الصفحات

2015/11/06

أدب الطفل في شراك السهل الممتنع! بقلم:د. فاطمة اللواتي



أدب الطفل في شراك السهل الممتنع!
د. فاطمة بنت أنور اللواتي
umjannah@gmail.com

إنه السهل الممتنع، إلا أن هذا الممتنع (إذا صح التعبير) في أدب الأطفال هو الذي يصعب على الكثيرين فهمه. كما أن هذه السهولة لهذا الأدب (مع الأسف) تجعل الكثيرين يتجرؤون الخوض فيه. وبين هاتين الكلمتين "السهل و الممتنع" هناك بحر واسع من المصطلحات و الافعال التي قلما يدركها غير المتخصصين أو المتابعين لهذا الأدب! إن السهولة التي تكمن في أدب الأطفال تتجلى في بساطة الكلمات المستخدمة في صياغة الفكرة وعرضها، فيتجرأ غير المعنيين به باقتحامه من غير التسلح بمعرفة خصوصيات هذا الأدب وتقنياته. و هذا الاقتحام غير المتسلح لعالم الطفولة ينطلق من فكر ساذج سطحي لا يفهم الطفولة أو يعرف خصائصها. و إن الانغرار  ببساطة الكلمات المستخدمة في الكتابة للطفل و خلوها من التعابير البلاغية التي يتسم بها أسلوب الكتابة للكبار يجعل ذلك الكاتب الفاقد للحس الطفولي يخوض في عالم ليس له، و هذا ما نسميه باللامسؤولية!
إن وصف أدب الأطفال بالسهل لا يعني أنه أدب سهل الخوض فيه بقدر ما يعني أنه من الآداب الممتنع الخوض فيها الا بالتسلح بالتقنيات والأليات اللازمة مع وجود موهبة عند الكاتب. أما وصفه بالأدب الممتنع  فيختزل في داخله عددا من الأمور. من هذه الأمور التي يحرص كاتب الأطفال عليها هو الإبداع في عملية طرح الفكرة. وهذه العملية الإبداعية تخالف الأسلوب التقليدي للأفكار الذي لا يراعي جمالية وأسلوب الطرح المبدع. لقد اعتدنا (مع الأسف) على الأسلوب التلقليدي في تعليم الطفل وتلقينه، وترعرعنا على هذا الأسلوب منذ الصغر ففقدنا الإحساس بجمالية العرض بإلأسلوب الإبداعي لتحقيق الهدف. إن الطرح المبدع لا يحاول أن يلقن الطفل الفكرة أو يعلمه بشكل مباشر بل يحاول أن يحمله من عالم الى عالم آخر بشكل جميل وسلس. إن جمالية هذا الانتقال يتركز في اختيار الكلمات البسيطة الراقية مقرونة بعذوبة اللغة وانسيابية الجمل وأخيرا الابداع في الطرح.  هذه هي بعض الأمور التي لا يمكن لكاتب الأطفال تجاهلها في كتابته، ناهيك عن سلامة اللغة من الناحية الإملائية و النحوية و تراكيب الجمل و الفقرات. فاللغة العذبة المنسابة بتلقائية والطرح المبدع للفكرة  والحبكة المتماسكة التي تجعل القارئ ينبهر هي من الأدوات الأساسية التي تسهم في إضاءة الفكرة في ذهن الطفل، فيتعلم من غير عناء ويتلقى السلوك الجميل من غير تكلفة.
إن أدب الطفل في العالم العربي مازال بعيدا عن الطرح المبدع كما أن الفجوة بين الإبداع و التقليد مازالت شاسعة. وهناك عدد من الأسباب التي تسهم في عدم ضمور تلك الفجوة منها افتقاد الوعي بتقنيات أدب الطفل بالإضافة إلى تدني الذوق العام. فالوعي المفقود بتقنيات أدب الطفل يعود سببه إلى انتشار الأدب غير الجيد وعدم وجود مؤسسات تُقَيِّمُ وترصد الساحة الأدبية في مجال أدب الطفل. لهذا ينتشر كل ما هو غث و فاسد، وبالتالي يتم تناول القصص المطروحة في الأسواق من قبل أولياء الأمور والمسؤولين والتربويين من غير أدنى تقييم لبعض الأمور الظاهرية مثل اللغة أو الاخطاء الإملائية أو تراكيب الجمل وغيرها من الأمور البديهية ناهيك عن الفكرة و عملية الإبداع في الطرح. حيمنا تنتشر قصص بهذا المستوى المتدني بين أيدي أبنائنا فالنتيجة الطبيعية لذلك هو تدني الذوق العام. إبداع الإنسان وذوقه العام يتأثران بشكل كبير بالبيئة التي ينمو فيها الشخص ويترعرع!  
إن قصص الأطفال تنمي العديد من المهارات عند الطفل سواء المتصلة بلغة الطفل و قدراته القرائية و الكتابية أو المهارات المتصلة بالجانب التعليمي والسلوكي والفني. فعملية التقييم الجاد أمر ضروري ولامناص منه في ساحة تخلو من وعي و ثقافة حتى بين من يزعمون الانتماءإليها. لكن ما هو السبيل أمام ذلك القصور في إدراك مستوى الإنتاج المقدم لأطفالنا؟ إنها مسؤولية عامة لا بد أن يتصدى لها جميع المعنيين. إن وجود كتاب غير مكتمل المواصفات بين يدي الطفل هو هدم للكثير مما نسعى في بنائه عبر المؤسسات التعليمية. و لهذا فإن المعنيين لابد أن يكونو على علم ودراية وقدرة على أداء دورهم المطلوب، و من أجل ذلك ينبغي إعادة النظر!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق