الصفحات

2015/05/05

قراءة في رواية "انحراف حاد" للمبدع أشرف الخمايسي بقلم: خيري عبدالعزيز

قراءة في رواية "انحراف حاد" للمبدع أشرف الخمايسي
بقلم: خيري عبدالعزيز
انطلاقاً من حاضر, ولوجاً إلى ماضي, ينطلق "الميكروباص" في انحراف حاد من القاهرة إلى أسيوط, غائصاً بنا في زمن روائي يُطلق عليه "الفلاش باك", وهو استرجاع ما حدث وما كان. ولأن "الخمايسي" مُغرم بالسرد المشهدي, فنجد الرواية في كل لقطة تنبض ب"الآن", تتجسم الشخوص والأحداث وينتصبا من زمنهما البعيد, لينكشف للقارئ صراع كل فرد من ركاب "الميكروباص" مع الحياة, لنكتشف أن أغلبهم قابلهم "صنع الله" وأسر إليهم بفكرته عن الخلود, فهو ك "خالد" يؤلمه ويقهره فناء البشر, عمار الأرض, ويريدهم أن يقهروا الموت كما قهره هو منذ آلاف السنين... وكما "الخمايسي" مُغرم بالسرد المشهدي, السينمائي, الذي ينفخ في الكلمات فيُحيلها إلى مشاهد حية تنبض بالحياة, فهو أيضاً مُغرم باللغة, بالمفردات, بالتراكيب اللغوية. الخمايسي استخدم لبناء صرحه الروائي لغة خاصة به وحده, مدموغة ببصمته الجينية منذ "منافي الرب", فالمفردات اللغوية يصنعها الرجل صُنعاً, ويُشكلها تشكيلاً! مفردات رنانة, عذبة, مصيبة كبد الهدف الذي شيدها الخمايسي من أجله. ومن ثم؛ نجد الأحداث فوارة, والشخصيات نابضة حية, تلهث جميعها على الورق, فيضيع الحاضر في الماضي, ويندس الماضي في جوف الحاضر, فتمنح القارئ شغفاً وشوقاً ليتقدم قُدماً حتى صفحة العمل الأخيرة! ونجد أن الكثير من خطوط الدراما تتقاطع في نقطتين: الأولى؛ عند "صنع الله"!! بدا لي أن "صنع الله", هذا النبي القادم من جوف التاريخ, هو من عمل على جمع هذا الحشد الذي آمن بفكرته عن الخلود في هذه السيارة لينقلهم إلى الخلود عبر بوابته الوحيدة! الموت! وبدا لي أنه خدعهم جميعا بأفكاره, فلم يكن هناك جديد في فكرة الخلود عبر بوابة الموت, ومن أجل هذه الخديعة؛ بحث عنه "حميد المجري" ليُمسك بخناقه ويقتص من خديعته في المشهد الأخير من الرواية, ولكن السيارة المنكوبة ابتلعها النهر, وسيارة الأرواح هامت في عالم البرزخ!! هكذا فهمت المشهد الأخير من الرواية... ونقطة التقاطع الثانية هي سوسن, وربما سوسن هي الدنيا, بفتنتها, وزهوتها, وملذاتها, فقد نالت سوسن من الجميع, وأيضاً نالها الجميع! وإن كان الجنس بمعناه المادي, والمتمثل في نوال وسوسن وبائعة المناديل هو أحد أهم العوائق التي تواجه فكرة الخلود التي يُبشر بها صنع الله, وإن كان "خميس" قد قتل نوال ودفنها, فأظن أن صنع الله كان حريصاً أن يأخذ معه في تلك الرحلة سوسن وبائعة المناديل, فلا يمنع أتباعه مانع عن الانقياد لإرادته! وعامة, ومن الملاحظ, فإن الرواية تعج بالمرامي الخفية التي وضعها الخمايسي وحملها على أكتاف شخوصه المنتقين بدقة متناهية, وفي النهاية لا يعلم هذه المرامي تماماً إلا هو! وهذا ما يسمى بالمعنى الباطني للنص... أما في الظاهر, وعلى المستوى الروائي, الدرامي, من حيث الأحداث والشخصيات والحبكة- فالرواية رائعة, وأسلوب السرد المشهدي وتقنيات السينما ولغة الخمايسي العبقرية, كلها أشياء بديعة. نأتي إلى البُعد الفلسفي, لب القضية, قضية "صنع الله" الكبرى, فلا أظن أن الخمايسي أمسك بتلابيبها جيدا, فوجدتها مُرسلة, يتكرر حوار صنع الله مع كل شخصية يقابلها, ولا يحمل بُعداً فكرياً عميقاً كما فعل حجيز وتوغل في منافي الرب! وإن كانت منافي الرب ترهلت (من وجهة نظري) بسبب الاسترسال في "مسار" الراهب يوأنس تحديداً, لتبدو "المنافي" (في نظري) كما سيدة فاتنة سديدة الرأي والحكمة, ولكنها بدينة نوعاً, فإني أجد "انحراف حاد" مشدودة القوام مثل هيفاء سامقة, مثيرة, ولكن بُعدها الفكري لا يضاهي أبدا هذا الجمال الشكلي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق