الصفحات

2015/09/30

"حكايات السرير" قصص بقلم : سمير الفيل



حكايات السرير

 بقلم : سمير الفيل

كوب حليب

لقد عادت الدلجة .دخلت ابنة معلمي فزيّــق الباب . تمددت على السرير ؛ فانحسر الفستان عن ساقيها . احتضنت الوسادة القطيفة. غطيتها بملاءة رقيقة وأغلقت زر النور. فيما أنا أهم بالانصراف جاءت أم زوجتي . وجدتني أحدق في الظلمة خارج الغرفة قبل أن أغلق النافذة .
قلت : استريحي .
ردت : علمت بمرضك، ولكن كيف حال ابنتي؟
قلت : بخير .
هتفت : أين هي الآن؟
رددت من فوري : في البيت.
قالت : ذهبت إلى هنـــاك ، ولم أعثر لها على أثر. ماذا تراك فعلت بها ؟
بسطت كفّيّ مستسلما : لا شيء . ابنتك في أمان .
خرجت وهي تغمغم . بعد دقائق عادت زوجتي كاظمة غيظها . قالت إن الازدحام في الطريق لا يحتمل ، وإنها أوشكت أن تختنق من أنفاس الناس الكريهة. زادت : زحام موت.
رويت لها ما حدث . قالت باستغراب : تعرف أن أمي ماتت . صرخت وأنا أراجع نفسي : مستحيل . لقد كانت واقفة في مكانك بالضبط .
سقط كوب الحليب من يدها على الكليم الحائل ، ولم ينكسر .

شباك

وجدت الشباك مفتوحا . دخل فأر يقرقض في بقايا فول سوداني تركته تحت السرير . عندما كف عن قرقضته لمحتها. فأرة بنية الشعر تغمز له بطرف عينها . راحا يصدران أصواتا عجيبة . تداخلت في نفسي : مالي ومال الفئران ؟
كان شيئا غامضا يدور تحت الألواح . عرفت ذلك من الصمت التام الذي كانت تقطعه أصوات أقرب للتزييق . أوشكت أن أميل بجسدي كي أسترق البصر . كنت أعرف أن هذا عيب ، ولكن فضولي غلبني فرأيت ما لا يمكنني البوح به أبدا.

رصاصة

دخلت الممرضة بحامل المحلول السكري . غرست الإبرة في وريدي . بدأ المحلول ينقط : نقطة .. نقطة ..
دخل المحقق ، سألني : من قتلك ؟
قلت ، وأنا أتلفت حولي : أنا في خير حال.
هزني بكل قوته : وهذه الرصاصة التي أخرجها الطبيب من قلبك. هل تكذبها ؟!

إعوجاج

قال مفتش التاريخ إن في عائلتكم ضلعا فاسدا، وإن كل عائلة يقظة لابد لها من بتر هذا الضلع. خلال حديثه رحت أمد يدي بخفاء وأتحسس ضلعي . وجدته فعلا في حالة اعوجاج مخيف . هجمت على مفتش التاريخ ورحت أحاول خلع ضلعه المستقيم ليكون لي : سوف أضع مكانه ضلعي الأعوج . بصعوبة خلصوه من هجمتي الوحشية. بقيت فترة أقارن بين الضلعين تحت طبقات اللحم وأنسجة الأثواب القطنية .

الفاسق

بيده أزاح كل الهدايا التي كانت مصفوفة على " الكومدينو" ، ثم ركل باقة زهور الأوركيدا . سألني بنبرات جافة وهو يحدق في ملامحي بقسوة : أبوك نام مع زوجتي . وجاء وقت القصاص ؟
قلت وأنا في غاية العجب : لكنه مات من زمن فكيف تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ؟
لطمني بكذبته : أنت ثمرة الخطيئة.

حلواني

جاء بصينية هريسة . كانت ما تزال ساخنة ورائحتها شهية تفتح النفس . وضعها بجوار علب الأدوية .
قرصني في فخذي بمودة : " من يرد الدح لا يقل الأح" !
ثم ضحك ، وأقسم برأس جده أن الهريسة بالبندق التركي ، ولابد أن يؤكـّـلها لي بنفسه.
كانت لذيذة ودسمة أما حبات السمسم وقطع البندق فتقرقش تحت أضراسي . بعد أن انتهى أخبرني بصوت يشبه مديته الثلمة التي راح يقربها من عنقي رويدا رويدا: ابنة أختي التي أغويتها قد دلتني على مكانك.
صعقت عندما علمت أنه قد دس لي السم في الهريسة ، وأن المدية التي راح يلوح لي بها لم يكن بحاجة إليها غير انبجاس قليل من الدم قبل أن أصعد.



في خفاء

قدري أن أنام هذه النومة . لا أحد يرعاني . زوجتي فرت وأولادي غادروا البلدة إلى بلاد تنشر الديمقراطية برصاص البنادق . لو أن أمي حية لوهبت عمرها لي ، ولفعلت المستحيل كي يفرح قلبي المكلوم.
قبل أن يأخذني الشرود وجدت امرأة تتخفى في عباءة سوداء كالليل . كانت تتخبط في خيوط الظلمة بعد أن كُسرت فوانيس الردهة . ظلت تسأل عني بالاسم . خطفني النعاس بخدر لذيذ . خدل جسمي فنمت . كانوا قد دلوها على عنبري ، ولما وضعت يدها على جبيني وقاست حرارتي هزت رأسها باطمئنان : إنه بخير ، ولا يخشى عليه .حين يصحو لا تخبروه أن أمه كانت هنا!

ريشة

أخذ حسوة بمنقاره المدبب الدقيق. جاء وهبط على عارضة النافذة . أشرت له أن يأتي حيث أنا ممدد في سريري. لم يطعني. مرت سحابة ثقيلة أظلمت الدنيا على أثرها. في غلالة الرماد وقف على حافة السرير . كيف عرف أنني لما كنت في الحديقة قبل شهرين وجدت الأطفال الأشقياء يصعدون الشجرة ، ويخمشون بأظفارهم العصفورة الأم ؟ هل أخبرته بأنني كنت السبب في أن يكفوا عن عربدتهم حين خلصتها من شرورهم وتحسست البيض بباطن كفي ،واطمأننت عليه قبل أن أهبط ؟
حين اكتمل مرور السحابة رف ، وطار بعيدا . ترك على الوسادة ريشة جد صغيرة . كانت تضيء في الليل ، ولم يكن يراها أحد غيري.

شفاف

جاء قاطع الزجاج ، وأخذ مقاييس النافذة عرضا وطولا . صوب نظرة عدائية لكل من في الغرفة. لاحظت أنه يتجاهلني حتى أنه لم يلتفت إلىّ أدنى التفاتة بل صوب نظرة للجدار خلفي حيث اللوحة التي رسمتها لزهرة برية تنتحب في غموضها البنفسجي قبل مرضي . حين جاء بعد يومين لتركيب لوح الزجاج بادرني قائلا : المرة السابقة لم تكن هنا. وكان في اللوحة زهرة بنفسجية شاحبة . ترى من قطفها ؟

كوب شاي

أزحت كوب الحليب بعيدا ، وأصابع البقسماط. في تلك اللحظة كنت أفكر في كوب شاي من نوع الخرز الذي أحب أن أقلبه مع حبات السكر . الخرز المدور الدقيق في نعومته اللافتة .
طرقتْ الباب ودخلت . رأيت بيدها الكوب الذي تصورته . قالت أنها قادمة توا من حقول الشاي في سيلان . كانت تشبه تماما الفتاة ذات الساري الفستقي بضفيرتها العريضة ، والتي رأيتها آخر مرة ـ قبل مرضي ـ على الغلاف فاقع الصفرة فيما أنا أمر بشارع النقراشي . كنت أود أن أبتاع باكوين، ولم يكن معي أية نقود.
كنسمة آتية من المحيط الهندي جاءت . وضعت كوب الشاي على حافة النافذة بألقها الأمشيري النفاذ ، وفيما هي تغادر اتسعت ضحكتها : لقد سمعتك !

تراث

للجريدة ثلاث وظائف مختلفة. أن تقرأ ما بها من حقائق مغلوطة ، أو أن تقشر عليها سمك البلطي وجبة الدمايطة اليومية ، أو أن تغطي بها جثة الشخص الذي ضربته سيارة حكومية بأرقام مطموسة وفرت.
على سريري وجدت لها فائدتين إضافيتين : إخفاء وجهي الممتعض بزواري الثرثارين ، وأخيرا أن توضع بين ورقتين منها حشرة البق ، وتدهس بالضغط المتوالي بالإصبعين .
حشرة لعينة فرت من بين الورقتين المضغوطتين . بدمها الأسود الثقيل صبغت الحروف . كان أكثرها تضررا تلك الحروف ذات النقاط التي تعب أبو الأسود الدؤلي في وضعها قبل عدة قرون.

احتكاك

احتك ابن عمي بالحارس، وهو قادم بعمود الطعام المصنوع من الألمونيوم. منعه من الدخول ، وحدث أن هرول كي يغلق النافذة المطلة على الردهة ، كما أوصد الأبواب لحرصه على راحة المرضى!
بعد أخذ ورد ، وشخط ونطر ، سمح بمرور نصف الشحنة ، وفيما كان منفردا بالوجبة دخلت قطعة عظم حلقه . لم يتمكن أحد من إخراجها . نقلوه على الفور إلى غرفة الطواريء . دخل ابن عمي بالعمود ، وألقى نظرة على الخارج حيث بدأت الجلبة تهدأ وتراكض الأقدام يخفت كي ينقذوا الحارس من آلامه الغير محتملة . كان يؤكد لي بين عبارة وأخرى أنها لم تكن قطعة عظم بل مسمار بطول أربعة سنتيمترات ، لا يعرف كيف اندس في الطعام رغم أن لا أحد فتح العمود غيره!

المـُـلة

عصاني النوم ، فمددت يدي أتلمس الألواح الخشبية المصفوفة بالعرض ، والممتدة بين عارضتن خشبيتين قويتين.
كانت مثل خطوط السرطان والاستواء والجدي التي تمر بقارة سوداء بلون الفحم . وجدتني أهبط بصعوبة فتلامس أمشاط قدمي برودة البلاط.
رحت أخلع الألواح ، وأحاول أن أمددها طوليا علني أغفو . حين فشلت لم يكن هناك بد من البكاء، وقبل أن تنحدر دمعة على وجنتيّ وجدت القارة تتقلص والألواح تنجح في الاستواء على العارضتين الطوليتين ، وكان أن نمت أحلم بالعبيد يفرون من سجون تلك القارة.


الزاحف

رأيته. وحدي رأيته . يزحف من الخرابة المجاورة لمبنى المستشفى ، ويتسلل نحو شق في الحائط الملاصق لعنبر 15 الذي تم تسكيني فيه . أرتعدت لرؤياه ، وكنوع من رد الفعل غير المقصود وجدتني أصفق بكفي ، وأنا أدعو شخصا لا أعرفه كي يتتبعه : هس .. هس..
رأيته يدفع بلسانه المشقوق خارج فمه . كانت عيناه المدروتان تتحركان حركة دائرية مفزعة .
هو الليل سكن له ، والإبرة تشك ذراعي ، فيما أنا أسير سريري . و" همت " التي قبلتها منذ 21 عاما ، تزوجت وسافرت وأنجبت ، ولما مات زوجها بقيت أرملة ،وربت بناتها وصبيانها على الفضيلة . وجدت صورتها في صحيفة " الأهرام " أما مثالية . قصصت الصورة الورقية ، وضعتها في حافظتي ، وهائنذا الآن وحيد ، أخشى أن يتسلل للغرفة ، فيلدغني : هس .. هس..
أخاف الزواحف والجوارح ، والأنس والجن . أخاف نفسي الأمارة بالسوء . أنصب الفخاخ للبنت " تحية " اليتيمة ، طرية العود كي أظفر منها بلمسة أو ابتسامة ترطب هجير روحي : هس .. هس..
أراه اللحظة ينساب على البلاط البارد . يتحرك نحوي بانتظام عجيب مطلقا فحيحا كاد يشلني . لابد أن أقرأ المعوذتين سبع مرات ، وأنتصب قائما ، مباعدا ما بين ساقي حتى لا يطولني سمه : هس .. هس ..
كم هو الليل طويل وقاس . لماذا أخشى الثعبان وهو لم يلدغني من قبل ؟ لماذا أخشاه : هس .. هس..

وقت

كانت ثريا جارة لنا في بيت العائلة القديم . وجدتها في عنبر النساء تنتظر دورها في استئصال الكلى . لاحظت شحوب وجهها ، ومستني ارتعاشة يديها بدون مناسبة . صعد الدم إلى وجهها وأنا أخبرها أن كل شلة الصبيان بالعطفة قد أحبوها فقد كانت أجمل فتيات الحارة بشعرها الذهبي المقصوص في فتنة . مالت على أصيص زرع بجوار الممشى الضيق .
قالت وهي تهديني وردة : لكنك لم تقل لي وقتها هذا الكلام .
أطرقت ، وهي تستجمع فرح الدنيا كله : معقول .
سألتها وأنا أشعر بقلبها يدق بعنف : الوقت لم يتبدد كله سدى.

الأسود

ظلم الدنيا كله حط على كاهل هذه المرأة التي تعتلي سريرا محطما في العنبر رقم 9 . مات زوجها بعد ليلة الدخلة بيومين ، وحين خلعت الأسود من على جسدها الفائر بعد الأربعين تزوجت للمرة الثانية . سافر زوجها العريس الجديد من ميناء سفاجة في عبّارة متهالكة . وسط البحر انشقت المركب وابتلعه الموج لكنهم أحضروه لها في صندوق .
بين موتين تعيش ، وقد قررت هذه المرة ألا تخلع الأسود بتاتا. خلال شهري علاجها تعرفت على " رزق " ميكانيكي السيارات بالشهابية .أراد أن يقنعها بتجريب حظها مرة ثالثة فرفضت بكل حسم . طوحت رأسها بغضب ـ متحدية إياه ـ وهي تمسح دمعة فرت من مقلتيها : إن كان ولابد تبقى الدخلة بالأسود. وقد حدث هذا بحذافيره ، ولاحظت أن الزوج لم يمسسه سوء !

يوم المغادرة

صعب علي أن أترك سريري رغم أن ارتفاعه العالي كان يؤلمني في الصعود والنزول. وبرودته القارصة تجعل القشعريرة تمسك جسدي فهو من الحديد الصديء المحايد. لكنني قبل ساعة واحدة من المغادرة شعرت به في غاية البؤس خاصة أنني كشفت عريه إذ نزعت ملاءاتي المزركشة التي كنت أتباهى بها على أقراني فبان قبحه . رأيته متقشفا ، بائسا ، وحزينا ، وكنت قد تعودته ، وألممت بمزاياه وعيوبه . كانت تربيتتي عليه تعني أن وقتا مضنيا يمر بي ، وان الخلايا في سبيلها كي تصلح ما بها من أعطاب ، وعليّ الصبر والاحتمال وعليه التأني والانتظار . جاء الأهل فحملوا أغراضي ، وستـّـفوا كتبي في أكياس مذهبة الحواف عليها أحرف إنجليزية معتبرة ولم يلتفتوا لشيء في الغرفة حتى نبهتهم للوحة الزهرة البرية وكانوا ـ المجرمين ـ سيتركونها عن عمد.
وحدي وجدتني ألتفت إليه ، وأسرع الخطو نحوه ، فأستلقي عليه للحظات . بنفس عريه وقبحه المثير للغيظ . شعرت في تلك الهنيهة أنه يمنحني شيئا من الدفء الذي فشلت في الحصول عليه من أسرة أخرى غاية في الفخامة مرت بي ونمت على ألواحها لسنوات . دفء كان يمنحني إياه في الليالي الباردة بحساب دقيق . ملت أتحسس أعمدته دون أن أنبس بحرف فقد كان الجميع يرمقونني في وجوم وقنوط مثيرين للغرابة.

كتبت هذه النصوص فجر الأحد 4 / 11/ 2007





الرابط والمربوط

بقلم : سمير الفيل

على حافة الشرفة البعيدة وقف ديك ذهبي الريش يصيح: كوكو.. كوكو..
وتحت الشرفة مضى شاب نحو عمله فوصل " المغسلة " قبل موعد فتح الباب الحديدي الرئيسي بنصف ساعة. رأى أن يحتسي شايا في " العازق" الذي كنت أجلس فيه بعد أن دفعت المعلوم ، وخرجت بعد فك السلسلة لكي تكون عودتي قبل المرور بوقت كاف ؛ فأرقد على سريري كمريض مطيع ، ملتزما باللوائح والقوانين، والتعليمات الصارمة التي يمكنك أن تطرف عينها بربع جنيه أو نصفه.
في هذا العازق عرفت بشرا كثيرين، وكرهت الفقر كراهية التحريم ، ولم أستسغ كركرة " الجوزة" وأنفاس الحشيش الذي كان دخانه يملأ الجو فيضبب نشرات الأخبار بلزماتها الموسيقية الصداحة.
الشاب الذي يعمل في المغسلة اسمه رشدي، وقد تزوج بفتاة مصيبتها أنها منحته نفسها قبل الزفاف بأسبوعين في " بروفة" مستعجلة غيرت مجرى حياته تماما.
فبعد ضرب الدفوف ونفخ الأبواق وهز الأوتار صعد إلى " عش الزوجية " فوجد أنه قد دفع دم قلبه مقابل شيء ناله بكل سهولة ، وربما لهذا السبب ذاته شعر بأن ثمة خلل قد وقع وعليه إصلاحه ، وهو ما أدى لمضاعفات خطيرة ، منها مثلا أنه لم يستطع بعد الزواج الرسمي أن يفعل شيئا سوى الندب في هدأة الليل ، واختلاس بعض البكاء بعيدا عن الصحبة.
لكنه أصر على معالجة الأمر بالذهاب للشيخ الجنيدي الذي وضع يديه على سر فشله. كان الشاب مربوطا ، ووضع " الربط " أعلى شجرة تين بنغالي في قرية بعيدة بمحافظة نائية هي " الوادي الجديد " .
أقترض رشدي مائتي جنيها، وسلم المبلغ بالتمام والكمال للشيخ جنيدي الذي كان عليه أن يتوصل للجني الذي رفض بدوره استلام أقل من خمسمائة جنيها لأن تكاليف السفر بعد غلاء البنزين قد ارتفعت لما فوق الطاقة ، وبعد مفاوضات مضنية تدخل فيها بشر وجن طيبون تم تخفيض المبلغ إلى ثلاثمائة وخمسين جنيها ، وعلى بركة الله تمكن منها وتمكنت منه ، وجاء الولد بعد عام كامل إذ لا تحسب مدة الانتكاسة وفك المعكوس.
وقد حكى لي شاب المغسلة كل ذلك في الجلسة الوحيدة التي جالسته فيها داخل العازق ولعله فطن إلى أن من حاول إيذائه وربطه كانت الفتاة التي أكل معها ترمسا مملحا في رأس البر ، وفسّحها بفلوكة أمام اللسان ثم هجرها بلا سبب سوى أنه لا يرضى بالزواج ببنت أمسك يدها وركب معها فلوكة في خلوة شرعية إذا اعتبرنا البحر محايدا وبلا عيون أو آذان.
ومن أجل أن ينتهي العكوس كان عليه أن يرتدي ملابسه الداخلية بالمقلوب ، وأن يدخل الحمام بظهره ، ويدس قدميه في خف من وبر الجمل ، وكان عليه ألا يواقع زوجته إلا في الظلمة الخرمس ، كما شرب لترين ماء ابتلت فيها آية الكرسي المكتوبة على رقعة ورق بمداد أخضر. والحمد لله أنه قد أفلح في أن يثبت للعالم كله رجولته بعد أن تعرض لزلزلة تهد الجبال فما بالك الرجال.
حكى لي كل ذلك ونظر في ساعته وقام مستعجلا لدفع حسابه فقط والذهاب إلى مغسلة المستشفى التي لا ترحم ، وكان عليّ أن أعود لسريري قبل موعد المرور الروتيني بدقائق .
كانت رأسي مصدعة من حكاية الربط ، وهو ما دفعني لأن أنام فعلا فور وصولي لسريري ، فيما الإدارة بجلالة قدرها تمر على العنابر للتأكد من راحة المرضى وتفقد أحوالهم في ظل حكومتنا الرشيدة التي بالرغم من جهودها العظيمة في بناء المجتمع وتطويره لم تتمكن حتى اليوم من التغلب على مشكلة الربط وكافة أنواع العكوسات الأخرى!

مساء 4/11/2007

حَدَثٌ مُهِمٌّ بِدَرَجَةٍ مَا قصة بقلم: ياسر محمود محمد

حَدَثٌ مُهِمٌّ بِدَرَجَةٍ مَا
ياسر محمود محمد

يشغلني الآن.. لا أجدُ ذلك ضروريًّا الآن. ربما لم يكن ضروريًّا في أي وقتٍ من الأوقات، ولا حتى الآن.. فقط عليَّ فقط أن أعمل.. أن أكتب.. وما الكتابةُ؟ الكتابةُ حدثُ مهمٌّ بدرجةٍ ما. لكن هذا الحدث لا يلائمني في الوقت الحالي. لا أهرب منه، ولك إن طقسه لم يواتِني في هذه اللحظة.. ولا في هذه الغرفة في بيتي الفقير، في مدينة السويس، تلك المدينة البترولية البائسة –تعوم على محيط لا على بحيرة من البترول- التي تعجز عن منح مرتادها –فقط ممن هم مثلي- عدة وريقات تسد رمقي والعائلة.. عدة وريقات بأي لون من النقود.
أريدُ معقولا بدرجةٍ متعاظمةٍ في معقوليته يلائمُ لا معقولية ما نعيشه، عندي شك بدرجة أو بأخرى أن حدث الكتابة سيأتي.. لكن متى؟! أعبر الشارع المؤدي إلى تل القلزم من ناحية مطعم حسن أبو علي، وقبله كنت لاحظتُ ذلك الرجل مقطوع الساقين وكرسيه المتحرك يبيع عدة مكبات من النرد.. الصفراء والحمراء والخضراء، ويدور بعقلي فجأة خاطر مزعج لأي كاتب.. هل هذا حدث مهم بدرجة ما لكتابة قصة؟!! لعل بائع الحظ هذا هو آخر ما يبتغيه أي كاتبٍ.
***
ماذا عن قصة سميرة التي تحب فلانا ولم يحبها فلان وهربت معه.. وعادت لتتزوجه. لا إنه حدث تافه كثيرا في قصص السذج من قبلي.. ولا يمكن أن يحملَ على عاتقه قصة من النوع الاحدث -.........- أود أن أكتبها.
مداد قلمي عاجز أمام دهشةِ الحياة.. في رمسيس دائما مثلها مثل الأربعين حاليا.. بشر فوق بشر.. أجسادٌ متلاصقة تعبر بجوار بائع الجرائد الوحيد والأخير بجانب المترو (لا.. لا في الأربعين لا توجد هذه العلامة M مترو)، بائع الجرائد الذي لديه شرائط DVD لأفلام السبعينات التي أعشقها وربما أعشق بطلاتها وكذلك لديه جرائد اليوم.. عناوينها مثيرة:
(أرنبٌ يعبرُ من أمام أعلى نقطةٍ في برج الجزيرة)
(لاعب كرة يقرر ترشيح نفسه كنادل في مقهى الفيشاوي لا الذي في القاهرة، بل المواجه لمبنى محافظة السويس)
عدتُ مرة أخرى إلى قصتي ودار بخلدي شعاري الملهب.. أريدُ معقولا بدرجة لا نهائية في معقوليته يلائم معقولية ما نحن فيه!
حسنًا.. إنها عبارة وافية مستوفية، سأجعلها على لسان البطل.. ولكن من البطل؟! لابد أن يلائم هذا الزمان، إنه بطلٌ مكسور أنفه تحت وطأة قدم جبار تليد، بطل هامشي يحلم بنبيذ أحمر مع ديك رومي مطهو كما يظهر في أفلام السينما.
قال البطل: سأعيش!
أجابه البطل الضد: تحلم!
قال صبي الحلاق ودوره هامشي: سنرى وسنتفرج.. وقرب قرب واللي ما يشتري يتفرج!
***
الحياة.. فقط هي الحياة.. الآن وقبل ذلك وربما بعد ذلك.. هي الحياة.. معشوقة كل ما فيها من أسعد إنسان إلى أشقى بائس.. هي الحياة تمنح رداءها لكل من هب ودب، هي الحياة آخرها قبر ضيق لكل من فيها، تجدد روحها مع كل شمس، وتلمح سحرها في غسق كل ليلة.. لكن هل الحياة وحدها تكفيني لكتابة حدث مهم بدرجة ما في قصتي...
لا.. ولا ألف حياة!!
جمهور الدرجة الثالثة يشاهد المباراة، ومن الذي يمنعه؟! حقا إن سيناريو الحياة لرائع وبه لقطات مدهشة...
(الميلاد. الكينونة الأولى. الدهشة. الألم. الفرح. التعرف على أنثاك. القتل اللذيذ. السرقة. التعب من المشي في مشوار ماله نهاية...
من يمنعني أنا من مشاهدة المباراة، "سعاد حسني" تعشقني وأنا أعشقُ امرأة من زمنٍ مغايرٍ.. وأهيمُ بأخريات. أريدُ لحظة صادقة بطعم أغاني عبدالحليم ومنير وأنغام من زمني الحاضر بموسيقى صاخبة تغلفها.. لحظة واحدة متوقفة رسمها فان جوخ في لوحة. أو أكثر من ذلك...)
***
موسم القتل الجماعي قد أتى، من كباري القاهرة يأتي النداء.. تسير المظاهرة تحت أبراجها السامقة، ويعلو صوت العشوائيات "اصحي يا مصر الليل طويل.. بكره هايجي الدور ع النيل" ترتطم بجنبات الشارع الواسع، وتمضي المظاهرة، عربات الأمن تمر بينها لتدهس أي شريد!
طلاب دار العلوم يصرخون ويعلنون رفضهم لكل مطلب لا يتضمن رفع الحصار عن بلدنا والزج بالمارق كلينتون إلى ماخور ماكر على شواربه شرف أمة من النساء.
***
"أريدُ معقولاً بحجم اللامعقول" سيرددها البطل، أنا أرثي لهذا البطل وأعشقه.. بطل قصتي، ولذلك لن أكتبها؛ لأن بطلها لن يستطيع مقاومة سحر التشبه بأبطال قصص القرن الفائت.. القرن العشرين..
سأجعل منه بطلا لحدث مهم بدرجةٍ ما في خيالي.. بطلا من هذا الزمان..


الأربعين – السويس

    ت: 01229720299

اعلان نتائج جائزة دبي الثقافية للإبداع لعام 2015

اعلان نتائج جائزة دبي الثقافية للإبداع لعام 2015
المصدر/ وكالة أنباء الشعر

أعلن الأديب سيف المري المدير العام رئيس التحرير خلال مؤتمر صحفي اليوم بمقر المجلة بدار الصدى بدبي نتائج لجان تحكيم جائزة ” دبي الثقافية للإبداع ” في فروع الشعر والقصة القصيرة والرواية والفنون التشكيلية والحوار مع الغرب والتأليف المسرحي والأفلام التسجيلية والمبحث النسوي العربي وشخصية العام الثقافية الإماراتية وجائزة أفضل كتاب لمؤلف إماراتي

ففي الشعر حصل ناجي علي حرابه من السعودية عن مجموعته ” ما رآه الأعمى” على الجائزة الأولى والجائزة الثانية الى هاني صالح عبد الجواد من الأردن عن مجموعته ” صياد الضوء” والجائزة الثالثة الى سائر علي إبراهيم من سوريا عن مجموعته ” قمح الكلام” والجائزة الرابعة الى حيدر جواد العبد الله من السعودية عن مجموعته ” لحظة غروب الشعر” والجائزة الخامسة الى حسن محمد بعيتي من سوريا عن مجموعته ” كي أعود .. إلى الغناء”.

وفى الراوية قررت لجنة التحكيم منح الجائزة الأولى الى شفيق طارقي من تونس عن روايته ” لافازا” والجائزة الثانية الى حازم محمد صبحي المرسي من مصر عن روايته “الجبيل” والجائزة الثالثة الى كمال بولعسل من الجزائر عن روايته “الركض بسرعة الجرح” والجائزة الرابعة الى غادة محمد محمد عبدالحميد من مصر عن روايتها “الفيشاوي”والجائزة الخامسة الى عبدالباسط زفنيني بن محمد من المغرب عن روايته “القمر الأخير”.

وفى القصة القصيرة قررت لجنة التحكيم منح الجائزة الأولى الى هاني عبد الرحمن القط من مصر عن مجموعته “أتقبل التعازي ” والجائزة الثانية الى حسن باكور من المغرب عن مجموعته “الرقصة الأخيرة” والجائزة الثالثة الى قمر عيسى علي من سوريا عن مجموعتها ” 13 ليلة وليلة ” ومصطفى محمد رشدي من مصر عن مجموعته “الحياة خارج التلفاز” والجائزة الرابعة الى مصطفى تاج الدين الموسى من سوريا عن مجموعته ” 72 عاما ” والجائزة الخامسة الى لارا نجيب محمد من اليمن عن مجموعتها “زرقاء عدن”.

وقررت لجنة التحكيم في جائزة ” المبحث النسوي ” منح الجائزة في هذه الدورة إلى المبدعة سحر خليفة لما لها من مساهمات في التدريس والترجمة والنضال النسوي والعمل النقابي والإداري الثقافي والإعلامي خاصة الاجتماعي.

ومنحت جائزة أفضل كتاب للمؤلفة الإماراتية ليلى محمد يوسف البلوشي عن كتابها السرديات النسوية الحديثة في الإمارات : مقاربات نقدية في الرؤية والتشكيل في حين

وفى الفنون التشكيلية قررت لجنة التحكيم منح الجائزة الأولى الى منال أحمد الشريعان من الكويت وشروق كمال بشناق من الأردن والجائزة الثانية الى إسماعيل الرفاعي من سوريا وجهاد العامري من الأردن والجائزة الثالثة الى محمد هدلا من سوريا والجائزة الرابعة الى مغناجي أحمد من الجزائر والجائزة الخامسة الى علي عبدالرضا سعيد الشمري من العراق.

وفى الحوار مع الغرب منحت الجائزة الأولى الى عمر إبراهيم التاور من المغرب عن بحثه ” الحوار العاقل في نصرة العاقل مع الغرب” والجائزة الثانية الى عقيل حبيب عبيد من العراق عن بحثه “تمثلات العلاقة مع الغرب في الخطاب الفكري العربي – سيكولوجيا الحوار مع الغرب”والجائزة الثالثة الى محمد عبد العزيز منير وهبة من مصر عن بحثه “كيفية محاورة الغرب ثقافيا وإعلاميا والجائزة الرابعة الى حسام صبري محمد من مصر عن بحثه “كيفية الحوار مع الغرب ثقافيا وإعلاميا”والجائزة الخامسة الى ياسمين أحمد أنور من مصر عن بحثه “التربية وأزمة الحوار الثقافي العربي الأوروبي”.

وفي التأليف المسرحي قررت لجنة التحكيم منح الجائزة الأولى الى عمر صوفي محمد حميدة من مصر عن نصه “همس العصافير” والجائزة الثانية الى وديعة ميشيل فرزلي من لبنان عن نصها “الذكرى السنوي” والجائزة الثالثة الى يوسف شعبان محمد يوسف من مصر عن نصه “قانون الطبيعة”والجائزة الرابعة الى هوشيك غزاريان هوفسيب من سوريا عن نصه “هو الذي رأى”والجائزة الخامسة الى محمد عبدالله فؤاد ربيعى من مصر عن نصه “الغريب”.

وفى الأفلام التسجيلية منحت الجائزة الأولى الى لبنى ظافر محسن من تونس عن فيلمها “فنار الروح” والجائزة الثانية الى إبراهيم عمر صالح من السودان عن فيلمه ” نانسي .. بنت عادية” والجائزة الثالثة الى محمد مأمون عبد الحميد من مصر عن فيلمه “بطل باللمس” والجائزة الرابعة الى آلاء أنور حمدان من الأردن عن فيلمها “قيد الإنشاء”والى الجائزة الخامسة الى مها محمد جمعة الهناوي من الإمارات عن فيلمها “نسخ ولصق”.

وتبلغ قيمة الجائزة 150 ألف دولار موزعة على فروع جائزة الشعر وجائزة القصة القصيرة وجائزة الرواية وجائزة الفنون التشكيلية وجائزة الحوار مع الغرب وجائزة التأليف المسرحي وجائزة الأفلام التسجيلية إضافة إلى جائزة المبحث النسوي العربي وقميتها 10 ألف دولار وجائزة أفضل كتاب لمؤلف إماراتي وقيمتها 4 آلاف دولار ويمنح الفائز الأول في كل فرع من فروع سبعة آلاف دولار أميركي في حين تبلغ القيمة المادية لجائزة شخصية العام الإماراتية ثقافيا وإبداعيا 10 آلاف دولار أميركي وتمنح لمثقف ومبدع إماراتي أثرى الحياة الثقافية في الإمارات والعالم العربي بإبداعاته المتميزة.

وبلغ عدد المشاركات في محاور الجائزة 579 مشاركا ومشاركة توزعوا على البلدان العربية من مصر250 وسوريا 60 والمغرب 41 واليمن 39 والجزائر 35 والسعودية 30 والعراق 24 والأردن 23 وتونس 19 ولبنان 17 و السودان 11 وفلسطين 10 وسلطنة عمان 7 و الإمارات 5 والبحرين 3 والكويت 3و قطر 1 وليبيا 1 .

ياسر محمود ومجموعته عروسة ورق(تخزى العين) بقلم: د.رضا صالح

ياسر محمود ومجموعته عروسة ورق(تخزى العين)
 بقلم: د.رضا صالح


كاتب سويسى تخرج فى كلية الآداب قسم اللغة العربية جامعة القاهرة عام 1999 ويعمل مدرسا للغة العربية ؛وهو عضو اتحاد الكتاب .
مجموعة قصصية صدرت عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ؛بعد الاهداء يتحدث ياسر محمود قائلا(تراودنى الذكريات ؛تغتالنى التفاصيل وأنات العمر ؛تمضى بلا هدف فى رحلة الحياة).
ولكن الكاتب جعل منها ولها هدفا ضمنيا وسط السطور ؛بالرغم من انه لم يتمادى مع التفاصيل أو يشرحها لنا لنا..تلك التى تغتاله مع أنات العمر ولكنها واضحة جلية ,مشعة تبلورت من خلال تلك الاضاءات أو التلميحات أو القصص القصيرة التى نسجهاو أمتعنا بها ياسر محمود على مدى حوالى مائة صفحة .
ونتحدث عنها هنا فى عجالة ؛يجىء الكتاب على هيئة بوحين ؛البوح الأول والثانى ؛ ثم يأتى البوح الثالث والأخير وهو بوح الثورة.
أما البوح الأول فيشمل أقاصيص صباح جديد والحب العجيب ومستنقع ودراجة نارية والرجل والفضيحة! واقصوصة الغربان وقلق والموت ومغنى البوب الوحيد..وثقة عمياء ولحظة عابرة وجثة ولعبة  وعيونها وصورتك و هى امرأة وسوق العيد وسعاد حسنى  وكنا طلابا فى المدرسة الثانوية وهى ممتعة مثل السندوتشات السريعة ربما لسرعة ايقاع هذا الزمن ؛تستغرق الواحدة منها صفحة أوربما أقل من صفحة واحدة اللهم الا القليل الذى تجاوزت الصفحتين أو الثلاث أو الأربع صفحات
ويشتمل البوح الثانى على أقاصيص شريط القطار ودراما الأحذية الجوفاء وعناقيد العنب وبائع الحظ وحالة باركنسون وغيرها وقد يلفت الانتباه الاسقاط الموجود فى قصة "حدث فى محطة مترو المستقبل" وقد تخيل ياسر محمود أن قطار المستقبل يسير مسرعا غير عابىء بالعرب – ويشير اليهم باعلان المياه الغازية والجلابية و العقال – وهناك رجل فى المحطة يعتمر طاقية صغيرة فوق رأسه بينما  يمسك بخناق رجل ضعيف والناس تربت على يد هذا الرجل القوى الذى يعبث بدوره فى جيوبهم – هذا هو التشبيه المؤلم لوضع العرب والذى لم يظلمهم الكاتب لأن قطار المستقبل يتركهم ولا يعبأ بهم !

أما فى بوح الثورة –وهو البوح الثالث - يحدثنا عن الوطن فوق كرسى متحرك ؛نعم الوطن مشلول الحركة (خالد سعيد المصرى )يمثله جالسا على كرسيه فى شارع قصر العينى وهو ينظر الى صورة الزعيم بلا مبالاة ؛بل وبسخرية ؛وسارع الى الميدان الذى كان يعج بالبشر ؛ومازال يلوح بكوفيته حتى خيل اليه أنه يمشلى فى كل شوارع مصر على قدميه ؛بل ويطير وسط جموع المصريين.

وفى قصة(كنا معا فى الميدان ) تقابلا فى الميدان ونشأ بينهما حب أسفر عن (  طفل بلون الحياة) – ولد فى وهى  جملة جميلة أعجبتنى  كنت أحب أن يطلق الكاتب على الأقصوصة تلك التسمية (طفل بلون الحياة).
أما قصة النبوء فهى على لسان الزعيم الأسبق ؛يتحدث وهو فى المستشفى يعانى من البارانويا ؛وقارئة الطالع تأتى له بأخبار سيئة ,فأراد أن يغير تلك المرأة ( المجنونة) ويسب هذا الشعب (الخائن) ؛والبلد(المنكود) الذى يتمرد على زعيمه,تلك هى النبوءة!
الرجل والصوت
 فى هذه القصة يتكرر حضور صوت يهاجم الزعيم الأسبق, الخوف مزروع فى قلب الزعيم وهو على وشك الدخول فى سرداب من تلك السراديب المظلمة يطالبه الصوت بالرحيل ؛يخاف على أولاده,ويأتيه صوت الصدى –أو صوت الضمير - معلقا :وأولاد الناس؟ألا تخشى عليهم ؟ ومن عمق الخوف تأتيه كلمات الرحيل ..الرحيل ..والشعب يريد اسقاط النظام!

عروسة ورق
اختار الكاتب اسم الشهدين محمد بو عزيزى –التونسى ؛وخالد سعيد المصرى وحاول اضفاء نوع من الاجلال لشانهما – وهو اجلال يستحقانه بالطبع- من خلال تخيل أن قريبتهما السويسية وتسمى أسماء- والسويس هى التى انطلقت منها شرارة الثورة - قد خافت على ابنتي الشهيدين من اصابتهما  بالحسد مما يكسر الثورة ويهيض جناحها؛وتعاونت معها جدتها بخيتة –وهى رمز لإيمان الصغير والكبير بالثورة –تعاونت مع حفيدتها فى محاولة لابعاد الحسد عن جسد الثورة ورأسها
وفى النهاية يقول الكاتب على لسان أسماء :
عروسة ورق تخزى العين
ياعليا محمد بو عزيزى
ويا أمل خالد سعيد!
***
د.رضا صالح

عضو اتحاد الكتاب -السويس

2015/09/29

مسابقة الشاعر محمد عبد المعطي لأدباء الفيوم في شعر العامية

 مسابقة الشاعر محمد عبد المعطي لأدباء الفيوم في شعر العامية
يعلن نادي الادب بقصر ثقافة الفيوم وأسرة الشاعر الراحل محمد عبد المعطي عن المسابقة السنوية لشعر العامية في دورتها الجديدة
الشروط والجوائز
يتقدم المتسابق بثلاث قصائد عامية لم يسبق نشرها في أي كتاب
يتقدم المتسابق بثلاث نسخ لكل عمل
لايزيد سن المتسابق عن ٣٥عاما مع صورة البطاقة والسيرة الذاتية
المسابقة قاصرة علي أبناء محافظة الفيوم
آخر موعد لتسليم الاعمال ١٠/٢٥
الجوائز
الاول ٥٠٠جنيها بالاضافة لشهادة تقدير
الثاني ٣٠٠جنيها وشهادة تقدير
الثالث ٢٠٠وشهادة تقدير
يمنح الرابع والخامس شهادتي تقدير تسلم الاعمال للاستاذ محمد الشربيني مدير قصر الثقافة
الروائي محمد جمال الدين رئيس النادي
حظ سعيد للجميع

أبطال وحكايات أكتوبر.. كتاب السيد نجم للطفل



أبطال وحكايات أكتوبر.. كتاب السيد نجم للطفل
صدر الكتاب الرابع عشر فى مجال أدب الطفل للكاتب والروائى السيد نجم بعنوان "أبطال وحكايات أكتوبر"، ذلك بمناسبة الاحتفال بانتصارات أكتوبر هذا العام 2015م.
يرى السيد نجم أن الاحتفال بهذا الانجاز التاريخى من أهم ما يمكن مخاطبة الصغار حوله، حيث يحقق الانتماء والاعتزاز بالوطن وقيمه، وهى أهم التوجهات اليوم حيث يتعرض الصغير لمفاهيم العولمة ومؤثراتها التى قد تقلل من مشاعر الانتماء والذود عن الاوطان.
يتضمن الكتاب مجموعة كبيرة من الاحداث التى تمت منذ الشهر الاول بعد نكسة 67، حيث كانت معركة "رأس العش"، وفيها تحقق أول انتصار للجندى المصرى بعد أحداث الستة أيام الحزينة.. والحقيقة تحقق أول اشتباك فعلى وحقيقى بين الجندى المصرى، والعدو فى معركة على الارض.
كما تتضمن الكتاب معركة إغراق المدمرة إلات أكبر الوحدات العسكرية البحرية فى اسرائيل فى تلك الفترة، والهام هنا هو أن تم إغراق المدمرة بكل ما تتضمنة من قوة تدميرية بواسطة صاروخ سطح-سطح وهو الذى تم استخدامه للمرة الاولى فى العالم فى تلك المعركة.
تكثر المعارك وتتعدد الاسماء، بداية من القيادة السياسية فى تلك الفترة حيث كانت أوامر الرئيس جمال عبدالناصر هو إعادة تأهيل وتشكيل الجيش المصرى خلال ستة شهور، فما كان من الفريق محمد فوزى القائد العام ووزير الحربية فأن انتهى من المهمة فى ثلاثة شهور.
فكانت حرب الاستنزاف التى شارك فيها كل القادة العسكريين: أحمد اسماعيل على، الجماسى، محمد على فهمى، أبوغزالة.. وغيرهم.
ويتوقف الكتاب مع نماذج الفذة التى أخلصت كثيرا فى نضالها حتى تحقق النصر، منهم: الفريق عبدالمنعم رياض، وهو الذى أستشهد على خط القناة بينه وبين العدو أمتار قليلة، المقدم حسنى حماد الذى استشهد فى معركة جزيرة شدوان، بعد أن قاتل مع جنوده ليومين القوات الجوية والبحرية والقوات الخاصة الاسرائيلية دفاعا عن أرض الجزيرة.
كما توقف الكاتب مع الفريق الشاذلى صاحب خطة "المآذن العالية" وهى خطة العبور فى 73.. وهو من أدار المعركة تحت قيادة الرئيس أنور السادات.
بينما لم يغفل الكتاب بعض الجنود وصغار الضباط الابطال، مثل الرائد باقى زكى يوسف صاحب فكرة استخدام مضخة المياة لشق الساتر الترابى على الضفة الشرقية.. ثم العقيد أحمد حمدى المهندس الذى اشرف على انشاء المعابر حتى استشهد فى حينه.
أما الاسطورة العسكرية "ابراهيم الرفاعى" قائد المجموعة 39 ورجاله فلهم دورهم الخالد.. أما "اسد سيناء" "سيد زكريا" الجندى الذى تعامل وحده مع قوة كبيرة من الاعداء حتى اعترف العدو ببطولته.. أما "عبدالجواد سويلم" فقد ذراعه والقدم اليمنى أثناء حرب الاستنزاف، لكنه خرج من المستشفى وعاد وحدته العسكرية أثناء بداية أكتوبر73 وشاركهم المعركة.. وهو من بكى الرئيس عبدالناصر عند زيارته فى المستشفى، عندما قال الجندى أنه سوف يعود للمعركة وهو الذى فقد ذراعه وقدمه، ثم قال للفريق فوزى: "اذن سوف ننتصر لان عندنا مثل هذا الجندى".
وهو ما تحقق بعد سنوات.
*********

جماليّات الصّورة الحسيّة والأيروسيّة في قصّة "الضّياع في عيني رجل الجبل" لسناء الشّعلإنّ بقلم: عباس داخل حسن



جماليّات الصّورة الحسيّة والأيروسيّة في قصّة "الضّياع في عيني رجل الجبل"(1) للدّكتورة سناء الشّعلإنّ
بقلم الأديب النّاقد: عباس داخل حسن
Tampere-Finland

إضاءة:
    إنّ قصص الحبّ تبقى قصص خالدة مادام الإنسان هو صاحب المركز الأسمى في الكون،وقصص الحبّ قصص تفاعليّة؛لأنّ البشر لديهم ذات المشاعر والغرائز والأحاسيس،فهذا النّوع من السّرد القصصيّ يلهب مشاعر القارئ في تجاربه،ويخرجها إلى فضاء الحريّة "التّخيلة" الطّاهرة بدلاً من الحجر المدنّس " الكبت" .لا سيما أنّ الكبت أصبح من سمات الشّرق المقموع بتابوات سلطويّة متعدّدة،وهذا المنع يصبح مرغوباً فيه ومثيراً للذّة،إضافة للذّّة النّص نفسه وفضاء لكسر التابو والتّوق للتّعبير عن حقّ خصّ الرّجال دون النّساء بسبب رغبة التملّك العارمة والسّلطة الذّكوريّة " السّلطة بديل الحبّ" .ويقول الرّوائي وكاتب السيّرة والمؤرّخ إندريه مورو (1885-1967) :"إنّ الأعمال التي يلهمها الحبّ لابد إنّ تبقى مازال هناك في هذه الحياة متسع للحنان والجمال" .
    ما لا يستطيع العلم تفسيره هو كيف ومتى يبدأ الحبّ،لكنه يبقى من أسمى المشاعر الإنسانيّة وأرقى الحالات الوجدانيّة على وجه الأرض،ومن دونه لا تستمر الحياة إنّ الحبّ أساس الانسجام واللّذة،ويرتبط بالرّغبة وأساس العلاقات الإنسانيّة.
    الحبّ والعشق ثيمتان رئيسيتان وحجر الارتكاز في أغلب أعمال الأديبة سناء الشّعلان،ممّا يزيد من متعة  السّرد القصصيّ التي تستخدم فيه طاقة تخيلية نافذة،وتفتح أبواباً متعددة حول موضوع الحبّ  ومزج الواقع بالخيال بميكانيزم السّرد بعيداً عن الاختلاق الفنتازيذ.ويقول الرّوائيّ غابرييل غارسيا ماركيز "إنّ أجمل ما يحبّه الأطفال هو الخيال في القصص،وليس الاختلاق الفنتازي،إنّ الفرق بين الأسلوبين مثل الفارق بين الكائن البشريّ والدّمية التي تتكلم من بطنها" .
 السّبب الوحيد الذي يجعل القارئ يعيد قراءة أيّ نصّ أدبيّ لمرات عديدة هو الأسلوب الذي يتطابق مع الأنسنة على الرّغم  من إنّه مكتوب بخيال الكاتب  وتكنيكه الخاص.وهذا ما تجسّده قصة "ضياع في عيني رجل الجبل".وجعلت شخصيّة بطلة القصّة هي شخصيّّة الكاتبة  لخدمة الخيال السّرديّ في جعل بطلة الحكاية أكثر حيوية ومقنعة بقوة،كلّ ذلك يحدث بفضل الخيال.وقصص الحبّ ليس ظاهرة إنسانيّة تعود للأمس القريب،بل هي ظاهرة منذ أن وجد الإنسان على وجه الخليقة .
     "إنّ الإبداع والأصالة لا تنحصران في أفكار جديدة،بقدر ما تنحصر في التّأليف بين أفكار قديمة،أي أنّنا نعيد ذواتنا والآخر بشكل جديد" (2) .
   والحبّ يتحقّق في الآخر من الوجود ،ويقترن بالجنس،وأنسنة الجنس هي عملية لا يمكن أن تنتهي على الإطلاق؛لأنهّا ديمومة الوجود البشريّ،والإشكاليّة التي تعترض الحبّ والجنس الاختيار والحريّة.و بات عندنا من المحرمات على الرّغم من أنّ الهنود كانوا يمارسونه بوصفه طقساً عبادياً مقدّساً و"الكاما سوترا " فن الحبّ عند الهنود" أو "حكم الرّغبة الجنسيّة" مثال يدرّس في العالم كلّه بوصفه أساساً للأيروسيّة والجنس.والتّراث العربيّ زاخر  بالكثير من المؤلّفات من هذا الضّرب؛لأنّهت من ثقافة المجتمع السّائدة آنذاك،وهي غير محرّمة أو مبتذلة،وهناك مئات المخطوطات في هذا الضّرب،لم يحقّق أو ينشر منها إلاّ عدد محدود جدّاً،ولو ذكرناها لهالنا العدد الكبير جدّاً،وضاع أضعاف ما موجود على سبيل الذّكر لا الحصر: تحفة العروس،الرّوض العاطر في نزهة الخاطر ، وتنوير الوقاع في أسرار الجماع،نزهة الأصحاب في معاشرة الأحباب،رشف الزّلال من السّحر الحلال.
    وقد ألّف كبار علماء الدّين في هذا المجال،منهم ابن القيم الجوزية وابن حزم الظّاهري ومحمد النّفزاوي واحمد بن يوسف التيفاشي ونصر الدّين الطوسي،كما ألّف الأمام جلال الدّين الأسيوطي ما يناهز 25 مؤلفاً تتعامل مع المسائل الجنسانيّة،كما ألف الكثيرون غيره في هذا الحقل المعرفيّ الذي يرى فرويد أنّ الدّافع الغريزيّ الأساسيّ للأفعال النسانيّة،وبدلاً من دراستها وإخضاعها إلى علم النّفس والطّب والصّحة باتت محجور عليها،وتُقرا كممنوعات مهربة بين أيدي الشّباب العربيذ دون إخضاعها للتنقيّة والتّطور العلميّ والمعرفيّ،ودحض ما علق بها من مغالطات كثيرة جدّاً،كما أنّها انطوت على صواب كبير في معرفة علم الجنس الذي سبقنا به المتقدمين وبقية الشّعوب التي أولته أهمية كبيرة في الدّراسة والتّصنيف.
    لكن مع الزّمن أصبح الحبّ والجنس من المحرّمات الثّلاث "الدّين والسّياسة والجنس" ،وعلى المرأة تجنبه ولو بوحاً أو كتابة نتيجة للانّحطاط والتّراجع الحضاريّ الذي شوّه المجتمع العربيّ،وبات مجرد التّعبير عن بعض الموضوعات  فعل محرم،وبدا التّحايل على هذا الكبت من خلال الرّمز والإيحاء والإعتام المتعمّد حتى عند الذّكور .
    تقول الأديبة سناء الشّعلان في إحدى لقاءاتها المتلفزة "إنّنا أمّة تعاني من كبت نفسي وأمراض شتّى" وهذا مرده لمنع البحث عن الذّات بحرية ومعالجة أمراضنا بمعرفة علميّة،وعلى رأسها الجنسيّة التي عدّها أفلاطون هبة الآلهة للإنسان وطريق التّشويق إلى الخير والخلود .
    والمنع غير مستند إلى أيّ شرعيّة أو مرجعيّة أصيلة وواضحة من السّلطات المتعدّدة التي تختبئ وراء طهارة مزيفة واستبداديّة طاغية حاولت سبغه بالابتذال والانّحطاط والإنكار والأثميّة،وهذا متأتّي من جهل معرفيّ وفلسفيّ متراكم ونكوص في البحث العلميّ والفلسفيّ والأنثروبولجي ...إلخ. 
     بدأت المرأة تخوض معركتها في ظلّ هذا المشهد المتشابك والمعقّد   بأسلحتها النّاعمة من خلال الكتابة والكلمة فتقول سناء الشّعلان:" لا أستسلم للصمت والخوف وأحتال على البطش، لكنّني أصمم على أن أقول ما أؤمن به،ولو اخترقت التّابوات كلها،ولكنّني أؤمن بأنّ الحرب النّاعمة أكثر إيلاماً وجدوى في عالم الأدب في حين أنّ المواجهة الكاملة هي نوع من التّعري الفجّ الأحمق لا مبرر له في جلّ الحالات.إنّ الأدب التي تنتجه المرأة في المشهد العربي يشبه حالها وفكرها وتكوينها وظروفها " (3).
    إنّ قصة "الضّياع في عيني رجل الجبل" تمثل كسر للاحتكار الذّكوريّ في الحبّ الذي تستبد فيه الرّغبة والتّوق النّفسيّ  الذي لا يكتمل دون الأيروس،وفي ذلك يقول الكاتب البيروفي مارغو فارغاس يوسا " إنّ الأيروسية نزع صفة الحيوانيّة عن الفعل الجنسيّ "،وهذا على درجة كبيرة من الصّحة،ولو اطلعنا على الميثولوجيا الإنسانيّة عند الشّعوب كلّها لوجدنا أنّ الأيروس هو إله الحبّ والرّغبة الجنسيّة والخصب،ولم يك مبتذلاً،بل كان من المقدّسات.
مدخل وحيد للنّص:
      "يشكل العنوان عنصراً أساسيّاً في النّص لا سيما في النّص النّثريّ،فهو المفتاح الإجرائيّ الذي يمكن من خلاله الولوج إلى عالم النّص،وكشف أسراره "(4)،وله قيمة سيميولوجيّة في توصيف النّص واختزال المضمون." ويعرّف ليو .هـ .هوك  مؤسّس علم العنوان الحديث إنّ العنوان مجموعة من اللسّانيّة التي يمكن إن تُدرج على رأس نصّ،فتحدد وتدّل على محتواها العامّ،وتغري الجمهور المقصود بقراءته .
   ويجتهد الكاتب في اختيار عنوان يلائم المضمون لاعتبارات فنيّة وجماليّة ونفسّية لجعل القارئ يسير تبعاً لمقصديته.العنوان هو الباب أو المدخل الوحيد للنّصّ.
   ومن الملاحظ في كلّ أعمال الأديبة سناء الشعلان  اهتمامها البالغ بصياغة عناوين نصوصها السّردية بدقة،حيث توليها عناية كبيرة من خلال الإيحاء والتّلميح والمجاز الذي تقول عنه الرّوائية الأمريكية "آن لاموت " :"المجاز أداة لغويّة عظيمة؛لأنّه يشرح المجهول عبر قواعد المعلوم،لكنّها لا تعمل إلاّ إذا  كان لها صدى في قلب الكاتب .
    وينتج من العنوان منتج دلالي من خلال قدرته الإيحائيّة التي تسهم في استشراف للنّص،ومن هنا جاء عنوان قصة " الضّياع في عينني رجل الجبل ".
    والضّياع مفردة لها إيحاء سايكولوجيّ،ودلالات متعدّدة،فالضّياع يمثّل الضّلال والتيه والاغتراب،وهو يمثّل عجز الذّات المشتّتة والمحرومة،لكن هذا الضّياع في عيني رجل الجبل يوحي بأنّه حالة حبّ بين بطلة القصّة ورجل الجبل.وللعيون هي الأخرى دلالات نفسّية في الثّقافة العربيّة التي تعدّها امتزاج وإشباع عاطفيّ،وللعيون لغتها الخاصّة وإشاراتها التي يفهما العاشق ومن خلال هذا الضّياع إرادة العاشقة أن تصل إلى الثّبات والإيمان والحكمة التي يرمز لها الجبل،وكأنّها تريد القول إنّه من خلال الحبّ وحده يتخلّص الإنسان من متاهاته وحيرته.وهذه الحالة تنازعيّة في النّفس الإنسانيّة "الثورة" ضروريّة لاستمرار الحياة،وهي طبيعة الوجود بأسره .
    فحقّق المجاز فعله في هذا الصّراع النّفسيّ بين الضّياع والإيمان   تعبيراً عن فكرة جماليّة خيرة تتحقق بعاطفة وجدانيّة مشتركة عند البشر "الحبّ" ، بتعبير آخر إنّ الحبّ وحده من يخلّص الإنسان،وليس هناك قوة قادرة على خلاصنا من الضّياع تماثل قوة الحبّ للحياة والآخر والكون  .
   "يهبني دوراً جميلاً يكتب بأريجه حدثاً كونيّاً  فلكيّاً وجوديّاً،تصبح أصوات الغابة ونداءآت الطبيعة وغريزة الاشتهاء "(5)
   " رائحتكَ خليط من برد الجبل ورذاذ الأمطار وحريق الاشتهاء وطلع النّخيل والعجين الخامر "(6)
الصّور الحسيّة والأيروسيّة:
    تلعب الصّورة بأشكالها جميعاً عاملاً مهّماً في السّرد الحكائيّ،وأغلب القصص والرّوايات تبدأ برسم صورة تكشف عن بطل الحكاية أو المكان الذي يتواجد فيه،وتبرز تطلّعات وأهواء الشّخوص لتمكّن الكاتب من إعطاء رؤيته أقصى مديّاتها في التّأثير على القارئ الذي يعيد تخيل النّص بوصفه صورة مرئيّة،لاسيما أنّ الصّور هي نتاج عمل الحواس،وهي تمثّل بنية النّص الأساسيّة.
  "وإنّ الصّورة ليست بالضّرورة استبدال شيء بشيء آخر،أو تشبيه شيء بشيء آخر،وإنّما قد تستدعي أيّ كلمة حسيّة استجابة الأشياء "(7): "منذ وقعت عيناي عليك اشتهيتكَ"(8).
     والصّور تحمل دال ومدلول؛فالاشتهاء يدلّ على اشتداد الرّغبة والنّزوع نحو الآخر،وهذه إشارة  أيروسيّة نستطيع تلقيها " بما هو مدرك بالحواس بصريّة أو سمعيّة  أو لمسيّة أو شميّة أو وذوقيّة،ويحرّك خيال المتلقي باستدعاء معلومات ترجع الذّاكرة،فيشي تصوره الحسي للأشياء،وإنّ الأدوات البلاغيّة من استعارة أو تشبيه أو غيرها من آليّات الصّورة "(9)
   " لا  قيمة لكل رجولتك ولسيفك الرّجوليّ المثير إن لم أكن غمده الأبديّ، لا قيمة لكلماتكّ إن لم يحسن ثغرك الكرزيّ المشهي تقبيلي،لا قيمة لأنوثتي إن لم تسعدك وتفتنك وتمتصك حتى آخر قطرة من رجولتك التي أراهن عليها بكل عمري وجلال افتناني "(10)
    هذه ثورة جسد يريد التّحرر من قيوده وكبته،ويحقق اشتهاءاته من خلال صورة بلاغيّة تلتقطها مخيلة القاري كرموز وإشارات لتحوّلها إلى صور بواسطة الحواس المتعدّدة،لنشعر بنبضها وارتعاشاتها ونداءاتها.
   "ليلتها لبست ملابس بيضاء،ورششت عطراً أبيض،وحملت قلباً أبيض وانتظاراً أحمر لظى،وانتظرتك بكل أنوثتي ورغبتي وعشقي وخفقان قلبي ، وارتعاشات جسدي ونداءات روحي "(11)
" يا إلهي كم سأكون أثرى امرأة في التّاريخ البشريّ عندما تأخذني إلى صدركَ،عندما يتكسّر ثدياي على صدركَ،عندما يتآلف كلّ نافر وبارز من جسدينا،فيستقرّ كلّ منها في تجويف جسد الآخر"(12).
   استطاعت القاصة سناء الشّعلان تحويل اللّغة وشيفرتها إلى صور بصريّة وحسيّة تحوّلت بعملية تخيلة إلى لقطات مشحونة بصور أيروسيّة شبقيّة مستفزة بجمالياتها الطّيفيةّ عند القارئ: "  أقسم أنّكَ تعشقني كما أعشقكََ، أقسم أنّكَ في هذه اللّحظة عرّيتني كما عرّيتكَ،أقسم أنّكَ غارق في شهوتكَ كما أنا غارقة فيها منذ رأيتكَ"(13)
   " أنا أعرف رائحتكَ،جسدكَ،مذاق قبلتكَ،ملامح شهوتكَ،قسمات شبقكَ،وذقت ألف مرة ماء ذكورتكَ،أنا أعرفكَ،نعم أعرفكَ.فهل تتذكّرني؟ لقد تذكّرتني،بل لقد عرفتني،ولذلك تميل نحوي، تسمعني دون الآخرين،تبسم لي دون الحاضرين،تلكزني بيدكَ على سبيل الخطأ المزعوم،تشمّ رائحتي،تحتضن أناملي،وتطبع قبلة على طلاء أظافري،وتنام بين خواتم أصابعي،وتداعب بنظراتكَ كلّ ملمتر من جسدي،تحفظ حركاتي،تقبّل جلدي،تلعق خلخال قدمي،تبتلع فمي بقبلكَ الشّهوانيّة،تسمع صوت احتراقي بكَ،وتسعد بذلك،وأنا أغور في مقعدي عارية إلاّ من الشّهوة إليكَ"(14).
    إنّ من خلال تحليل الصّور السّرديّة ومجاز الخيال التي ابتدعها من خلال لغة صافيّة لنتاج عمل لحواس التي أضفت طابعها الحسيّ المرئيّ في إعادة تخيلها شكّلت بنية النّص الأساسيّة المشحونة برغبات صراع دفاعيّ عن الجسد بصفته حاضن لتلك الرّغبات والنّزوع نحو البوح السّرديّ لتحريرها بما هو أشبه بثورة جسد مستلب من سننه الطّبيعيّة التي وُجد عليها.
    "أنا امرأة المواسم،فذقني لتعرف كيف تجتمع في امرأة واحدة بربريّة الغابات وهمجيّة الكهوف وتوحّش الجنس وعذوبة الاشتهاء وأساطير الميلاد الجديد وحكايا البعث والقرابين.تعرّ لي،فلا امرأة غيري في الكون تنتظر توّحشكَ وعرّيكَ وجموحكَ مثلي،أنا خُلقت بعناية إلهيَة لأكون امرأتكَ التي تجمع لكَ النّساء جميعهن في لحظة مداهمة".(15).
إشراقات عشتار:
    منذ الاستهلال الأوّل تضعنا القاصّة سناء الشعلن أمام تناصّ عام مع أسطورة عشتار،بمعنى أنّ ما يرد هو فعل كتابة،لكنّها تخدعنا من خلال توالي الأحداث المكتوبة بطريقة صوريّة عالية الدقة،إنّنا أمام أحداث واقعيّة،وهذا ما قام به المخيال العالي والتّكنيك للقاصة،ولعب دوراً غير مرئي،وكأنّها انّسحبت خلف النّص لتدع القارئ يعيد تخيّله بطيفه الخاصّ : " تحرضني الكتابة على على كتابة الرّجال والأحداث"(16).
    إنّ  أسطورة  الآلهة عشتار آلهة الحبّ والجمال والجنس يحق لها أن تُعبد وتعشق وتمارس الجنس،لكن البشر ليس ذلك من حقهم،القاصّة سناء الشعلان ضمّنت هذا التّناص العام بالمعنى والإدغام خدمة للخيال،فالأسطورة تعيد إملاءاتها على الحكاية،وهذا مالا ترغب فيه القاصّة للحدّ من خيالها الجامح في رسم صورها السّردية الخاصّة بها منسوخة من روح عشتار.
وكما تصف نفسها عشتار :" أنا الأول، وإنّا الآخر - أنا البغي،وانا القديسة- أنا الزوجة، وأنا العذراء-  أنا الأم، وأنا الابنة - أنا العاقر، وكُثُرٌ هم أبنائي – أنا في عرس كبير،ولم أتخذ بعلاً - أنا القابلةُ،ولم أُنجب أحدًا - وأنا سلوى أتعاب حَملي",
    تقول بطلة القصّة التي يكمن فيها سرّ الحياة والنّماء وسمو الرّوح ورهافة الأحاسيس والطّبع والعابقة أعطافها بالعطر،ويفيض جسدها بالاحتراق الأنثويّ،ويفوح منها شذى الاشتهاء،وهذه صفات الآلهة عشتار. وهذا تبادل لأشكال وعي الآخر من خلال فضاء المعنى واضح من العلاقة للفضاء النّصي وتقاطعاته مع نصّ الآلهة عشتار المرافق للشّعراء والأدباء منذ أن عرفنا الأساطير الأولى،ونحن نقرأ النّصوص وما حولها من خلال التّأثير والتّأثر دون أن نفقد الدّهشة والمتعة واللّذة:" أنا امرأة بامتياز،وفنانة بمهارة،وخادمة بالفطرة،وجارية بالسّليقة،وقدّيسة بالعفاف،وماجنة بالكلمة،وطاهرة بالجسد،وساديّة بالموهبة،ومؤمنة بالقلب،وكافرة بالشّك،وثائرة بالسّلوك،وداجنة بالعطف،أنا النساء كلّهنّ دفعة واحدة،قبّلني،لتقبّل نساء العالمين" (16).
   "إنّ الصّورة التي ندركها عن طريق الحواس صورة إبهاريّو من خلال عواطف وأحاسيس،فالحواس هي الوسائل التي تغذّي ملكة التصوير والخيال، وتنتقل إليها مجتمعة أو منفردة.الصّورة بشتى مصادرها وطبائعها "
   ومثلما ندبت عشتار آلهة الشّهوة والحبّ مصير عشاقها ونهاياتهم تقول بعد أن كشفت عشقهم دون انتهاك لأنّها تحب بصدق،وتستجيب لرغباتها المقدّسة تختم بطلة القصّة لكن لا أحد يذهب إلى الجحيم السفلي كما حدث مع دموزي حبيب عشتار، تبقى ضائعة في رحلتها مع سيّد الجبل لتعيدنا إلى ميتافيزقيا الضّياع من جديد :
"  أهواكَ...أهواكَ بلا أمل
وعيونكَ تبسم لي
وورودكَ تغريني بشهيَات القُبل
أهواكَ ولي قلب بغرامكَ يلتهب
تدنيه فيقترب
تقصيه فيغترب
في الظّلمة يكتئب
 ويهدهده التّعب
فيذوب وينسكب كالدّمع من المقل
أهواكَ،أهواكَ بلا أمل
في السّهرة أنتظر،ويطول بي السّهر
فيساءلني القمر،يا حلوة ما الخبر؟(17)
-       يا إلهي كم إنّا ضائعة الآن ياسيّد الجبل "(18)
الخلاصة:
     بين ثنايا هذه القصّة القصيرة أكثر ممّا استعرضناه بأضعاف من أمثلة،فهي قصة تبدأ وتنتهي باحتراقات الحبّ المترع بالرّغبات والصّور الحسيّة والأيروسيّة التي شكلت بناءها لتصنع معماراً سرديّاً متفرّداً لقصة حبّ وجنس بعيداً عن الابتذال،وهي إضافة تستحقّ الوقوف عندها طويلاً  للاستمتاع بلذة النّصّ وجمالياته. كما نجحت الدّكتورة سناء الشّعلان واستطاعت أن تُظهر أنوثة المرأة من خلال استاطيقيا الصّورة الإبهاريّة ودلالاتها ورسائل الشّهوة ،
    هي رسائل لكسر المسكوت عنه في أدبنا وحياتنا العربيّة وتعرية الكبت والإجحاف الذي بات من سمة المرأة العربيّة.ثورة وحجر في بركة ركود المجتمع العربي لتحريك مياهه الآيلة للعفن،صرخة احتجاج ضد الانتقائيّة والكراهيّة والعنصريّة الجنسيّة على أفراد المجتمع الواحد بحجج واهية لا أساس لها من المصداقيّة والعلميّة.
   إنّ للمرأة نزوعها ورغباتها مثل الرجل تماماً في الحبّ والاشتهاء والإثارة وبلوغ النّشوة،وإحداهما مكمّل للآخر في ديمومة الحياة التي لولاها لانقرض الوجود الإنسانيّ على كوكبنا تماماً.كيف لنا أن نعرف المسكوت عنه وأمراضنا  دون  تشخيص. نحن عازفون عن فتح طرائق وتحليل رموزه لكشف وبواطن الجمال والخير فيه بدلاً من تغليفه بقبح الكبت والمنع والاضطهاد من دون معرفته ودراسته وفكّ شيفراته جميعها،ومعرفة تأثيرها على النّفس  البشريّة والمجتمعات وتبايناتها التي أتت من تعطيل دور المرأة أو جعلتها حاجة أو سلعة خاضعة للعرض والطلب بالقمع أو بالانفلات . وفي عالمنا العربيّ المتفاوت بكلّ شيء يبقى "الأدب التي تنتجه المرأة المشهد العربيّ يشبه حالها وفكرها وتكوينها وظروفها" كما تقول سناء الشّعلان .
الإحالات:
1- القصّة الفائزة بالجائزة الأولى في مسابقة كتاب بلا حدود 2011 ومنشورة في مجموعة مشتركة تحمل العنوان ذاته" الضّياع في عيني رجل الجبل"،وصادرة عن منظمّة كتّاب بلا حدود/الشّرق الأوسط الثّقافيّة بالتّعاون مع مجلس الأعمال الوطنيّ العراقيّ للعام 2012.
2-    رولان بارت: نظرية النّص مقال محمد خير البقاعي في مجلة العرب والفكر العالمي 1988 بيروت.
3-    مقابلة مع الكاتبة سناء الشّعلان:في جريدة الشّاهد العدد18 بتاريخ 31/7/2001 .    
4-  سيرة جبرا الذّاتيّة في البئر الأولى وشارع الأميرات :خليل  شكري هياس،منشورات اتحاد الكتاب العرب،دمشق 20.
5-    الضّياع في عيني رجل الجبل:سناء الشّعلان،ص3.
6-   نفسه:ص14.
7- البلاغة مدخل لدراسة الصّورة البيانيّة: فرونسوا مورو،ترجمة محمد والي وعائشة جرير،ط2 دار أفريقيا الشّرق،الدّار البيضاء 2003.
8-   الضّياع في عيني رجل الجبل:سناء الشّعلان،ص5.
9-   بيان الصّورة الفنيّة البيان العربيّ:كامل حسن،مطبوعات المجمع العلمي العراقي،1987م نسخة رقميّة.
10-          الضّياع في عيني رجل الجبل:سناء الشّعلان،ص5.
11-          نفسه:ص4.
12-          نفسه:ص7.
13-          نفسه:ص8.
14-          نفسه:ص10.
15-          نفسه:ص12.
16-          نفسه:ص15.
17-          نفسه:ص15.
18-          نفسه:ص3.
19-          نفسه:ص9.
20-          نفسه:ص9.