الصفحات

2016/02/21

قراءة في رواية كلمة الله للكاتب الأردني أيمن العتوم........ بقلم: رولا حسينات



قراءة في رواية كلمة الله للكاتب الأردني أيمن العتوم........
بقلم: رولا حسينات

الزمن يُسيّرُ الأقدار ذاتها كسيل عرم ينهب الطرقات، معراجه إلى حيث نبت أول مرة، وتبقى الخطيئة التي لا يمكن أن تبرأ منها الأجساد المتعفنة، التي لا يرجى صلاحها إلا في بترها. تلك الأجساد لا يمكن التعويل عليها حتى بأنصاف الحلول، ولكنها البداية الصادقة مهما نزفت على مقاصلها الأرواح، تبقى هي من تبث في الأجساد التائهة إلهام البحث عن الحقيقة، التي نورثها للأجيال مبعثرة منقوصة، هذي الأجيال التي خوت بقرابها، عند بئر نضب ماؤه، فهل نؤتيه بعضا منه فيبقون في الهلاك، أم ندلهم على الطريق سابلة تسيرهم الرغبة على وعثاءه وسهوبه وفيافيه وقفاره، ليكون النور ملقاهم؟؟؟!!
 وهي كذلك رواية كلمة الله..التي إن جمعت بأيمان فيها صادق فلن تفرق أبدا، مهما بلغت درجات التعذيب والتهديد والوعيد، مهما أحسن نساجو الغدر نسجه فهي الطريق للأجيال لكي يرووا منها ظمأهم ويتبينوا حقيقة ما، حتما ستلاقيهم في طريق مليء بالأشواك.
 إن رمزية كلمة الله ، التي يتفرد بها الله، فيحق بها ما يشاء ويمحق ما يشاء، بعد أن جعل الطريق واضحا والسبل بينة يعيها القلب البصير، والعقل المتنور، وتلك الشخوص التي تعلقت بأستار الرواية ومدت خطواتها فيها، نحو بداية جديدة، صفحات تاريخية توجد لنفسها بصمة لا يمكن لأي أحد أن يماري في أصولها، أو أن يسلبها إياها. وهو التفرد الفكري ولن يكون موجودا دون أطراف تتحاور بتنوع فكري، فالمنطق يوجد التباين ليخلق منه تفردا ما أو ازدواجية تخدم مرحلة أو مراحل.
فحرب الفكر لا يمكن أن تقابلها أساطيل من بوارج حربية وبراميل متفجرة، فلن تكون النهاية مهما تعاظمت القوى وستبقى جذوتها أقوى من ذي قبل، لأن الفكر ببساطة يعيش بين خلجات الروح ومستقره القلب والعقل ناقوسه، فلنحاور الجيل لنوقظ فيه السلاح المختمر بين أضلعه سلاح اليقظة وعصر التنوير..
لقد تميزت رواية كلمة الله ببراعة أيمن العتوم في بنائها الروائي الذي يمتعنا فيه، مستقيا نهجه من القرآن والسنة، بل وقد زاد عليه علما وتاريخا وبحثا ومجادلة، وانفتاحا عقلانيا في بناء روايته، ولعليّ أُجل كاتبنا العتوم فهو واحد من النماذج التي أثرت في مسيرتي الأدبية، فالعقلانية حجة وبلاغة، مهما أوصدت أمامها الأبواب.
وإن كنت أجده قد تفوق في ذائقة الموت وأبدع في حديث الجنود إلا أنها كانت أحوج إلى معلومات إثرائية أكثر من تلك التي برزت فيها. وتبقى يسمعون حسيسها ويا صاحبي السجن متعادلتان في الحبكة الروائية، ليتفوق بروعته وقدرته الأدبية في( كلمة الله ) من جديد..
ولقد بحثت الرواية ثلاثة محاور..فإن كان محورها الأكثر الأهمية في النص الروائي وهو العنف الديني.. وأما محوره الثاني والذي بدوره نال قسطا وافرا من البنية الروائية، وهو حقيقة (لا إكراه في الدين) وحرية المعتقد و النقاش وقبول الآخر والحوارية العقلانية إلى أقصاها. ويبقى المحور الذي تميز بهدوئه وجلال قدره، كما عودنا العتوم في رواياته، وهو قدسية الحب وروعته ،التي ندر ما أن نجدها عند كثير من الكتاب، فلم يصور شخوصا ولا أجسادا ولا هوى ولا غواية، بل أرواحا تتلاقى وفكرا يتوحد ونضجا عاطفيا ، قد تمدد واستقر في الذات الإنسانية..
وإن كان المحور الثاني (لا إكراه في الدين) هو الأبرز في أهميته في مناخ من الشحناء والسلبية وبراكين من عدم الثقة والتكفير،..فقد تجاوز فيه العتوم النص السردي إلى الباحث التاريخي، الذي ما استقامت له الأمور إلا من خلال الحقائق والبينات، التي لا يمكن رفضها أو الإدعاء في بطلانها، وإن الدين عند الله الإسلام وهو التسليم بان الله  تعالى واحد أحد وهي جوهر العقائد السماوية، التي لا يمكن أن ينقضها أحد، ليكون مبدأ النقاش العقائدي: أنه لا حرب بين العقائد، حيث لا خلاف على جوهرها.. فالأصل واحد لا خلاف عليه، غير مشوب بتحريف أو تغيير،  بقدر أنه سعي وراء وحدة المصير، وإن كان الفكر هو الذي يقود إلى علاقة استثنائية في القبول أو الرفض أو التمادي وأساس أي حوار هو قبول الآخر واحتوائه وتفنيد الحقائق في النقاش وفق المنطق العقلاني، وليس التنصيب بشخص الحاكم والقاضي والقاتل في آن.
 و أول خطوات ذلك تكمن من خلال التصالح مع الذات وتخليصها من حالة الفوضى والصراع بين الرفض والقبول ومن ثم القدرة على مجابهة التغول الفكري وما علا من الأصوات النشاز.." وفي نصه.." مع أن أيّا من هؤلاء الذين طالبو بتكفير الطرف الآخر، لم يكونوا قادرين في السابق على مواجهة مراد، ولا الوقوف أمام أفكاره، فلما جاءهم من يحاور برقي وبعلم وبثقة لم يقبلوا منه.."ص137"
وتبقى حقيقة.." أليس  الله الذي تؤمن به يقول " لا أكراه في الدين.."ص185..ثم " بؤسا لأصحاب الفتاوى الجاهزة"ص187، ويؤكد في نهجه على أن.." لغة الحوار هي الأرقى والأسمى، لا أملك بندقية ولا أملك شيئا جئت لأغير العالم بالكلمة، العالم الذي في داخلي.."ص162..
وفي مكان آخر ننصت لهدأة العاقل.." لا يستقيم حب الدنيا وحب الآخرة في قلب مؤمن، كما لا يستقيم الماء والنار في إناء، من قال ذلك عيسى أم محمد..؟ ص170..
إذا هو التسامح والمحبة والرحمة والأخوة التي تحطم متاريس القلوب، وتذيب جليدها لتنبت فيها أديم الحياة، كل إلى فناء ويبقى الخالق..هي نقطة انتقال من..إلى، من التيه إلى الحقيقة من اللاوجود إلى الوجود، من الخيال إلى الحقيقة، وهاهو النهر يبقى نهرا لأن العقيدة في جوهرها ليست في الشخوص بل في حقيقة الفكر، وحرية المعتقد قائمة على إنصاف العقل، دون تشبث بأستار الجهل والتقوقع على الفكر الرافض وحسب، بل وأزيد في التعلق بتشوهات قد شابت بعض نصوص علمائها، فليتم قناعته، بأن يتيقن أن عليه، أن يعيّ الحقيقة كاملة دون نقصان، أن يكون المحايد في قراءة كتب قد ألفها راعون لحق الإنصاف، في إزالة التشوهات عن تلك المراجع الدينية، ليبقى الوصول الآمن للحقيقة التنويرية، والقدرة على البقاء والاستمرار، ضمن غاية البناء لا الغوغاء ..
ومن هنا جاء صراع الشخصية البطلة بتول عندما اكتشفت، أنها في عالم قائم على لجة غاية في الجمال الخيالي، فعندما أتته لم تجد لجة لتغسلها من خطيئة الرفض، فكان صراعها مع ذاتها في القبول والرفض، وقد كانت خطوتها الناجحة، في أن تصل غلى مستوى التصالح مع الذات، بأن تحاور المنطق بالمنطق، بعيدا عن العاطفة، حيث يصل فيه الإنسان إلى ملكوت الخالق بعيدا عن المادية، فخطوة الأمام لا تضرها خطوة الخلف، بل تجعلها أكثر ثباتا على تحمل مشاق العذاب، و الذي مهما بلغت قسوته لا يأتي عُشرا أمام الراحة النفسية والإيمان الروحاني.
  وإن كانت مريم قد أيقنت أن لديها رسالة قد تقلدتها في دراسة علم اللاهوت، منذ الرابعة عشر من عمرها، فإنها قد سيرت طريقها في القرية بعيدا عن شيطان المدينة وماديتها، وقد رأت في تبنيها لوائل الطفل اللقيط عنوانا لثقة الرب فيها، وإحقاقا لصدق إيمانها، وكان وهيب الزوج المحب الذي أحب وآمن وهجر ملذات الدنيا من أجل الحب، فقد جعل الإيمان مفتاحا لاستقرار عاطفي.
على النقيض من هذا فإن مريم وأمام أول عاصفة لها كفرت بتلك الثقة ..واعترفت بأن وائل لقيط، ليس له الحق في إبداء رأيه في مصير أخته، فقد انتفت بذلك لديها صفة الوعظ إن لم تكن قادرة على الربط بين الدعوة والسلوك.. حيث كانت تلك الأصوات التي سمعتها تأتي من بئر عميقة، لكنها لم تبحث عنها، فقط فاضلت بأن تبقى على السطح دون أن تتوغل في القعر..ثم يأتي المشهد المقابل..الذي يمر على أولئك المنتظرين للنهاية، حتى يرثوا ما عليها دون أي مشقة، حيث يظهرون أبطالا عند خط النهاية، الذين يستغلون كلمة الموت ليبدؤوا منها صراعا جديدا وفق أهوائهم، ليتسلقوا السور ليبدؤوه بعد أن انتهى كل شيء، وهل الهدنة في تقليب القلوب؟؟ وهل يساقون وفق أمر واحد بمنظومة واحدة، لا تعي سوى أن تسقط كل شيء كل الشعارات؟؟؟ وهو أقرب إلى  النمطية المتطرفة منه إلى التفاعل منذ بدء البحث عن الحقيقة.
ويأتي المحور الأول، وهو العنف الديني الذي ارتكز على المبارزات الحوارية بين الملحد(مراد) والشخصية المسلمة(صالح) من جهة، وبين صالح والفتاة الراغبة بالتصالح مع الذات، والتمرد على الإله المصلوب..
المبارزات بين الإيمان بالرب وبين الإيمان بالحقيقة المطلقة، بوجود قوة عظمة خلقت الكون وهي الله لا اله إلا هو، وبين نكران هذه الحقيقة من الموجود وفيزيائيته وميتافيزيقيا الكون ..
فقد عمد الكاتب إلى الإتيان بهذه الشخصيات، كمحاولة منه إلى بيان حقيقة الفكر الإيماني، فكر الإسلام بعيدا عن الأفراد والشخوص، فالإسلام  والمسيحية دينان سماويان لم يرتبطا بمفردات وضعية، بل بما هو أعظم وأقدس وأكثر شمولية.. " فمن كان يؤمن بمحمد فإن محمدا قد مات ومن كان يؤمن بالله، فإن الله حي لا يموت..".
إنها القناعة الإيمانية التي محلها القلب وموقن بها العقل، مترجمة إياها الحواس بالسلوك الايجابي. و القضية فقط ببساطة البحث عن الرب:" لو كنت ربا حقيقيا فلماذا تركتهم يقتلونك.."ص128
 ويبقى الدين الذي أسس بنيانه على أسس سليمة، لا يمكن أن يحاربه ويحادده من فهمه، ومن لم يتخير عقله الفتن والمجون.
 ولم يكن الكاتب ليرسل كل هذه الأمور على علاتها، بل أبرز بحرفية المبارز، وبجراءة نوعية أن الصراع لا يولد إلا ألفة بين الضدين، لأن كلا منهما قد عرف قوة خصمه، وما لديه من الدلائل ليثبتها أو ليدحضها، فتميل إحدى الكفتين للأخرى..
 فالخالق المطلق اليد في الكون والذي أنشاه وفق نظام دقيق، لكل صغيرة وكبيرة، فلم يكن ليحتاج عبيدا إنما لعباد، ليعمروا الكون بالصلاح، يؤمنون ويوقنون ويسبحون، ملهمون ومقيمون لحدود الله، ومن أمن حقا فهو مؤمن بأن له دورا ايجابيا عليه القيام به، وهو من لا يقرر حياة أو مماتا، بل ليس له الحق بأن يكفر فلانا" أو كشفت عن قلبه؟؟"، وأي نص أبلغ "فمن قتل نفسا فإنما قتل الناس جميعا".
 فكيف للتكفيرين أن ينصبوا أنفسهم أربابا من دون الله، فالعنف الديني الذي ينهي أي بداية، لأي رسالة كانت.." لا سر يبقى سرا حتى ولو باحت به الجدران ، بعض الأسرار يفشيها حتى النمل العابر في الممرات، والأسرار مادة من الأخبار، لا خوف منها، ويفعل بالسريرة ما لا يفعل سواه.."ص191..
 والرسالة المحمدية لم تقم يوما على العنف ولا الإرهاب، ولا القتل والتهديد، وإنما بلغت أقاصي الأرض وأدناها بالتسامح والمحبة والإخاء، فكان دخول الناس في الدين أفواجا، وتبقى الشمولية أعمَّ وأنبل، والخصوصية المتعلقة بقناعة قد غفل حاملوها عن بيانها وبقوا على صمتهم ..
ثم تلك الأصوات التي سمعتها قبل عشرين عاما، لتكون هاجسا فيمر سحابه لينقض عليها جزعها، ثم تعاود الحلم ذاته ثانية وثالثة، وهي تعلم حقيقة الأب ودانيال وزئيف وهم أتباع المادة ولم يكن الدين ليغير فيهم إلا المظهر، فكانت أمام ابنتها وقد انتفت عنها شخصية الواعظة وبقيت الإنسانة، تمثالا شمعيا يذوب أمام تصميم بتول، فأين مريم من بتول أمام هذا الفكر المشرئب بكل الحواس، الذي يهون عليها مصابه وما ألمّ به؟؟  فالجسد فان وتبرئ الروح إلى بارئها مطمئنة..
انعكاس الصورة لما راود مريم واضطرابها الداخلي.." عندما وقفت تخطب بجموع التائقين وقفت مريم تحيط بها غمامة سوداء من خطبة الأسقف، أرسلت نظرة فاحصة إلى جموع التائقين، فأدركت كنه الصمت الذي بلغهم جميعا بدوا تماثيل حجرية.."ص26..
"شبك الأسقف بين يديه وفركهما قبل أن يقول: حسنا الرب عادل كل امرئ في هذه الحياة ينال جزاءه الذي أقر به الرب في أعاليه استنادا إلى معرفته الأزلية، هؤلاء الأشرار نزعت الرحمة من صدورهم، فعلى رئيس الحرس أن ينزع الرحمة من صدوره تجاههم، العدالة تقتضي ذلك "ص27-28..
"تناول زئيف المصباح المعلق عند فم الدرجة الخامسة أضاءه وواصل هبوطه إلى العالم المظلم في الأسفل .. ص30 ..
ذرعت البهو خلف دانيال هبطت الدرجات إياها في غمرة هبوطها، رنت في سمعها الصرخة التي سمعتها في المكان ذاته قبل أكثر من عشرين عاما تقريبا، لم تكن تعرف أن بيت الرب يحتوي تحته سجنا وأن فيه زنازين انفرادية وأن مهمة زئيف في الكنيسة تتلخص في أمر واحد وهو تعذيب الخارجين عن طريق الرب، كادت أن تكفر بطريق الرب وهي تواصل هبوطها باتجاه زنزانة ابنتها، وهتفت في أعماقها: هذه ليست طريق الرب، إنها طريقكم أنتم أيها المجرمون ..234"
 وما تلك الصورة الأولى في الهروب من الحقيقة للتعلق بمادياتها، دون جوهرها لإبرام ودانيال كانت كذلك للمسلمين في تعلقهم بمتعلقات مادية، في نهاية الرواية، وتركهم الجوهر.
 وإن كان أتباع كل أشكال الفكر مسألة خطيرة فيميلون هاهنا وهاهنا، دون تيقن أو عقلانية وهذه القضية الجوهرية التي تتسرب إلى عقول أجيالنا الغضة فيهيمون على وجوههم، وينصاعون للطاغوت وعلم التطرف والإرهاب.. فكانوا يتحولون إلى أجساد خواء تختزلها قوى القادة، وما أكثرهم إلا في الضلال، وتتمدد الأفكار ويبدأ الصراع بشكل أكثر عنفا لتنوء  الأرواح الغضة تحت وابله، وتتلبد الأنواء وليحارب كل خلق خلقه.. ...."تقدم من الضابط المسؤول أحد الكبار بدا أنه يستطيع أن يحتوي الموقف خيرا منهم:" استطيع أن أكف كل هذه الجموع بلمحة البصر، إذا حققت لها ما تريد.." وماذا تريد؟؟ جثة الشهيدة لأنها صارت منا ولم تعد تخص أهلها في شيء.." لك ذلك"..243
"الغياب وحش يبتلع كل من يجده في الطريق. إنه الصورة الأبشع للموت، الموت غياب ظاهري، والغياب موت خفي. والطعنة التي تأتيك في الخفاء أشد وأنكى من تلك التي تأتيك في العلن. والحياة حلبة صراع لا يفوز فيها إلا ذو قوة، قوة في الفكر، وقوة في العقل، وقوة في الروح، وأخرى في الإرادة، الحياة طرقات شاقة لا يبلغ نهايتها إلا من كان مستعدا منذ البداية لأمرين: ماء اليقين لصحراء الشك، ونور الإيمان لظلمات الكفر.." ص220
 إنها إحدى مشكلات الإنسانية تلك التي عبر عنها ابن سينا بقوله: "ابتلينا بأقوام يظنون أن الله لم يهد إلى الحق سواهم."ص225
"هتف في داخله: "إن التعصب لا دين له." بدأت الأصوات تتداخل:" اقتلوه باسم الرب،" وينادي آخرون:" اقتلوه من أجل الله." واتسعت ابتسامته ولم يعد يدري من هؤلاء الذين يقدمونه إلى الموت الساعة، أهم هؤلاء أم إلى هؤلاء ص226.
ويرضى مطمئنا بالمصير الذي رسمه له التكفيريون.."الآن سوف ارتاح، لك الحمد يا ربي."
وفي اطمئنان نفس بتول" ..لقد كان عبدا صالحا .." ثم الأساطير تراود العقول الحائرة:"لقد كان عبدا صالحا يا ابني، وكانت الملائكة تمشي إلى جواره.." 228 ..
التفاني في الحفاظ على رباطة الجأش ورد الصاع بالصاع.."تظاهرت بالهدوء اقتربت هي الآن منه وخاطبته بصوت يفيض رقة وعذوبة: لا تتعب نفسك يا أبي جسدي لك.." 229
 ثم المحور الثالث وهو الحب والعشق المقدس، الذي خرج عن إطار الجسد والشهوات ليسمو إلى منتهى الروح، وإطلاق عنانها، فلم يقم العتوم بإشارة لوصف جسد أو وجه أو أي نوع من  العلاقات التي يشوبها الانحراف، بل لم يدخل بأي علاقة على إطلاقها.. " الحب لا يعرف العمر ولا يعترف بالدين، ولا يقف أمام البوابات الجاهزة، مهما كانت صماء وهو أعظم من أن تدير صفحة قلبك، لأنه هو قلبك، فإلى أي جهة تفر وهو المفر والجهات كلها؟!"ص119..
ثم مشاعر بتول الجياشة بطقس إنساني لكنه أكثر شفافية:" لكن بركان المشاعر الذي يضطرم في داخلها أوشك على الانفجار.." ص139."هل تسمحين أن أسبقك قليلا، لا  أريد لأحد أن يرانا سائرين على هذا النحو .."141 ...كما هو موسى عليه السلام وابنتي شعيب..في نهج العلاقة المقدسة..
.."ردت مستغربة: ما كنت أظن أن الإنسان المتفتح يخالف نفسه فيبدو رجعيا في موقف كهذا ."ص141.
"التعبير عن الإحساس بأبلغ اللغات لا يوصل من حقيقتها شيئا." ص146 .
إنه الحب وفي أعلى مراتبه العشق الذي لا يمكن أن يكون شهوانيا، ينتهي بمجرد انقضاء الرغبة والتمكن وقضاء الوطر، ثم ينتهي الأمر وفق العادة والملل، ويبقى بعد الخلاص من الأجساد المتحللة وهو البقاء الأزلي، الذي يجعلنا نتحمل الدنيا ومشاقها لنترك كل شهوة فيها، فقط لنلتقي ومن نحب.. كل المصاعب لا يمكن أن تفرقها كلمة أو موقف أو غضب..
 وراح يهذي مع نفسه " كعاشق خط سطرا في الهوى ومحا."ص148
فإن الشهوة سعادة وشقاء مقيم .."أيها القلب الذي يعذبني، سأصغي لك هذه المرة بطريقة مختلفة .."153..ثم كان القرار " وستعبر صابرة وإياه الصحارى والرمال وستشق به لجج غير هيابة.." 183..
 فهو عيناك اللتان ترى فيهما النور ..إنه الحب الذي يكون البصيرة للقلوب المنيرة " أقفرت الجامعة صار كل مكان فيها موحشا، وكل سبيل فيها تائهه."214..
ليقوِّم أديمه بالوحدة التي سلخته عن الوجود.." سقطت من عينه دمعة ساخنة على خده فمسحها وهو يقول: لن أتخلى عنك حتى لو تخلت روحي عن جسدي."215.
وهو موقف إيجابي لم ينتهِ بالانتحار أو الهروب وليقابله موقفها بعد كل ما خاضته من تعذيب.." إنه ليس المسيح فحسب، بل هو ملاك هبط من السماء إلى الأرض، برسالة لزمن محدد ثم عاد إلى سكناه في البيت المعمور.." 236.
 "و أما ابتسامتها فلم يدريا لها سرا." 242 ..
ولا يمكننا أن نغفل تلك الحقيقة التي وضع العتوم مجهره عليها، وهي من الخطورة بمكان أن نتجاهلها، فإن لم يكن كل فبعض ما تحفظه عقول الأجيال في مدارسها، لا يغني ولا يسمن من جوع، فتكون هنا اللقمة السائغة والفريسة السهلة، للأطراف التي لها مصالحها في استمالة القلوب الغضة، فكانت المرحلة الجامعة أكثر وفرة في تعدد المصادر دون رقيب، و هي بحد ذاتها تتوقف في معظمها على التلقين والتعليم الأكاديمي، منسلخا عن الممارسة الحياتية، ولمسار المنظم في البناء الفكري، فتكون هذي العقول جاهزة لملئها بأي شيء وأي فكر، وهذه حقيقة لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي عنها وهي حقيقة ملئ الكأس بما في إفادة الأجيال التي هي حاملة الراية، جنود المستقبل وبناة حاضره، أو التخلي عنه وتركه لمواجهة مصيره.. " لا يحرق بالنار إلا رب النار( حاول أن يتذكر ما قراه في المدارس لكي يبقي على الحياة التي بدأت تنفلت منه شيئا فشيئا.." النقطة الخطيرة أن ضعف الخطاب الديني المدرسي، والذي لا يؤتي أكله، بل على العكس ربما سيسارع في إضرام النار في الهشيم، الذي ما أينعت أوراقه بعد ثم تبدأ رحلة التفكر والبحث في الجامعة، بصورة القائد والأتباع من قوة الشكيمة والحجة ..
ويبقى أن نحيّ الكاتب العتوم على هذه الوثيقة التاريخية التي أمضى فيها قلمه، عبر 245 صفحة من الحجم المتوسط،  فكان كحد السيف ولكن بعقلانية ومنطق...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق