الصفحات

2016/02/26

الشاعرة رسمية محيبس زاير روح اثقلتها الموهبة والصدق بقلم: عبــــاس داخـــل حســـن



الشاعرة رسمية محيبس زاير
روح اثقلتها الموهبة والصدق
بقلم: عبــــاس داخـــل حســـن
Tampere – Finland

منذ عقود وانا اتابع كل ما تنشره الشاعرة "رسمية  محيبس زاير"  من قصائد ، التي تشبه ارواحنا العراقية البسيطة المترعة بحزن الجنوب السرمدي.
ولم تنشر قصيدة في دورية او صحيفة عراقية الا  وقرأتها  كان ذلك خلال تواجدي في العراق وان تصل متاخرة بعض الاوقات عن طريق الأصدقاء  المهتمين  بالشعر والشعراء وما أكثرهم في مدينة "الناصرية " التي  لايخلًو فيها بيت من أديب  اوفنان 
وبعد انقطاع طويل بسبب المنفى الذي تحول من منفى اجباري الى منفى اختياري ومع بزوغ الانترنيت في العراق بدات اعود لمتابعة وقراءة كل ما تكتبه الشاعرة "رسمية محيبس "عن طريق الإنترنيت واحرص على قراءتها شعرا ونثرا عبر هذا الساحر الافتراضي  .
وفي لقاء يتيم لحد اللحظة عام 2013  التقيتها في بغداد بمناسبة {بغداد عاصمة االثقافة العربية} وكانت المفاجأة ان الشاعرة "رسمية  محيبس  زاير "كما قصائدها مجبولة من الصفاء والبساطة والحب للناس والعراق ونهر "الغراف "الذي تودعه آهاتها وذكرياتها فتمتزج أغانيها ودموعها مع ماءه العذب وتعلق روحها على أشجاره  الغضة
(روحي المذابة في ماء الغراف
علقت في شجرة على شاطىء 
وظلت حائرة كنغم يبحث عن وتر 
ولم تبلغ رسالتها ولم تبشر بها الموجه)
كان حضور الشاعرة رسمية محيبس على صفحة الفيس بوك فاعلا ومتميزا كشاعرة ومثقفة  وهي تواصل همها الابداعي والانساني وهذه نافذة جديدة لمتابعة كل ما تكتب فكانت اهتماماتها الانسانية لاتقل عن اهتماتها الادبية والجمالية  في الدفاع عن المهمشين والمظلومين والمهجرين قسرا وما اكثرهم في العراق وهذه مهمة المؤمنين بالعدل والمساواة  والحريّة فما بالكم اذا كان شاعرا ومربيا ومعلما 
(الوردة تتنهد خارج السياج
تشاطر النازحين برودة الرصيف
وبضاعة الجليد 
تحلم في قلب دافيء
لم يمسه بعد صقيع العصر)

وهنا لا انصب نفسي ناقدا او مقيما لتجربة شعرية كبيرة مهرتها الشاعرة عبر مسيرة طويلة في الكتابة والشعر بتفرد ابداعي خاص واستقلالية في الاسلوب حفرتها من خلال النص وتخومه بعيدا عن البرجعاجية المنتفخة التي تتلبس البعض . صوت شعري رصين متميز مدعوم بموهبة وبعين رائية لاتخطىء ولا تهمل ما يدور حولها من تفاصيل في مجتمع ذكوري متدافع حتى في الثقافة والادب "ثقافة حولاء" ، رغم ذلك كان لها تفوقها ومقامها الباذخ الحضور من خلال دأبها وقراءآتها المتنوعة في كل ضروب الأدب والمعرفة . بعيدا عن السائد السهل والتكرار المطروق والتقليد الرخيص ولم يسلط الضوء على تجربتها بما يتلائم وعطاءها الثر الواسع المساحة فهي قاصة بمخيلة متمكنة من السرد والمحكي الشهرزادي  . صدرت لها مؤخرا رواية "كاهنات  معبد آور "
وقد بعثت لي نسخة مهداة وبقيت وديعة بيد الشاعر  "ناجح ناجي "ولم اطلع عليها بعد  . بقيت الشاعرة رسمية زاير محيبس عصية على التطويع والمساومة على إبداعها رغم الزمن العراقي الملىء بالمآسي والفاقة والفواجع  واقفة بشموخ نخلة ، لم تبع قصيدتها كما فعل السواد الاعظم من شعراء جيلها ، فهي بنت الحزن الكربلائي والاباء والعزة  العراقية ، مهما اشتدت الخطوب ودارت عجلة الطغاة  وتبدلت وجوههم ، بقي صوتها الشعري  الانقى والاعلى رغم هرولة  بعض الشعراء المخصيين اللاهثين وراء الشهرة السريعة وهم يقتاتون على فتات موائد الساسة والطغاة حالمين بمكاسب رخيصة زائلة.
(لم يك يعلم وهو ينحني 
لا لتقاط هبات الأخرين
ان قامته لن تستقيم أبدا)
بقيت رسمية زاير محيبس حرة تعرف مكانتها المحفور في قلوب الناس والقراء ترفع دعائها لنصرة المظلومين واليتامى والطيور المفزوعة  وتستصرخ الضمائر من اجل الطفولة  والأرامل والمرضى في زمن انصرف فيه بعض المثقفين من عبادة "هبل" الى عبادة اصنام اقزام .
(مازالو ينظرون بنصف عين 
وكانهم آلهة قديمة لم تحين اختيار اتباعها 
يشنون غاراتهم على اجساد القصائد 
حربهم خواء وبضاعتهم كاسدة
نيرانهم التي تشتعل بغته 
لاتحرق سنبلة في بيدر قمح
كلما تطاولوا ازدادوا قصرا وضآلة
٠٠٠٠٠٠٠٠
المهوسون بالالقاب الفخمة 
يلتصقون كالشمع على الموائد الفاخرة
ويعضون الأنامل من الغيظ 
على من سبقهم ولو بنصف حلم )

في زمن طفحت فيه الفضائيات والصحف ودور النشر بالشاعرات اللواتي يقتاتن على قصائد خليعة مشوهة وسمجة مشوهة للايروسية الجميلة في حفلات تعري ذوقي واخلاقي باسم الثقافة والشعر ، في زمن الاصوات الدعية في سوق النخاسة الثقافية والاخوانيات الخادعة وفرق مسح الاكتاف والمداحين الذين سيلعنهم التاريخ والشعر
مايهني في هذه الاضاءة
 هي كتابات رسمية زاير محيبس في يومياتها ومقالاتها التي تمثل صوتها ومواقفها الواضحة من كل القضايا الثقافية والاجتماعية  والسياسية التي يمر بها العراق بشجاعة دون مداهنة او مواربة  ، في حين غض البعض طرفه عن   خسارات وماسي وآلالام مجتمعه نتجة عبوديتهم وتبعيتهم او خوفا على أرزاقهم من دكاكين الصحافة والمؤسسات الإعلامية التي يعملون فيها .
وصم اخرون اذانهم وأغمضوا اعينهم نتيجة وضاعتهم وانهزاميتهم التي ادمنوها منذ زمن المقبور جهنم . غارقون بأحلام اليقظة 
مصابون بداء العظمة "ميغالومانيا" والوهم والضلالات.
رسمية زاير محيبس بيدر حروف صادقة ما ان لامسه مطر الشعر حتى صار ازهار من القصائد وسنابل تتراقص على ضفاف الفرات مع كل صباح جديد .
 وببهاء وروعة قصائدها مقالاتها ومنشوراتها على الفيس بوك  . تمتاز كتابات الشاعرة بالبساطة والإيجاز وتحويل اللحظة الشعرية الى لحظة محسوسة موجزة نابعة من الحياة لتعطي لمستها الجمالية الخاصة النابعة من الصورة الشعرية الدالة .
صدر للاديبة" رسمية  محيبس " مجموعة من الإصدارات الشعرية  والنثرية وكتاب أشبه بالسيرة الذاتية عن زوجها المرحوم كزار حنتوش" كزار حنتوش ..الشعر مقابل الحب " وهو وثيقة وشهادة ذكرى للشاعر المرحوم زوجها الذي عاش حياته بروح قديس ولباس صعلوك ،  ويعد الشاعر كزار حنتوش شاعر له بصمته  في الشعر العراقي .
 الكتاب يعتبر بوح سردي ذاتي (لم أكن اعرف كيف اتصرف مع كزار هذا الشاعر الصعلوك الذي سمعت الكثير عنه ولاح لي طيفه من بعيد .. ولم أجرء على التحدث معه ابدا، وكأنه بالنسبة لي كالقارة المجهولة لا ادري كيف اكتشفتها)
وهذه بحاجة الى مقامة اخرى لانها مزيج من الاجتماعي والإبداعي بين شاعرين اقترنا بالزواج .
بقيت رسمية زاير تنحت وتشكل إبداعها  رغم محاولة بعض الغربان ان تعكر صفاء بوحها وصفاء صوتها الانساني المترع بصوت الناس وانات المهمشين 
والبعض مدفوع بحسد وغيرة او جبن فلا يروق له صوت الحقيقة والصراحة علما ان الشاعرة "رسمية محيبس "تدافع عن قضايا مجتمع بنية خالصة من اجل العدالة الاجتماعية وحقوق الطفولة وكرامة الانسان والجمال  .
ان مناسبة هذة الاشارة  بحق شاعرة وانسانة ومبدعة كبيرة في مواقفها هو متابعتي المستمرة والمتواصلة خلال العقد الاخيرة .
  شاعرة متصدية ومثقفة نبيلة وكاتبة اثبتت جدارتها رغم كل الظروف
 تكتب عن الحياة بجرأة  واقتدار  لا يقل عن موهبتها الشعرية وتواجه الواقع المزري بازدراء .. رسمية برهنت منذ بزوغها الشعري "١٩٨٠" وربما قبل هذا التاريخ ،  انه لايصح الا الصحيح ولاصوت يعلو فوق صوت القصيدة الصادقة المفعمة بالتجربة الانسانية المترعة بالعشق والحب للناس والنهر وعيون الأطفال والعصافير  .مسلحة بالصبر والامل الذي لا يموت  رصيدها الوحيد من اجل تحقيق العدالة والجمال والحب 
(أخشى أن أستيقظ يوما وافاجىء أن ورودي أصبحت شوكا وإن طيوري أدمنت الهجرة . أخشى أن أقاد لأقرب قبر حين يشتبهون بثيابي البيضاء ويدي الفارغتين . أخشى أن يحسبوا غنائي بكاء وأن يسرقوا رصيدي في مصارف الأمل . أخشى أن يتسلقوا جداري المسلح بالصبر ليمنحوني درع الدموع . وان يوافقوا على إصدار مجموعتي الأولى في الأحزان . أخشى أن يحضر القمر ونجومه في ثياب الشرطة لإلقاء القبض على قلبي المتهم بالحب)
انا اؤمن بما قاله الكاتب الأورغواني الشهير أدوردو غاليانو :
 انا احاول من خلال الكتابة ان اجد آولئك الرجال والنساء الذين يرغبون بالعدالة والجمال . هؤلاء هم أبناء عالمي وممن يعشون فيه . بغض النظر عن مكان مولدهم او كيف عاشوا ، وبغض النظر عن حدود الزمان ....
 لهذا سأستمر بالكتابة عن عشاق العدل والجمال  والشاعرة والاديبة "رسمية محيبس زاير " احدهم  با متياز. 
________________________________________
( ) نصوص مأخوذة من صفحة الشاعرة في الفيس بوك  .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق