الصفحات

2016/02/11

قطة شرودنجر قصة بقلم: محمد نجيب مطر



قطة شرودنجر
محمد نجيب مطر
وصل الباحث إلى معمله يحمل صندوقاً بين يديه، فتح الباب، ثم ركله خلفه ليغلقه، وضع  الصندوق على المنضدة، فظهرت القطة الصغيرة تلاعبه في براءة، ربت على ظهرها، وبدأ في مداعبتها تحت رقبتها فاستكانت.
نظر إلى السبورة الممتلأة بالمعادلات الرياضية وبدأ في تنفيذ التجربة التي جاء من أجلها، أحضر المادة المشعة التي تبلغ فترة نصف العمر لها ساعة واحدة، تلك  الفترة  التي فيها تتحول نصف كمية المادة المشعة إلى مادة أخرى، ويظل النصف الباقي.
فإذا وضعنا في الصندوق جراماً واحداً من العنصر المشع , سنكون على بينة من أننا لو أخرجناه بعد ساعة, سنراه قد تحول إلى نصف جرام فقط، ولكننا لانستطيع معرفة الذرات التي ستتحلل والتي ستبقى سليمة
أحضر العالم عداد جيجر الذي يقيس الاشعاع، ثم أحضر مطرقة وثبتها على العداد، وجعل رأس المطرقة على زجاجة السيانيد السام.
بحيث لو انطلقت الأشعة من ذرة المادة المشعة تسحب يد المطرقة لتهوي على زجاجة السيانيد ليخرج الغاز السام ويقتل القطة، أما لو لم تكن هذه الذرة من الذرات المتحولة فلن تتحرك المطرقة وبالتالي سوف تعيش القطة.
نظرت القطة إلى السبورة وكأنها عرفت خطواتها وتأكدت أنها ستموت، فاستماتت في الهروب والدفاع عن نفسها، أمسك العالم بها بشدة بعد أن قاومته وأحدثت جرحاً بسيطاً بيده، ثم وضعها في الصندوق.
كتب العالم في دفتره : إن حالة القطة كما تنص نظرية الكم هي حية ميتة في آن واحد، ولكن تدخل الراصد هو الذي أرغم الطبيعة على اختيار حل واحد فقط، فهي إما حية وإما ميتة، ولولا تدخلنا لظلت حية وميتة في آن واحد.
مثل جسيمات الضوء التي تتصرف كجسيمات فقط عند رؤيتها أما غير ذلك فهي تتصرف كموجـات.
والمدهش حقا كيف أن فوتون الضوء لا يظهر كجسيم إلا حين النظر إليه وعندما لا تنظر إليه فإنه يتصرف كموجة، وهذا ربما يفوق كل السحر الذي ينتجه البشر.
تخيل انك تلعب كرة تنس الطاولة وفي اللحظة التي تلعب فيها الكرة وانت تراها تتصرف ككرة مادية تسير في خط مستقيم، وبمجرد ان ترمش بعينك في تلك اللحظة تتحول إلى موجة، وما ان تعيد النظر بعينك إلا وتتجمد وتعود كرة من جديد، هذا لو اعتبرنا طبعا أن الكرة جسيم ضوء.
هذا الأمر يجعل الإنسان بعض الأحيان يتخيل أن خلفه وهو يسير يتحول العالم إلى موجه من الذوبان الكلي ويتحول العالم من خلفه إلى فراغ، لكن وما أن يلتفت خلفه ليرى الفضاء إذا بالأشياء تتجمد والاشجار والاحجار وتعود لطبيعتها العادية والمألوفة .
المضحك في الأمر أن الفيزيائيين كانوا مُجبرين على معاملة الإلكترون كجسيم أيام الإثنين والأربعاء والجمعة وكموجة في الأيام الأخرى للأسبوع.
فالجسم الحقيقي يجب ان يتمتع بسرعة معينة , ويجب في الوقت نفسه ان يتواجد في مكان معين، ولكن الوضع العلمي يخيرنا بين معرفة واحد فقط من هذين الوجهين او الاحتمالين, على حساب فقدان الوجه او الاحتمال الاخر، وهذا يعني اننا لانؤثر فقط في عالم الواقع , بل اننا نعمل بشكل ما على خلقه .
وليس معنى رصد جسم في مكان واحد فقط، أنه اختفى في الأماكن الأخرى، لو أمكننا تطوير عملية الرصد، لأمكننا رصد الجسم في المكان الذي نود.
استأنف العالم أعماله ريثما يتم الكشف على القطة بعد ساعة، بعد مرور ساعة كاملة فتح العالم الصندوق ليجد القطة ميتة.
سمع العالم صوت مواء القطة فالتفت وجدها جالسة على مؤخرتها في نهاية المعمل تنظر إليه، ففتح الصندوق فوجدها ميتة، فنظر إليها مرة أخرى، فقفزت في وجهه وأصابته بجراح شديدة من مخالبها.
أمسك بالبلطة وتوجه إليها فضربها بكل شدة أفلتت منه في سرعة فصار يضرب يميناً ويساراً حتى أصاب نفسه.
أخذت القطة تقفز من مكان إلى آخر وتكسر الأدوات بما فيها من محاليل كيميائية، فاشتعلت النار الشديدة في المعمل التي التهمت كل شئ بما فيها العالم نفسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق