الصفحات

2016/03/02

قراءة في ديوان "سأحبك ...ولكن بعد حين" لبلقاسم مسروق بقلم: محبوب عبد المجيد



 قراءة في ديوان "سأحبك ...ولكن بعد حين" لبلقاسم مسروق
محبوب عبد المجيد
الجزائر
بعد انتظار طويل وشيقٍ لأول مولود في الساحة الثقافة للشاعر الفحل والناقد الثاقب والإعلامي المتمرس بلقاسم مسروق او ابن الرمل كما يُحب ان يُنادى، الذي عرف في المنابر الادبية منذ بداية الثمانينات، بحضوره المتميز، وقامته الشعرية الفارهةالتي أهلته ليكون أحد أبرز سفراء بسكرة في ولايات الوطن، وممثلا للجزائر خارج حدودها.جاء مولوده الأول "سأحبك ...ولكن بعد حين" في طبعة انيقة تسهل للقارىء حملهفي جيبه ( كتاب الجيب).
و أول ما يلفتُ إنتباهك لهذه المجموعة الشعرية عُنوانها الذي يوحي لك بأنه لا وقت للحب الآن دون الجزم بعدم كينونته، ويضع الشاعر عاطفة الحبكأنه شيىء يمكن التحكم فيه، فيمكن أن نحب من نشاء وقت ما نشاء، وهو المعنى الذي يخالف تماما أقوى واشهر بيت في المجموعة حسب رأي- الذي سنقف عنده لاحقا.
وحين الغوص في طيات المجموعة والتجوال فيها بين رياضها واشجارها الوارفة، وزهورها مختلفة الألوان والشذا، نجد أنفسنا كأننا في العصر العباسي اين بلغ الشعر العربي ذروته ولكن بروح العصر حيث لم تخلو المجموعة من معالم الحداثة التي تزاوجت مع الأصالة ، حث قوة الكلمة وعمق المعنى، اين تشم رائحة المتنبي ونسمع صهيل فرسه، حيث يظهر ذلك في قصيدته (أغنية الجرح) صفحة 35 الذي يستهلها بــ:
الصمت ينثال اشلاءً على سحري***ووجنة الجرح كثبانٌ من الكدرِ
مرورا بهذا البيت الذي يصل به الشاعر إلى ذروة موضوعه المطروح أو المعالَج.
لك البحار، لك الرحيل فأنطلقي***وأحصي فهذا المدى رملٌ من العبرِ
إلى أن يخرج بـــ:
أهواكِ أنتِ أهوى فيك ذاكرتي*** أنتِ الحبيبة ما اعدلتُ عن سفري                                             
أين يوحي لنا  بأن الحبيبة قد استحالت جزءا من ذاكرته وماضيه ولم يعد ممكنا الرحيل عنها، وهو النص الذي نشم فيه رائحة الصوفية المهذبة وغير الطاغية كبعض الشعراء الصوفيين.
وتظهر الصوفية جلية في قصيدة (تأملات).
"أَجوبُ صَحارِي الحُبِّ بَحثًا عنِ الرِّضاوغير رِضـاكَ لا يفـيدُ و لا  يُجـدي"
"أُفَــكِّرُ فـــــــيـــــــمـــــــــا إِنْ خُـــــــلِـقـــــــــــــــتُ بـلا أنـا        أَراكَ قــــويًــــــــا ليــــــــــس تغـفو عنِ العَـبْـدِ"
هذين البيتين تظهر فيهما علاماتها مباشرة، وإن كانت أبيات القصيدة كلها لا تخلو منها، كأنني به زاهدا في الدنيا، متأملا ملكوت الله في نفسه، طالبا رضاه وعفوه.
كما نلمسها في مطلع قصيدة (ظلال الروح). صفحة 51.
"  لاخمرةَ الـرُّوحِ تجعلُ الهـوى ثَـمِلاَ   و لاَ الفُـؤادُ نَفـى الغـرامَ و ارتحـلاَ "
كما نلمس الصوفية في قصيدة (تساميح في محاريب الهوى) وذلك من خلال مفرداتها التي نتعثر بها كــ:(زجاجات الخمر، زاهدة، محرابها، زلال العمر، صلاة العمر، صلاة الحب، صلي على الجمر، صلاة طهر، صلاة الحب مطهرة،....).
وإن عدنا إلى قصيدة(بطاقة هوية) فإننا نتعرف من هذه البطاقة على شاعرنا المتصوف في محراب الهوى، ولا يكاد يخلو بيتٌ من هذه الصفةالتي جاءت بطرح قوي، ويوحي بالقوة والصلابة، على عكس الكثير من المتصوفة الذين نشم في اشعارهم رائحة الزهدوالنسك الذي عادة ما تصاحبه الإنطوائية والضعف.
ثم نجد أنفسها واقعين معه في " تأملات في مرايا الصمت والإحتراق" التي هي بالفعل تأملات من نوع خاص نشتم فيها الكثير من النفحات الصوفية التي ترحل بنا إلى عوالم الصوفية المهذبة التي جاءت بعض رموزها مثل ( محراب معتنقي، مهجة المدى سفها، جذوة النار، كفن الألحان، هوى نزقي، صلبتُ على الشفاه، هوى شبقي، الصلوات البكر، لولا التصوف في محراب نرجسة، مقبرة، صلاة مرتزق، صلي لوحدك في المحراب،...).
والواقف عند مطلع قصيدة (تأملات في أغصان الرمل)يقف بلا شك عند محتوى عنوان هذه المقالة الذي يجمع بين جمال الصوفة، وقوة الكلمة والمعنى.
أيا عبـرةً خالت صـباحـييَ معــبدافـراحـت تـغـــــــــازلُالإلـــــهَ المـعــــــــــــربدا
تبثُّ صـديدَ الجـرح لحـنا مـهلِّــلا          و تعـبر كهفَ الصَّمت سهـمًا مسـدَّدا
وإن أردنا التوقف عند قوة شعر ابن الرمل فأين يا ترى سأتوقف معكم، أهو في الصفحة 30
أيا عبـرةً خالت صـباحـييَ معــبدافـراحـت تـغـازلُالإلهَ المـعـربدا
أم عند الصفحة 31: تمـرُّ علـى درس الطُّـلول نـواجـعٌو يبقى عميـدُ القـلب فـيها مغــرِّدا
أم تراني سأتوقف  في الصفحة 35 عند البيت
حُمّى النـوازل مسكـونٌ بـدوخـتـها           فـليرفض الجـرح أوثـانًـا مـن البشـرِ
وفي وقوفنا عند( برقية إلى كل العرب) لم أجد شخصيا بيتا يستوقفني أكثر من غيره ففي كل بيت له من القوة والجمال ما يجعله ينط قبل غيره.
أما أكثر بيت وقفتُ عنده شخصيا وذلك أول ما وصل طبلة أذني سنة 1998 ذات مساء خريفي في أمسية شعرية بجامعة محمد خيذر ( المركز الجامي سابقا) هو:
قـد نعـشـقُ الشَّـيءَ إيـمانًا و زنـدقـةًو جُـذْوةُ العـشـقِ لا تـأتـي مِـنَ العَمَدِ
أول ما سمعته ظننته لإبي الطيب المتنبي وقد قاله الشاعر مشتشهدا به، لأدرك فيما بعد حقيقة إبن الرمل، وأكتشف العديد من نصوصه الجميلة والقوية، وإن كان قليل الكتابة لكنه يجيدها ، وهو البيت الذي يأتي ليضرب عرض الحائط عنوان المجموعة.
ولعمري لهو من القلة القليلة التي لم تزل تكتب بهذه الطريقة ، وبهذا الأسلوب في عصرنا هذا،
ليس مجاملة- ولستُ أجامل أحدًا قط- بل من باب القول للمحسن أحسنت، وإعطاء كل ذي حق حقَّه.
وإن كان إبن الرمل يكتب نصوصا قوية كالتي هي ضمن هذه المجموعة،إلا أنه يكتب أحيانا قصائد غنائية"أيعاشقي"التي هي مشروع أغنية لإحدى مطربات الجزائر التي لها سيتها وإسمها في الساحة وقد جاءت القصيدة سلسلة عذبة مترابطة الأفكار والطرح ونجده في بيت أخر قصيدةطفلتان همايتلاعب باللغة التي تأتيه صاغرة لتمكنه منها.
وما هوى ذا الهوى مدى الهوى وهوى إلا هوى في الهوى التيار والغرق.
 وبعملية حسابية نجد أنه في7 أبيات نجد كلمة هوى تكرر10مرات دون أن نحس تكرار أوتداخل المعنى ومن خلال ماسلف ندرك مدى قوة الشاعر في القصيدة العمودية غير أن نصوصه الشعرية جاءت رائعة و قوية وقد غطى على غياب الوزن فيها موسيقاها الداخلية المتناغمة التي تغنيك عن الوزن.
وثم تخلو هي الأخرى من الصوفية التي لا يهرب الشاعر منها إلاإليها في العديد من نصوصه وتذكر على سبيل الذكر لا الحصر
وما يمكن أن نستشفه من بعض هذه النصوص العشرين  هو حبه الدفاق لبسكرة. أين ترعرع ودرس ودق الأوتار فيها وكتب فيها شعره ونشره ونلمس أيضا مدى الجرح الذي أورثته مدينة فيسيرا التي درس بجامعتها ولم يستطع التخلص منه.
وهو قبلا و بعدا موجوع بحال الوطن العربي والقضية الفلسطينية بصفة خاصة ناقما على حكام العرب وعلى ما أل إليه حال بلدانهم بسبب ذلهم وخنوعهم وتفشي الغواية واللهو في قصورهم فانعكست بذلك على شعوبهم.
وما يمكننا أن نخرج به هذه المجموعة الأنيقة هو أننا أمام شاعر متمرس يعرض أين يضع قلمه، يختار مواضيعه بدقة وصدق متمكنا من عملية الكتابة، ينط بين حبالها راقصا لايخشى السقوط، تجذبك لغته القوية الجميلة وتشدك أفكاره المفتوحة على عوالم الحياة بفلسفة وتجربة كبيرتين.
إستطاع أن يجمع بين أصالة الشعر العربي القديم وبين مقومات الحداثة فكوّن لوحات فنية جميلة متناسقة .
وهو الأمر الذي يجعلنا ننتظر بشغف كبير مولوده الثاني الذي قد يكون شعرا أو نثرا لينجز في رحلة أدبية جادة كالتي يخوضها كل من يقرأ سأحبك ولكن بعد حين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق