الصفحات

2016/02/07

وجه كرتوني قصة بقلم: محمد الكامل بن زيد

وجه كرتوني
 بقلم: محمد الكامل بن زيد .بسكرة .الجزائر
ثمة أشياء تستوقفك دون أدنى إشارة ..إذا ما تثاقلت خطواتك المترنحة..واهتزت قوى قدميك النحيلتين لتخور في ارتباك ..تستعجل جلوسك على المقعد الاسمنتي ..لحديقة " صوفيا"..تجبرك على أن تأخذ من علبة سجائرك ما لا يقل عن عشر ..دفعة واحدة ..رعشة متجبرة تقتل ما سبقها من رعشات.. قلق عصيب يجتاح جسدك النحيف ..في الوهلة الأولى ظننته ليس حدثا مهما.. غير أنه - ازداد عطشا الى مآرب أخرى - رويدا رويدا ..وهو يتوغل ناخرا كيانك المشهود له بالعزيمة والمقاومة ..يتوقف عن الحركة حيث تعتريه نوبة مجنونة تشله عن التقدم قيد أنملة ..طفلتك الصغيرة " آلاء ماريا " تصر أيما إصرار على التشبث بكم قمصيك لتحملها ..تريدك أن تلعب معها بعد أن تسحق ما تبقى من السيجارة الأخيرة ..تريدك أن ترفعها إلى السماء كما اعتادت ..واعتدت أنت .. تتفرس ملامحها مليا ثم تخفض رأسك كالأشرعة المبحرة عبر متاهات البوح الصامت ..في أفق غائم أشبه بـ.....لم تفقه كيف شددت على يديها الصغيرتين ..ولا كيف لم تنتبه إلى تأوهاتها وعبراتها المسكونة بالحيرة والدهشة ..بحثت مليا في عينيها العسليتين كما بحثتْ هي في بحر عينيك عن إجابة لسؤال واحد لا غير ..كيف استطاع هذا الصمت الموحش أن ينساب بينكما ..كيف له أن يستبد بكما و يقف حاجزا بينكما يحجب عنكما نور السماء أقصى ما تحاول أن تتذكره أنك كنت سعيدا هذا الصباح ..منشرحا إلى حد بعيد ..فقد قدر لك أن تسرق من زمنك المتقاطع - مع العديد من الأزمنة المبعثرة هنا وهناك - القليل من الساعات كي تحتفل ببعض بسماتها البريئة ..
- ألا يحق لنا يا أبي أن نلعب معا ولو لساعة واحدة..
- هذه المرة ..أنا ملك يمينك
- يا الله يا أبي ..كم أنت رائع هذا اليوم
كثيرون أمثالك رددوا بمرارة مصرين في آن واحد أن لا خيار ..فكل أزمنتهم محاصرة بسياج حديدي صدئ ..بالكاد يسمح لهم بالفرار لبضع ساعات لا تروي الظمأ ..حتى أن الكثير منهم نسي متى يأتي زمنه ليفر .. وكم منهم تساءل : أيحق له الفرار..؟ ! أحدهم بالأمس فقد ابنته الوحيدة في حادث مرور ..وآخر زوّجها إلى غريب في بلاد الغربة ..بكى الكثير عليها وعلى نفسه لأنها وحيدته ..وآخر لخوفه من البقاء وحيدا سرق منها زمن الفرار فبقيت محجوزة داخل الكلمات المتقاطعة .. كل هذه الأخبار زادت الهوة السحيقة التي لازمتك لحظة التقائك بصديقك القديم ..لمحته يجري كالمعتوه في الشارع الطويل رافعا يديه كأنه يصور مشهدا لسائق حافلة وهو يصرخ في المارة ..ليس لدينا وقت ..اركبوا جميعا ..الحافلة ستنطلق وكل المدن بعيدة ..كان يصرخ بحدّة ثم يتوقف للحظات يناجي فيها دمية "لعروس" كانت بين يديه ..يغني لها بصوت ملؤه الآهات ..والدموع الأغنية الشعبية المعروفة" نني نني يابشة..واش نديروا في العشاء ..انديروا جاري بالدبشة " ثم يصمت صمتا موحشا ليعاود الصراخ...لمحك من بعيد ..فرح للقياك ..أسرع الخطى نحوك ليحضنك بشدة ويسأل بحنان :أهذه ابنتك؟..يبتسم ثم يسلم عليها .. وقبل أن يعود إلى الشارع الطويل ..يعطيها دمية "العروس" ..يقبلها ..يسألك أن تحفظ له ابنته الوحيدة ..ويوصيك بأن تلعبَ وابنتك معها ..لا تستحِ ..ولا تنس أن ترفعهما عاليا نحو السماء .. صديقك المعتوه وهو يودعك.. وقبل أن تدهسه حافلة نقل المسافرين العابرة ..ظل يردد على مسامعك:
- أرجوك صديقي ..فأنا مشغول كما ترى ..وكل المدن بعيدة ....

سوسة .تونس - بسكرة .الجزائر 27 ديسمبر - 06 فيفري 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق