الصفحات

2015/09/30

"حكايات السرير" قصص بقلم : سمير الفيل



حكايات السرير

 بقلم : سمير الفيل

كوب حليب

لقد عادت الدلجة .دخلت ابنة معلمي فزيّــق الباب . تمددت على السرير ؛ فانحسر الفستان عن ساقيها . احتضنت الوسادة القطيفة. غطيتها بملاءة رقيقة وأغلقت زر النور. فيما أنا أهم بالانصراف جاءت أم زوجتي . وجدتني أحدق في الظلمة خارج الغرفة قبل أن أغلق النافذة .
قلت : استريحي .
ردت : علمت بمرضك، ولكن كيف حال ابنتي؟
قلت : بخير .
هتفت : أين هي الآن؟
رددت من فوري : في البيت.
قالت : ذهبت إلى هنـــاك ، ولم أعثر لها على أثر. ماذا تراك فعلت بها ؟
بسطت كفّيّ مستسلما : لا شيء . ابنتك في أمان .
خرجت وهي تغمغم . بعد دقائق عادت زوجتي كاظمة غيظها . قالت إن الازدحام في الطريق لا يحتمل ، وإنها أوشكت أن تختنق من أنفاس الناس الكريهة. زادت : زحام موت.
رويت لها ما حدث . قالت باستغراب : تعرف أن أمي ماتت . صرخت وأنا أراجع نفسي : مستحيل . لقد كانت واقفة في مكانك بالضبط .
سقط كوب الحليب من يدها على الكليم الحائل ، ولم ينكسر .

شباك

وجدت الشباك مفتوحا . دخل فأر يقرقض في بقايا فول سوداني تركته تحت السرير . عندما كف عن قرقضته لمحتها. فأرة بنية الشعر تغمز له بطرف عينها . راحا يصدران أصواتا عجيبة . تداخلت في نفسي : مالي ومال الفئران ؟
كان شيئا غامضا يدور تحت الألواح . عرفت ذلك من الصمت التام الذي كانت تقطعه أصوات أقرب للتزييق . أوشكت أن أميل بجسدي كي أسترق البصر . كنت أعرف أن هذا عيب ، ولكن فضولي غلبني فرأيت ما لا يمكنني البوح به أبدا.

رصاصة

دخلت الممرضة بحامل المحلول السكري . غرست الإبرة في وريدي . بدأ المحلول ينقط : نقطة .. نقطة ..
دخل المحقق ، سألني : من قتلك ؟
قلت ، وأنا أتلفت حولي : أنا في خير حال.
هزني بكل قوته : وهذه الرصاصة التي أخرجها الطبيب من قلبك. هل تكذبها ؟!

إعوجاج

قال مفتش التاريخ إن في عائلتكم ضلعا فاسدا، وإن كل عائلة يقظة لابد لها من بتر هذا الضلع. خلال حديثه رحت أمد يدي بخفاء وأتحسس ضلعي . وجدته فعلا في حالة اعوجاج مخيف . هجمت على مفتش التاريخ ورحت أحاول خلع ضلعه المستقيم ليكون لي : سوف أضع مكانه ضلعي الأعوج . بصعوبة خلصوه من هجمتي الوحشية. بقيت فترة أقارن بين الضلعين تحت طبقات اللحم وأنسجة الأثواب القطنية .

الفاسق

بيده أزاح كل الهدايا التي كانت مصفوفة على " الكومدينو" ، ثم ركل باقة زهور الأوركيدا . سألني بنبرات جافة وهو يحدق في ملامحي بقسوة : أبوك نام مع زوجتي . وجاء وقت القصاص ؟
قلت وأنا في غاية العجب : لكنه مات من زمن فكيف تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ؟
لطمني بكذبته : أنت ثمرة الخطيئة.

حلواني

جاء بصينية هريسة . كانت ما تزال ساخنة ورائحتها شهية تفتح النفس . وضعها بجوار علب الأدوية .
قرصني في فخذي بمودة : " من يرد الدح لا يقل الأح" !
ثم ضحك ، وأقسم برأس جده أن الهريسة بالبندق التركي ، ولابد أن يؤكـّـلها لي بنفسه.
كانت لذيذة ودسمة أما حبات السمسم وقطع البندق فتقرقش تحت أضراسي . بعد أن انتهى أخبرني بصوت يشبه مديته الثلمة التي راح يقربها من عنقي رويدا رويدا: ابنة أختي التي أغويتها قد دلتني على مكانك.
صعقت عندما علمت أنه قد دس لي السم في الهريسة ، وأن المدية التي راح يلوح لي بها لم يكن بحاجة إليها غير انبجاس قليل من الدم قبل أن أصعد.



في خفاء

قدري أن أنام هذه النومة . لا أحد يرعاني . زوجتي فرت وأولادي غادروا البلدة إلى بلاد تنشر الديمقراطية برصاص البنادق . لو أن أمي حية لوهبت عمرها لي ، ولفعلت المستحيل كي يفرح قلبي المكلوم.
قبل أن يأخذني الشرود وجدت امرأة تتخفى في عباءة سوداء كالليل . كانت تتخبط في خيوط الظلمة بعد أن كُسرت فوانيس الردهة . ظلت تسأل عني بالاسم . خطفني النعاس بخدر لذيذ . خدل جسمي فنمت . كانوا قد دلوها على عنبري ، ولما وضعت يدها على جبيني وقاست حرارتي هزت رأسها باطمئنان : إنه بخير ، ولا يخشى عليه .حين يصحو لا تخبروه أن أمه كانت هنا!

ريشة

أخذ حسوة بمنقاره المدبب الدقيق. جاء وهبط على عارضة النافذة . أشرت له أن يأتي حيث أنا ممدد في سريري. لم يطعني. مرت سحابة ثقيلة أظلمت الدنيا على أثرها. في غلالة الرماد وقف على حافة السرير . كيف عرف أنني لما كنت في الحديقة قبل شهرين وجدت الأطفال الأشقياء يصعدون الشجرة ، ويخمشون بأظفارهم العصفورة الأم ؟ هل أخبرته بأنني كنت السبب في أن يكفوا عن عربدتهم حين خلصتها من شرورهم وتحسست البيض بباطن كفي ،واطمأننت عليه قبل أن أهبط ؟
حين اكتمل مرور السحابة رف ، وطار بعيدا . ترك على الوسادة ريشة جد صغيرة . كانت تضيء في الليل ، ولم يكن يراها أحد غيري.

شفاف

جاء قاطع الزجاج ، وأخذ مقاييس النافذة عرضا وطولا . صوب نظرة عدائية لكل من في الغرفة. لاحظت أنه يتجاهلني حتى أنه لم يلتفت إلىّ أدنى التفاتة بل صوب نظرة للجدار خلفي حيث اللوحة التي رسمتها لزهرة برية تنتحب في غموضها البنفسجي قبل مرضي . حين جاء بعد يومين لتركيب لوح الزجاج بادرني قائلا : المرة السابقة لم تكن هنا. وكان في اللوحة زهرة بنفسجية شاحبة . ترى من قطفها ؟

كوب شاي

أزحت كوب الحليب بعيدا ، وأصابع البقسماط. في تلك اللحظة كنت أفكر في كوب شاي من نوع الخرز الذي أحب أن أقلبه مع حبات السكر . الخرز المدور الدقيق في نعومته اللافتة .
طرقتْ الباب ودخلت . رأيت بيدها الكوب الذي تصورته . قالت أنها قادمة توا من حقول الشاي في سيلان . كانت تشبه تماما الفتاة ذات الساري الفستقي بضفيرتها العريضة ، والتي رأيتها آخر مرة ـ قبل مرضي ـ على الغلاف فاقع الصفرة فيما أنا أمر بشارع النقراشي . كنت أود أن أبتاع باكوين، ولم يكن معي أية نقود.
كنسمة آتية من المحيط الهندي جاءت . وضعت كوب الشاي على حافة النافذة بألقها الأمشيري النفاذ ، وفيما هي تغادر اتسعت ضحكتها : لقد سمعتك !

تراث

للجريدة ثلاث وظائف مختلفة. أن تقرأ ما بها من حقائق مغلوطة ، أو أن تقشر عليها سمك البلطي وجبة الدمايطة اليومية ، أو أن تغطي بها جثة الشخص الذي ضربته سيارة حكومية بأرقام مطموسة وفرت.
على سريري وجدت لها فائدتين إضافيتين : إخفاء وجهي الممتعض بزواري الثرثارين ، وأخيرا أن توضع بين ورقتين منها حشرة البق ، وتدهس بالضغط المتوالي بالإصبعين .
حشرة لعينة فرت من بين الورقتين المضغوطتين . بدمها الأسود الثقيل صبغت الحروف . كان أكثرها تضررا تلك الحروف ذات النقاط التي تعب أبو الأسود الدؤلي في وضعها قبل عدة قرون.

احتكاك

احتك ابن عمي بالحارس، وهو قادم بعمود الطعام المصنوع من الألمونيوم. منعه من الدخول ، وحدث أن هرول كي يغلق النافذة المطلة على الردهة ، كما أوصد الأبواب لحرصه على راحة المرضى!
بعد أخذ ورد ، وشخط ونطر ، سمح بمرور نصف الشحنة ، وفيما كان منفردا بالوجبة دخلت قطعة عظم حلقه . لم يتمكن أحد من إخراجها . نقلوه على الفور إلى غرفة الطواريء . دخل ابن عمي بالعمود ، وألقى نظرة على الخارج حيث بدأت الجلبة تهدأ وتراكض الأقدام يخفت كي ينقذوا الحارس من آلامه الغير محتملة . كان يؤكد لي بين عبارة وأخرى أنها لم تكن قطعة عظم بل مسمار بطول أربعة سنتيمترات ، لا يعرف كيف اندس في الطعام رغم أن لا أحد فتح العمود غيره!

المـُـلة

عصاني النوم ، فمددت يدي أتلمس الألواح الخشبية المصفوفة بالعرض ، والممتدة بين عارضتن خشبيتين قويتين.
كانت مثل خطوط السرطان والاستواء والجدي التي تمر بقارة سوداء بلون الفحم . وجدتني أهبط بصعوبة فتلامس أمشاط قدمي برودة البلاط.
رحت أخلع الألواح ، وأحاول أن أمددها طوليا علني أغفو . حين فشلت لم يكن هناك بد من البكاء، وقبل أن تنحدر دمعة على وجنتيّ وجدت القارة تتقلص والألواح تنجح في الاستواء على العارضتين الطوليتين ، وكان أن نمت أحلم بالعبيد يفرون من سجون تلك القارة.


الزاحف

رأيته. وحدي رأيته . يزحف من الخرابة المجاورة لمبنى المستشفى ، ويتسلل نحو شق في الحائط الملاصق لعنبر 15 الذي تم تسكيني فيه . أرتعدت لرؤياه ، وكنوع من رد الفعل غير المقصود وجدتني أصفق بكفي ، وأنا أدعو شخصا لا أعرفه كي يتتبعه : هس .. هس..
رأيته يدفع بلسانه المشقوق خارج فمه . كانت عيناه المدروتان تتحركان حركة دائرية مفزعة .
هو الليل سكن له ، والإبرة تشك ذراعي ، فيما أنا أسير سريري . و" همت " التي قبلتها منذ 21 عاما ، تزوجت وسافرت وأنجبت ، ولما مات زوجها بقيت أرملة ،وربت بناتها وصبيانها على الفضيلة . وجدت صورتها في صحيفة " الأهرام " أما مثالية . قصصت الصورة الورقية ، وضعتها في حافظتي ، وهائنذا الآن وحيد ، أخشى أن يتسلل للغرفة ، فيلدغني : هس .. هس..
أخاف الزواحف والجوارح ، والأنس والجن . أخاف نفسي الأمارة بالسوء . أنصب الفخاخ للبنت " تحية " اليتيمة ، طرية العود كي أظفر منها بلمسة أو ابتسامة ترطب هجير روحي : هس .. هس..
أراه اللحظة ينساب على البلاط البارد . يتحرك نحوي بانتظام عجيب مطلقا فحيحا كاد يشلني . لابد أن أقرأ المعوذتين سبع مرات ، وأنتصب قائما ، مباعدا ما بين ساقي حتى لا يطولني سمه : هس .. هس ..
كم هو الليل طويل وقاس . لماذا أخشى الثعبان وهو لم يلدغني من قبل ؟ لماذا أخشاه : هس .. هس..

وقت

كانت ثريا جارة لنا في بيت العائلة القديم . وجدتها في عنبر النساء تنتظر دورها في استئصال الكلى . لاحظت شحوب وجهها ، ومستني ارتعاشة يديها بدون مناسبة . صعد الدم إلى وجهها وأنا أخبرها أن كل شلة الصبيان بالعطفة قد أحبوها فقد كانت أجمل فتيات الحارة بشعرها الذهبي المقصوص في فتنة . مالت على أصيص زرع بجوار الممشى الضيق .
قالت وهي تهديني وردة : لكنك لم تقل لي وقتها هذا الكلام .
أطرقت ، وهي تستجمع فرح الدنيا كله : معقول .
سألتها وأنا أشعر بقلبها يدق بعنف : الوقت لم يتبدد كله سدى.

الأسود

ظلم الدنيا كله حط على كاهل هذه المرأة التي تعتلي سريرا محطما في العنبر رقم 9 . مات زوجها بعد ليلة الدخلة بيومين ، وحين خلعت الأسود من على جسدها الفائر بعد الأربعين تزوجت للمرة الثانية . سافر زوجها العريس الجديد من ميناء سفاجة في عبّارة متهالكة . وسط البحر انشقت المركب وابتلعه الموج لكنهم أحضروه لها في صندوق .
بين موتين تعيش ، وقد قررت هذه المرة ألا تخلع الأسود بتاتا. خلال شهري علاجها تعرفت على " رزق " ميكانيكي السيارات بالشهابية .أراد أن يقنعها بتجريب حظها مرة ثالثة فرفضت بكل حسم . طوحت رأسها بغضب ـ متحدية إياه ـ وهي تمسح دمعة فرت من مقلتيها : إن كان ولابد تبقى الدخلة بالأسود. وقد حدث هذا بحذافيره ، ولاحظت أن الزوج لم يمسسه سوء !

يوم المغادرة

صعب علي أن أترك سريري رغم أن ارتفاعه العالي كان يؤلمني في الصعود والنزول. وبرودته القارصة تجعل القشعريرة تمسك جسدي فهو من الحديد الصديء المحايد. لكنني قبل ساعة واحدة من المغادرة شعرت به في غاية البؤس خاصة أنني كشفت عريه إذ نزعت ملاءاتي المزركشة التي كنت أتباهى بها على أقراني فبان قبحه . رأيته متقشفا ، بائسا ، وحزينا ، وكنت قد تعودته ، وألممت بمزاياه وعيوبه . كانت تربيتتي عليه تعني أن وقتا مضنيا يمر بي ، وان الخلايا في سبيلها كي تصلح ما بها من أعطاب ، وعليّ الصبر والاحتمال وعليه التأني والانتظار . جاء الأهل فحملوا أغراضي ، وستـّـفوا كتبي في أكياس مذهبة الحواف عليها أحرف إنجليزية معتبرة ولم يلتفتوا لشيء في الغرفة حتى نبهتهم للوحة الزهرة البرية وكانوا ـ المجرمين ـ سيتركونها عن عمد.
وحدي وجدتني ألتفت إليه ، وأسرع الخطو نحوه ، فأستلقي عليه للحظات . بنفس عريه وقبحه المثير للغيظ . شعرت في تلك الهنيهة أنه يمنحني شيئا من الدفء الذي فشلت في الحصول عليه من أسرة أخرى غاية في الفخامة مرت بي ونمت على ألواحها لسنوات . دفء كان يمنحني إياه في الليالي الباردة بحساب دقيق . ملت أتحسس أعمدته دون أن أنبس بحرف فقد كان الجميع يرمقونني في وجوم وقنوط مثيرين للغرابة.

كتبت هذه النصوص فجر الأحد 4 / 11/ 2007





الرابط والمربوط

بقلم : سمير الفيل

على حافة الشرفة البعيدة وقف ديك ذهبي الريش يصيح: كوكو.. كوكو..
وتحت الشرفة مضى شاب نحو عمله فوصل " المغسلة " قبل موعد فتح الباب الحديدي الرئيسي بنصف ساعة. رأى أن يحتسي شايا في " العازق" الذي كنت أجلس فيه بعد أن دفعت المعلوم ، وخرجت بعد فك السلسلة لكي تكون عودتي قبل المرور بوقت كاف ؛ فأرقد على سريري كمريض مطيع ، ملتزما باللوائح والقوانين، والتعليمات الصارمة التي يمكنك أن تطرف عينها بربع جنيه أو نصفه.
في هذا العازق عرفت بشرا كثيرين، وكرهت الفقر كراهية التحريم ، ولم أستسغ كركرة " الجوزة" وأنفاس الحشيش الذي كان دخانه يملأ الجو فيضبب نشرات الأخبار بلزماتها الموسيقية الصداحة.
الشاب الذي يعمل في المغسلة اسمه رشدي، وقد تزوج بفتاة مصيبتها أنها منحته نفسها قبل الزفاف بأسبوعين في " بروفة" مستعجلة غيرت مجرى حياته تماما.
فبعد ضرب الدفوف ونفخ الأبواق وهز الأوتار صعد إلى " عش الزوجية " فوجد أنه قد دفع دم قلبه مقابل شيء ناله بكل سهولة ، وربما لهذا السبب ذاته شعر بأن ثمة خلل قد وقع وعليه إصلاحه ، وهو ما أدى لمضاعفات خطيرة ، منها مثلا أنه لم يستطع بعد الزواج الرسمي أن يفعل شيئا سوى الندب في هدأة الليل ، واختلاس بعض البكاء بعيدا عن الصحبة.
لكنه أصر على معالجة الأمر بالذهاب للشيخ الجنيدي الذي وضع يديه على سر فشله. كان الشاب مربوطا ، ووضع " الربط " أعلى شجرة تين بنغالي في قرية بعيدة بمحافظة نائية هي " الوادي الجديد " .
أقترض رشدي مائتي جنيها، وسلم المبلغ بالتمام والكمال للشيخ جنيدي الذي كان عليه أن يتوصل للجني الذي رفض بدوره استلام أقل من خمسمائة جنيها لأن تكاليف السفر بعد غلاء البنزين قد ارتفعت لما فوق الطاقة ، وبعد مفاوضات مضنية تدخل فيها بشر وجن طيبون تم تخفيض المبلغ إلى ثلاثمائة وخمسين جنيها ، وعلى بركة الله تمكن منها وتمكنت منه ، وجاء الولد بعد عام كامل إذ لا تحسب مدة الانتكاسة وفك المعكوس.
وقد حكى لي شاب المغسلة كل ذلك في الجلسة الوحيدة التي جالسته فيها داخل العازق ولعله فطن إلى أن من حاول إيذائه وربطه كانت الفتاة التي أكل معها ترمسا مملحا في رأس البر ، وفسّحها بفلوكة أمام اللسان ثم هجرها بلا سبب سوى أنه لا يرضى بالزواج ببنت أمسك يدها وركب معها فلوكة في خلوة شرعية إذا اعتبرنا البحر محايدا وبلا عيون أو آذان.
ومن أجل أن ينتهي العكوس كان عليه أن يرتدي ملابسه الداخلية بالمقلوب ، وأن يدخل الحمام بظهره ، ويدس قدميه في خف من وبر الجمل ، وكان عليه ألا يواقع زوجته إلا في الظلمة الخرمس ، كما شرب لترين ماء ابتلت فيها آية الكرسي المكتوبة على رقعة ورق بمداد أخضر. والحمد لله أنه قد أفلح في أن يثبت للعالم كله رجولته بعد أن تعرض لزلزلة تهد الجبال فما بالك الرجال.
حكى لي كل ذلك ونظر في ساعته وقام مستعجلا لدفع حسابه فقط والذهاب إلى مغسلة المستشفى التي لا ترحم ، وكان عليّ أن أعود لسريري قبل موعد المرور الروتيني بدقائق .
كانت رأسي مصدعة من حكاية الربط ، وهو ما دفعني لأن أنام فعلا فور وصولي لسريري ، فيما الإدارة بجلالة قدرها تمر على العنابر للتأكد من راحة المرضى وتفقد أحوالهم في ظل حكومتنا الرشيدة التي بالرغم من جهودها العظيمة في بناء المجتمع وتطويره لم تتمكن حتى اليوم من التغلب على مشكلة الربط وكافة أنواع العكوسات الأخرى!

مساء 4/11/2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق