الصفحات

2015/05/12

الطائر بقلم: عبدالقادر صيد

  الطائر
 عبدالقادر صيد
أيها الطائر الصباحي الطلّة اشتقت إليك ، اشتقت إلى صوتك الثاقب لصمت الذاكرة  كمسمار ذهبي يدق ألواح أرجوحة النسيان،مازالت إلى حد الساعة في أذني رنة نقرتك الخاطفة لحبات القمح ،تحاكي حين تنخطف لأدني حركة التفاتة أنثى العمر في أول لقاء فضي الوجنات  مذهول الرغبات.. ألفتني ،  و ألفتك ، وعلى الرغم من أنني لم أكن أقدر أن أميزك من بين مآت الطيور ، فقد  كنت أعلم أنك أنت أنت من يزورني كل صباح ، أتذكر اليوم الذي توفيت فيه أختي احتراقا ، نزلت و بقيت تحدق فيّ   و رفضت التقاط الحب ، قرأت نظرتك المعزية  و صوتك الحزين ..كأنك مؤذن مستعار . ترى لماذا يكتفي سطحي باستقبال عصفور واحد ؟ لم أجد لحد الساعة جوابا ،في  حديقة العائلة آلاف العصافير بآلاف الألحان ، و لكنها كلها خريجة مدرسة الأحزان ، تشمئز حين تراني ، تزيدني تعقيدا على تعقيد.. أتذكر جيدا ، حينما تركوني لوحدي هناك ..ملأت جيوبي بالحجارة ،  و سلحت يدي بعصا طويلة ، لا غرباء يجرؤون على اقتحام حوزتنا ، إنما الكلاب.. كما تخيف الغرباء تخيفنا نحن الصغار أيضا ، و حتى أتغلب على شبح الخوف كنت أهذي بألحان جميلة ،ليتني تذكرت تلك الكلمات حتى أبيعها في قوارير تداوي صحوة المرايا الخائنة ..كنت أعلم  حينها أن تلك الطيور كانت تقدم تقارير وافية عن كل تحركاتي لنسائم الفجر الآتي .. ربما يأتي يوم أتسلق فيه هذه الجبال التي تحجب عني الأفق ، و أطلع عما كُتب عني ،نعم سأتسلقها ، كما فعلت مع جدار الحديقة المجاورة  ،نزعت عنه الحجارة المغموسة في الطين ، و أدخلت  رجلي مكانها ، و صعدت لأتفرج ، كانت بائسة ، و لكن أجمل من حديقتنا ، جميلة لأن فيها حارسا يقولون عنه بأنه شرير يكره الأطفال الذين يقطفون الثمار قبل نضوجها، ومع بؤسها كانت ساحرة ، كم من مرة قنصت أطيافا تتحرك بسرعة لتختبئ وراء الأشجار ؟ ! لم أخبر بذلك أحدا لأنني اعتبرت ذلك الانكشاف خاصية لي دون غيري، سأكبر يوما و سأعرف كيف أشرحها للناس في غياب  الوجعة الكبرى التي ولدتني استنساخا أكثر من مرة ، أخجل من البوح بها حين تكتنفني هذه الوجعة ثم تلفني كفطيرة وضيعة لمتسكع هاو خجول ..
  أيها الطير قد يكون أحد أحفادك يغرد بعيدا عني ، لكنني سأميز حتما الموجوع الذي نقر رأسه  ، سأميزه و لو اكترى فرقا من خارج الوطن ، سأعرفه من سمته ..من نزقه ..من صمته ..من لغطه ..سأعرفه  من شموع قلبي  و سأصنع له من مادتها الذائبة قلما يكتب به حين يجف دمع فوهات البركان ..
   أيها الطير البريء رفضتُ الأسطورة التي تقول بأنك سقطت شهيدا بحجرة من طفل مشاغب ،لأنني أرٍفض الموت بلا حقد  و لا ثأر ، وأرفض الموت بنيران صديقة ، كما أرفض مرثية بلا أوتار.. سأنتظرك مهما طال غيابك ،  و ستظهر في أحداهن ..في نبرة صوتها ..في بريق عينيها ..في قميصها المقدود  من  قٌبل..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق