الصفحات

2015/06/12

رمضَــــــــــــــان ... قيامٌ وقرآنٌ بقلم: د.محمد مبارك البندارى



رمضَــــــــــــــان ...  قيامٌ وقرآنٌ  
بقلم: د.محمد مبارك البندارى
إنّه الشهر العظيم المبارك ، وأىّ عظمة وبركة في رمضان ! بركات معنوية ومنها مضاعفة الثواب  في رمضان ، وبركات حسيّة في زيادة الطعام والخيرات ،  إنه الشهر العظيم الذى تفتح فيه أبواب الجنّة ، وتغلق فيه أبواب النار ، وتُربط مَرَدة الجنّ والشياطين بالسَّلاسل والأغلال – إكرامًا للمؤمنين الصائمين – لئلا تغوى بنى آدم ....
فرمضان شهر القرآن" شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن " ( البقرة /  185 )  ، القرآن الذى ينظّم لنا الحياة ، كما تنظّم إشارات المرور المرور ، وقد قال عثمان – رضى الله عنه – لو طهرت القلوب لم تشبع من قراءة القرآن ، وقال يونس بن يزيد  : كان ابن شهاب إذا دخل رمضان فإنّما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام .
فرمضان يُعرف بالقرآن ، عكس ما اعتاد عليه بعضُ النّاس من سماع للمسلسلات المتلفزة التى تعرض لأول مرة في ليل رمضان ، وكأنّ رمضان يُعرف بهذا الهراء ،   فهل جعلتَ أخى المسلم   لنفسك تلاوة معينة في رمضان ؟ ؛ لتقتدى بالسلف الصالح – رحمهم الله – فقد كانوا يُكثرون من تلاوة القرآن في شهر رمضان ، فمن ذلك : الأسود بن يزيد : كان يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين ، وكان ينام بين المغربِ والعشاءِ ، وليس معنى ذلك أنَّه يترك القرآن في غير رمضان ، بل كان يختم القرآن في غيرِ رمضان في كلّ ست ليالٍ ، كما كان سعيد بن جبير يَختم القرآن في كل ليلتين .
وختم الوليد بن عبدالملك القرآن في رمضان سبع عشرة ختمة ، وكان يختمه في كل ثلاثٍ ، وهى أقلّ مدة قال بها العلماء ، استنادًا لحديث عبدالله بن عمرو بن العاص – رضى الله عنهما – الطويل في قصة زواجه وقيامه وصيامه ، وفى آخره قول النبى – صلى الله عليه وسلم - ... من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه " ، وليس ثمت تعارض بين الحديث وما نذكره من أحوال السلف والصالحين مع القرآن العظيم في رمضان ن فالمنفى – والله أعلم – في الحديث هو الفهم والفقه فقط وليس ثواب القراءة ، وليس المقصود مطلق النهى عن قراءته في أقل من ذلك .  
فكان قتاة : يختم القرآن في سبع ، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاثٍ ، فإذا جاء العشر ختم كل ليلةٍ .
وأمّا الإمام الشافعىّ محمّد بن إدريس – رحمه الله – فقد كانَ يختم القرآن في شَهر رمضان ستين ختمة ، واحدة بالنهار وأخرى بالليل ، وفى غير رمضان ثلاثين ختمة كلّ شهر ، ولا غرو فهم أصحاب همم عالية ،فالمسلم همته في الثّريا .
وأما إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخارى ّ: فقد كان يختم في رمضان في النهار كلّ يوم ختمة ، ويقوم بعد التراويح كلّ ثلاث ليالٍ بختمة .
وأما قيام رمضان وما يُعرف بصلاةِ التَّراويح  ، فمذ جَمع الخليفة عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – النّاس على إمامٍ واحدٍ لصلاةِ التّراويح والنّاس يؤدّونها في المساجد ، فقد أخرج  البيهقى عن السَّائب بن يزيد أنه قال : أمر عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – أُبىّ بن كعب وتميمًا الدَّارىّ – رضى الله عنهمَا – أن يقوما للنَّاسِ في رمضَان ، فكان القارئ يقرأ بالمِئين ، حتى كنّا نعتمد على العصىّ من طول القيام ، وما كنّا ننصرف إلا في فروع الفجر  " ،  والمِئُون هي السُّور التي يقتربُ عدد آياتها من المائة أو تزيد   ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "  أعطيتُ مكان التوراة السبع ، وأعطيتُ مكان الزبور المِئِين، وأعطيتُ مكان الإنجيل المثاني، وفضِّلت بالمفصَّل" ( حديث حسن: رواه الطبراني في الكبير ) .
وعن مالك عن عبدالله بن أبى بكر قال : سمعتُ أبى يقول : كنّا ننصرف في رمضان من القيام فيستعجل الخدم بالطَّعام مخافة الفجر .
وقال نافع : كان ابن عمر – رضى الله عنهمَا – يقُوم في بيتهِ في شهر رمضان ، فإذا انصَرف النّاس من المسجد أخذ إداوةً من ماءٍ ثم يخرج إلى مسجد رسول اللّه – صلى الله عليه وسلّم – ثمّ لا يخرجُ منه حتَّى يصلّى فيه الصّبح . ( أخرجه البيهقىّ )
وصلاة القيام عمومًا لها فضلها ، فعبّر سبحانه بالقيام لأنه أشرف جزء في الصلاة فقال سبحانه آمرا نبيّه بالقيام " قم اليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا " ( المزمل /2-3 )  ، وعن الحسن البصرىّ : لم أَجد  شيئًا من العبَادة أشدّ من صلَاة في جوف الليل ، ومن عجيبِ ما قرأتُ أن أبا هريرة وأهله كانوا يقسّمون الليل ، فهذا يقوم ، وهذا ينام ، قال أبو عثمان النَّهدىّ : تضيّفتُ أبَا هريرة سبعًا فكانَ هو وامرأته وخادمه يُقسّمُون الليل ثلاثًا يصلّى هذا ثمّ يوقظ هذا ، وكان  شدّاد بن أوس إذا أَوَى إلى فِراشه كأنَّهُ حبَّة على مقلى ، ثمّ يقُول : اللَّهمّ إنَّ جهنَّم لا تدعنِى أَنام فيقُوم إلى مصلاهُ ، وكان طاوس يثبُ من على فِراشه ثمَّ يتطهّر ويستقبِل القبْلة حتَّى الصَّبَاح ، ويقول : طيَّر ذكر جهنَّم نوم العابدين .
نسأل الله أن يتقبل صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا ويعتقنا من النار في شهر رمضان ، اللهم آمين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق