الصفحات

2015/12/13

السمات الفنية والأسلوبية والجمال اللغوي في مجموعة (عروسة ورق "تخزي العين ") القصصية للأديب / ياسر محمود محمد بقلم : حسن غريب



السمات الفنية والأسلوبية  والجمال اللغوي
في مجموعة (عروسة ورق "تخزي العين ") القصصية
للأديب / ياسر محمود محمد
بقلم : حسن غريب
كاتب وناقد
قبل الولوج في أي نص، لا بد من المرور من خلال عتبة أو عتبات هذا النص، ولعل الغلاف هو أول ما يجذب انتباهنا إلى هذه العتبات، فهو يحمل العنوان الرئيس للنص (عروسة ورق .."تخزي العين") قصص للكاتب المبدع ياسر محمود ، ولوحة الغلاف صورة فتاة ترتدي ملابسا بلدية تنم عن حياتها البسيطة في مجتمع بسيط ، وتاريخ النشر2012م ودار الإسلام للطباعة و النشر والطبعة.
صادرة عن إقليم القناة وسيناء الثقافي فرع ثقافة السويس والمجموعة  القصصية.
نجد الإهداء، فالكاتب يهدي كتابه إلى كل من د/ عبدالمنعم تليمة ، د/ أحمد شمس حجاجي ، د/ سيد البحراوي ، د/ خيري دومة ، والقيم النبيلة التي غرسوها فينا ، ثم يجمع  بإهدائه  لثلة من عمالقة الثقافة والأدب ومن ثم يهدي القيم النبيلة التي قد تعلم منهم غرسها في الغير من حب وعطاء وتفاني
أما العنوان الرئيس:( عروسة ورق .."تخزي العين") فإنه ، ولو دققنا النظر في العنوان لوجدنا أنه يتكون من جملة اسمية يأتي بعدها جملة فعلية بشكل جديد ومميز للعنوان البارز للقصص كلها داخل الكتاب .
وقد تكرر استخدام حروف العطف ، في أكثر من قصة مثل: ( نفس الآلام اليومية والأخبار المملة  - يوم جديد ورغبة جديدة وشهوة هائلة – يمثل قمة الفن وروعة العبقرية ص12 من قصة صباح جديد)، ونلاحظ هنا أن المعطوف في العنوانين هو جملة اسمية، مما يوحي أن الحدث في العنوانين مسبوق بمبتدأ، لأن الجملة الاسمية تدل على المضمون بينما تدل الجملة الفعلية على الحدث، فالعنوان يشير إلى أن عروسة ورق ، وهو حقيقة الحسد؛ لأنه بحاجة دائمة إلى من يستخدم ما يبعد عين الحسد عنها التي تصب فيه لتعيد إليه بعضا من حالته  التي يعيش عليها ، ووجود حرف العطف يوحي لنا بوجود كلام محذوف يمكن للقارئ أن يستنتجه حسب إدراكه للنص، وقد يكون المحذوف هو على سبيل المثال لا الحصر( عروسة تخزي العين) فيرد المؤلف بقوله : (والعروسة ورق تخزي العين أحيانا) وليس دائما كما ليس في كل  إنسان.
أما العتبات الداخلية فإننا نجد أن المؤلف قسما مجموعته القصصية إلى ثلاث  أجزاء من البوح
البوح الأول عنوانه ( صباح جديد_الحب العجيب_مستنقع _دراجة نارية_الرجل _الرجل والفضيحة_الغربان_قلق_الموت_مغنى البوب الوحيد_ثقة عمياء_لحظة عابرة_جثة_لعبة_هي_الشاطر حسن ..وامرأة_امرأة في خريف العمر_صدم ومات_إمكانية هائلة لارتكاب جريمة_قمر الليل العجيب_عيونها_صورتك_هي امرأة_سوق العيد_سعاد حسني_ القصة الوحيدة لخلود العاشقين_الإوزة ..يحترق العشب _ أيها الإنسان المنزه عن كل خير وشرف وحب _كنا طلابا في المدرسة الثانوية _حكاية رواها جدي_ويبقى شئ مهم _حكايات من السويس_عملية الشيخ راشد ).يتكون هذا العنوان من مضاف ومضاف إليه، أي أن هناك حذفا نحويا ومضمونيا في الكلام، كأن نقول (أنا أقف على حافة الانتظار) أو (هذه هي حافة الانتظار)، وقد جعل  المؤلف  من الحكايات شيئا ماديا له حافة يمكن أن نقف عليها، مما يوحي بأن حياة شخصيات من السويس  يؤرقها الانتظار، انتظار شيء ما، قد يأتي وقد لا يأتي كما في حال انتظار الشاطر حسن والمرأة التي تحلم برجل مثل جيمس بوند و الذي لن يأتي أبدا.
أما البوح الثاني فيحمل عناوين (شريط القطار_دراما الأحذية الجوفاء_عناقيد العنب _ بائع الحظ _حالة باركنسون _نظرة اللامبالاة_العصفور ووحش الأدغال _بائع الجرائد الوحيد والأخير_المهرج وعيون الحمقى_ رحلة العمر_ حدث في محطة مترو"المستقبل")
والذي يجعل القارئ يتساءل: أين تقع في القاهرة محطة مترو المستقبل ؟، والقارئ يجد في العنوان حذفا نحويا، فقد تم حذف المبتدأ واكتفى الكاتب  بالخبر الموصوف، وعليه يمكن أن يكون المبتدأ المحذوف هو كلمة "ما"، وقد يكون الخبر هو المحذوف، وتكون كلمة المستقبل مبتدأ موصوف مما يجيز لنا الابتداء بنكرة خصوصا إذا كانت موصوفة، ويمكن أن يكون الخبر في هذه الحال شبه جملة، ونتوقع أن يكون العنوان كما يلي: "المستقبل ما حدث في مترو الأنفاق".
ثم البوح الثالث في المجموعة القصصية للكاتب ياسر محمود والذي سماه دون عن باقي البوح السابق ببوح الثورة وقد قسمه لعدة قصص كالتالي (الوطن فوق كرسي متحرك_كنا معا في الميدان- النبوءة_الرجل والصوت_عروسة ورق "تخزي العين") .
وبالدخول إلى عناوين القصص في البوح الأول نجد أن عنوان أول قصة هو "صباح جديد ص 12" وفيه حذف نحوي ومضموني يدفع القارئ إلى التساؤل: ما الجديد في هذا الصباح؟ أين الدليل عما هو جديد؟ ولماذا بالذات في الصباح ؟ وهل يمكن للصباح  يكون جديدا بسعادة أم شقاء؟ 
أما العنوان الثاني فهو " الحب العجيب ص 13" وفيه حذف نحوي وحذف مضموني، ومن حق القارئ أن يتساءل: عن أي حب عجيب  يتحدث المؤلف؟ وهل الحب  مادي ملموس أو أنه عجيب في واقعه؟
في البوح  الثاني نجد قصة "شريط القطار ص 60" مع وجود ثلاث نقاط تفصل بين المقاطع للقصة مما يوحي بوجود كلام محذوف يترك للقارئ مهمة الحدس به، كأن يكمل الفراغ بكلمة يتبعه أو يتلوه، فيصبح العنوان شريط يتلوه أو يتبعه القطار، والحذف هنا حذف مضموني ونحوي، فقد تم حذف خبر المبتدأ الأول وهو الفعل والمفعول به مع إظهار فاعله وهو كلمة شريط ، وهناك قصة تحمل عنوان: "دراما الأحذية الجوفاء ص 65" وهو عنوان يخلو من الخبر  أي حذف الخبر، فهو جملة اسمية ركنها الأول  مذكور وهو المبتدأ أما الخبر فهو محذوف ، وهناك النعت والمنعوت  المتعلق بالاسم وكان يحتاج لخبر ، وهنا تحلق في عقل القارئ علامة استفهام كبيرة: هل يوجد للأحذية دراما إلى التجوف منها ؟ أم أنه يوجد مأساة  إلى درامية الحاجة لها ؟، وإذا كان الحذاء  يحتاج إلى دراما  فما بال البشر الذين يتعرضون لإلقاء الأحذية من نوافذهم  على طريق السويس بحي الأربعين  كأبناء جلدتهم في تناسق ودهشة الكاتب مما دفع البشر  لهذه الفعلة !! ألا يحتاجون لأكثر من الأحذية  بدلا من سيرهم حفاة والكاتب ذاته وجد نفسه يسير بفردة واحدة  حذاء والأحذية  الكثيرة  التي حولت الشارع لكومة منها في الشارع  ولاحظ تألقا وانتظاما وتعاونا في شكل الأحذية ،  فانتازيا لكاتب متعمق ومتبحر بدهشة المتلقي فالأحذية هي إشارة لما أل إليه حال الشعب وأوضاعه المتردية ماديا وفقرا مدقعا وبسلاسة عجيبة بدا الحل العجيب لرجل عملاق فاردا جسده من أبطال الأساطير،فهو يحتاج إلى الكرامة والعمل أكثر من حاجته لرمزية الحذاء  أو للمساعدات للبشر ، لأن الإنسان الجائع لا يحب سوى فرصة عمل أو رغيف خبز. 
لا أريد أن أتطرق إلى كافة العناوين في هذه المجموعة القصصية وإنما أترك للقارئ اكتشاف ما قد توحي به هذه العناوين من أفكار واستنتاجات. 
اللغة والسرد :
تعددت الأصوات السردية عند الكاتب  فتوزعت بين استخدامه لضمير الغائب، ويكون السارد من نوع السارد أو الراوي العليم الذي يعرف كل شيء عن الأحداث وتطورها في القصة أو الرواية، وضمير المتكلم، وفي أحيان أقل ضمير المخاطب، ويكون السارد هنا من نوع السارد المشارك الذي لا يعرف عن الأحداث في القصة أكثر مما يعرفه القارئ، وربما استخدم أكثر من ضمير في القصة الواحدة، وقد لجأ الراوي إلى استخدام ضمير المخاطب بنوعيه المذكر والمؤنث في أكثر من قصة، وتراوح استخدامه لضمير الغائب بين الفعل المضارع الذي يدل على الحال والاستقبال، وبين الفعل الماضي الذي يدل على انقضاء الحدث ليصبح مجرد ذكرى، يقول الراوي في قصة "نظرة اللامبالاة ص 76 " : " توقف عن الصراخ وصدره يعلو ويهبط  "، ويقول في قصة حكاية رواها جدي ص 47 " يذهب ليتجسس عليها في أدق خصوصياتها " ، كما لجأ في قصة " كنا طلابا في المدرسة الثانوية ص 45" إلى استخدام ضمير المتكلم، يقول الراوي: "حدقت فيها وأنا أتحاشى أن تلاحظ ذلك بجسدها الضئيل الذي تعب من ذاته) ليعود بعد ذلك إلى استخدام ضمير الغائب، يقول: " سارت هي متجهة إلى إحدى البنايات القريبة وهى تعاود الالتفات " بينما لجأ الراوي إلى استخدام ضمير المخاطب في السرد ومزج بينه وبين الضمائر الأخرى، يقول: " سندوتشات والنبي ياعم رضوان ...حاضر يا عروسة"، ويقول في القصة نفسها: " كانت لفرط ذهولي تبتسم ..أو هو ما يشبه في تقاليدنا ابتسامة انفراج للفم المعوج القبيح والرقبة المائلة ميلا خفيفا علي إحدى الكتفين ".
أما في قصة : "أيها الإنسان المنزه عن كل خير  ص 43"
فيقول:" لم بعتني ؟!..لست ادري ..سؤال أصبح معنى لبحثي عن عمري وعن ذاتي ..أصبح مخلوقا من النقص يعيش بداخلي يمثل جرحي وهزيمتي ) 
وفي سرده لجأ الراوي إلى القطع الزمني ليقفز عمرا كاملا دون أن يتطرق للأحداث التي وقعت خلال هذا العمر، ولعل القطع الزماني يناسب الرواية أكثر من القصة القصيرة، يقول: " إنا أعرفك يا شكل انتصاري علي وهم الإيمان وتقاليد العفة ..إنا أعرفك يا حديث روحي ..يا لغتي الخاصة التي أبدا أبدا لن يفهمها احد فلتعد فلتعد حتى لتغتصبني كعادتك أو فلتذهب حتى أتمتع منك بنفحة أخري من طبعك القاسي أعيش وهما اسمه النسيان (ص 44) "
وقد استخدم في قصصه تقنية أخرى، حيث قدم بعض القصص على شكل لوحات أو صور، كما وزع بعض القصص إلى مشاهد وكأنه كان يفكر في عرض هذه المشاهد على خشبة المسرح، أو ربما كان في نيته كتابة قصة مسرحية. 
وهناك خطأ مطبعي في كلمة "إمرأة  " والصواب " امرأة " وهناك خطأ نحوي أو مطبعي نتج عن السهو، ربما لأن أغلب شخصيات القصص وصفها وصفا دقيقا ، يقول الراوي : " وبيده اليمن مسدس كبير ) ، والصواب اليمنى  . 
الشخصيات:
معظم شخصيات القصص غير محددة الأسماء أو الهوية، تغلب عليها الشخصيات المنكسرة والمهمشة  إضافة إلى بعض الشخصيات الذكورية والأطفال والحيوانات، وقد جعل من الجمادات أبطالا لبعض القصص فأضفى عليها مسحة إنسانية، ولكننا نجد في بعض القصص ما يشير إلى أن الراوي يعمل معلما في الواقع للغة العربية وهذا ما جعل لغته محكمة المعنى ورصانة اللفظ  وخصوصا في قصة "بائع الجرائد الوحيد والأخير ص 79"، ولو تتبعنا العبارات التالية نجد أننا نستطيع أن نؤكد ما سبق: " ابحث عنه وحيدا يجلس بين كتبه "، " فكاد أن يدهس دراجة بها شخص حزين "، "كانت هناك الإحداث التي تتوالي "، "اندفع احدهم إلي بائع الجرائد الوحيد والأخير ا"، (" سال بائع الجرائد الوحيد والأخير عن جريدته المفضلة أجابه بائع الجرائد الوحيد والأخير بنظرة شاردة وحزينة ولم يعره اهتماما ص 80")،
نلاحظ هنا أن شخصية الرجل تتبع رغبات المرأة وتصوراتها، أما شخصية البائع فتظهر لنا في صورة ذلك الحزين  الذي تجاوز مرحلة التألم  قبل الأوان، وصار الهم الإنساني  شغله الشاغل، يقول الراوي :("فتاة صغيرة في عمر الزهور ..تشتهي حلما لن يجئ وتمزقها رغبة تشتاق إلي الانطلاق واني احبك لم ادر لماذا كنت وتجسدت وجودا يوم حبك لي ..عبثك الجميل بكل جزء في ..مرحك وشبابك وحواديتك عن بيت من الخوف صنعه لك أبوك أبوك القهر الذي مزقك ...   ")
وقد أنسني الراوي الأشجار فجعلها تشتهي  حلما  يتمزق ورغبة تشتاق للانطلاق في العبث الجميل
تدور أحداث القصص في فترة مقاومة أهل السويس الباسلين للفساد في ثورة 25 يناير  في شوارع وإحياء السويس ، وقد حدد ذلك  الراوي  بصراحة، وقد شاركت المرأة بقوة في صنع هذا الحدث وتوجيه دفته وخصوصا عندما كان في الميدان مع زملائه الثوار  يتبنى قضية وهموم وطنه  الذي يقع  في قبضة الفاسدين والظالمين  ، والأحداث لا يمكن أن تقع خارج إطار الزمان والمكان اللذان لا يتواجدان بالضرورة خارج وعي الإنسان صانع الحدث الذي تغلب عليه الحركة التي تكشف لنا ماهية الزمان والمكان، ولعل الأحداث تتنوع حسب تنوع الزمان والمكان، فالموجود خارج السويس  يطمح في العودة إليها بعدما كانت شعلة انطلاق الثورة منها وليس من ميدان التحرير ، ولكنه يصطدم بالواقع بعد وصفه ونقله الحدث في تحرك خالد سعيد المصري علي كرسيه المتحرك ويجعل الصراع مرتبطا بالعقدة عندما يقول الراوي :"تحرك خالد سعيد المصري علي كرسيه المتحرك في شارع القصر العيني متجها نحو الميدان ، كان الطريق كالعادة مزدحما ، وعند تقاطعات خاصة به كان يوجد الكثير من تعزيزات الأمن ....واجهت العجلة اليمني عقبة صغيرة تمثلت في حجر صغير ملقى علي الجانب الأيسر للشارع ..والذي يحاذيه خط طولي يقسم الشارع إلي نصفين ").

الزمن: 
لعل الزمن النفسي هو المسيطر على أجواء القصص، وهو يتسم بالانتظار والقلق، وفي حالة الانتظار يبدو الزمن طويلا سواء أكان هذا الانتظار متعلقا بحبيب أو بأي شيء مبهج، أو كان متعلقا بانتظار شر أو بلاء يمكن أن يحط على الإنسان في أية لحظة، ومن العبارات الدالة على ذلك ما يلي: " ودعتها نظراتي المشفقة حتى وصلت إلي باب المنزل الذي تعمل به ،  " ، " ضحكت ما يشبه ضحكة مفتعلة علي مداعبات عم رضوان "، " وصلت إلي شارع التحرير المقابل لشارع النمسا وصل إلي سمعي صوت بعض النساء وهن يصرخن في رجالهن مطالبات بوقف المأساة ص 66 "، " كانت تجلس كما لو مخرج يصور إعلانا عن العنب ، لكن لم يكن هناك احد غيرها ، حتى بائع المحل الذي تصورته بشكل ضخم وبشارب كبير وأموال كثيرة تملآ جيوبه لم يكن هناك  ص 68 "
المكان:
المكان في مجموعة (عروسة ورق تخزي العين ) لياسر محمود محدد  تشي لملامح كاتب متمرس ومتفرد ، فالأمكنة تمثل شخصيات المجموعة بلا أسماء، كل ما ندركه أن هو الوعاء الذي يحتوي هذه الأماكن المعرضة لمدينة السويس الباسلة ثم لميدان التحرير وما حوله من شوارع  فالفساد  الذي أغتال البشر من جوع وإهانة وامتهانه أدي إلي ثورة الحرية والكرامة  وتغير الملامح الطبيعية للبشر بعد الثور ة من ايجابيات وسلبيات  لتخلق واقعا جديدا يلغي الهوية الحقيقية للمكان،
يقول الراوي : "(هو الذي جاء فتغيرت الدنيا وتغير العالم وتبدلت الأحوال العادية للناس ،اختلف لون ومذاق الأشياء عن المألوف ، فأعطى طعما للحياة ..).
نلاحظ أن هناك استقطابا بين المباغتة  والتغيير  وبين التبدل  والاختلاف  وبين اللون والمذاق ، وتشكل المرأة عنصرا ربط الثورة  وعاملا يشجع أبناءه على التضحية والكفاح  للحرية ، يقول الراوي: (قابلته يوم الخامس والعشرين علي ضفاف النيل ، سارت معه في الميدان ..تتذكر دائما وتخبره : نحن كنا معا في الميدان ...قالت لي كلمات مسحورة ..منحتني مضغة طفل في عناقنا الدائم ، طفل قد يكبر ..لولا الناس ...صرخت فيك في استغراب : الناس ..الناس يعبثون بالكلمات  ص 92 من قصة "كنا معا في الميدان" "
وتتوزع الأمكنة بين الأحياء والشوارع بالسويس  والجدران المتهرئة، والأرض والقاهرة وشوارعها ونيلها ومحلاتها وميادينها ، وقد حدد الراوي بعض الأماكن بأسمائها الحقيقية ليدرك القارئ أن الأحداث تدور في أماكن محددة بالسويس وأحيائها وشوارعها وفي القاهرة من ميدان التحرير امتدادا للشوارع المؤدية له و الذي يشكل الحصن الحصين للشعب الذي يطالب منه بالحرية والاستقلال وليبقي  معلما من أهم معالمه التي تدل على الانتصار والرقي والتغلب  التي حلت بالمصريين ، يقول: ( حبيبته التي ترتدي في الميدان ألوان البهجة ، كانت تفضل أن يقول فقط انه سيظل لها ، وان ينسي كلمات سوى ذلك من كلمات ص 63 ..)
ويعود الراوي ليكسو المكان بغلالة شفافة من الانبهار والعشق  فيقول: (أعطته طفلا ..ولد ..وقد يكبر رغم عسر مخاضه كما تذكره ..هي ليست متشائمة ، لكن مر بها قبل ذلك كثير ممن يعشقونها ، وتعلمت منهم أن الحب هو ذاته وليس أغنية حلوة الكلمات ..وهي الحبيبية التي تذكر فقط ، إنهما كانا يسيران وأصابع كفيهما متشابكتان ..وأحيانا تقف معه ..لا تعبأ بالبرد لكن تغني ..تغني أغنية لا تذكرها لكن هو يفعل ..كانا حبيبان في جعبتهما بذرة طفل ...قد ولد ..وقد يكبر لو اخلص لها ..طفل بلون الحياة).
مما سبق يتضح لنا أن مضامين هذه المجموعة القصصية( عروسة ورق "تخزي العين ") للمبدع المتميز ياسر محمود محمد قد تمحورت حول الهم الوطني والاجتماعي، وقد يلجأ الراوي إلى السخرية في رسمه للواقع المر، ومن الاختلافات التافهة التي تؤدي إلى الاشتباك والتنازع وسقوط بعض الضحايا دون مبرر في ثورة 25 يناير العظيمة ، كما يتضح لنا بين السطور أن هؤلاء المتصارعين لا يفكرون في مصلحة الوطن والمواطن بل يفكرون في حماية مصالحهم الحزبية الضيقة .
تحية تقدير وإجلال للكاتب السويسي الرائع ياسر محمود علي مجموعته القصصية ، المتفردة والتي وصلت لأعلي درجة من التفرد في رسم الشخصيات والأمكنة وتجسيد الواقع ومعاناته بصورة شفيفة وراقية جدا ، ونحن في انتظار عمله التالي بشوق ولهفة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق