الصفحات

2016/05/06

نفسك بقلم: عبدالقادر صيد

نفسك
بقلم: عبدالقادر صيد
   سأحاول هذا المساء استنشاق نفْسي ،أبعد ما أكون عن التمركز في جهة معينة سأتظاهر بأن أقرر شيئا ما ، أريد أن أكون في لحظة من اللحظات أنا ، أجتهد أن أحققني دون أي خلطة سحرية و دون أي ماكياج، أستمر في المطالبة بحقي في  أن أسترجع نفْسي التي لم ألتق بها منذ ولدنا معا ، ما زلت أتساءل إن كانت قد فطمت أو ما زالت تتلهى بالحليب بين الفينة و الأخرى .. هو مجرد فضول ..لا يهمني الأمر كثيرا ، فقط  أريد اقتناصها كما هي ،حتما سيعجبني توقيعها ، و ستخلبني ثرثرتها ، لا أخفيكم أني لا أحبذ أن تكون مثلي . كم مرة حطمت المرآة  لعلي أباغتها مختبئة في الخلف ، و لكنني كنت أتفاجأ دائما بجدار متصدع و صدئ حد القشعريرة عليه ديدان لا ترفع رؤوسها إلى الأعلى أبدا، هل تكون قاطنة أرحام تلك الديدان العفنة؟ لا مجال للتناسخ عندي أبدا . قد تكون هربت مني للتسوق في العيون الزرقاء المتواضعة التي لا تتكرر إلا نادرا؟ أنصحك ألا تسأل عنها أحدا ، فإجاباتهم كلها مضللة ، و منك نستفيد ،لك من نفسك بصمة بل و بصمات..يقولون لك:(اعرف نفسك )، في حين أنت مغتم بأن تتعرف هي عليك بين هذا الركام الآدمي الهجين المزاج ..توقع أن تطلّ عليك في كل منعرج ،   و احذر أن تخطئك ، فإنها لن ترجع إليك مرة أخرى ..و دع الانتظار يستمر إلى أن يصبح هو في حد ذاته الغاية  و تنساها كما نسيت نفسك ، أقصد كما نسيت شيئا يسمى أنت ..هي ضمائر يتعامل بها الناس ليركنوك في زاوية أنانيتهم الواسعة  و الممنهجة بشرعية التعارف و التسميات ، و لكن أنى لهم ذلك ، و أنت قد استيقظت من بينهم و تعرف أن مزحهم هو الجد ؟ ! لا عليك إن لم تنسق مع مصطلحاتهم القديمة ، فهم يعرفون أن لك جهازا يغربل نواياهم ، بيد أنهم متأكدون من طيبتك ، و يعرفون أنك لن تهتك عليهم الستر ، ستعمل بأصلك اتجاه من لا أصل لهم ، ما ألذ طلاء الفشل بألوان ذهبية برّاقة ! يحلو لك هذا المساء أن تزيح الغبار المتراكم من على مزهرية مشققة تكاسلت في استبدالها ، قد تكون نفسك هناك تحاصر الفخار لتقترب من الورود ،    و قد تنجح في الهروب منك و الالتحاق بها و الذوبان في عطورها الفواحة ، و لن تجد لها أثرا ، يمكنك أن تجفف الورود   و تسحقها ، ثم تبعثرها في يوم ربيعي على مرضى الحساسية ، و ستجد نفسك عالقا في  أنوفهم و حناجرهم ، وسيدعون عليك بما يعيدك إليها من جديد . لا مناص لكما من الالتحام ، و لكن من يضمن لك أنه لم يحدث فعلا من قبل مرات و مرات ، و أنت لم تتفطن لذلك .. كارثة  إن يكن حدث ، إذن تأكد أن الناس  عرفوها قبل أن تعرفها أنت ، أو ربما قبل أن تعرفك هي ، أحيانا لايكون الخطأ منك و لكنه محسوب عليك ، لكونها مرفوع عنها اللوم            و العتاب ، نعم هذه  هي القاعدة ، أنت مشجب تعلق عليه كل الأخطاء ..يا مشجبا تهرأ من كثرة التعليق ، اكتب صفحة ،   و لا ترتبك ، أتحداك أن لا ترتبك ، سترتبك حتما ، ستزحف من رعشات أصابعك كهرباء لا أستبعد أن تكون شظايا من نفسك قد تحررت لتصيب قارئك بعدوى مزمنة  و متعدية ، لك مني ما تقوله دائما عنها ، لك مني الحيرة إلى يوم تلقاها ، لكنني أخشى أن تتفاجأ  بلقائها ..عدا ذلك لا يهمني الأمر ..
    لماذا تبحث عن نفسك في نغمة صحن لاستجداء الصدقة يعبث به  طفل زنجي  نسي ما أوصته به أمه من المبالغة في الاستعطاف و الاستجداء؟ لماذ تتطاير شظاياك  على وقع البراميل المتفجرة التي تذيق الأجساد لباس التشرد المنسوج بدموع اليتم و الثكل ؟ ثكلت الإبرة أمها و أبناءها و من تصهينت لحيته ، و تصهينت منه أشياء لا نذكرها ،و من هو مستعد للتصهين استجابة لخفقة البرق اللامعة من أسنان خنزير لم يبلغ الحلم بعد ..
   اسكب نفسك حبرا و تخيّل ، و دعها تتبخر، ستزعجهم حتما بذلك ، و لك أجر الحرف .. كن الحرف ذاته ..انصهر داخله و ستذيب ما تذيب ، ستزيل دهونا ترسبت منذ دهور، ثم ستنطلق ..لا تنتظر الحروف و الفواصل ، فلن تضرك شيئا بمماطلتها .. و ستجد نفسك دخانا ينذر ببركان لم يسمع بمثله قبل اليوم ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق