الصفحات

2015/10/12

الحركات المدهشة قصة بقلم: ياسر محمود محمد



الحركات المدهشة
  ياسر محمود محمد
في الشارع الممتد بطول الحياة .. الذي قام فجأة من سجوده الأبدي محدقاً في الناس الذين يسيرون فيه أخذ الشارع يتأمل في .. أحوالي .. لماذا أنا بالذات ؟!
ذكرياتي .. ملامحي .. صفاتي
أقوم بحركات كثيرة .. أخذ يومئ لي أني أتربت في كل حركة .. رفعت رأسي عالياً .. أدرتها 360 درجة لأتأمل كل من في الشوارع الأفقية والرأسية من جميع الزوايا .. فوجئت بالحدث .. بغتة شملني والتهمني .. ركعت طالباً من الشارع الرحمة !!
سرعان ما صرخ في الحب والكبرياء ..أخرجت مديتي وغرستها في قلب الشارع .. نزف الشارع دماً لا بل أسفلتاً وزلطاً ورمالاً وأخذ يستغيث بالمارة .. تجمع المارة حول الشارع ، بدءوا في الصراخ والعويل والندب ولطم الخدود أشار أحدهم إلي طبيب من بينهم .. نَحَوني جانباً وكل ما نزفه الشارع فوقي ، أخرج الطبيب أدواته .. بحرص .. وبحرفية .. أزال المدية من قلب الشارع بينما يتلوي الشارع كالأفعى ويصرخ صرخات مفزعة وإليه شخصت الأبصار حيث صنع الناس دائرة حوله لمنع الفضوليين – ممن هم مثلي – من الحملقة في جرح الشارع ( كان من يفعل ذلك قليلين لأن الكل كان يحب الشارع ) .
وأصل الطبيب الماهر عمله .. كان شيئاً ما مازال يؤلم الشارع . أخرج بحنكة من قلب الشارع صوراً فوتوغرافية مع كل الناس في بلادنا وكل بلاد الدنيا .. رماها بعنف فصنعت دوائر حول  جرح الشارع ، الشارع لم تنقطع صرخاته وآلامه .. بحث الطبيب عن سبب الألم أخرج ضميراً حياً لو تركه لمات الشارع من فوره .
أخرج .. كراسياً مذهبة .. وأقلاماً ملونه .. وجرائد للمعارضة .. .. وأقلاماً للروج ... ولاعبي كرة قدم .. ولعب أطفال .. وأمواس حلاقة بشفرة حادة .. وأشياء كثيرة أخري .. رقصت فتاة شاهدت ذلك الفعل في فرنسا فودت أن تصنع مثله وبعد أن أتمت رقصتها البديعة وضعت قبعتها من أجل أن يعطي الناس الذاهبون والعائدون بعض القروش من أجل الشارع . رفع أحد القساوسة لافته مكتوب عليها صلوا من أجل الشارع .
ظل الشارع متألماً وزاد جمع الناس والكل يحاول أن يساعده . واصل الطبيب عمله دون أن يلتفت لأي شيء حوله بل انغمس في ذاته حتى أخمص قدميه في قلب الشارع .. إذ سرعان ما قفز الطبيب في حركة بهلوانية غير عادية وسقط في قلب الشارع .. وأخذ يبحث داخله عن سبب لدائه .
جعل الناس ينظرون إلي الطبيب الذي يسبح في دم القلب محاذراً وأمواجه تكاد تعصف به .
قال أحدهم وهو يزعق
- أحذر البطين الأيمن يدفع كميات دم غير عادية .. لا تسبح في اتجاهه
ضحك الطبيب ضحكة ساخرة وصرخ به بشكل فظ
- وأنت مال أمك .. الشارع ده بتاعي لوحدي !!
استغربت للهجته العامية وهو الطبيب الحاصل علي درجة علمية ذات شأن . وددت لو استطالت ذراعاي حتى تصل إلي الطبيب فتخرجه بدمه والصور التي أخذ يخرجها من طيات قلب الشارع والذكريات الأخرى التي بين مطباته .. وتحققت بالفعل هذه الرغبة فاستطالت يداي حتى أخرجت الطبيب من قلب الشارع والدم والرمال تتساقط من كل جزء فيه .. شعره .. ثيابه .. قدميه .
قال الطبيب فجأة :
- الشارع سيصبح في أفضل حال .. فقط أركلوه بأحذيتكم اليمني دون اليسرى وأغلقوا قلبه بأيديكم اليمني أيضاً وأنتم تمسكون بكفوفكم حفن الرمال والأسمنت . وأقرءوا له الفاتحة .. ثم أركضوا أركضوا في كل سبيل .
أشار لنا بيده
أمسكنا كل مجموعة منا كل فرد بين الأخر ونحن نرسم ثورتنا مشاركين فيها كل الثورات الأخرى وكل الميادين التي تركض فيها الشوارع . حملقت أعيننا كل فرد في عين الأخر . صفق بعضنا مشجعاً ومؤازراً . أحسسنا بجوع في بطوننا وفي أعضائنا التناسلية . ألا أن ذلك لم يوقفنا عن الهتاف بصوت عال رنان مقلدين الشاعر الكبير .
- الشارع لنا !! الشارع لنا !!
أشار لنا الطبيب بعد أن عد ثلاثاً .. أخذنا نقذف قلب الشارع بالأسمنت والرمال بعد أن وضعت إحداهن شمعة في وسط القلب لتنير لنا الظلام .. قرأنا الفاتحة .. ركضنا في كل اتجاه .. وجرح الشارع لم يصغِ لنا .. لكن أخذ يتسع .. ويتسع .. حولنا في كل اتجاه .                              


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق