الصفحات

2016/04/11

صورة الوطن في قصص مصرية حديثة للطفل بقلم: أحمد طوسون


صورة الوطن في قصص مصرية حديثة للطفل
بقلم: أحمد طوسون

·        الكتابة للطفل.. والانتماء:
الانتماء لغة الانتساب.. ففي المعجم عُرِفَ بانْتِمائِهِ إلى قَبيلَةٍ كَذَا : بانْتِسابِهِ إِلَيْهَا، فيقال انتمى فلان إلى فلان إذا ارتفع إليه في النسب.[1]
فالانتماء علاقة مابين منتسب ومنتسب إليه. والانتماء مأخوذ من النمو والزيادة والكثرة والارتفاع، فانتساب الفرد إلى أسرته وعائلته ووطنه ودينه ينمو ويزداد إذا توليناه بالرعاية وبالاحتضان وبالمحبة وبالوسائل التربوية المناسبة التي تجعل الفرد متوافقا مع أسرته ومجتمعه وعالمه، كما يذبل ويموت إذا أهملناه.
والانتماء اصطلاحا كما عرفه ثورندايك بأنه " صفة لجزء ينتسب بشدة إلى جزء آخر يكمله"[2]
فالانتماء شعور ايجابي ما بين المنتمي والمنتمى إليه سواء أكان شخصا أو أسرة أو وطنا أو عقيدة يصل لدرجة الاتحاد ما بين المنتمي والمنتمي إليه وتدفعه للعمل على رقي وتقدم المنتمى إليه والزود عنه في مواجهة الأخطار.
وهناك العديد من التعريفات التى تناولت مفهوم الانتماء وذلك ما يتضح خلال التعرض لمفهوم الإنتماء فى الإطار النظرى ومن خلال تلك التعريفات تم التوصل إلى تعريف إجرائى للإنتماء وهو شعور الفرد بأنه جزء أساسياً من الجماعة التى يعيش معها وينتمى إليها ومرتبط بها ومتوحد معها، وأنه مسئول تجاه هذه الجماعة مع توافر المقومات الأساسية للجماعة لدى الفرد على أن تعمل هذه الجماعة على إشباع حاجات الفرد ورغباته.[3]
فالانتماء يرتب مسئوليات وواجبات متبادلة بين الفرد والمجتمع.
لذا تحرص المجتمعات على تنمية الشعور بالانتماء لدى أطفالها.. لأن تعميق الانتماء يعد ضرورة لتماسك واستقرار ونجاح وتقدم الفرد والمجتمع في آن واحد.
ويعد أدب الطفل من أهم وسائل بث الانتماء لدى الأطفال.
·        المواطنة:
يرتبط مفهوم الانتماء ارتباطا وثيقا بمفهوم المواطنة التي تعد ضرورة أساسية لنظم الحكم الديمقراطي. فالمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وعدم التفرقة بينهم على أساس الجنس أو الدين أو العرق أحد أهم الركائز لغرس قيم الانتماء الوطني بين أفراد المجتمع.
ويعرف البعض المواطنة بأنها ممارسة منظمة يقوم بها المواطن في وطنه من خلال الدستور والقوانين تقوم على ركيزتين أساسيتين هما المشاركة والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين وحقهم في المشاركة في إدارة الوطن بدرجة أو بأخرى.[4]
فالمشاركة الفعالة للطفل/ المواطن في مجتمعه وشعوره بالمساواة مع الآخرين في الحقوق والواجبات وتحمله المسئولية بالمشاركة في إدارة وطنه يعزز قيم الانتماء لديه تجاه وطنه.
كما أن نشر ثقافة المواطنة يعمل على توليد ثقافة السلام والمحبة و التآلف والحرية والديمقراطية والتسامح وقبول الآخر في الوطن الواحد.[5]
·        طرق تعزيز الانتماء لدى الأطفال:
1-     الأسرة
تعد الأسرة الحاضنة الأولى لخلق مواطن صالح من خلال القيم التي تقوم بغرسها في الطفل.. وما يجده من حب ورعاية بين أفراد أسرته ينعكس على سلوكه في جماعته الأكبر خارج البيت بين أصحابه وزملائه في المدرسة أو النادي، كما ينعكس في سلوكه نحو مجتمعه ووطنه.
فإذا قامت الأسرة بالتربية التربوية الصحيحة للطفل فإنها تسهم بالقدر الأكبر في التأثير على قيم ومعتقدات الطفل وتسهم في إعداده ليكون قادرا على المساهمة في تقدم مجتمعه ووطنه.
2-     التعليم
فقد أشارت دراسة (لطيفة إبراهيم) إلى "دور التعليم فى تعزيز الانتماء" قامت الباحثة فى هذه الدراسة باستخدام المنهج الوصفى فى دراسة وتشخيص واقع الانتماء لدى تلاميذ مرحلة التعليم الأساسى فى مصر، بهدف الوصول فى النهاية إلى كيفية مساهمة المدرسة باعتبارها احد أهم الوسائط التربوية الفاعلة فى تقوية وتنمية مفهوم الانتماء لدى تلاميذها، واستخدمت الباحثة استبيانين من إعدادها، الأول: مقياس الاتجاه نحو الانتماء للوطن، والثانى: مقياس الموقف من الانتماء للوطن، وتوصلت الدراسة إلى أن واقع الانتماء لدى التلاميذ فى ضوء متغيرات بعينها انحصرت فى تنوع التعليم فى هذه المرحلة، واختلاف النوع، واختلاف مستوى تعليم الآباء وكذلك الأمهات وكذلك توصلت الدراسة إلى أن للمدرسة دور فعال فى تحقيق الانتماء لدى التلاميذ وذلك من خلال العمل على اشراكهم فى الأنشطة والبرامج التى تدور داخل المدرسة (لطيفة إبراهيم، 2000).[6]
فالمدرسة تشكل المرحلة الأهم في تعزيز قيم الانتماء للوطن من خلال المناهج التي تقدم أو البرامج التعليمية، كما يمكن أن تكون بمثابة برلمان صغير يتعلم من خلاله الطفل قيم الحرية والحوار والاختلاف والمطالبة بالحقوق مع الالتزام بالواجبات، وممارسة كافة أنواع الأنشطة الرياضية والثقافية والعلمية والفنية التي تساعد الطفل على الانصهار داخل جماعته الوطنية وأنه جزء أصيل منها وتعمل على تكيفه مع المجتمع بشكل صحيح وايجابي.
وفي دراسة عن الهوية والانتماء، أجريت في أواخر القرن الماضي، اتضح أن أكثر دوائر الانتماء أهمية في حياة الشباب الأسرة والأصدقاء، ثم الدين والمؤسسات الدينية (دور العبادة)، ثم الانتماء لزملاء العمل والدراسة. كما اتضح أن الانتماء لمنطقة السكن، والانتماء للمجتمع المحلي (المدينة التي يعيش فيها الشخص)، والمجتمع القومي يحتل درجة أقل من سابقاتها. فمن الواضح أن مشكلة الانتماء تكمن في أن الدوائر الأولية الصغيرة كالأسرة وجماعة الأصدقاء والزملاء تحتل أهمية تفوق الدوائر المتسعة كالانتماء الوطني والقومي [7].
3-     ثقافة وفنون الطفل:
يعد الاهتمام بثقافة الطفل من خلال ما يقدم له من أدب وفنون تساهم في تكوين شخصيته وتشكيل وجدانه وتدريب عقله وفكره وتنمية خياله أحد أهم وسائل غرس قيم الانتماء لدى الأطفال والتعريف بحقوق المواطنة والانتماء وواجباتهما، بالإضافة إلى التعريف بمؤسسات الدولة وكياناتها.. ولا تقتصر أهميتها على هذا الدور بل تتعداه لتكون حائط صد في مواجهة الاختراق الثقافي الذي يواجهه أطفالنا من خلال ما يقدم له من مواد تهدف إلى زعزعة الانتماء للوطن لديه عبر الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة من خلال مواد كرتونية لا تناسب قيمنا الدينية أو الاجتماعية أو عاداتنا أو من خلال الألعاب الإلكترونية وغيرها.
ونجد أن الباحثة نجلاء عبد الحميد في دراسة لها عن الانتماء الاجتماعي للشخصية المصرية تؤكد أن الولاء للموطن مرهون بالإشباعات المادية والمعنوية لأفراده، وأنها الأطر التي يستقي منها في التنشئة الاجتماعية بما فيها من لغة، وفكرة، وفن (الثقافة) .
ويعد مسرح الطفل التربوي والقصص والأشعار والفنون المختلفة التي تقدم للطفل أحد الوسائل الهامة بما تحتويه من خيال وتشويق ورسوم جذابة تنجح في جذب اهتمام الطفل لتمرير وغرس قيم الانتماء للوطن وتعريفه بالحقائق الأساسية بمؤسسات الدولة ونظام الحكم والحقوق والواجبات وأهمية المشاركة السياسية للطفل. ويمكننا هنا أن نضرب بعض الأمثلة بما كتبه يعقوب الشاروني في (حكاية الديمقراطية للطفل المصري)[8]، وما كتبته د. شهيرة خليل في كتابها (كيف تصبح رئيسا للجمهورية)[9]، وما كتبه أحمد طوسون في كتاب (أنا البرلمان)[10]، للتعريف بمؤسسات الحكم الديمقراطي، أو قصيدة شوقي حجاب عن الديمقراطية التي يقول فيها:
يعنى ايه ديمقراطية ؟
يعنى ايه؟
يعنى شعب بيحكمه
حد منه بيفهمه
والشعوب لو يحكموا
كل يوم يقدموا
كل شعب وله قضيه
ديمقراطية
****
يعنى ايه ديمقراطية؟
يعنى ايه؟
يعنى حرية اراء
لا نفاق ولا مراء
لا رجوع إلى الوراء
للامام بلا أفتراء
إنسانية وسواسية
ديمقراطية
****
يعنى ايه ديمقراطية ؟
يعنى ايه؟
يعنى ايه شورى وانتخاب
ناس ما فيش بينهم حجاب
واللى نختاره عشانا
يبقى نائب له حساب
والنيابة مسئولية !!
ديمقراطية
4-     وسائل الاتصال الحديثة والإعلام:
تعد وسائل الاتصال الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة من العوامل الهامة والمؤثرة في تنمية الانتماء والتأثير فيه سلبا وايجابا.. فمع التطور الهائل في وسائل الاتصال والميديا أصبح طفل هذا الزمان أسيرا لتكنولوجيا العصر، وإذا لم نواكب العصر بوسائله الحديثة سنترك أبناءنا فريسة ما يقدم لهم من قيم وأفكار غريبة عن مجتمعاتنا وقيمنا، بل وتعمل وفق منهجية واضحة لتقويض مفهوم الهوية الوطنية لصالح فكرة العالم الواحد (العولمة).. وأشد ما نواجهه من خطر عدم وجود الانتاج الثقافي الكافي من خلال مؤسسات الدولة الذي يحمل هويتنا الوطنية كما وكيفا على شبكة الانترنت وبمختلف الفضائيات بانتاج مواد تنافس ما يقدم في هذا المجال عالميا لتكون متاحة للطفل وتساعد في تحصينه ضد ما يقدم له ويخالف قيمه الدينية والاجتماعية والثقافية. والاكتفاء بمحاولات فردية أو أهليه خاصة.. أو مواقع لمؤسسات حكومية لا ترتقي إلى تقديم المأمول منها في هذا المجال وبخاصة في العمل على غرس وتعزيز قيم الانتماء الوطني.
·         صور الانتماء في قصص الأطفال:
الانتماء للوطن يعد أسمى أنواع الانتماء، وهو يساعد الطفل على التوافق داخل بيئته والانخراط في المجموعات الاجتماعية التي يختلط بها خارج أسرته في الشارع والنادي والمدرسة.. ويشجعه على العمل المشترك وعلى الجماعية في العمل، ويدفع الطفل للإبداع والتميز داخل جماعته وترسخ فيه مراعاة حقوق الآخرين واحترام آرائهم وإن اختلف معها أو اختلف معهم طالما تجمعهم فكرة الوطنية والولاء للوطن.
وأحاول في النقاط التالية تلمس صورة الوطن كما قدمتها ثلاث قصص للأطفال قدمها الكتاب فاطمة المعدول، أمل فرح، أحمد قرني، كنماذج لصورة الوطن في الكتابات الجديدة للطفل التي صدرت في الألفية الجديدة.
·        الوطن مفردات الحياة كما صورته فاطمة المعدول:
تحاول فاطمة المعدول في كتابها (الوطن)[11] أن تطرح السؤال عن معنى الوطن من خلال القصة الموجهة للفئة العمرية من 4 إلى 8 سنوات.. القصة نفسها التي تم تقديمها كفيلم كرتوني قصير من انتاج المركز القومي لثقافة الطفل بالتعاون مع المركز القومي للسينما ومن اخراج حسن عبدالغني[12]
فالطفل حسن الذي يلتحق بالمدرسة يبدأ يومه بتحية العلم.. ويردد مع التلاميذ تحية العلم " تحيا جمهورية مصر العربية" وترديد النشيد الوطني (بلادي.. بلادي) أوكما في الفيلم يدخل إلى الفصول على لحن أغنية " وطني حبيبي الوطن الأكبر" ليجد الدرس الأول عن "الوطن".. الوطن الذي يصبح مرادفا لــ (مصر ) حين تجيب المدرسة على نفسها وتصرح بالمقصود بالوطن قائلة: عن مصر، قبل أن تعود وتسأل التلاميذ عن موقع مصر واسم عاصمتها.
ثم يسمع حسن في طريق عودته من المدرسة أغنية " مصر التي في خاطري وفي دمي" ليتذكر كلام المدرسة عن الوطن ويرسخ حبه أكثر للوطن. وأثناء تناوله الطعام مع أسرته يسمع أيضا أغنية وطنية.. وعندما يستمع إلى نشرة الأخبار يسمع المذيعة تقول أن من حق الشعب الفلسطيني أن يكون له وطن.
فالكاتبة تحاول هنا بطرح فكرة فقدان الوطن كما في حالة الشعب الفلسطيني التأكيد على أهمية الوطن وبدا ذلك من السؤال الاستنكاري لحسن: (في حد مالوش وطن). وهل يمكن أن يضيع الوطن؟ ويبدأ حسن السؤال عن ماهية الوطن ليسأل القمر، وشجرة البرتقال، والأرض والنيل والشمس والرياح إن كان أحدهم هو الوطن.. في النهاية يسأل جدته عن الوطن فتجيبه أن الوطن كل ما رآه لتكون الإجابة في النهاية (كلنا الوطن ) بأرضه وسمائه ونباته وجماده وأصحابه وأهله وجيرانه محمد وجورج.
الوطن عند فاطمة المعدول مفردات الحياة التي يعيشها الصغير في البيت والمدرسة والشارع، أغنية يسمعها في كل مكان ويرددها باستمتاع مع أقرانه وأصحابه وأسرته.
وبدا من النص أن الوطن هو كل شيء في حياة الانسان دون أن تصرح الكاتبة بكلمة وعظية واحدة.. ويعد النص من النصوص القليلة التي تحاول أن تقرب معنى الوطن لذهن ووجدان الطفل باسلوب سلس وبسيط وتنمي داخله قيم الانتماء للوطن الذي عرفته المدرسة في بداية القصة بـ (مصر).
·           قيم المواطنة أساس الوطنية عند أمل فرح:
تحرص أمل فرح في كتابها (أنا إنسان)[13] على تعميق قيم المواطنة لدى الطفل للوصول إلى غرس قيم الانتماء الوطني.
اسمي أحمد أو جورج أو نانج أو سامبا أو بتريكوف أو جان
لا يهمُّ.. فأنا إنسان[14]
والملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا أن الكاتبة تتوسع في مفهوم المواطنة ليشمل العالم كله.. فالطفل هنا يتشارك مع أقرانه في العالم في صفة الإنسانية (أنا إنسان) لتكفل له المساواة في الحقوق والواجبات مع أطفال العالم بغض النظر عن اختلاف الأسماء، أو اختلاف اللون.
لوني أبيض أو أسود، قمحي أو أشقر، أحمر أو أصفر
لا يهمُّ.. فأنا إنسان[15]
إن الهوية في نص أمل فرح لا ترتبط بعرق أو لون أو ملامح كما لا ترتبط بلغة ما.. رغم أن اللغة من أهم ملامح هويتنا لأن النص معني بالانتساب للوطن الأم كوكب الأرض أكثر مما هو معني بالهوية الوطنية الخاصة بالطفل.
كلامي عربيٌّ، إنجليزي، فرنساوي، ألماني، مكسيكي، هندي، إيطالي، يوناني.
لا يهمُّ.. فأنا إنسان[16]
إن هوية الطفل عند أمل فرح تبدأ بتعرفه على نفسه أولا بغض النظر عن اسمه أو لونه أو نوعه أو أين يعيش.
بلدي مصر، الصين، سويسرا، أو بريطانيا، أمريكا، الكونغو، الهند أو استراليا.
لا يهمُّ.. فأنا إنسان[17]
لكنها بعد أن أسست للمشترك الإنساني بين الأطفال والذي لا يقلل منه اختلافهم في اللون أو الجنس أو العرق أو الوطن الذي يعيش فيه بل يجعله يميزه عن غيره تعود لتضع تعريفها الخاص للوطن.
وأيُّ مكان أعيش فيه هو أرضٌ فوقها سماءٌ وبينها أشياء إليها أحنُّ اسمه وطنٌ.[18]
وتبرع رسوم الفنان مصطفى حسين في التعبير عن الوطن بريشته التي ترسم ولد وبنت في خلفيتهما علم مصر عاليا خفاقا وجامع وكنيسة وأبراج الحمام والبيوت والشجر.. لتنطق الصورة بما لم تقله الكلمات.. (وطني مصر).
ثم تختتم الكاتبة قصتها من المشترك الإنساني العام الذي يتشارك فيه الأطفال جميعا إلى خصوصية تميز كل إنسان عن الآخر.. ليصبح الاختلاف صورة من صور التميز لا صورة من صور الخلاف والصراع بين البشر.
أنا إنسانٌ
أتميز باسمي، بلغتي، بلوني، بملامحي، بمشاعري، ببيتي، بوطني... وهذا مهمٌ.[19]
ويختتم الفنان الراحل مصطفى حسين القصة بلوحة رائعة لطوائف الشعب المختلفة يحملون خارطة مصر كمصدر اعتزاز وتميز.
القصة هنا تتعدى فكرة غرس الانتماء لوطن بعينه إلى غرز وتعزيز الانتماء للوطنية عموما.
·        دفء الوطن وقيم المقاومة عند أحمد قرني:


يحرص أحمد قرني في كتابه (حكاية الغراب والحمامة )[20] ألا يكون مباشرا في الحديث عن الوطن وغرس قيم الانتماء.. فالقصة التي تقوم في جوهرها على فكرة المقاومة والدفاع عن الوطن في مواجهة المحتلين والغزاة، ترسم في حواشيها صورة وجدانية للوطن.. فالوطن احتياج لكل المخلوقات.. والوطن حتى يقدم لنا الدفء والأمان، يجب أن نقوم بعمل جاد لبنائه في أحسن صورة ليحمينا من البرد والصقيع ونحارب من أجل الدفاع عنه.. يكاد يتطابق تعريف الوطن عند أحمد قرني في قصته حكاية الغراب والحمامة مع تعريف كثير من الباحثين للوطن على أنه المنزل.. البيت الذي يتسع شيئا فشيئا فيشمل الأسرة والأهل والأصدقاء والمدرسة والجامع والكنيسة ليصبح المنزل الأكبر الذي يسعنا جميعا هو الوطن وخارطته الكبيرة.
عش الحمامة في القصة سيكون مرادفا لمفهوم الوطن، لذا يصفه الكاتب في بداية القصة بـ (العشٌّ الجميل)[21]
الْحَمَامَةُ تَصْحُو مَعَ شُرُوق الشَّمْس, لتَعْمَلَ في بنَاء عُشِّهَا الْجَميل, لكَيْ يَحْميَهَا منْ بَرْد الشِّتَاء الْقَادم، الطُّيُورُ تَتَحَدَّثُ عنْ جَمَال بيت الْحَمَامَة وَكَيْفَ صَنَعَتْهُ بإتْقان وَفَنِّ رَأَوْهَا تَجْمَعُ الْقَشَّ منْ أَطْرَاف الْغَابَة وَتُحْضرُ الأَوْرَاقَ منْ أَشْجَار بعَيْنها وَلأَنَّهَا مَاهَرةٌ في صُنْع الأَعْشَاش فَإنَّ عُشَّهَا الْجَميِلَ سَيَكُونُ أَحْسَنَ ُعشٍّ في الْغَابَة يَجْلِبْ الدِّفْءَ في الشِّتَاءِ، الْحَمَامَةُ تَصْحُو مَعَ قُدُوم الشَّمْسِ منْ أَجْل الْعَمَل، وَتَفْردُ جَنَاحَيْهَا عَلَى الْهَوَاءِ عِنْدَمَا تُطِلُّ الشَّمْسُ بوَجْههَا عَلَى الأَرْض .. وَتَقُولُ صَبَاحُ الْخَيْر يَا شَّمْسُ .. وَتَمْلأُ الْغَابَة مَعَ أَصْحَابهَا بِالسَّعَادَة وَالسُّرُور ..[22]
إن بناء الأوطان يحتاج إلى بذل الجهد والعمل والحرص على أن نجعله في أجمل صورة كما فعلت الحمامة في بناء عشها/ وطنها.
لكن الغراب الذي كان مغترا بقوته وكان يتنقل بين الأشجار حين قدم الشتاء صار يبحث عن مكان يقيه من البرودة الشديدة فلا يجد.. فكم هي الحياة قاسية بلا وطن!
وتحت عنوان (احتلال ) يسرد الكاتب خطة الغراب للاستيلاء على وطن الحمامة اعتقادا منه أنها ضعيفة ومسالمة ولا تستطيع مقاومته.. الكاتب هنا حريص على ربط الطفل بالمفهوم الذي يحاول أن يمرره لعقل ووجدان الطفل من خلال العناويين الفرعية للقصة ليستطيع الطفل أن يربط بين الحكاية التي تدور أحداثها في عالم الطيور وبين كلمات يسمعها ويعرفها في الواقع الذي يعيشه.. فالاحتلال يعني بمفهوم القصة اغتصاب عش/وطن الآخرين.
أخذَ الغُرابُ يُنفذُ خُطَّتَهُ الشِّريِّرةَ في الاسْتيلاء على عُشِّ الحمامة . بَدَأَ يُرَاقِبُ الحمامةَ عنْ بُعْد، وعندما خرجت الحمامةُ ذاتَ يوْم لإحْضَار بَعْض الطَّعام تَلَفَّتَ الغُرابُ يميناً و شمالاً وهبطَ على عُشِّ الحمامة المٌسالمَة، وعندما دخلَ أحسَّ بالدِّفْء يَسْري في جناحيْه، وقالَ في نفسِه.... سأَقْضي الشِّتاءَ كُلَّهُ هُنَا أنْعَمُ بالدِّفْء دَاخلَ عُشِّ الحمامةِ الَّذِي تَعِبَتْ في بنَائه، وأَخَذْتُهُ أنَا بلا تعب.
وابْتَسَمَ الغُرابُ لِنَفْسِه، وقالَ : 
         -حقاً إنَّ الحمامةَ تُجِيدُ صُنْعَ الأعشاشِ كما يقولون عنها ...[23]
وتحت عنوان (المواجهة ) تكتشف الحمامة احتلال عشها من السيد غراب، ورغم نصائح القرد والهدهد لها بالاستسلام للأمر الواقع لعدم قدرتها على مواجهة الغراب بمخالبه وأجنحته القوية إلا أنها لا تيأس.. فصاحب الحق يجب أن يطالب بحقه مهما كان فارق القوة لأنه حتما سينتصر في النهاية. لذا بحثت الحمامة عن مساعدة النسر سيد الطيور لاستعادة عشها.
-       ليسَ أمامي إلاَّ سيِّدُ الطُّيور, النَّسْرُ . سوفَ أذهبُ إليه
وحتْماً سيُساعِدُنِي[24]
لكن سيد الطيور يعلمها كما يعلمنا درسا هاما في المقاومة والدفاع عن الأوطان.
- أَّنَّهُ لَنْ يحْميَ عُشَّكِ يا حمامةُ غيرُكِ.[25]
-       أنْتِ صاحبةُ العُشِّ ,وصاحبُ الحقِّ أقوي منَ المُعتدي.[26]
-   -كُلُّ مَخْلُوق لهُ نقاطُ ضَعْف ونقاطُ قُوَّة , والقُوَّة لَيْستْ في الْمَخَالبِ والأجْنحَة , الْقُوَّةُ في العقلِ والتَّفكير , ابْحَثي عنْ نقَاطِ قُوَّتك . [27]
وتستخدم الحمامة الباسلة التي تصر على حقها النبات الأحمر الذي يسبب الدوار في التغلب على الغراب وانقضت عليه بمنقارها لطرده من عشها.
نَفَّذَت الحمامةُ ما فكَّرَتْ فيه , ولمْ تَنْسَ أنْ تُحيطَ أنْفَهَا ببَعْضِ أوْرَاقِ الأَشجار حتَّى لا تَشُمَّ رائحةَ النَّبات الأحْمر , وعنْدَما شَمَّ الغُرابُ رائحةَ النَّبات الأحْمرِ الَّذي أَلْقَتْهُ الحمامةُ في العُشِّ دَارَ رأْسُ الغُرابِ ولمْ يعْرفْ يمينَهُ مِنْ شِمَاله , ولمْ يسْتَطيعْ أنْ يُحَرِّكَ مَخَالبَهُ القويِّةَ أوْ مِنْقَارَهُ , ولمْ يَرَفَعْ جناحَيْه عنْدَمَا رأى الحمامةَ تَنْقَضُّ عليه بمنْقَارهَا,  وقَبَضَتْ على طَرَف منْ جَنَاحه , وأخذتْ تَجُرُّهُ إلى الخارج ,والغرابُ لا يَقْدِرُ على مُقَاوَمَتِهَا.[28]
فصاحب الحق سوف ينتصر مهما كان قوة عدوه.
إنها واحدة من النصوص التي تؤكد على حق المقاومة والقدرة على استعادة الأوطان طالما آمن أصحابها بعدالة قضيتهم.
هذه أمثلة لبعض صور الانتماء في قصص الأطفال الحديثة المقدمة للطفل.. وغيرها الكثير ربما يتسع المجال لدراستها في مساحة أكبر.




[1] انظر القاموس المحيط ص1727، لسان العرب ج 15 ص 342
[2] الحنفي طبعة 1978 ص 95
[3] انظر دراسة د.صلاح الدين محمد حسيني- استخدام أسلوب الجودة الشاملة لتفعيل دور الجامعة في تعزيز الانتماء لدى الطلاب بمصر
[4] محمد سليم العوا وآخرون – المواطنة تاريخيا دستوريا قانونيا ط 2000 دار الشروق
[5] أنيس طايع ط 2003 ص 5 طرق تدريس التربية المدنية والأنشطة المرتبطة بها
[6] انظر دراسة د.صلاح الدين محمد حسيني- استخدام أسلوب الجودة الشاملة لتفعيل دور الجامعة في تعزيز الانتماء لدى الطلاب بمصر

[7] http://ejabat.google.com/ejabat/thread?tid=6262e126470e9638
[8] http://haybinyakzhan.blogspot.com/2012/06/blog-post.html
[9] كتاب سمير ط 2012
[10] كتاب الهلال للأولاد والبنات ط 2015
[11] الوطن تأليف فاطمة المعدول رسوم صلاح بيصار دار الشروق ط 2008
[12] https://www.youtube.com/watch?v=z2hVLcIWmlc
[13] الهيئة العامة للكتاب- مكتبة الأسرة ط 2008 رسوم مصطفى حسين
[14] أمل فرح المصدر السابق
[15] أمل فرح المصدر السابق
[16] أمل فرح المصدر السابق
[17] أمل فرح المصدر السابق
[18] أمل فرح المصدر السابق
[19] أمل فرح المصدر السابق
[20] كتاب قطر الندى العدد 79 ط 2003 الهيئة العامة لقصور الثقافة
[21] أحمد قرني المصدر السابق ص 6
[22] أحمد قرني المصدر السابق من ص 6 إلى 9
[23] أحمد قرني المصدر السابق ص14
[24] أحمد قرني المصدر السابق ص21
[25] أحمد قرني المصدر السابق ص24
[26] أحمد قرني المصدر السابق ص25
[27] أحمد قرني المصدر السابق ص25

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق