الصفحات

2015/04/03

البصمة العقلية قصة بقلم: محمد نجيب مطر



البصمة العقلية
محمد نجيب مطر
كان يقرأ في علم الأحياء الدقيقة، استغرقته معلومة جديدة يعرفها لأول مرة رغم أنه متخصص في هذا العلم، زعم أحد الباحثين أن كل خلية جديدة تخلق في الإنسان ترسل إشارة موجية عالية التردد، وكأنها تعلن عن وجودها في الحياة، وترسل إشارة أخرى قبل موتها وكأنها تودعها.
تناول عشاءه الذي تصادف أن كان دسماً على غير العادة، هجم عليه الكرى فاستسلم في سهولة ويسر، أيقظ شخيره من في البيت حتى أن زوجته تركته وأغلقت عليه الباب ونامت مع أولادها في الغرفة الأخرى.
تصبب جبينه بالعرق البارد وهو يرى نفسه في حلم لا يصدق، رأى نفسه يقود مظاهرة ضخمة يهتف فيها بكل قوة والجماهير الملتحمة تردد الهتافات من خلفه وزئيرها يجذب المزيد من المتظاهرين.
هو الرعديد الذي يخاف من الكلب على قمة مظاهرة وجهاً لوجه أمام الشرطة ! إنه يقرأ سورة يسن والمعوذتين إذا تصادف ومر أمام قسم شرطة.
يزداد هدير الجماهير خلفه، فتلقي الشرطة عبوات الغاز المسيل للدموع، تحتقن عيناه ورغم ذلك يجري سريعاً ويلتقط العبوة يلقي بها في اتجاه الشرطة، والجماهير تحييه وتهتف باسمه.
شجاعة لم يعهدها في نفسه، استطاب له الحلم وذهب عنه الخوف لأنه تأكد أنه في حلم ولهذا لن يمسكوا به ولن يحاكموه.
استيقظ على صوت ارتطام عنيف، فتح عينيه فوجد الشرطة أمامه، فرك عينيه في دهشة ممزوجة بالرعب، إنه كان يمطرهم بالأحجار من لحظات في الحلم، فكيف أتوا بهذه السرعة؟
أمروه بارتداء ملابسه على وجه السرعة، ورأى أولاده وزوجته ينظرون إليه في فزع وهم يقتادونه بالقوة تحت تهديد السلاح إلى سيارة الشرطة.
أمام المحقق وقف صاغراً يفكر فيما يمكن أن يوجهوا إليه من تهم، فهو لم ينزل قط في مظاهرة مؤيدة أو معارضة، كله في نظره تضييع وقت، فلا تأييده و لا معارضته يمكنها أن تؤثر في المشهد السياسي.
سأله المحقق : لماذا هجمت على الشرطة وألقيت عليها الحجارة؟
أجاب في فزع : لم يحدث هذا أبداً.. أين ومتى ألقيت بالأحجار على الشرطة؟
المحقق : أنا الذي أسأل .. عليك أن تجيب على أسئلتي ... وإلا ..
تلقى ضربة قوية في فكه ترنح على إثرها ..
--- : لم أشترك طوال عمري في مظاهرة واحدة ..
المحقق : أنت متهم بالاشتراك في مظاهرة دون تصريح والاعتداء على الشرطة بالأحجار.. والاشتراك في تنظيم ارهابي .. يحارب المجتمع ... ما قولك فيما نسب إليك؟
تلفت حوله قبل أن يجيب خوفاً من لكمة أخرى .. ثم قال في بطء..
--- : لم يحدث هذا أبداً ... ربما يكون خطأ في الأسماء.. لم أشترك في عمري لأي تجمع سياسي أو رياضي أو فني ...
صرخ المحقق في وجهه ودق بقبضته على المنضدة فوقع كوب الشاي على الأرض فانكسر فأحدث صوته فرقعة شديدة جعلت المتهم ينتفض من الرعب.
المحقق : هل تنكر أنك من نصف ساعة قمت في الحلم بالهتاف ضد الشرطة وإلقاء الأحجار عليها؟
--- : وهل الحلم تهمة؟ وأين الدليل ؟
المحقق : سجلنا أحلامك هنا ... يبدو أنك تميل إلى المعارضة؟
--- : أنا لا أعارض إلا زوجتي.
تلقى ضربة قوية في الفك الآخر ... ألغت تأثير اللكمة الأولى..
المحقق : الموجات الكهربية التي يصدرها المخ إلى الأعضاء يتم استقبالها هنا على حواسيب، وتتم مقارنتها ببصمة موجات العقل، فكل فرد يذهب إلى أي عيادة أو مستشفى تضاف بصمته العقلية إلى بصمته اليدوية؟
--- : سبحان الله..
المحقق : الدليل على إدانتك هنا..
شغل المحقق الجهاز فوجد صورته واضحة كما كانت في الحلم، وأدرك أنه أحيط به، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، فلو قتل أحدهم في الحلم لأعدموه.
--- : وهل تحاكمون الناس على أحلامهم؟؟
المحقق : لا .. لا نحاكم الناس على أحلامهم... ولكننا نتعرف على ميولهم .. و نواجههم بما عرفنا عنهم حتى لا تتحول الأحلام إلى أفعال ... في كل مرة ستحلم بأفعال ممنوعة سنأتي بك إلى هنا لنؤدبك على أفكارك المنحرفة ..
استيقظ من النوم فزعاً واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق