الصفحات

2016/01/02

وقفة مع رؤى فكرية لأبـي القاسم سعد الله بقلم: د.محمد سيف الإسلام بـوفـلاقــة



في ذكرى رحيله
وقفة مع رؤى فكرية لأبـي القاسم سعد الله
د.محمد سيف الإسلام بـوفـلاقــة
-جامعة عنابة-
    تمهيد:
    الحديث عن العلاّمة الجليل،والمؤرخ المفكر،والأديب المبدع،والشاعر الرقيق،أستاذ الجيل شيخ المؤرخين الجزائريين(أبو القاسم سعد الله)،هو حديث شائق،وممتع ،ومفيد،فاستحضار شخصية ذلك المؤرخ الفذ في الواقع،هو استحضار لمدرسة تاريخية،وأدبية متميزة،أسهمت في إثراء الحركة العلمية في الجزائر،وسائر أقطار الوطن العربي، كان هدفها الرئيس هو الحفاظ على تراث هذه الربوع العريقة.
                 لقد ودعت  الساحة الثقافية، والفكرية في الجزائر، والوطن العربي يوم:14-12-2013م،  أحد كبار العلماء  الذين عرفتهم الجزائر في العصر الحديث،يعد من عمالقة التاريخ، والفكر، والأدب في العالم العربي،قضى جل عمره في البحث العلمي،والتأليف،وتكوين الباحثين، وخدمة التاريخ العربي، والإسلامي، فقد ألف، وحقق، وترجم عشرات الكتب التي أفادت، وستظل تفيد أجيالاً من الدارسين، والمثقفين،فهو  أحد رواد النهضة الأدبية بالجزائر،أُطلقت عليه الكثير من الألقاب أشهرها: «شيخ المؤرخين الجزائريين»و«قدوة الباحثين»،و«مؤرخ الأجيال»،و«العلاّمة الزاهد».
         أغنى الدكتور« أبو القاسم سعد الله» المكتبة العربية بنفائس إبداعاته في القصة والشعر، والترجمة، والفكر ،والنقد، والتاريخ الذي يعد مؤسساً من خلال مؤلفاته لمدرسة قائمة بذاتها فيه.
            لقد ساهم الدكتور سعد الله بإنتاجه المعرفي بشكل فاعل في نهضة الأدب الجزائري،حيث عبّر العلاّمة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي عن إعجابه بأبحاثه ودراساته هو ما يزال في سن الشباب،وكتب مقدمة كتابه: «شاعر الجزائر محمد العيد آل خليفة»سنة:1960م بالقاهرة،حيث عبّر فيها عن تقديره العميق لمنجزات الباحث سعد الله ووصفه بالناقد المتميز،وبأنه أحد أبناء الجزائر البررة الذين فُتنوا بالبحث عن الآثار الأدبية والعلمية لعلماء الجزائر في جميع العصور.
            ووصفه الناقد المصري محمود أمين العالم الذي كان صديقاً له عندما كان يدرس بالقاهرة بأنه«أول شاعر عربي في الجزائر يخرج على مألوف التعبير الشعري التقليدي وينتهج الصياغة الجديدة في الشعر،ويبلغ منها شأناً طيباً من الإجادة،وهو زهرة تفتحت في حقول الوعي، والنضال،وتعمقت جذورها واقع أرضنا، وتراثنا العربي القومي،واستلهمت أفضل ما فيه من معان، وقيم، وفضائل».
            لقد كان الدكتور سعد الله موسوعة جامعة، فهو واحد من أعلام الثقافة العربية المعاصرة التي أصيبت برزء فادح بعد رحيله،فقد ترك بصمات واضحة في شتى الميادين العلمية،وخلف عدداً من الدراسات المتميزة ،ولاسيما في مجال التاريخ،فلا يمكن أن يتجاوز آثاره كل من يدرس تاريخ المغرب العربي.
              يُجمع كل من عايشه على أنك لا تراه إلا وهو يدرس وينقب ويبحث،حيث يقول عنه صديقه المؤرخ الجزائري الراحل الدكتور يحيى بوعزيز«إنه علم من أعلام الجزائر الكبار،وعملاق التاريخ الجزائري بلا منازع،قضى كل حياته في البحث، والتنقيب، والاطلاع والدراسة،والتمحيص،فأنت لا تراه إلا وهو متأبط لكتاب، أو مجلة، أو مجموعة أوراق وجرائد،ولا تراه إلا وهو ذاهب أو عائد من الدراسة في المعهد أو المكتبة أو أية مؤسسة تربوية وثقافية».
          يقول الدكتور أبو القاسم سعد الله في حوار أجراه معه الأستاذ بشير حمادي:«بعضهم قد صنفوني من مؤرخي السلطة على أساس أنني أكتب عن قضية الشعب الجزائري،فهؤلاء يطلبون مني أن ألعن السلطة لكي أكون مؤرخاً حقيقياً،وبعضهم صنفني مؤرخاً ضد السلطة لأنني لا أمتدحها و لا أشيد بمواقف رجالها،بل أنتقدها ضمنياً تارة، وصراحة تارة أخرى،والواقع أنني مؤرخ مخضرم،عشت في عهد الاستعمار الفرنسي وهو عهد عاشه الشعب الجزائري كله،ويُعرف بأنه عهد تميز بالتجهيل، والتفقير، والقمع...،و الواقع أنني لا أقيس نفسي لا بهؤلاء ولا بأولئك،ولكنني أترك نفسي لحكم الآخرين لا في زمننا فقط،ولكن فيما يأتي من الزمان،فالمؤرخ يجب أن يكتب عن مسيرة، وليس عن سلطة،عن قضية شعب وليس عن نزوة حاكم،وكما يبحث الإنسان عن الخلود في النصب التذكارية، والأضرحة المحصنة والمساجد الفاخرة، والأوقاف القائمة،كذلك يبحث المؤرخ عن الخلود في مواقفه الثابتة، وآرائه الصادقة...».
            ولد الدكتور  « أبو القاسم سعد الله» سنة:1930م،ببلدة:«قمار»التي تقع بضواحي مدينة وادي سوف،بدأ دراسته ببلدته التي حفظ بها القرآن الكريم،وفي سنة:1947م انتقل للدراسة بجامع الزيتونة بتونس،فتحصل على الشهادة الأهلية سنة:1951م،وعلى شهادة التحصيل سنة:1954م .وفي سنة:1955م انتقل إلى القاهرة،وانتسب إلى كلية دار العلوم التي تخرج منها سنة:1959م بعد أن حصل على شهادة«الإجازة».
           وفي سنة:1960م حصل على منحة إلى الولايات المتحدة الأمريكية،وتحصل  من جامعة منيسوتا على الماجستير والدكتوراه في التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر،وبين سنتي1965-1967م عمل أستاذاً في جامعة أوكلير بولاية ويسكنسن في الولايات المتحدة الأمريكية،وفي سنة:1967م التحق بجامعة الجزائر التي عمل بها إلى غاية سنة:1993م عندما حصل على منحة فولبرايت فمكث  في الولايات المتحدة الأمريكية ثلاث سنوات،وفي سنة:1996م أصبح أستاذاً بجامعة آل البيت بالأردن،كما عمل أستاذاً زائراً في عدة جامعات عربية وعالمية.
             من أهم مؤلفاته:«تاريخ الجزائر الثقافي»في تسعة أجزاء،و  «الحركة الوطنية الجزائرية»في أربعة أجزاء،و «أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر»في خمسة أجزاء ضخمة،و «محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث»،و«بحوث في التاريخ العربي والإسلامي»،و«القاضي الأديب الشاذلي القسنطيني»،و «رائد التجديد ابن العنابي»،و«الطبيب الرحالة:ابن حمادوش»،و«مجادلة الآخر»،و«هموم حضارية»،و«في الجدل الثقافي»،و«منطلقات فكرية»،و«أفكار جامحة»،و«قضايا شائكة»،و«تجارب في الأدب والرحلة»،وغيرها.
      كما ترجم كتاب: «حياة الأمير عبد القادر»لشارلز هنري تشرشل،وكتاب«الجزائر وأوروبا1500-1830»لجون وولف.
  ومن إصداراته الإبداعية ديوان«الزمن الأخضر»،و«سعفة خضراء» مجموعة قصصية.
          من أهم الكتب التي قام بتحقيقها«حكاية العشاق في الحب والاشتياق»للأمير مصطفى بن إبراهيم باشا.،و«مختارات من الشعر العربي»جمع المفتي أحمد بن عمار،و«رحلة ابن حمادوش( لسان المقال)»تأليف عبد الرزاق بن حمادوش،و«منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية»،تأليف:عبد الكريم الفكون،و«تاريخ العدواني»،تأليف:محمد بن عمر العدواني،و«رسالة الغريب إلى الحبيب»،تأليف:أحمد بن أبي عصيدة البجائي،و«أعيان من المشارقة والمغاربة»،تأليف:عبد الحميد بك.
أولاً:نقولا زيادة في مرآة شيخ الـمؤرخين الـجزائريين:
        من بين الكتابات التي لفتت انتباهي ذلك المقال الذي كتبه الدكتور سليمان إبراهيم العسكري تحت عنوان:«نقولا زيادة:عين الرحلة وعقل التاريخ»في العدد:646،شوال1433هـ/سبتمبر2012م،من  مجلة«العربي»الكويتية ، فقد   اطلعت عليه باهتمام بالغ، وشغف كبير،  حيث دعا إلى ضرورة معاودة قراءة كتب العلاّمة نقولا زيادة الرحالة في جغرافيا وتاريخ وطنه العربي،«ليس فقط للاستمتاع بلغته وأسلوبه،وإنما لكونه أحد القلائل الذين احترموا ماهية التاريخ،ومدرسته التي تحتمل الشك بقدر احتمائها باليقين».
         كما أشار الدكتور سليمان العسكري إلى حيادية العلاّمة نقولا زيادة تجاه أمته العربية في مشرقها ومغربها،حيث إنه لم يدع منطقة إلا وكتب عنها.
            وبعد قراءتي لمقال الدكتور سليمان العسكري المتميز،وجدت نفسي ميالاً إلى تقديم رؤية العلاّمة الدكتور (أبو القاسم سعد الله)؛شيخ المؤرخين الجزائريين،كونها تكشف النقاب عن جوانب مهمة من علاقة نقولا زيادة بالمغرب العربي وشمال إفريقيا من خلال منجزاته ومؤلفاته التي درس فيها تاريخ المنطقة،ففي مسيرة العلاّمة نقولا زيادة جملة من الجوانب التي تستحق البحث والتنقيب والدراسة والاكتشاف،فهو رمز من رموز الحضارة العربية ،وصوت تاريخ سيظل صداه يتردد على مر الأجيال والعصور.
          لقد كان الدكتور سعد الله أحد أصدقاء العلاّمة نقولا زيادة،وكان زميلاً له بمعهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة،وهذا ما يشير إليه شيخ المؤرخين الجزائريين ،حيث يقول موضحاً علاقته به:«صدفةً كنا معاً في القاهرة أستاذين زائرين في وقت واحد بمعهد البحوث والدراسات العربية.وفي صباح الثامن من أبريل سنة:1976م جاءني الدكتور نقولا زيادة إلى الفندق مودعاً،فقد أخبرته قبل ذلك بيوم بأنني مغادر القاهرة.وأثناء الحديث القصير الذي دار بيننا أخبرني أنه كان قد زار الجزائر سنة:1951م،وأنه لقي بها عدداً من المثقفين ذكر لي منهم الشيوخ:محمد البشير الإبراهيمي،ومحمد خير الدين،والطيب العقبي،وأحمد بن زكري.كما أخبرني أنه زار العاصمة وقسنطينة وتلمسان وغيرها من المدن.وأنه كتب بعد رجوعه إلى بيروت مقالة عن حركة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين،ونشرها في مجلة(الأبحاث)التي كانت تصدر عن الجامعة الأمريكية( عدد مارس،1952).
      بحكم وجودنا في معهد واحد،وتخصص واحد،وتدريسنا للطلبة أنفسهم؛فقد تعددت لقاءاتنا،كما كنا ضيفين مرات عدة على موائد بعض المؤرخين المصريين أمثال د.أحمد عزت عبد الكريم،ود.جمال زكريا قاسم...وقد تراسلنا بعض الوقت بعد ذلك ثم انقطعت الصلة بيننا لأسباب ».
       و في الجزء الثالث من كتابه الموسوم ب«مسار قلم» الذي هو عبارة عن يوميات، استعاد شيخ المؤرخين الجزائريين ذكرياته مع العلاّمة نقولا زيادة،ومن بين ما ذكره أنه التقى يوم:21مارس1976م بنقولا زيادة حينما كان جالساً مع عبد المنعم ماجد؛رئيس قسم التاريخ بجامعة عين شمس،وقد أخبره الدكتور نقولا زيادة خلال هذا اللقاء أنه كتب بحثاً سنة:1970 عن أربعة مؤرخين جزائريين هم:مبارك الميلي،ومحمد علي دبوز،وعبد الرحمن الجيلالي،وأبو القاسم سعد الله،كما أشار الدكتور أبو القاسم سعد الله إلى لقائه بالدكتور نقولا زيادة بمقر الجمعية المصرية للدراسات التاريخية حينما حضر للاستماع لمحاضرته التي ألقاها عن«الطرق التجارية في الصحراء بين المغرب العربي والسودان القديم»،وقد أعجب المؤرخ سعد الله أيما إعجاب بالعلاّمة نقولا زيادة ووصف محاضرته بالمفيدة،وبأنه كان يملك ناصية اللغة العربية والإنجليزية.
       وقد تعددت لقاءات شيخ المؤرخين الجزائريين بالعلاّمة نقولا زيادة،ودارت بينهما الكثير من المناقشات العلمية المعمقة رفقة عدد من كبار مؤرخي وأدباء الأمة العربية مثل:الدكتور يونان لبيب رزق،وعبد العزيز نوار،وصلاح العقاد،وأحمد عبد الرزاق وغيرهم.حيث يقول الدكتور سعد الله وهو بصدد وصف لقاءاته به  «...ولكن لقاءاتنا كانت مثمرة لكلينا،فهو قادم من لبنان محملاً بأفكار ومشاريع وأنا قادم من الجزائر محملاً بأفكار ومشاريع.فكنا نجلس في بهو الفندق،أو في قاعة الأساتذة بالمعهد أو على مائدة بعض الأصدقاء المصريين ونتحدث ونرسم خططاً لتعاون ثقافي لاحقاً،ولكن عندما يرجع كل منا إلى البلد الذي جاء منه تصطدم الأحلام بالواقع وتتوقف أو تتبخر للأسف.وأذكر أننا التقينا أيضاً في بيروت عدة مرات عند بعض دور النشر،وبعض هذه اللقاءات في القاهرة وفي بيروت مسجلة في يومياتي».
        وحينما قررت إحدى المؤسسات الثقافية الأردنية إصدار كتاب تكريمي يخصص للعلاّمة نقولا زيادة طلبت اللجنة المشرفة على الكتاب من أبي القاسم سعد الله أن يُشارك ببحث عن التاريخ العربي يُنشر ضمن الكتاب التكريمي،فساهم الدكتور سعد الله بدراسة مطولة عن«الأمير شكيب أرسلان والقضية الجزائرية».
     ومن أهم الأبحاث التي كتبها  شيخ المؤرخين الجزائريين عن المؤرخ الكبير نقولا زيادة، بحثه   المعنون ب«نقولا زيادة وشمال إفريقيا»والذي نشر في كتاب«حصاد الخريف»الصادر في طبعته الأولى سنة:2010م،إذ تتجلى أهمية هذا البحث في تقديمه رصداً شاملاً عن جهود نقولا زيادة في دراسة تاريخ شمال إفريقيا،كما يميط اللثام عن رؤى نقولا زيادة للتحولات التاريخية التي وقعت بالمغرب العربي.
        منذ البداية يؤكد شيخ المؤرخين الجزائريين على أن أعمال نقولا زيادة تدل على اهتمامه بأهل المغرب العربي وكفاحهم،وتاريخهم، وذلك-كما يذكر-خلافاً لمعظم المثقفين والمؤرخين العرب في المشرق في عهده،ويشير إلى أن ما لفت نقولا زيادة هو الصراع ضد الاستعمار،كما يظهر في كتبه عن ليبيا وتونس،ثم أدب الرحلة.
           يقول الدكتور سعد الله في مستهل بحثه«إن ورقتنا تدرس علاقة الدكتور نقولا زيادة بالمغرب العربي( شمال إفريقيا)من خلال كتاباته.وسنبدأ بالأقدم منها ثم نتابع تطور أفكاره حول المنطقة.وقد لاحظنا أنه بالإضافة إلى الكتب نشر بحوثاً ومقالات بالعربية والإنجليزية عن المنطقة أشار بنفسه إلى بعضها في ثنايا مؤلفاته.ولا ندري متى بدأت بالضبط علاقته بأقطار المغرب العربي وأهلها،ولكن يبدو لنا أنها لا ترجع إلى أبعد من سنة:1946م حين نشر أول كتاب له دعاه(صور من التاريخ العربي)،وهو كتاب-كما يدل عنوانه-ليس خاصاً بالمغرب العربي.فقد ضمنه صوراً تاريخية عنه وعن الأندلس».
               ويتساءل شيخ المؤرخين الجزائريين عن أسباب اهتمام نقولا زيادة بالمغرب العربي خلافاً لمعظم المثقفين الشرقيين في ذلك العهد؟ويقول عن هذا السؤال بأنه قد لا يجد الجواب الشافي له الآن.
     «ذلك أنه لم يكشف عن الجواب في مؤلفاته وبحوثه:فهل هو مجرد الاهتمام بمنطقة معزولة في زمن أخذت فيه حركات التحرير تنشط،ومنها حركات المغرب العربي التي كان على رأسها في المشرق خلال الثلاثينيات أمثال:عبد العزيز الثعالبي(تونس)،و عبد الكريم الخطابي(مراكش-المغرب)،والفضيل الورتلاني(الجزائر)،وإدريس السنوسي(ليبيا)؟»
           ويضيف الدكتور سعد الله«هل كان اهتمام أهل الشام بالأندلس هو الذي قاد الدكتور زيادة إلى البحث في آداب وسفارات الأندلسيين والمغاربة فكان لابد من الدخول إلى البيوت من أبوابها؟
      وربما تكون هناك علاقة بينه وبين الإنجليز خلال الحرب العالمية الثانية وهي التي كانت وراء اهتمامه بالجناح المغربي للطائر العربي الكبير،وهذه العلاقة هي التي عبرت عنها رحلته الأولى إلى برقة(بنغازي) سنة:1949م،ونتج عنها كتابه(برقة الدولة العربية الثامنة).
           وربما يقول آخر:إن الاهتمام الأكاديمي هو الذي كان وراء علاقة نقولا زيادة بالمغرب العربي.ذلك أنه فيما بدا لنا كان من أوائل المهتمين بالتاريخ في خدمة المجتمع أو التاريخ الاجتماعي وإعادة تفسير التاريخ في ضوء الواقع،وبأدب الرحلات كفن وتاريخ اجتماعي.وقد كان المغاربة من أبرز من كتب في الرحلة ووصف العالم،ابتداءً من الإدريسي مروراً بعشرات الرحلات التي انطلقت من الأندلس وبلاد المغرب.ويبدو أن الجغرافية والرحلات كانت تجد اهتماماً خاصاً لدى نقولا زيادة فبدأ بها،وقد ظهر ذلك في كتابه(الرحلات والجغرافية عند العرب)،وهو الكتاب الذي تحدث فيه عن رحالة المغرب العربي وكتاباتهم عن مدنهم وأهلهم وأحوالهم».
          كما لاحظ شيخ المؤرخين الجزائريين أن العلاّمة نقولا زيادة لم يغط بمؤلفاته السياسية الحديثة كل أقطار المغرب العربي،واكتفى بقطرين حديثي العهد بالاستقلال هما ليبيا وتونس،حيث خص ليبيا بمؤلفين أحدهما تناول فيه إقليم برقة أو بنغازي فقط،ووصل فيه إلى مشارف الاستقلال.أما الكتاب الثاني فقد تطرق فيه إلى القطر الليبي وهو يقاوم الاحتلال الإيطالي ويعاني من تداول الإدارات(العثمانية والإيطالية والإنجليزية) عليه ثم هو دولة مستقلة. في حين تناول   القطر التونسي في عهد الاحتلال،وتوقف مع سنوات الإصلاح الوطني التي انطلقت مع أحمد باي،ثم  الحماية الفرنسية.
     توقف الدكتور أبو القاسم سعد الله مع مؤلفات العلاّمة الرائد نقولا زيادة حسب تسلسل ظهورها:
 1-بالنسبة إلى كتاب:«صور من التاريخ العربي» فهو يحتوي على سبعة أقسام تتناول المجتمع العربي في مشرقه ومغربه،وفي القسم الثاني منه تحدث عن جزر البحر الأبيض المتوسط،وتطرق إلى أخبار الفتوح العربية في هذه الجزر(قبرص،كريت،صقلية،مالطة،سردينية...)،ولم يغفل الحديث عن العمران العربي الإسلامي الذي نشأ في هذه الجزر،وبلاط روجر ملك النورمان،والرحالة ابن جبير.
          كما تطرق فيه إلى الأندلس وتاريخها الأدبي والحضاري،وهو كتاب لم يكن مخصصًا كله للمغرب العربي(شمال إفريقيا)،ولذلك فقد اتسم بالتنوع فتحدث نقولا زيادة عن كاهن(حائك)الوادي آشي،والعلاقات الأندلسية-البيزنطية،وحياة الأندلس من مجالس أنس وأدب وبذخ اجتماعي.
2-أما كتاب«برقة الدولة العربية الثامنة»،والذي صدر سنة:1950م،بعد أن زارها نقولا زيادة سنة:1949،وعمل فيها لمدة سنة مساعداً لمدير المعارف البريطاني،وهذا ما جعله-كما يقول الدكتور سعد الله-يعرف البلاد وأهلها عن كثب،ويشعر بحب شديد لها ولهم،وهذا الكتاب في أصله ألف  للتعبير عن وفائه لأهلها كما أوضح ذلك في المقدمة.
             انطلق نقولا زيادة في كتابه هذا من وصف المدينة وصفاً جغرافياً،فذكر«شواطئها وتعرجاتها كما ظهرت له من الطائرة التي نزل بها المدينة المخربة التي كانت مسرح معارك خلال الحرب العالمية الثانية،فوصف اتصالها بالصحراء وصعوبة الصعود منها ومن سواحلها إلى الجبل الأخضر مهما كان اتجاه الصعود،وذكر بالأسماء الرومانية بعض الأماكن التي أصبحت لها أسماء عربية.وصرح بأنه قد أخذ معلومات الكتاب من الرسائل التي كان يبعث بها إلى زوجه،فكان ينقل أحياناً من نصوص الرسائل حرفياً.كما جاء ببعض الخرائط الاقتصادية للمدينة وإحصاءات عن ثروات برقة من الجمال والخيول والأبقار والأغنام وحتى الماعز والحمير،بالإضافة إلى القمح والشعير والخضار والفواكه وأشجار النخيل والثروة السمكية».
         كما تحدث كذلك عن الفتح الإسلامي لبرقة على يد عمرو بن العاص ثم عقبة بن نافع،وقد وقع ذلك بعد فتح الإسكندرية،حيث تابع عمرو بن العاص مسيرته إلى طرابلس،وتابع عقبة مسيرته إلى فزان،وبعدها توالى الولاة المسلمون على مصر وبلاد المغرب التي كانت تابعة إلى ولاة مصر في بداية الأمر.
            وقد نقل الدكتور نقولا زيادة ما أورده الإدريسي عن انتشار الإسلام واللغة العربية بين البربر،وكيف قدمهم المسلمون وشاركوهم في كل شيء، الأمر الذي سهل اعتناقهم الجماعي للإسلام،ولم تكن لهم لغة مكتوبة فوجدوها في اللغة العربية،كما نقل كذلك ما كتبه ليون الإفريقي(الحسن الوزان) عن المنطقة،وتحدث عن فرسان القديس يوحنا،وعن التقسيم الإداري في ليبيا في العهد العثماني،ودخولها تحت مظلة الدولة العثمانية.
    وقد أشار الدكتور أبو القاسم سعد الله إلى أن العلاّمة نقولا زيادة قد أعطى اهتماماً خاصاً للسنوسية بصفتها طريقة وحركة«فتحدث عن ظهورها وتعاليمها ونظام زواياها وتأثيرها،وعن زعمائها الأربعة،وهم:محمد بن علي(ت:1859)،وابنه المهدي(ت:1902)،وأحمد الشريف(ت:1918 )،ومحمد إدريس الذي كان حياً عند كتابة الكتاب.وذكر من زواياها البيضاء والكفرة وجغبوب.ودعم انتشارها بخريطة،كما تحدث عن علاقة السنوسية بتركيا الفتاة، وعن الاعتداء الإيطالي على ليبيا بجيش قوامه34.000،و6.300فارس،بينما عدد القوات العثمانية في القطر الليبي كله لا تتجاوز4.210جنود.
       وفي الكتاب وصف لمقاومة أهل برقة للاحتلال الإيطالي وحركة الجهاد الليبي التي استغرقت حوالي عقدين،وقد وصف القائد غرازياني بالفاتك لأنه أسر رمز المقاومة عمر المختار،ونصب له محكمة صورية حكمت بإعدامه.وقد زار مكان الإعدام فاندهش من قلة المترددين عليه بعد أن كان يعج بالناس-حسب تعبيره-فاقترح إقامة نصب تذكاري لعمر المختار.وقسم مراحل النظام السياسي والإداري بعد ذلك بحسب السلطة،فهذا الاستعمار الإيطالي بقي إلى1942 بإدارة عسكرية،وأنشأ عدة قرى أصبحت لها اليوم أسماء عربية،كما استولى الإيطاليون على الأراضي الخصبة،وعملوا على تجهيل السكان.ثم ظهرت حركة التحرر بعد هجرة كثير من الليبيين إلى مصر حيث انطلقت المقاومة ضد إيطاليا.
      أما الوضع سنة:1949 فقد اختلف،إذ كان السنوسي يتردد على ليبيا مما أسهم في تهدئة الخواطر،حسب رأي المؤلف.ثم جاء الحكم البريطاني فوضع أسساً لنظام مختلف،واعترف بإدريس حاكماً(ملكاً)على برقة،ثم تطور هذا الحكم إلى الاستقلال الداخلي قبل أن تنال ليبيا استقلالها الكامل في فاتح سنة:1952،بينما أعلنت فرنسا استقلال فزان في سنة:1950».
3-الجغرافية والرحلات عند العرب:وهو كتاب يشتمل على عدة فصول من ضمنها فصل بعنوان«تونس وجغرافيو العرب»،وآخر عن ابن بطوطة الذي يسميه الدكتور نقولا زيادة شيخ الرحالين،إضافة إلى فصل  عن رحلة التجاني التونسي،وفصل موسوم ب«رحالة من المغرب».
        تطرق نقولا زيادة في أحد فصول الكتاب إلى بلاد المغرب في عرف الجغرافيين العرب،حيث إنها تعني عندهم«المنطقة الممتدة من مصر إلى المحيط الأطلسي»،وربما أدخلوا في ذلك الأندلس أيضاً،وقد أشار إلى ما كتبه ابن حوقل في كتابه«صورة الأرض» عن مدن القطر التونسي،وبالنسبة للجزائر أو المغرب الأوسط،فقد أورد ما جاء في كتاب أبي الفداء من تعريف لمدينة وهران،حين قال عنها:«إنها مدينة في بلاد البربر على ضفة البحر،وهي تبعد عن تلمسان مسيرة يوم». ونقل أبو الفداء عن المقدسي أن وهران تقابل الأندلس.كما لم يهمل الحديث عن بعض المدن الصحراوية النائية وعمرانها في تونس وليبيا مثل: غدامس وفزان وودان وزويلة،وبعض الجبال مثل: جبل قفصة وجبل وسلات.
       وقد نقل نقولا زيادة عن ابن سعيد ما ذكره بالنسبة لمدينة أوجلة الصغيرة المتحضرة الرابطة في الميدان التجاري بين الصحراء وبلاد السودان، كما تحدث عن مدن المغرب الأقصى طنجة وسبتة وفاس،وكما كانت تلمسان محل اهتمام ابن سعيد فقد شغلت اهتمام نقولا زيادة كذلك،حيث وصفها كل منهما بأنها« مدينة مشهورة مسورة،لها ثلاثة عشر باباً،وبخارجها أشجار وأنهار.وهي قاعدة ملوك بني عبد الواد(الزيانيين).وقد أضافا إليها بجاية الواقعة وسط الجزائر وقسنطينة الواقعة بشرقها.واعتبر ابن سعيد بجاية قاعدة المغرب الأوسط ،ولها بساتين على ضفتي نهرها،وتقابلها مدينة طرطوشة في الأندلس.وقال:إن جزائر بني مزغنة(مدينة الجزائر حالياً) تقع غربي بجاية بينما مرسى الخرز الشهيرة  بالمرجان فتقابله جزيرة سردينية.كما ذكر أن قسنطينة لها نهر يصب في خندق سحيق حتى أنه يحدث دوياً هائلاً.وقسنطينة هي آخر مملكة بجاية وأول مملكة إفريقية(تونس).وتحدث عن ثرائها بالحبوب التي تحفظ في المطامير مائة سنة ولا تفسد.ولها أسواق وتجارة،وسكانها من البربر،ويصلها بالمسيلة جبل متصل».
        وقد قدم المؤرخ الكبير نقولا زيادة رأيه في تاريخ الرحلة من المغرب إلى المشرق،و ذهب إلى أن رحلات المغاربة إلى المشرق أكثر من رحلات المشارقة إلى المغرب لأسباب منها أداء فريضة الحج،ووجود مراكز العلم الأولى.وقد اختار ثلاثة رحالة هم:ابن جبير وابن سعيد والعبدري.وبعضهم من مثقفي الأندلس وبعضهم من مثقفي المغرب وهذا يدل-كما يقول الدكتور سعد الله-على عناية نقولا زيادة بهذه المنطقة من العالم العربي والإسلامي.
      كما اهتم كذلك بالرحالة المغربي ابن بطوطة،واستغرب من كونه قضى ثمانية وعشرين عاماً في الرحلة قاطعاً مائة وعشرين ألف كلم،لذلك فقد دعاه«شيخ الرحالين العرب وسيد الرحالين في القرن الثامن الهجري(الرابع عشر الميلادي)».
       وقد لاحظ  نقولا زيادة أن من خصائص رحلات ابن بطوطة أنه كان قليل الاهتمام بالمدن والأرض كثير الاهتمام بالناس،ومنهم العلماء والأولياء،ولذلك اعتبره رحالة متميزاً ومؤرخاً اجتماعياً بارعاً،كما أورد كذلك بعض النصوص من رحلة ابن بطوطة عن المغرب وحكم السلطان أبي عنان المريني،وقارن فيها بين خيرات ورخص السلع في المغرب وغلائها في مصر والشام والخليج،كما تحدث فيها عن بعض عادات المغرب والمشرق.
 4-محاضرات في تاريخ ليبيا من الاستعمار الإيطالي إلى الاستقلال: أصل هذا الكتاب مجموعة من المحاضرات  عن تاريخ ليبيا  ألقاها نقولا زيادة على طلبة قسم الدراسات التاريخية والجغرافية بمعهد البحوث والدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية . وقد ذكر أنه يضعها «بين يدي القارئ العربي،آملاً أن يفيد منها بالقدر الذي أفدته أنا في إعدادها».
         وقد بدأ كتابه هذا بخريطة شاملة لليبيا،«وقسمه إلى عشرة فصول هي:البلد وأهله،وشيء من التاريخ،وهما فصلان تمهيديان فقط لأن اهتمامه كان منصباً على الاحتلال الإيطالي وما بعده ثم على ليبيا في القرن19،والسنوسية،وليبيا وإيطاليا(في فصلين بنفس العنوان)،وليبيا من1943إلى1949،ثم مصر وجامعة الدول العربية،وقضية ليبيا في المحافل الدولية ونحو الاستقلال.
         احتوى كتاب المحاضرات أيضاً على عدد هام من الملاحق:منها دستور المملكة الليبية المتحدة،والقانون الأساسي لولاية برقة،والقانون الأساسي لولاية فزان مذكراً  بأنه لم يسجل جميع الوثائق التي صدرت عن مندوب الأمم المتحدة مثل التقارير ومناقشات الجمعية العامة لقضية ليبيا.ولكنه أورد قائمة بكتب مختارة باللغتين العربية والأجنبية،ناقلاً عن القدماء والمحدثين من الليبيين وغيرهم؛مثل:الزاوي والسنوسي والحشائشي وشكري والكعاك».
        وقد ركز نقولا زيادة على السنوسية والعلاقات الليبية الإيطالية،وأشار إلى علاقة السنوسية بحركة تركيا الفتاة،حيث رأى أنها لم تتأثر بها،كما لم تتأثر بسقوط السلطان عبد الحميد سنة:1908م،لأن السنوسية لم تكن راضية عما كانت ترمي إليه حركة تركيا الفتاة  من تتريك العرب،ولا راضية عن خطط الحركة لإلغاء الخلافة،حتى أن النائبين اللذين انتخبا لمجلس النواب العثماني كانا معارضين لجمعية الاتحاد والترقي.
        كما نبه الدكتور نقولا زيادة إلى أن«الإيطاليين اعتقدوا خطأً أن تسامح السنوسية مع الأتراك عن طريق تمكينهم من رفع علمهم على واحتي الكفرة وجغبوب سيجعل السكان يستقبلون الإيطاليين بالأحضان ويثورون ضد الأتراك،ولكنهم كانوا مخطئين.وتحدث عما عرف بالجمهورية الطرابلسية سنة:1918،أي: بعد خروج العثمانيين نهائياً،وعن تكوين مجلس شورى من خمسة وعشرين عضواً من أعضاء الحكومة الجديدة.وقال:إن طرابلس لم يصبها ما أصاب بني غازي وطبرق من تدمير خلال الحرب العالمية الثانية.
      أما بريطانيا التي حلت محل إيطاليا بعد انتهاء الحكم الفاشيستي،فقد اهتمت بالإدارة رغم أن ليبيا ظلت تتبع وزارة الحربية البريطانية لا وزارة الخارجية.وقد أشاد بما قامت به بريطانيا من أعمال في ليبيا مثل فتحها103  مدارس ومستشفيين اثنين في مصراتة وطرابلس.ولمح إلى أن ما قامت به بريطانيا في ليبيا يعتبر في درجة الإنجازات،وربما كان ذلك هو السبب الذي جعل الإيطاليين يرغبون في الرجوع إلى ليبيا بعد أن كانوا غادروها».
5-تونس في عهد الحماية1881-1934:  وصف الدكتور أبو القاسم سعد الله هذا الكتاب بأنه كتاب ظرفي كتبه نقولا زيادة بعد مرور بضع سنوات على استقلال تونس وقدمه لمعهد الدراسات العربية العالمية في شكل محاضرات ألقاها على طلبة قسم الدراسات التاريخية والجغرافية بالقاهرة،وقد جعله في خمسة فصول  ومجموعة من الملاحق.
           خصص  الفصل الأول للحديث عن جغرافية وتاريخ تونس منذ أقدم العصور مع التركيز على الفتح الإسلامي العربي،ثم عصور الولاة،والأغالبة،والدولة الفاطمية،والدولة الصنهاجية،والتغريبة الهلالية،والدولة الموحدية،والدولة الحفصية،والاحتلال الإسباني،والاحتلال العثماني،ثم الحماية أو الاحتلال الفرنسي،مع نبذة عن العلاقات بين تونس والدول الكبرى الأخرى.
      وتحدث في الفصل الثاني منه عن النهضة التونسية في القرن التاسع عشر،فذكر إصلاحات أحمد باي،ومحمد باي،ثم محمد الصادق باي،وإصلاحات خير الدين باشا التونسي،ومساهمة محمد قبادو،ومن هذه الإصلاحات حصول تونس على شبه دستور لأول مرة في تاريخ دولة عربية مسلمة،وهو المعروف بعهد الأمان(1858).
      وقد كرس نقولا زيادة الفصل الرابع من كتابه هذا للحديث عن علاقات تونس مع أوروبا أثناء العهد العثماني،وكيف تطورت إلى الاحتلال الفرنسي،وتحدث في الفصل الخامس عن الحماية الفرنسية وما أحدثته من تغييرات في المجتمع التونسي،ولاسيما منها تلك التغييرات التي أدخلها المقيم العام الفرنسي.كما دعم كتابه هذا بمجموعة من الملاحق التي تتصل بتاريخ تونس الدبلوماسي من مراسلات ومعاهدات ونحوها قبل الحماية الفرنسية.
         يؤكد شيخ المؤرخين الجزائريين في ختام بحثه هذا على أن نقولا زيادة قد تعمق في دراسة أحوال المغرب العربي وتجول في مراحله التاريخية من العصور الإسلامية المزدهرة إلى مراحل الاستعمار المزرية.وقد كانت دراسته للمنطقة تبعاً للمنهجية التاريخية التي اتبعها المسلمون السابقون باعتمادهم الوصف أكثر من التحليل والنقد.وقد كان نقولا زيادة في(صور من التاريخ العربي)،وفي(الجغرافية والرحلات عند العرب)معجباً بمساهمة أهل المغرب في هذين التخصصين(الجغرافية والرحلة)فنقل عن بعضهم وأعجب باستنتاجاتهم وتعاطف مع محزونهم ،و« لا يخفى أن نقولا زيادة مؤرخ اجتماعي،فقد اهتم بحركة الناس في مختلف ميادينهم اليومية،من عادات وأسعار وتجارة ومصاهرة بين العائلات وحياة الحضر والبدو ونشاط الأسواق،ثم الحياة الدينية والعلمية والأدبية،ودور المدن وما إلى ذلك.كما اهتم بالعلاقات بين الشرق والغرب ولاسيما السفارات بين الحكام المسلمين والحكام الغربيين.هذا عن بعض كتبه العامة والتي تناول فيها أخبار بلاد المغرب.أما كتبه التي تناول فيها بالتحديد ليبيا وتونس فقد اهتم بالحركات الإصلاحية والتحررية وبالنظم الإدارية التي سنتها كل دولة مستعمرة ثم مقاومة الاحتلال بمختلف أشكال المقاومة.أما لغته فلم تكن هجومية ولا سافرة رغم قرب العهد من الأحداث،بل كان يعالج مواضيعه بلغة محايدة هادئة مع أسلوب شفاف هو أقرب إلى الصياغة الأدبية الطلية منه إلى الصياغة العلمية الجافة».
 ثانياً:نور الدين عبد القادر في مرآة شيخ المؤرخين الجزائريين:
                   قدم شيخ المؤرخين الجزائريين بحثاً وافياً عن واحد من الباحثين المغمورين،الذين أغمط حقهم من الظهور،والإشادة، والتنويه، وهو الباحث«نور الدين عبد القادر1890-1981م».ويندرج هذا البحث في إطار سعيه،وعمله الجاد والدؤوب للملمة شتات الذاكرة الوطنية الجزائرية، وتتجلى أهمية كتاب شيخ المؤرخين الجزائريين،والمعنون ب: « باحث مغمور ،نور الدين عبد القادر1890-1981م،أستاذاً وكاتباً ومُترجماً»،والذي صدر عن منشورات المجلس الإسلامي الأعلى بالجزائر،من حيث إنه يُسلط الضوء عن باحث مغمور لم يحظ بالعناية الكافية من لدن الباحثين،على الرغم من إسهاماته الكبيرة، وإنتاجه الغزير والمتنوع،فلم يُسبق أن كُشف النقاب عن جهوده،وآثاره، وخدماته،فقد أضحت مساهماته على الرغم من غزارتها ،وتنوعها مجهولة تقريباً،إلا عند البعض من تلاميذه، وزملائه ،ومن هنا تأتي أهمية كتاب الدكتور أبو القاسم سعد الله فهو  أول  كتاب يصدر عن الباحث نور الدين عبد القادر.
    وقد اشتمل الكتاب على مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة. في مقدمة الكتاب يتحدث الدكتور أبو القاسم سعد الله عن قصته مع إنجاز هذا البحث عن نور الدين عبد القادر،فيشير إلى أن الفكرة قد نبعت عندما كان يبحث عن موضوع يشارك به في إحدى دورات مجمع اللغة العربية بالقاهرة،فرغب في تناول شخصية عاشت في العهد الفرنسي، وأسهمت في الحفاظ على اللغة العربية، وترقية التأليف، والتدريس بها،ونظراً لرغبته في عدم تناول موضوع مطروق،وشخصية تحدث حولها الكُتّاب،فوقع اختياره على عبد القادر الحميدي،أو نور الدين عبد القادر كما أصبح معروفاً  من بعد.
    كما يتحدث الدكتور سعد الله في مقدمته عن الجهود الكبيرة التي بذلها في سبيل العثور عن معلومات عنه،والنهوض بهذا البحث،ويذكر بأنه وفي كل مرة يسأل فيها عنه مع بعض من بقي على قيد الحياة من أبناء جيله يرجع فيها خائباً،حيث يقول عن هذا الأمر:« بدأت أبحث عن حياته وآثاره،وأسأل عنه من بقي على قيد الحياة من جيله. ولكن المعلومات كانت شحيحة، وفي كل مرة كنت أرجع من بحثي خائباً. وكان يبدو لي أن نور الدين هذا قد عاش في عصر آخر»)1(.
   و بعد الجهود الكثيرة التي بذلها الدكتور أبو القاسم سعد الله ،وذهابه إلى الحي الذي رأى فيه نور الدين عبد القادر سنة:1972م،ومحاولته استقصاء معلومات عن حياته مع عائلته، وتلاميذه ،خلص إلى أن المصدر الحقيقي لحياة نور الدين عبد القادر هي تآليفه، ومقالاته،فمن خلال اختياره لمواضيعها، وعناوينها،وتنوعها، وأسلوبه في كتابتها يمكن معرفة صاحبها،و إدراك مدى علمه،ومعارفه، وتوجهاته،حيث يذكر أن مقالاته الصحفية، وبحوثه في فنون المعرفة المستمدة من كتب التراث،هي مصدر لمعرفة حياة نور الدين،« أما المصدر الأخير فيتمثل في علاقته ببعض المستعربين والمستشرقين الفرنسيين،فقد كان يتعاون مع هؤلاء لترجمة النصوص،ونماذج من الحضارة العربية الإسلامية.ومن أبرز الذي تعاون معهم هنري جائي(جاهيه) الذي ترجم ونشر معه بعض آثار ابن سينا،وقصيدة الصيد،وربما قدم خدمات علمية لهنري بيريز الذي يسميه(أستاذنا). وقد ترجم لبعضهم في مقالاته مثل إدمون فانيان المتخصص في المخطوطات العربية»)2(.
حياتـه وعائلتـه:
      يتطرق الدكتور أبو القاسم سعد الله في الفصل الأول من الكتاب لحياة وعائلة نور الدين عبد القادر،وفي تمهيده لهذا الفصل قدم لمحة موجزة عنه،حيث أشار  إلى أن نور الدين عبد القادر واحد من المثقفين المغمورين الذين خدموا اللغة العربية،والتراث الإسلامي ببلاده الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي،وقد عاش حياته كاتباً،ومُدرساً، ومُترجماً كما تخرج«على يديه عدد من الطلبة الذين أصبحوا في مناصب عليا لثقافتهم المزدوجة بعد استقلال بلادهم،كما تعاون مع بعض المستعربين الفرنسيين في ترجمة نصوص ذات قيمة من التراث العربي الإسلامي مثل:أرجوزة ابن سينا في الطب،وقصيدة الفجيجي في الصيد، وسلط الأضواء على عدد من أعلام التراث أمثال:ابن رشد، وابن خلدون، وابن أبي أصيبعة، وابن حمادوش،أو الذين خدموا التراث من المستعربين أمثال إدمون فانيون، وإتيان كاترمير، وسلفستر دي صاصي،والبارون دي سلان. وقد حقق ونشر مجموعة من الكتب في شتى أنواع المعرفة، وكلها تصب في خدمة التراث واللغة العربية»)3(.
     ويذكر المؤلف في مبحثه عن أولياته بأن عبد القادر بن إبراهيم الحميدي،ولد بمدينة الجزائر سنة:1890م،وقد نشأ في بيئة شعبية محافظة على التقاليد العربية الإسلامية، وبالنسبة لتعلمه للغة العربية،وحفظه للقرآن الكريم فالدكتور سعد الله يرى أن رصيده الديني واللغوي الذي ظهر في تآليفه،وسلوكه«يبرهن على أنه كان قد حفظ على الأقل نصيباً من القرآن، وأنه كان متمرساً على اللغة العربية منذ نعومة أظافره.أما تعلمه للغة الفرنسية وعلومها فالظاهر أنه أخذها في مدرسة فرنسية متخصصة للأهالي(الجزائريين) وهي مدرسة تعلمهم مبادئ اللغة الفرنسية التي تؤهلهم للعمل عند الفرنسيين،وتسلبهم انتماءهم الحضاري بالتركيز على تاريخ وجغرافية فرنسا،وعلى أجدادهم هم(الجولوا) أو سكان فرنسا القدماء. على أن هناك من ذهب إلى أن عبد القادر قد تعلم الفرنسية عند الآباء البيض،أو جمعية المبشرين التي كانت نشطة في عهد طفولته،وهناك من قال إنه قضى عندهم حوالي عشرة أعوام»)4(.وقد كانت وفاة نور الدين  عبد القادر يوم:12نيسان-أفريل1981م.
   وبالنسبة للقبه الذي استبدله من عبد القادر الحميدي إلى نور الدين عبد القادر،فالدكتور سعد الله يذكر أن اختياره للقب مستقل عن أهله هو أمر غير معروف،وقد تساءل هل كان ذلك بدافع نزوة شبابية؟أم لخلاف عائلي؟أو لسبب سياسي أو اجتماعي؟
 وعندما سأل الدكتور أبو القاسم سعد الله الشيخ عبد الرحمن الجيلالي الذي يعرف نور الدين عبد القادر شخصياً،أجابه بأن عبد القادر الحميدي قد غير لقبه إلى نور الدين«دفعاً للشبهة». 
الدراسة والتدريس:
     الفصل الثاني من الكتاب،موسوم ب:«الدراسة والتدريس»،وقد تطرق فيه شيخ المؤرخين الجزائريين إلى رحلة نور الدين عبد القادر مع الدراسة، والتدريس،حيث يذكر أن دخوله إلى المدرسة الثعالبية كان في حوالي سنة:1908م، وقد بقي بها حوالي سبع سنوات، وقد درس فيها العلوم العربية من توحيد، وفقه، وأصول، وعروض، وأدب،كما درس كذلك العلوم الفرنسية من لغة، وتاريخ، وجغرافية، وحساب،وبعد أن تولى وظيفة عدل تفرغ للتعليم، وُعين في سنة:1916م،مدرساً في مسجد شرشال،وبعد ذلك أصبح مُدرساً في مدرسة تلمسان الرسمية،والتي قضى فيها مدة طويلة،وبعد تلمسان اقترب من العاصمة،ودرّس في مساجد المدية،ويذكر المؤلف أن نور الدين عبد القادر فيما يظهر كان«يملك مكتبة تتيح له التفرغ للبحث والتدريس،وكان يتابع حركة التأليف في المشرق بحيث لا تكاد تفوته أحدث الكتب المطبوعة. وربما كان له امتياز خاص في دخول المكتبة العمومية أيضاً. ومن ثمة اطلاعه على أحدث ما نُشر في لندن، وباريس، وبرلين، وما تنشره المجلات المتخصصة،مثل:المجلة الآسيوية، ومجلة المستشرقين الفرنسيين. وظل نور الدين يمتهن التدريس في العاصمة أيضاً بعد تحوله إليها.فعلم في مساجدها ومدارسها. ويقول الشيخ الجيلالي المعاصر له إنه كان يتردد على المكاتب(المدارس)للتدريس بها،ومنها مدرسة الشبيبة،وبعض المساجد كالجامع الجديد. وقد أشار نور الدين نفسه عدة مرات على أغلفة الكتب التي ألفها أو ترجمها إلى أنه أستاذ بالثانوية الفرنسية الإسلامية،أو أنه مدرس في معهد الدراسات العربية التابع أيضاً لنفس الجامعة،والذي كان يُشرف عليه المستعرب هنري بيريز» )5(.
 كما يؤكد الدكتور أبو القاسم سعد الله على أنه قد تعاطى التدريس أيضاً في الثعالبية،وربما أنه قد عمل معاوناً لبعض الأساتذة في جامعة الجزائر،وقد كان متخصصاً في النحو،والصرف، وقواعد اللغة العربية،وقد درّس في الثعالبية التاريخ، والجغرافيا، ومقدمة ابن خلدون،ومجموعة من الكتب ذات الطابع الفلسفي والاجتماعي.
  ومن أبرز تلاميذه:الباحث علي مراد، والفقيه محمد شارف،والعالم الشريفي بلحاج، والوزير عبد الرحمن بن حميدة، والوزير الدبلوماسي الأخضر الإبراهيمي.
   كما تطرق الدكتور أبو القاسم سعد الله في هذا الفصل إلى قضية تعد غاية في الأهمية،وهي قضية موقفه من واقع بلاده،حيث يقول عن هذا الموضوع:«لم يدخل نور الدين معترك الحياة الوطنية في أي شكل من أشكاله،ولكننا في نفس الوقت لم نعرف عنه أنه تبنى رأياً أو انضم إلى هيئة مناوئة للحركة الوطنية. ولم نقرأ له كلاماً يقدح أو يمدح أي زعيم سياسي أو إصلاحي.بل لم نعرف عنه أنه انضم حتى إلى الجمعية الخيرية التي كان يرأسها الشيخ الطيب العقبي،والتي لم يكن لها في ظاهر الأمر مواقف سياسية...،ومن الملاحظ أن نور الدين لم يكتب فيما اطلعنا عليه،إلا عن المتقدمين من العرب والمسلمين،ولكنه نوه ببعض المعاصرين من الفرنسيين(ميرانتj.Mirante،بيريز،فانيان...)،وقد عرفنا أنه تعاون مع المستعرب هنري جاهيه في نشر بعض كتب التراث العلمي. وحدثت في وقته نكبة فلسطين والثورة التحريرية الجزائرية، وأحداث عربية وإسلامية أخرى، ولكنه اعتصم بالصمت إزاءها»)6(. وكذلك فاسمه لم يذكر في أنشطة الجمعيات، والحركة الوطنية، كما أن الكثير من الأحداث الهامة التي وقعت في الجزائر،مثل: الاحتفال المئوي باحتلال الجزائر سنة:1930م،وظهور مجموعة من التنظيمات السياسية،والاجتماعية،والثقافية الوطنية ،بزعامة  مجموعة من الرواد مثل:العلاّمة عبد الحميد بن باديس، والأمير خالد، ومصالي الحاج، والشيخ البشير الإبراهيمي،كما أنه كان شاهداً على حربين عالميتين أثرتا على بلاده،وعلى محيطه العربي الإسلامي،ومع ذلك فجميع هذه الأحداث  لا تظهر أصداؤها في كتاباته، ومواقفه، وآرائه،وقد ختم الدكتور سعد الله هذا الفصل بقوله:« لماذا عزف نور الدين عن المشاركة في الحياة العامة بينما كان كثير من المصلحين والأدباء والشعراء والصحافيين المنحدرين من بسكرة ونواحيها ينشطون على مستوى العاصمة بل على مستوى القطر كله؟لقد قيل إنه ألح على صهره الشيخ الطيب العقبي ألا يحاول الزج به في السياسة.هل هناك أسباب عائلية أو شخصية حالت بينه وبين هذه المشاركة؟ إن حياته على هذا النحو تذكرنا بحياة شيخه محمد بن أبي شنب الذي كان عالماً مُتفرغاً للبحث والتدريس دون المشاركة أيضاً في الحياة العامة، وكذلك الشيخ عبد القادر المجاوي» )7(.
مـؤلفاته:
    وفي الفصل الثالث من الكتاب سلط الدكتور أبو القاسم سعد الله الضوء على مؤلفاته،وقد قام بتصنيفها إلى أربعة أصناف:في اللغة العربية، وفي التاريخ والتراجم، وفي الطب والفلسفة، وفي الأدب والتراث عموماً.
 وأغلب كتبه التي تعرض فيها للغة العربية هي كتب تعليمية موجهة إلى المدرسين،والتلاميذ، والطلاب في مختلف المستويات،وهي:«الرسالة الصرفية»،و«الآجرومية على طريقة السؤال والجواب مع إعراب الأمثلة وشرحها»،وكتاب:«أساس العربية لتعليم الحروف الهجائية»،و«إعراب الجمل مع مقدمات وتمرينات معربة ومشروحة»،و«متن لامية الأفعال مع مقدمة وتعليق انتقادي»،وكتاب«الوسيلة لتعليم العربية»،و«قاموس فرنسي-عربي بالدارجة»،و«شرح على المجرادي».
   وفي التاريخ والترجمة ترك ثلاثة كتب هي:«غزوات عروج وخير الدين»، وقد اعتنى  بتصحيح هذا الكتاب، والتعليق على حواشيه، وهو كتاب مكتوب بالتركية،وقد تُرجم إلى العربية، وينسب لسنان باشا.والكتاب الثاني هو: «صفحات من تاريخ مدينة الجزائر من أقدم العصور إلى انتهاء العهد التركي»،وقد وصف الدكتور أبو القاسم سعد الله هذا الكتاب بقوله:«من منشورات كلية الآداب،جامعة الجزائر،مطبعة البعث،قسنطينة،1965م،194صفحة. وهو كتاب كما يظهر من عنوانه في تاريخ المدن. وقد حشد له نور الدين معلومات غزيرة عن مدينته التي ولد وتربى فيها(وهو ابن القصبة الشهيرة). ودرس فيه خصوصاً العهد العثماني الذي انتهى عند نهايته،ولم يتحدث عن مدينة الجزائر،وهي تحت الاحتلال ربما لأن ذلك قد يعرضه لإدانة الاستعمار الذي فعل بها الأفاعيل سنة:1830م،وما بعدها من هدم، واستيلاء،وتغيير لا تحتمله الآثار الوطنية والعالمية. ومن أهم ما ساقه نور الدين من معارف بهذا الصدد هو ما ساقه من تقييد(أو تذكرة)ابن المفتي المفقود حول علماء الجزائر في العهد العثماني»)8(.
   والكتاب الثالث هو كتاب:«تاريخ حاضرة قسنطينة»،وقد ألفه بالعربية الشيخ أحمد بن المبارك المعروف بالعطار،وكتب له نور الدين عبد القادر مقدمة بالعربية، وأخرى بالفرنسية.
     ومن أهم إسهاماته في الطب والفلسفة ضبطه، وترجمته إلى الفرنسية لديوان ابن سينا،وتعليقه عليه مع الحكيم هنري جاهيه الأستاذ بكلية الطب بالجزائر،كما اعتنى كذلك بنشر أرجوزته في الطب،ونقلها إلى اللغة الفرنسية مع الدكتور جان جايي،كما اعتنى كذلك بنشر،وترجمة كتاب:«عيون الأنباء في طبقات الأطباء»لابن أبي أصيبعة بالاشتراك مع الحكيم هنري جاهيه. وكذلك قام بتصحيح وترجمة كتاب:«خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولدين»لعريب بن سعيد القرطبي،وتولى التعليق عليه.
   أما مؤلفاته في الأدب والتراث فمن أهمها كتاب:«القول المأثور من كلام الشيخ عبد الرحمن المجذوب»،وكتاب:«منتخب الحكايات المثلية»،كما اعتنى بنشر، وترجمة،والتعليق على شعر أبي إسحاق إبراهيم ابن عبد الجبار الفجيجي من خلال كتاب:«روضة السلوان أو قصيدة الصيد»،وكذلك فقد ألف كتاب: «المنتخب من أشعار العرب»،وقد حوى الكثير من الأشعار مع شرحها،وتقديم نبذة عن حياة صاحبها،والمصدر الذي أُخذت منه.
مساهـمته في الإعـلام:
     في الفصل الأخير من الكتاب توقف الدكتور أبو القاسم سعد الله مع مساهمته في ميدان الإعلام،حيث يذكر أن اسمه قد بدأ يظهر في مجال الإعلام ابتداءً من إنشاء مجلة:«هنا الجزائر»سنة:1952م،أما قبل هذا التاريخ فلم تظهر له مقالات صحفية،عدا ما ورد في الكتب التي قام بتحقيقها أو تأليفها،كما كان يُلقي مساء كل يوم جمعة حديثاً في الإذاعة تحت عنوان:«في الأدب والتاريخ».
     وقد قدم الدكتور أبو القاسم سعد الله عدة ملاحظات هامة عن مقالاته،وأسلوبه في الكتابة،حيث يرى بأنه صاحب أسلوب«واضح وطليق في مقالاته مما يدل على ممارسته لفن التحرير مدة طويلة،خلافاً لبعض زملائه الذين قد يحسنون التدريس، ولكنهم لا يتقنون الإنشاء والتحرير.كما أن الطابع العلمي الجاد يظهر على مقالاته،فهو يتبع المعنى، ولا يتصيد الألفاظ والمحفوظات. ويخاطب القارئ بجمل بسيطة وقصيرة متأثراً  فيما يبدو بأسلوب القدماء الموجز المبني على ما قل ودل، وأسلوب اللغة الفرنسية المباشر. وهو يهتم بإفادة القارئ،وليس تسليته بعبارات متأنقة. ونحن نظلمه إذا قلنا إنه كان مجرد ناقل من كتب التراجم بالنسبة لمن يترجم لهم في مقالاته.فإن طريقته هي أن يذكر المصادر، وأن يعرض المعلومات، وأن يتدخل بالتفسير والتحليل والترجيح، وبذلك تبدو مقالاته ليست تكراراً لما تحفل به كتب التراجم عن أشخاصه المختارين. وكثيراً ما يكتشف وثائق جديدة عمن يترجم له فتكون دراسته نموذجاً يحتفظ بقيمته العلمية والتاريخية»)9(.
 وبعد أن قدم الدكتور أبو القاسم سعد الله قائمة تكشف مقالاته التي نشرت في مجلة هنا الجزائر(1952-1960م)،ختم بحثه بإثارة جملة من الأسئلة،حيث يقول:«أين نضع نور الدين إذا كتبنا عن أعلام العصر في القرن العشرين؟هل كان مجرد ناقل للمعرفة أو كان مُجدداً في طريقة نقلها؟هل كانت له رسالة قام بها في صمت ودأب وهي هذه الكتب التعليمية المحافظة على العادات والأخلاق والعقائد التي كان يذكرها صراحة أو يلمح إليها في كتبه؟هل كان إنساناً متعلماً عادياً سرعان ما طواه الزمن وخلفته قافلة النوابغ والمبدعين السائرة دوماً إلى الأمام؟ ألا يكفيه أنه خدم-على طريقته- اللغة العربية بنحوها وصرفها وأدبها وتراثها في وطن عاهد محتلوه أنفسهم على القضاء على هويته الوطنية؟أسئلة ما نظن أن ما اطلعنا عليه حتى الآن من سيرة وآثار نور الدين يعطينا الحق في الجواب عنها بسرعة وسهولة»)10(.
   الـهوامش:
(1) د.أبو القاسم سعد الله:باحث مغمور،نور الدين عبد القادر(1890-1981م) أستاذاً وكاتباً ومُترجماً،منشورات المجلس الإسلامي الأعلى،الجزائر،2009م،ص:05.
(2) د.أبو القاسم سعد الله:باحث مغمور، نور الدين عبد القادر(1890-1981م) أستاذاً وكاتباً ومُترجماً،ص:10.
(3)د.أبو القاسم سعد الله:المصدر نفسه،ص:13.
(4)المصدر نفسه،ص:15.
(5)المصدر نفسه،ص:27.
(6)المصدر نفسه،ص:33،32.
(7)المصدر نفسه،ص:35.
(8)المصدر نفسه،ص:44.
(9)المصدر نفسه،ص:62-63.
 (10)المصدر نفسه،ص:69.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق