغوفًا باقتناءِ الكتبِ وقراءتِها حتّى جاءَ في الآثارِ الأدبيَّة أنّ كتبَهُ التى كانَت في بيتِه سَقطتْ عليه فمَات ، ولولا وجُود الكتابِ الجيّد في شتّى العلومِ والمعارفِ والآدابِ ، ولولا وجُود العلماء الشّغوفينَ بالقراءةِ والكُتبِ لما أثْمر  العلم وتطوّر ، فعلينَا أنْ نحضّ على قراءةِ الكتبِ النّافعة ليَخرجَ  لنا العلماء ، فمُدراسةِ الكتُب وقراءتها ليل نَهار تَحفظ لنَا العلم ، وتُنتج من هذَا الجيلِ علماء جُدد يُنسب إليهم الفضْل في النّهضةِ المأمُولةِ .
وعَلَى أمِينِ المكتبةِ أن يوجّه اهتمامهُ إلى شراءِ مجموعاتِ الكُتب النّافعة  وَتَزويد المكتبةِ بالكتبِ الجديدةِ  ؛ بحيث تكون حيّة متداولة على أوْسَعِ نِطَاق ، ولَيستْ العبرة في ملءِ المكتبةِ بالكتُب وفى زيادةِ رَصيد المكتبة منها فحَسْب ، وإنّما العبرة بمدَى ما تُؤديه هذهِ الكُتُب من خَدماتٍ ، ومقدار ما تُسهم في الإجابة عن سؤال في ذهنِ الطّالبِ ، أو استيفاء بَحث من الأبْحاثِ ، أو حلّ مشكلة من المشاكلِ أو خدمةِ المناهجِ التَّعليميّة ، ثمّ في مدَى الإقبالِ عليها مِن جانبِ التَّلاميذِ والمدرسين .
ولنْ  يتحقَّق دور المكتبةِ المدرسيَّة على وجْهٍ مثمرٍ إلَّا إذَا توفَّر لدَى المُعلمين وعىٌ كاملٌ بأهميَّةِ الكِتابِ ودورِ المكتبةِ وأهدافهَا وخدماتِها ، وإعدادهَا إعدادًا جيِّدًا ، ويجبُ أن تكونَ المكتبة  مزوَّدة بشتَّى أشكالِ أوعيَة المعلومَات ، ويجبُ علينا الاهتمام بتنميَةِ وتكوينِ الاتِّجاهات العقليَّة والاجتماعيَّة لدى الطلابِ عن طريقِ غرس عادةِ القراءة ، والتَّشجيع على القراءةِ الحرّة طبقًا لميولِهم ، وإرشادِهم إلى القراءةِ الصَّحيحة الواعيَة ،  وتعليمهم حبَّ النظامِ والتَّعاون والمبادَأة ، وكيفيَّة تلخيصِ الكتُب ، واستخراجِ العناصرِ الجماليّة منَ النّصّ ،  ونَقْد الكُتُبِ نقدًا سليمًا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق