الصفحات

2015/10/28

الشعر الكعبيّ بقلم: عبد الله لالي



الشعر الكعبيّ
بقلم: عبد الله لالي 
الشعر الكعبي..
بدء الكلام ( نغمات أوّل الأوتار ) 01..
ظاهرة الشعر الكعبي بدأت تستفحل وتستوي على سوقها.. وقد أتت ثمارها وبرزت ملامحها في أفق الشعر العربي، وما عادت تقتصر على قصائد ( أمير شعراء الجزائر ) محمّد جربوعة ..
فوجب الالتفات إليها والنظر في مختلف أبعادها ..إنّها بدت وكأنّها مدرسة حديثة في الشعر، تتشكل ملامحها بإطراد يوما بعد يوم ..
منهج الشعر الكعبيّ..02
كلام من ذهب:
تحدّثت الأستاذة فضيلة عبد الكريم عن المنهج الكعبي فقالت:
" جمالية الخطاب و التلقي للقارئ و كذلك هي ظاهرة تقف أمام الحداثة و الفوضى في الشعر التي أتعبت المتلقي وأفسدت الذوق دون مشهد يرسو عليه النص .. "
أوّل ما لفت انتباهي إلى الشعر الكعبي حتّى قبل أن أدرك منهجه المتفرّد ؛ هو قصيدة ( أمير شعراء الجزائر)  محمّد جربوعة ( قدر حبّه ) وكانت قصيدةً مذهلة بحقّ، وفيها الملامح الأولى لهذا النّهج لاسيما حين يقول:
" تحبُّهُ صبيّةٌ تنضِّدُ العقيقَ في أفريقيا .."
وحين يقول:
" تحبُّهُ صبيَّةٌ تذهبُ في صويْحباتِها لتملأَ الجِرارْ .. "
إلى أن يقول:
" تحبُّهُ القُلوبُ في نبْضاتِها
ما كانتِ القُلوبُ في أهوائِها
من قبلهِ ؟..
ليلى ! وهِنداً !
والتي مهتوكةَ الأستارْ ! ..
وقِربةُ الخُمورِ في تمايُلِ
الخمّارْ ؟!!..
صار الحبّ  في هذا المنهج الشعري ( الكعبيّ ) بعيدا عن كلّ تهتّك أو ميوعة في الحديث عن المرأة وذكر مفاتنها، وفوق أن ينحطّ في بعض صوره إلى الدّرك الأسفل من البهيميّة. بل صار التغزّل في المرأة ويرتفع بها إلى مراتب السموّ الرّوحي ومقامات الإنسانيّة العليا، مستمدّا سناءه ونقاءه من الحبّ النبويّ..
وجاءت قصيدة محمّد جربوعة الأخرى ( زهرة القرشي ) التي اعتبرتُها مكملةً لملحمة ( قدر حبّه )، ليظهر فيها هذا المنهج بشكل أكبر وأوضح، ثمّ كتب محمّد جربوعة نفسه يبيّن هذا المنهج الكعبيّ ويوضّح بعده الجمالي السّاحر.. وكتب فيها قصائد كثيرة، يمكن أن تجمع في ديوان ضخم..
وقد ظهر هذا النّهج أكثر ما ظهر في قصيدته التي رفعها إلى كعب بن زهير وأهداها إلى مجلّة الأدب الإسلامي، وكانت بعنوان ( برقيّة إلى كعب بن زهير ) رضي الله عنه، ويقول في مطلعها:
 بانت سعادُكَ.. والتقيتَ بأحمدِ
ماذا خسرتَ بهجرها يا سيّدي ؟
قد كان قلبكَ ماسةً في عِقدها
يبقى يسبّحُ صدرها إن ترقدِ
ويظلّ ينفخُ آهَهُ في جيدها
ويختمها بالتوقيه الكعبيّ الكبير:
" أهواهُ، أهجرُ -كيْ أقبّل نعلهُ-
ألفيْ سعادٍ.. فاتناتٍ، خُرّدِ "
وليس المنهج الكعبيّ منهجا مستحدثا أو بدعا في هذا العصر بل له أصل، ومرجع يرجع إليه، إنّه يُرجع به كما بيّن الأستاذ محمّد جربوعة إلى شاعر الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كعب بن زهير صاحب قصيدة البردة الشهيرة ( بانت سعاد )، التي أنشدها في المسجد النّبوي وبين يدي الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، ومطلعها غزليّ واضح:
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ*    *  مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ.
وَما سُعادُ غَداةَ البَينِ إِذ رَحَلوا *  *إِلّا أَغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ.
ولم ينكر عليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذلك، بل أكثر من ذلك كساه بردته..
ووجدت أيضا أنّ عددا من الشعراء المعاصرين ( لاسيما في الجزائر ) بدأ يكتب على هذا النهج الكعبي ( الذي حدّده الشّاعر محمّد جربوعة )، وفيه تميّز واختلاف بيّن عمّا كُتب سابقا وفقا لهذا المنهج.. إذ لم تعد القصيدة ذات مطلع غزلي يتخلّص به إلى مدح النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم،  بل قد يأخذ الغزل النّصيب الأوفى، ويستولي على بؤرة اهتمام الشّاعر، لكن يلتفت الشّاعر في خاتمة القصيدة أو في أثنائها التفاتة يستصغر فيها الغزل والنّسيب، وقد ينفيه عن نفسه تماما بسب ذهول قلبه، وانشغاله التّام بمحبّة نور الهداية وسراج العناية الرّبانية محمّد صلّى اللله عليه وسلّم .
وتفرّعـت الشّجرة 03 ..
خطّ الشّاعر محمّد جربوعة النّهج الكعبيّ وبيّن معالمه ودعا إليه بقوّة وعزيمة لا تنحني ولا تلين، ثمّ جعل الشعراء يتقفّون أثره وينسجون على منواله، بعد أن كتب عددا كبيرا من القصائد في هذا الاتجاه، تحدّرت من علياء قريحته الفذّة تحدّر الجُمان ..
وأوّل من رأيته كتب على النهج الكعبي الذي دعا إليه محمّد جربوعة؛ واقتفى أثره هو الشّاعر رمضان بونكانو[1] وقد كان متأثرا جدّا بمحمّد جربوعة وسمّى نفسه ( الشّاعر الكعبي ) نسبة إلى المدرسة الكعبيّة التي رفع جربوعة لواءها، وأمدّها من شعره بماء نمير فحَيت وأينعت، وقد كتب الشيخ رمضان قصيدة بعنوان (  إلى أميرة قلبي ) ولمعرفتي أنّه من محبّي الشاعر محمّد جربوعة والمذهولين به ظننته نقل أحد قصائده في صفحته، فقرأت القصيدة إلى آخرها فإذا بي أتفاجأ به يضع توقيعه تحتها.. وكانت مفاجأة مذهلة بالنّسبة لي، ليس لأنّ الشيخ رمضان بونكانو كتب قصيدة رائعة قويّة المعنى قويّة المبنى منسوجة على النّهج الكعبي بدقّة بالغة، بل لأنّني لم أشك لحظة أنّها لمحمّد جربوعة، وذلك دلالة على قوّة ملكة الشّاعر وتمكنه من ناصية الشعر.. وجاءت القصيدة الثانية فأكّدت روسوخ قدم الشّاعر الشيخ رمضان في ميدان الشعر الكعبي، وقوّة عارضته فيه وهي بعنوان (محاولة اختراق لجدار الهجر )  والتي يقول فيها:
بستان حسنك يا أميرة آسر..
وعيونك الحوراء تثقل كاهلي
أحتاج ألف قصيدة ( كعبيّة )
حتّى أعبّر عن مشاعرَ داخلي
وهو هنا يعلن صراحة وبشكل جليّ عن منهجه الكعبي وانضمامه إلى هذه المدرسة العريقة ولكن في تجلياتها الجديدة، التي تفرد للحبّ مساحة من السموّ والألق البهيّ، في غير تبذّل ولا انحطاط، مع ربطه بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، الذي يلهج الملايين بمحبّته الكبرى.. أو يربط هذا الشعر بالشعور الإيماني ومعاني التقوى التي تحول بين المحبّ وارتكاب المحارم أو الوقوع في المحظور لفظا، فظلا عن مواقعته فعلا ..
ومن خصائص القصائد الكعبيّة أنّها قصائد يجلّلها جلباب الإيمان، إذ يتبدّى نوره بين فواصلها ومقاطعها بين آن وآخر، ولنتملّى مقطعا من إحدى قصائد الأمير أوّلا ثمّ نتبعه بمقطع آخر من قصيدة للشيخ رمضان، بقول الأمير ( محمّد جربوعة ) في قصيدته ( العابدة ):
تَـغُـضّ الـطـرفَ...مُسْبَلةُ الـخــمارِ
تــقــوم الـلـيـلَ...صـائمة الـنــهـارِ
تـصلي الـفرضَ ..حـجتْ منــذ عامِ
تــــحـــبّ الله... طــــاهـــرة الإزارِ
تـصـومُ (الـبِيضَ) نـفلا  كــلّ شـهرٍ
وإن غــنّــتْ فـبـالـسُّـوَر الــقِـصـارِ
مـدلّـلةٌ ، وتـشـهق حـيـن تـــــبـكي
وتــعــقـد حـاجـبـيـهـا كــالــصـغـارِ
وتـطـلبُ مــا تـشـاءُ..يجيء فــورا
عـلى الـترحيب ، لـو لَبَنَ الكنـاري
.....
هذا السّمت الوصفي ( الغزلي ) هو تغنٍ بامرأة مؤمنة صالحة ( طاهرة الإزار )، حشد لها الشّاعر كلّ أوصاف المرأة المسلمة المثاليّة، ولكن في غير نسق النظم المتكلّف والوعظ الثقيل على النّفس، البارد في اللّفظ والذّوق، بل جاء في أسلوب حيّ وتوصيف باهر مشرق، يجعل المرء يحار..أهذا غزل مغرِ ومشوّق أم موعظة بليغة، تدخل على القلب من حيث لا يحتسب.. !
وجاء في قصيدة الشيخ رمضان (  محاولةُ اختراقٍ لجدار الهجرِ ) شيء مشابه، ونسج مماثل إذ يقول في بعض أبياتها:
وروينا من طريقٍ ثابتٍ
عن أميرِ الشِّعرِ (٢)ذاكَ البطَلُ
تُحْرِقُ الحِنَّاءُ قلباً مثلما
يُحرقُ الأحداقَ فينا الفلفلُ
يفعلُ الخلخال فينا فعلهُ
وكذاكَ الشَّعْرُ أيضاً يفعلُ
وجمالُ الصوتِ لصٌّ قاتلٌ
يسرقُ الألبابَ لمَّا يُرْسَلُ
وحجابُ الغِيدِ .. لا تهزَأْ بهِ
فهو فخُّ القلبِ ، شيءٌ مُذْهِلُ
شكْلُهُ ، أو لونهُ مهما يكن
سيذيبُ القلبَ حتى ، يَنحَلُ
وخمارُ البنت كالتاجِ على
عَلَمٍ حُطَّ ونارٌ تُشْعَلُ
فنجد الأسلوب ذاته في ذكر مفاتن الحبيبة والتي تشير بالدّرجة الأولى إلى تقواها وصلاحها، فهي مخبأة غير متبذّلة ولا سافرة تضع خمارها وترتدي حجابها، فحبّها حبّ طاهر لا تشوبه شائبة من إفك أو فاحشة، فإمّا أن يكون حبّا للزوجة أو لمن هي في بابها ( خطيبة ) مثلا، أو هي مجرّد امرأة رمز يتغنّى بها الشّاعر، لأنّه حتم على الشاعر رقيق القلب مرهف الإحساس أن يذكر المرأة ويلهج بمحاسنها..
صرح في تاريخ الشّعر ( 04 )

طبشورةٌ صغيرةٌ      
ينفخها غلامْ
يكتب في سبورةٍ:
"
الله والرسول والإسلامْ"  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  الأمير..
وفي قلب كلّ شاعر كعبيّ طفل صغير ينفخ طبشورته على هواه..
صار للمدرسة الكعبيّة أنصار كثر، وشعراء كبار يدبّجون الروائع على نهجها، وينشدون الأشعار الفذّة وفقا لسَنَنِها، وصار لها عدد كبير من القرّاء والمتابعين بل والمذهولين بهذا النّهج الجديد، جدّة إحياء وإعادة بعث بصياغة معاصرة تَفْتِن وتُبهر.. ويمكن أن نذكر بعضهم، ممن بشّر الأمير نفسه بميلاد فجرهم المشرق في بستان المدرسة الكعبيّة مستيقنا غير شاك ومزكيا غير غامز ولا مجرّح، فاستحقوا أن يرفعوا اللّواء ويبشروا بالمنهج ( الأجدّ )[2]:
" عبد الوهاب بوشنة ، ومعه الشاعر أحمد العماري ، وعمار نقاز ، ومصعب بلهادف ، وأميرة الشعر ، وعبد القادر بوتدارة ، والشيخ رمضان ، وهارون كيحل ، ورشيد دحمون، وعز الدين لزعر ، وعادل سراوي ، وسليم رهيوي، وغيرهم ...هم بالنسبة لي جياد شعرية أراهن عليها بعينين مغمضتين .. ولم أكتب هذه الكلمة التي ستبقى للزمن ، إلا وأنا على يقين أنهم سيكونون إن شاء الله أسماء شعرية كبيرة.. مع إدراك المنصفين من الشعراء والنقاد ، أن هذه الأسماء تكتب قصائد أنضج وأجمل وأقوى وأسلم من قصائد أسماء ما فتئت ومنذ ألف سنة إلا خمسين عاما تجلدنا بما تسميه هي شعرا ..[3] "
هذه نماذج وحسب، ذكرها الأمير ولم يحصِ كلّ رواد المدرسة الكعبيّة عدّا، وسنحاول تتبّعهم بإذن الله تعالى ونضيف إلى القائمة أسماء أخرى، تتصل بالمدرسة الكعبيّة بسبب متين..
وثاني الشعراء – بعد الشيخ رمضان - الذين رأيتهم تأثروا بالمدرسة الكعبيّة وأميرها، فأخذ من النّبع ماء الشعر عذبا رقراقا، وأمدّه من عنده ونفحه من روحه سرّا خفيّا ورونقا بهيّا فكتب وأبدع، وقال فأسمع؛ هو الأستاذ عبد القادر صيد[4] الذي أوّل ما نسج على النّهج الكعبي فيما أعلم: قصيدته (  تكتم زينب  ) التي عارض بها قصيدة الأمير (   أفشت هوانا   ) فأتى بالشيء العجاب .. ومطلعها:
" أفشت هوانا في المحافل زينب
والغيد إن أفشت تزيد و تكذب "
وكانت قصيدة فذّة بحقّ تأخذ بلبّ قارئها وتسحر روحه، وربّما كان الأستاذ عبد القادر صيد من القلّة القليلة التي حازت التفوّق الإبداعي في جنسيّ القصّة والشعر معا ..
يقول الشّاعر عبد القادر صيد في قصيدة ( أفشت هوانا زينب ):
كتمت هوانا في الجوانح زينب  
و الغيد إن كتمت تشيخ و تتعب
لمعت وجوه البائحات بحمرة   
و حبيبتي مما تكابر  تشحب
نجحت  بتقليم الأظافر حولها    
لا مشفق من حالها يتعتَّب
قديسة أفكارها لم تمتزج   
ببنات لهو بالحواجب تلعب  
و ترى هوانا مأثما تشقى به   
كتمانه دين به تتمذهب
فتغالب الأنفاس  كي تبدو على
أن الأمور كما تريد وترغب      
لو دققوا في حالها كشفوا الخفا   
 
لكن ربك حين يستر يحجب
وقد عكس معظم معاني الأبيات التي جاءت في قصيدة الأمير ليخلص إلى الدّلالة ذاتها وكأنّما يريد أن يثبت نظريّة ( والعكس صحيح )، إذا كانت شدّة الهوى تجعل الحبيبة تفشي هواها ولا تقوى على كتمانه، فإنّ شدّة الهوى وبلوغه الذروة في تأجيج القلب، يجعل صاحبته تخاف وتخشى فتكتم وتستر أحيانا.. ويؤثر ذلك على جسمها ووجهها فيبدو مصفرّا شاحبا، قد برّحت به الأشواق.. وما ذلك إلا من عجائب التصوير الشعريّ الجميل، حتى يحار القارئ: أيّ الموقفين أجمل وأروع، وأكثر إيغالا في إيصال المعاني السّامية واللّواعج الهائجة: الكتمان أم الإفشاء ..؟ !
وقد كتبت الأستاذة الأديبة فضيلة عبد الكريم قراءة نقديّة[5] توازن فيها بين القصيدتين، بين القصيدة الأصل والقصيدة المعارضة، ومما جاء فيها :
" بين " زينب" التي أبدع الشاعر عبد القادر صيد في نقل حالاتها و زينب " في قصيدة محمد جربوعة تباين و هو وارد بين " أفشت و كتمت " و زينب هذه ليست تلك ، لكن الملاحظ أن الكتمان و الردم للمشاعر و التصريح فيه تعب لا يخلو من الجماليات ، و هو نوع من الشخصية في بعض النساء و هي حالات نادرة عبر عنها الشاعر في صورة رائعة ، و سحر يأخذ بالألباب . لأن الافشاء طبع بعض الغيد نتائجه الكذب و عدم الصدق و التعبير عن مكنونات مدفونة في أعماق النفوس التي لا تحسن اخفاء السرّ ."
وللأستاذ عبد القادر صيد قصيدتان أخريان على نفس النّهج، تبدّى فيهما السمت الكعبي كأزهى ما يكون، الأولى بعنوان ( صائمة ) ويقول في فيها:
"  مرت تميس كما الإفطار مشيتها ليست لها صلة بالصوم و الناس
ترسانة للهوى اهتزّت مدجّجة جاءت تعوّض أجنادا لسواس
الوهم شرعتها لا شيء يقنعها إلا الغريزة بركانا بأوراس
تزهو بمملكة للحسن عامرة مفتاحها الرمش ممزوجا بإنعاس
السن يعجلها و الخصم تعجله من تلتقطه يزوَّج بين أضراس
في عقدها الثالث المجنون زيّنها نضج التجارب لم تكتب بكراس
إلى أن يقول:
لا فرضها تركت حتى توبّخها و لا أضرّت بحق الله و الناس
فالصبح في وقته صلّته خاشعة يلفها الخوف من رجليها للراس
و حجة العمر أدّتها مبكّرة و الذكر لم تقترف فيه بإبخاس 
و في حقيبتها أوراد راقية و مصحف العين مربوط بأجراس "
ونلحظ هنا الملمح الإيماني يتجلّى بقوّة في ألفاظ ( فرضها ( الصّلاة )، حقّ الله، الصبح خاشعة حجّة العمر .."
القصيدة الثانية بعنوان ( اعتداء سافر ) والتي يقول فيها:
" كما الخنجر عيناها
و تحكم قيد أسراها
فتغرز في صدورهم
و لا تعبأ بعقباها
بكل الحقد تطعنهم
لكي تشفي حناياها
جنون العشق يثملها
عن الإشفاق ينهاها
إلى أن يقول:
" و يلهج في صلاة الفجر
يشكوها لمولاها
فلا تسمع دعوته
لأن الله سواها
لئن بعدت عن الدنيا
ففي الفردوس يلقاها
وتأتي دوما معالم الشعر الكعبي ترصّع جنباتها:
( صلاة الفجر ، يشكوها لمولاها ، في الفردوس يلقاها ) ..
فربط الغزل بمعالم الإيمان التي تحجز صاحبها عن مجاوزة الحدّ ، والوقوع في حمى المحارم؛ ملمح جمالي مدهش يأسر القلوب ويأخذ بالألباب.. ويجعل من التغنّي بالحسناوات نوعا من التأمّل في جمال الخالق المبدع من غير ريبة ولا إثم..
وفي قائمة المدرسة الكعبيّة شعراء ( مذهلون ) كلّهم يحمل طبشورة الغلام الصّغيرة ، ينفخ فيها من حين لآخر ليَسطُر روائع الأشعار ، وستكون لنا مع عدد آخر منهم وقفة تأمّل وقراءة تملّي تدبّر..


[1] - الشيخ رمضان بونكانو من ولاية أدرار حافظ لكتاب الله تعالى، متحصّل على شهادة ليسانس وخرّيج المعهد الإسلامي لتكوين الإطارات الدينيّة بعين صالح، إمام وشاعر فحل، يحفظ كثيرا من المتون العلميّة. ويعدّ واحدا من أبرز شعراء المدرسة الكعبيّة.
[2] - ( الأجدّ ) مصطلح نقديّ يستخدمه الدّكتور عبد الملك مرتاض بدلا من ( الحداثي ) ويرى أنّه أكثر دقّة، وأصوب تعبيرا عن الإبداع الحيّ الباقي على الدّهر.
[3]  - من مقال نشره الأمير ( محمّد جربوعة ) بصفحته.
[4] - الأستاذ عبد القادر صيد من مواليد 1967 م مفتّش التربيّة الوطنيّة، شاعر وقاص وكاتب له كتاب مطبوع بعنوان ( الشيخ أحمد سحنون الأديب المصلح ) ومجموعة قصصيّة عنوانها ( بعض الصّمت نزيف )، عضو الجمعيّة الخلدونيّة وعضو جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين وعضو اتحاد الكتّاب الجزائريين.

[5] - نشرتها بمجلّة أصوات الشمال وهي بعنوان ( فن توليد الفكرة و ربط الهوى بالقضية و المبدأ في قصيدة ( كتمت هوانا") بتاريخ 31 / 07 / 2015 م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق