الصفحات

2016/03/16

قراءة في قصة انتخاب للقاص عبدالرحمن هويش من مجموعة مغارة السلعوة بقلم: باسل مولود يوسف التكريتي وسفانة شعبان الصافي

قراءة في قصة انتخاب للقاص عبدالرحمن هويش من مجموعة مغارة السلعوة


بقلم: باسل مولود يوسف التكريتي
    وسفانة شعبان الصافي

وإنأهم ما يميز التجربة القصصية بصفتها تجربة معرفية, أنها تتجاوز خصوصيات العالم الذاتي لصاحبها إلى احتضان حقائق العالم الأكبر( ), فترتكز معرفية التجربةالقصصية هنا علىمستوى نوعي من المعرفة أكثر كثافة وإبداعاً ونشاطاً خلاقاً من المعرفة الكمية واسعة الانتشار والاستخدام, وتتصل هذهِ المعرفة النوعية التي تميزت بها التجربة القصصية للقاص عبد الرحمن هويشي لذاكرته اتصالاً سلسلاً ودينامياً( )؛ لأن ثمة الكثير من الخصائص المشتركة بين فضائيهماونوعية مقتنييهما, فضلاً عن أساليب عملهما في الأعداد والإنتاج.
يتسع دور اللغة بوصفها أهم أدوات تمثيل خطاب الذاكرة في عملية تنصيص القصص القصيرة (لمجموعة مغارة السعلوة) للقاص عبد الرحمن هويش؛ليشمل القدرة الشاملة على إخضاع المرجعيات والعناصر والأدوات والآليات والتقنيات الداخلة في العملية كافة لسلطاتها, وثم تحويلها إلى كل مرجعي متكامل( ), يتقدم إلى منطقة الإبداع القصصي عن طريقها ومن خلال قناتها.
فالسرد–في قصة انتخاب الرئيس–قصص القاص عبد الرحمن هويش موضوع الدراسة يأتي في مستويين: الأول موضوعي, والآخر ذاتي, وقبل أن نغوص في متاهات السرد ونتفحص آلياته في بعض نصوص هذهِ القصة لابدّ من الإشارة إلى نقطة هامة وهي إن نسبة 90% من قصص عبد الرحمن هويش في مجموعته هذهِ تمثل سرداً موضوعياً, وربما شكلت أغلب القصص لهذهِ المجموعة القصصية في إطارها العام, ولإيجاز موضوع دراستنا هذهِ سوف نتناولالسرد الموضوعي لقصة انتخاب الرئيس من هذهِ المجموعة, وهي تمثل أنموذجاً نوعياً للسرد اللا موضوعي.

نلتقي مباشرةً بالبطل– مجهول الهوية–فيقول الراوي:
(وصل الجميع قريتنا ببيوتها الطينية الكالحة اللون المتناثر هنا وهناك يتوسطها بيت جدي أو كما يطلقون عليه الملك, تقدمنا هلعين)( ).
وعبر ملاحقة زمنية مسردنة للأحداث التاريخية الواقعية التي يتعرض لها الراوي سيرتسل الراوي في أحداث القصة عبر سرد يتم فيه توظيف الدار كعتبة نصية توضح النصوتحدد هويته( ), وإن كان البطل في القصة على صعيد التداول القرائي المباشر مجهولاً, إلا أنه على الرغم من ذلك لم يكن هدفه صناعة البطل في ميدان الحدث القصصي بقدر ما كان الحدث القصصي ذاته هو مركز اهتمامه الحكائي, يقول الراوي:
(لم نصدق منظر جدي ممداً على أرض باحة داره غارقاً بالدماء وهو الرجل القوي المهاب من الجميع, الكل يسمع كلامه ويطيعه, هو المتحكم بأمور قريتنا وهو من يقرر من يخرج للحراثة والزراعة)( ).
لقد حاول الراوي أن يمنح وصفه هنا معنى إيجابي مؤثر في صياغة المشهد السردي, لذا نجد فيه الكثير من الصور الملتقطة للحدث من زوايا مختلفة, وقد جاءت هذهِ الصور مطعمة بمشاعر شخصيةالعم سرحان الرافض لهذهِ الأجواء, فغدا الوصف عنده تعبيراً استراتيجياً عن موقف سردي رافض, لكنهُ على صعيد التشكيل الوصفي للمكان والحدث استطاع بإيجاز أن يرسم لوحة المكان بالدرجة التي يحتاجها الحدث القصصي بلا زيادة ولا نقصان,ويأتي وصف مكان الحدث ليقوم بوظيفة تزينية ذات تأثير جمالي من ناحية( ), وزخرفية من ناحية أخرى, وليتم من خلاله عقد مقارنة ذات مدلول ثقافي وسياسي بين فترتين زمنيتين مختلفتين.
ففي هذهِ القصة,اعتمد القاص على السرد أكثر من الوصف, ووصف الشخصيات عنده غلب على وصف الأشياء, وكان وصفه (للرئيس للملك)وصفاً مادياً, إذ ذكر المظهر الخارجي أكثر من التركيز على الوصف المعنوي( ), ولم نرَتركيزاً واضحاًلوصف الانفعالات والأحاسيس والمشاعر, ونعتقد أن عبد الرحمن هويش قدم لنا في هذهِ القصة وأغلب القصص في هذهِ المجموعة وصفاً بانورامياً.
اعتمد التركيز على مشهد أو لقطة معينة( ) في هذهِ القصة ولا سبب في أن حساسية الوصف التي اعتمدها القاص في بناء هذهِ القصة تكشف عن اعتدال في فنيته القصصية وأسلوبيته السردية.
تجري قصة الرئيس في مكان أسوة ببقية قصصه, متشابهة ومشتركة,وأهم ما يميزها هو أنهاتتسم بخاصية الانتماء, والإحساس بالانتماء إنما يأتي من أن (للفضاء أهمية قصوى في تشكيل الفرد وأحاسيسهوانفعالاته منذ مراحله المبكرة, ومن هذا الارتباط يبرز الوعي والإحساس عند الفرد بالانتماء إلى الفضاء المحدد)( ),وهذهِ السمة هي التي تلح على الشخصية بالعودة إلى المكان الأصل مهما ابتعدت عنه, يقول الراوي: (من هؤلاء, وما الذي يقومون به, سألت أمي مرتجفاً من شدة الخوف)( ).
يشتغل العنوان في قصص عبد الرحمن هويشعلى مديات سيمائية سردية مختلفة المستوى ومتنوعة الاتجاهات, جاءت الدلالات والتراكيب فيها محملة ببراهين نصية لفروض العنونة وقوانين فنية سار القاص على وفقها في بناء قصصه, وكشف عن مدى تلاحم أحداثها ورؤاهاوأساليبها, ونلاحظ إن في (قصة الرئيس) منح هذا العنوان هويته الدلالية والقيمة والاعتبارية وأثبته في رأس النص بتفريعاته وقنواته وصياغاته المختلفة, وقد اعتنى عبد الرحمن هويش عناية جيدة به.
تدور قصة (انتخاب الرئيس) بتجسد الحدثفي الصراع بين الإنسان القائد والإنسان العادي, يقول الراوي: (الكل يسمع كلامه يطيعه..... هو المتحكم بأمور قريتنا وهو من يقرر من يخرج للحراثة والزراعة, من يخرج للرعي)( ).
تم سرد الأحداث من خلال منظور الراويكلي العلم باستخدام ضمير الغائب تتخلله بعض الحوارات التي تعبر عن إيديولوجية الشخصية وأفكارها.
يقول الراوي: (الوجوم يعم الوجوه وعيونها تتجه صوب الجسد الممد صمت مخيف كسره صوت العم سرحان الخشم)( ).
ففي الوقت الذي يتم فيه سرد الحدث الأول (مقتل الرئيس), وتداعيات قتله وظروفها, وانشغال أبناء القرية في معرفةقاتل الرئيس, فإن القاص يسرد حدث انتخاب العم سرحان, ثم يعود السرد إلى الحدث الأول والبحث عن قاتل الرئيس وإشغال القرية به.
يقول الراوي:
(لم يتعدى الزمن شهوراً لقتل الرئيسسرحان,فتنتشر الجثث في الطرقات مرة أخرى ويعم الفرهود, ويستلم عماً آخر هو جميل الذي عارض رئاسته الكثير طالبين اختيار رئيس القرية بالانتخاب)( ).
تم عرض الأحداث حسب تسلسلها التاريخي المحددّ بتعاقب لسنوات بل بالشكل الذي خدم السرد القصصي, وزاد من تماسك البنية السردية للحدث في إطار الشكل السردي للحدث القصصي تحديداً( ).
وفي قصة الرئيس إشارة إلى شخصيات متعددة اتسمت بأنها من رموز القيادة, وما رافقها من ظلم وقتل ونهب وسلب, فنرى إن هناك توازن في هذهِ القصة, وإن توظيف هذهِ الشخصيات عبر السرد القصصي يشير إلى إمكانية وجودها في كل زمان ومكان( ).
تنهض فعاليات المحكى القصصي في قصة الرئيس على المشهد الحلمي الذي يعمل بمستويين, يرتكز المشهد الأول على شخصية الرئيس, والمشهد الآخر يعتمد على الصراع الدراماتيكي الدائر بين الرئيس وعصابات القتل والسرقة والمجرمين في داخل تلك القرية.
فالحدث الرئيس في المشهد الأول, والمشهد الثاني, والمشهد الثالث في قتل الرئيس هو محور القصة, وترادفه أفعال الانتقام (القتل, والسلب, والنهب) الذي تمارسه الشخصيات الإجرامية في القصة, وينبه القاص إلى وجود رادع أخلاقي يوقظ الضمير الغافل في مجتمعالقرية, وإذا كانت هذهِ التقانة تمارس دوراً بارزاً في الفن القصصي( ), وقد رأينا إن دور الراوي كان واضح ومؤثر مع غياب واضح لبعض الشخصيات أقصد غياب توازن الأدوارمع اعتدال في السرد.
وأخيراً نتمنى التوفيق للكاتب والاستمرار في مراجعة كتب اللغة لرفد أعماله اللاحقة, ومن الله التوفيق والسداد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق