الصفحات

2015/10/01

ومن العلم ما فضح قصة بقلم: محمد نجيب مطر



ومن العلم ما فضح
محمد نجيب مطر
كان مدرس الأحياء في المدرسة الاعدادية يشرح للطلاب درس فصائل الدم والوراثة وبين لهم كيف تتكون فصائل دم الجنين على حسب فصائل دم والديه.
أكمل كلامه بعد فترة صمت: في الماضي كانت عمليات نقل الدم مخاطرة على المريض لأنها قد تكون سبباً في نجاته أو وفاته.
بقي ذلك سراً حيّر العلماء لفترة طويلة حتى استطاع طبيب نمساوي بعد دراسة عينات عديدة لدماء البشر اكتشاف نوعين من البروتينات رمز لأحدهما بالحرف  A و للآخر بالحرف  B، فإذا اجتمع البروتينان A و B في الدم كانت الفصيلةAB ، فإذا خلا منهما الدم كانت الفصيلةO ، وإذا ظهر في الدم بروتين A وحده كانت الفصيلةA ، وإذا ظهر بروتينB وحده في الدم كانت الفصيلةB .
ثم أردف المدرس أن نظام الجهاز المناعي في الجسم عجيبٌ فريد فهو يكوّن أجساماً مضادة لأي بروتين غريب يصل للدم.
دخل المدرس في الموضوع مباشرة: إذا تزوج رجل بامرأة وكانت فصيلة أحدهما O و الآخر AB فأبنائهما ستكون فصائل دمهم إما A  أو B، و العكس إذا كان أحد الأبناء O فلا يمكن أن يكون أحد الأبوين AB ، ولهذا قالوا أن تحاليل فصيلة الدم ينفي و لا يثبت، ينفي نسبة المولود إلى أبيه ولكن لا يثبتها. أعاد المدرس الشاب الجملة في بطء مرة أخري ليؤكدها وكأنه يغرسها في نفوس طلابه.
استرعت المعلومة انتباه أحد الطلاب، ففصيلة دمه AB كفصيلة دم أبيه، بينما فصيلة دم أمه  O ، استفسر الطالب مرة أخرى من المدرس فأعاد المدرس التأكيد على المعلومة.
ترك الطالب مقاعد الدراسة قائلاً أنه يشعر بصداع شديد، ذهب إلى المنزل وأغلق عليه حجرته، وفتح كتاب الأحياء وألقى نظرة طويلة على الدرس فتأكد من المعلومة.
قام بتشغيل جهاز الكمبيوتر وأخذ يتجول بين المواقع العلمية محاولاً الوصول إلى أي حالة مشابهة فلم يجد.
أتكون أمه .....، لا يمكن أن يصدق هذا حتى لو أكدت كل الكتب والمراجع العلمية ذلك.
أمه الطاهرة التي تبذل كل جهدها ووقتها لخدمتهم ورعايتهم وتسهر من أجل راحتهم لا يمكن أن تكون بهذا الوصف.
انقطع الطالب عن المدرسة وساءت حالته النفسية، زاره زملاؤه في البيت فطردهم شر طردة، وهو المعروف بالخلق الرفيع والصفات الحميدة، ازدات حالته سوءاً وصمم على عدم العودة إلى المدرسة فهي التي كشفت زيف العلاقة الأسرية.
قال بينه وبين نفسه: لعنة الله على العلم الذي يفضح، ومرحباً بالجهل الذي يحافظ على الأسرة وكيانها.
حاول أخوته الأصغر معرفة ما يدور بعقل أخيهم الأكبر دون جدوى، أغلق غرفته على نفسه وانقطع عن العالم كله، فلا هاتف ولا تلفزيون ولا كمبيوتر، حاول والده التودد إليه لأخذه إلى طبيب نفسي دون فائدة.
دخلت امه وسألته ماذا به، وحاولت ضمه إلى صدرها فأبى لأول مرة في حياته، وصرخ فيها بكل قوة، أنت السبب في كل شئ، لم يفهم والده و لا إخوته شئ، لكن الأم ارتجفت لخاطر مر بها.
عرض أبيه الأمر على أحد المراكز النفسية، فأرسلت له طبيباً نفسياً محترفاً في العمل مع المراهقين، رفض الطالب استقباله في البداية، ولكن الطبيب النفسي ذو الخبرة الواسعة في تلك الممارسات استطاع أخيراً التأثير عليه، بالتدريج استجاب له.
بدأ في شرح مشكلته للطبيب والأب من وراء الباب يصيخ السمع لما يقول، كان الطبيب صريحاً معه، فلم يحاول أن ينكر الحقيقة العلمية أو يشكك فيها، بل قال له أن الإنسان مهما كان خلوقاً لا يمكن أن يكون مثالياً، وكل بشر له هفوة، المهم ألا يستمرأها، عليه دائماً أن يصحح مواقفه إلى الأصوب.
ربما كانت هناك بعض الظروف المجهولة تدفع المرء إلى ارتكاب الخطأ، وربما لو عرفناها لوجدنا له عذراً، وكرر على مسامعه كلمة المسيح عليه السلام " من كانت منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر".
دخل الأب مبتسماً على الطبيب وعلى ابنه، وقال على الفور: لقد أخطأت يا ولدي في الشك في أمك، فهي إنسانة عفيفة طاهرة، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته.
بهت الطالب وقال لأباه : هل ماتت أمي؟ ومن تلك المرأة التي أدعوها أمي.
الأب : أمك توفيت أثناء ولادتك، وتلك السيدة الفاضلة هي التي ربتك، ورعتك وأحبتك، ولو كانت أمك حية ما فعلت أكثر مما فعلت هذه المرأة معك.
أظهر له بطاقة أمه وعقد زواجها منه، وفي خانة فصيلة الدم AB، تنهد الطالب قليلاً وحمد الله، ذهب إلى زوجة أبيه،اً وضمها في حنان وشكرها، وعاد إلى المدرسة أكثر نشاطاً وحيوية وحباً للعلم.

هناك تعليقان (2):