الصفحات

2015/10/27

حكايات الأنبياء والمرسلين لسالم محمود سالم"رؤية نقدية " بقلم: أ.د. إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي

حكايات الأنبياء والمرسلين لسالم محمود سالم"رؤية نقدية "
بقلم: أ.د. إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي
أدب الأطفال والناشئة أدب متميز له خصائصه ومقومانه، فهو أدب به قليل من الإبداع كثير من الصنعة، لأنه أدب ترفيهي تربوي بنائي وفقاً لمحددات معينة، ووفقاً لمتطلبات كل مرحلة من مراحل الطفولة !!!...
ونقف الآن أمام عمل سلس عملاق، ألا وهو كتاب حكايات الأنبياء والمرسلين للفتية والشباب للكاتب القدير سالم محمود سالم، وهو بداية كاتب روائي وقاص ، أسهم في تجديد عناصر القصة العربية، وأجاد في تنويعاته الروائية ، حتى أصبح اليوم علماً من أعلام الرواية المصرية، بل والرواية العربية، فهو قامة إبداعية كبيرة، من خلال أعماله القصصية والروائية، من خلال أعماله: محاكمة طير البر/ خفافيش على هامش النار/ قبض الريح/ عجباوي/ الكنز/ الشوارع المغلقة/ نقوش على جدار المنفى/ خريف شهرزاد، ومن خلال إبداعاته، ومن خلال نشاطاته الأدبية المتعددة، فأصبح اليوم كاتباً للأطفال والناشئة..
وبداية اسم الكتاب الموجه للأطفال من سن 12ـسن 18 سنة ، وما بعدها اسم جاذب، لأن حكايات الأنبياء بها معجزات عديدة وحوادث مثيرة تقترب من الخيال، فتشد وجدان الأطفال في مرحلة الطفولة المتأخرة، وتجذب انتباه الفتية والشباب ليعرفوا إجابة لأسئلتهم المتعددة حول الأنبياء ومعجزاتهم وأسرارهم، فما بالنا بربط هذا العنوان بكلمة شبه غامضة على الناشئة وهي: المُرسلين، التي تًضفي سحرا وجاذبية وتشويقا وجذب للأطفال على الإقبال على الكتاب، وكان المؤلف شجاعاً حين حدد المرحلة العُمرية لكتابة قبل طرحه في الأسواق، وهي مرحلة البلوغ والشباب، فهو للفتية(أي المرحلة المتأخرة من مراحل الطفولة)، والشباب وهم ما بعد 18 سنة، بما يعني تفهمه لخصائص الأطفال المختلفة واحتياجاتهم ليقدم إليهم وجبة داسمة من الفكر والمعلومات والقصص والخيال، من خلال القرآن الكريم، دون تعقيد أو تهويل أو تطويل..
ومن هنا نبدأ ملاحظاتنا على الكتاب وأغلبها إيجابية والحمد لله:
أولأ: قُدِمَ الكتاب للأطفال بشكل سلس وميسر ودون فلسفة أو تعقيد ليستطيع الأطفال قراءته بسهولة ـ وخاصة في المراحل العُمرية الموجهة إليها ـ بل ويستطيعون متابعة الأحداث ببساطة مع التشويق الكامل الجاذب في كل حكاية من حكايات الكتاب.
ثانياً: جاء الكتاب مُشكلاً تشكيلاً كاملاً ومضبوطاً ضبطاً لغويا من الفصحى الميسرة، المطلوبة للأطفال القارئين، وهي من أهم مميزات هذا الكتاب، لأن التشكيل يجعل القراءة الصحيحة ميسورة، ويساعد الطفل على القراءة السليمة وبالتالي يساعده على تتبع الأحداث، والتزود بحصيلة لغوية ومفردات متعددة، تيسر له إتمام دراسة اللغة العربية بسهولة ويُسر.
ثالثاً: جاءت أحداث الكتاب في حوار شيق بين الأساتذة وتلاميذهم، مما ينمي لغة الحوار، ويجعل الأحداث من خلال تساؤلات الطلاب، ومن خلال احتياجاتهم الفعلية لبعض المعلومات، ويجعل الأحداث مثيرة وجاذبة، لأنها ليست تلقين، وليست جافة، بل مُثيرة وجاذبة، وتجعل الأطفال يبنون صورا متعددة متتالية عن الأنبياء والمرسلين، وعن الأحداث والمشاكل التي واجهتهم أثناء تأديتهم لرسالتهم السماوية، كما يؤكد لغة الحوار الصحيح المبني على المناقشة وحُسن الاستماع والاحترام المتبادل بين المتحاورين، وهي تنقص عند أغلب المتحاورين حاليا في جلساتنا ومنتدياتنا.
رابعاً: قدَّم المؤلف للأطفال معلومات ثمينة غير موجودة في النص القرآني، بما يزيد من حصيلتهم المعلوماتية والمعرفية، وهذا تتطلب جهداً كبيراً من المؤلف، من خلال بحثه ودراسته لتاريخ الأنبياء، فلم يقتصر على الحكي المباشر السطحي، بل تعمد إيضاح المعلومات والحقائق، ومنها على سبيل المثال :عمر آدم ألف سنة، وقبض روح إدريس في السماء الرابعة، ومكان الجودي، الخ... بل تعدى ذلك لمعلومات حديثة عن القناطر الخيرية وغيرها.. وهذا يزيد المعرفة عند الأطفال ويشوقهم للاطلاع على مزيد من المعلومات.
خامساً: من المفردات الجديدة التي يحاول المؤلف تعريفها للأطفال من خلال التورية المعرفية ، كلمات عديدة منها على سبيل المثال: دأب، غامرة، المُنعش، مكث، جهورٍ، مذهول، البطش، مُتكيء، قوارير، يترنمون، دوامات، يُلاطم، يلتقم، نقترع، تومض، جدائل، مدحورا، طست، محررا، انتبذت، قصيا، يتصنع، الأدران....  الخ من المفردات الجمياة التي تُثري الحصيلة اللغوية للأطفال.
سادساً: لم يكتف المؤلف بسرد الأحداث، بل ربطها بالواقع من خلال تعليقاته الحوارية عليها، لنكتشف أننا في النهاية أمامنا مجموعة من التوجيهات السلوكية التربوية، جاءت في القصص بشكل غير مباشر من خلال الحوار الثري والفعال بين الأساتذة والطلاب، فمثلا في قصة سيدنا نوح بعد الآية يقول المتحاو: وهنا يا أولاد يجب ألا نسخر من أحد وأن نأخذ بالأسباب حتى لا يحدث لنا مثل ما حدث لقوم نوح، فهنا ترتبط الأحداث والسلوكيات القويمة بالقصص والحكايات مما يرسخها في نفس الطفل، ومما يحدث أثراً تربويا مباشراً على الطفل، وهذا هو أحد أهداف أدب الأطفال لأنه أدب تربوي في المقام الأول.
سابعاً: ترتبط الصورة دائما بالكلمات، والصورة في أدب الأطفال تكمل الحكي وتوضحه للطفل، طبقا للمراحل العُمرية المختلفة، وفي المرحلة العُمرية المُستهدفة، تكون الصور في حدود 15% من حجم الكتاب، وهنا مشكلتين: الأولى أنه من الصعب الرسم في قصص الأنبياء إلا وفقا لمحاذير معينة، والثاني أن الصور الملونة الجاذبة تحتاج إلى تكاليف مُضاعفة في الطباعة، وبالتالي يقدم الناشر الكتاب للأطفال بسعر عال فوق قدرات الأطفال المادية، ونجد هنا أن الصور قليلة ولكنها معقولة، وتؤدي الغرض، وبالأبيض والأسود وفقاً لمتطلبات المرحلة العُمرية المستهدفة، كما أنها ليست مسئولية المؤلف بل مسئولية الناشر، ونجد أن هناك إبداع في وضع هذه الصور في أماكنها المناسبة لتضيف التشويق للجمهور المستهدف، رغم قلتها، فجاءت الصور موضحة للأحداث متكاملة مع كلمات الحكايات، مما أثرى هذا الكتاب.
ثامناً: جاءت الكلمات في الكتاب ببنط معقول مناسب للمرحلة العُمرية المستهدفة، بحيث تجعل الجمهور المستهدف قادر على القراءة بسهولة وبُسر، وبالتالي نشجعه على المزيد من القراءة.
تاسعاً: جاءت الآيات القرآنية في سياق الأحداث بحيث يقرأها الطفل بسهول، فهي ليست قاطعة للقراءة، وليست فاصلة في فهم المعاني والأحداث، وليست منفرة لأنها لا تقطع الأحداث، بل جاءت مؤكدة للأحداث متسلسلة معها، متواكبة مع الخيال والحكي، مؤكدة لبعض المعاني، ونستطيع أن نقول إنها جاءت مُيسرة لتشجع الأطفال على التواصل مع القرآن الكريم.
عاشراً: عدم الإطالة في القصص والحكايات تزيد التشوق المعرفي والخيالي عند الأطفال، فالقصص والحكايات وافية وغير مُمِلة، وتشجع الأطفال على التواصل الخيالي والتأكيد المعرفي، ولا تنفر الأطفال من القراءة، بل تزيدهم إصراراًعلى مواصلة القراءة، وتتبع الأحداث ومُجريات الحكايات، فالتشويق لا يتم من خلال الإطالة السردية للأحداث، وهنا فهم المؤلف الفرق بين الرواية والحكي للأطفال مما ساعده على إنجاز هذه الحكايات ببساطة وعدم إطالة، مما حقق أهداف أدب الأطفال.
حادي عشر: تضمين الكتاب لنحو 15 حكاية، كل حكاية منفصل عن التالية، يشد الأطفال أكثر، ويجذبهم إلى مواصلة القراءة والاستمتاع بالحكايات ولو في وقت آخر، ولو لم تعجبهم حكاية أو اثنين فستعجبهم الحكايات الأخرى، وهذا من أهم مميزات الكتاب، رغم حجمه الكبير على الأطفال 160 صفحة، إلا أن سعره وحكاياته تجعل الطفل يقبل على قراءاته ومواصلة قراءته.
ثاني عشر: المقدمات في كل قصة أو حكاية مقتصرة وسريعة وهادفة لتلفت نظر الأولاد إلى ما سيقبلون عليه من حكايات، والخاتمة لكل حكاية موجزة تربوية، تؤدي إلى الدروس المستفادة من القصة دون الإشارة الصريحة على ذلك، ومقدمة وخاتمة الكتاب موجزتين تؤدي للتعريف بالكتاب وبالحكايات في سهولة ويُسر، وبدون فلسفة، فهي موجزة مباشرة هادفة، وهذا من أهم مقومات أدب الأطفال، حتى لا يمل الطفل من القراءة إذا كانت مقدمة الحكاية طويلة، فهي لابد أن تكون سريعة موجزة من أجل تهيئة الطفل للدخول إلى الحكاية.
وأخيراً:
الكتاب جميل ولكن كان ينقصه الاستعانة بمصادر الحديث النبوي لتكتمل المعرفة والوعي عند الأطفال والشباب، وكان يحتاج لصفحات ملونة لتزيد من الجاذبية والتشويق، ولكن يعتبر أدب الأطفال والطفل المصري العربي المسلم هو الفائز بهذ القلم المُبدع الذي كتب لهم، وهذه الحكايات الميسرة التي قُدمت لهم، وإن شاء الله سيكسب أدب الأطفال العربي كاتباً مرموقاً في أدب الأطفال لأنه يمتلك الموهبة والأدوات التي تؤهله لذلك، ألا وهو الأستاذ سالم محمود سالم، الذي امتلك المهارة والشجاعة والصبر والإصرار على كتابة هذه الحكايات وتقديمها لأطفالنا في وجبة دسمة، لتكون إضافة ثرية في أدب الأطفال العربي.
فشكراً له وللناشر: الدلتا للنشر والتوزيع على تقديمهما لهذا الكتاب.
أ.د/ إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي
أستاذ أدب الطفل


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق